المسرحيون في الحظر.. اعتبروها استراحة محارب وفكروا في تجديد طاقاتهم الإبداعية

المسرحيون في الحظر.. اعتبروها استراحة محارب وفكروا في تجديد طاقاتهم الإبداعية

العدد 659 صدر بتاريخ 13أبريل2020

يمر العالم أجمع في هذا الوقت بلحظات فارقة، ينتابه فيها الخوف والحذر. فمنذ ظهور فيروس “كورونا” يعيش العالم حالة من الهلع، ومع صدور قرارات الحظر مراعاة لسلامة وأمن المواطنين توقفت جميع الفعاليات المسرحية ومكث الجميع  فى منازلهم، فكان علينا أن نعرف: ماذا يفعل المسرحيون خلال هذه الفترة وهل تعد مناسبة للتأمل وإعادة النظر والتجهيز لأعمال مسرحية جديدة وأفكار مختلفة، وما أهم نصائح المبدعين لاستغلال هذه الفترة بشكل إيجابي .
المؤلف والناقد د. طارق عمار قال إن الأكثر استفادة من الحظر هم المؤلفين والنقاد وذلك لأن عملهم يرتبط بشكل كبير بالعزلة، فدائما ننعزل حتى نستطيع الكتابة وتحليل الأعمال التي نرغب فى تحليلها، وهناك مستويان يجب الحديث عنهما: الأول هو أنه من وقت لآخر يجب أن يجدد المبدع طاقته من خلال قراءات جديدة وجمع موضوعات مهمة، بالإضافة إلى مراجعة الأعمال القديمة،  أما بالنسبة للناقد فهو يحتاج إلى مراجعة مفاهيمه النقدية فى ضوء التغيرات الجديدة في العالم أجمع.. وتابع:  قد يمنعنا عملنا في بعض الأوقات وانشغالنا بالفعاليات والمهرجانات من متابعة الكتابات الجديدة والنظريات النقدية الجديدة وهل هى متوافقة مع أفكارنا أم لا..
وعن نصيحته للمؤلفين خلال هذه الفترة قال : هناك ضرورة لأن يراجع المؤلفين أعمالهم القديمة ومن خلال هذه المراجعة يستطيعون الحكم: هل استطاع كل منهم أن يحقق ما يصبو إليه أم لا ؟
وما الذى ينقصه؟ بالإضافة إلى التعرف على التيارات الجديدة، ففي بعض الأحيان نشاهد بعض العروض ونندهش وذلك لأنها تنتمي لتيارات ظهرت منذ أكثر من 10 سنوات ولكننا لا نعلم عنها شيئا، كما أن من الضروري أن يقوم الكاتب أو المؤلف بشحن خزينته اللغوية ومصادر قراءته حتى تحدث له حالة من الثراء اللغوي، فاللغة هى الأداة التي يعمل بها. وأضاف:  المسألة جيليه، نحن كجيل اطلعنا على اعمال أساتذتنا بشكل جيد، ونحتاج الإطلاع على الجيل الجديد من الكتاب: وما توجهاته؟ ليس فقط لنقدم النصح والإرشاد ولكن الأمر يعد بمثابة نوع من أنواع البقاء، فكما نعلم أن الشكل التنافسي أصبح مسيطرا بشكل كبير، فمعنى أنك لا تقدم ما يرضى الجمهور أنك قد خرجت من السباق
ودعى المؤلف د. طارق عمار الكاتب والنقاد والمبدعين إلى استخدام مواقع التواصل الإجتماعى بشكل أكثر مهارة، وذلك بعدم الانخراط فى القضايا الهامشية واستغلال تلك المواقع في معرفة توجهات الجمهور الذى يعملون من أجله والتوصل إلى معرفة ماذا يحب الجمهور.. تابع : ومن واقع تجربتي قدمت العام الماضي عرض “سلطان الحرافيش” وكانت مغامرة لأني إستخدمت لهجتين مختلفتين :العامية والفصحى فى نفس العمل المسرحى، وقدمته فى طنطا،  وبفضل االله حققنا العديد من الجوائز ولكن الملفت فى الأمر أن الجماهير تقبلت الموضوع بالهجتين بنفس القدر وفهمت ما أود طرحه، و كان العمل قريب لقلب الجماهير، وأضاف: الفترة المقبلة ستساعد المؤلفين على تحديد الموضوعات التى سيطرحونها في كتاباتهم و تهم الشارع، وضرب عمار مثالا بظاهرة اجتاحت مواقع التواصل الإجتماعى وهى انتشار أغاني المهرجانات، مشيرا إلى أنها  “ انتشرت لأننا لم نعرف كيفية التعامل مع هذه الشريحة من الجمهور حتى  نقربها منا ونبعدها عن هذا الفن الهابط، مضيفا : فالجمهور ذكى ولا يحب الفن الهابط ولكنه وجد المتنفس الذي يفهمه هناك، إذن علينا أن نستغل تلك الفترة ونعرف لماذا لا يفهمنا الجمهور حتى نتجاوز تلك العقبة، كما أن من الضروري أن يستغل الكتاب هذه الفترة فى إنجاز المشاريع المعلقة أو التحضير لموضوعات     
تحقق المعايشة.
المؤلف المسرحى أحمد سمير قال: المبدع عامة يحتاج إلى التفرغ لممارسة إبداعه وتحقيق معايشه حقيقية تمكنه من رصد الحالة الشعورية التي يتبناها بمصداقية تامة ولكن ضغوط الحياة الملقاة على كاهل  المبدع وامتهانه أعمالا ربما لا تتسق مع طبيعته الفنية ولا تتيح له فرصة الانعزال بنفسه في واقعه الخيالي، وما يحدث الآن في تلك الفترة العصيبة التي يمر بها العالم تضع الفنان كاتبا أو مخرجا أو ممثلا أمام مناخ مناسب للتأمل و التفكير و معايشة أفكاره دون ضغوط.
وعن نصيحته للمبدعين خلال الحظر قال : النصيحه الدائمة لنفسي أولا قبل أبناء جيلي و إخوتي هي ضرورة توخي المصداقية في كافة مراحل العمل ، بداية من بناء النفس، فعلينا أن نكون صادقين أولا، و أن نبني أنفسنا بثقل أدبي نابع من قراءات متعددة،  وهي فرصة جيده لا نعلم هل ستأتي ثانية أم لا. كما أنها أيضا فرصة لمن تراكمت عليه أفكاره خاصة الكتاب، فها هو الوقت الطويل قد أتى دون مشاغل أخرى عن الكتابة، وربما وجدنا انفسنا  خلال الشهر القادم أمام تجارب كتابية جديدة أفرزها هذا الفراغ، فهي فترة مناسبة لمن يريد أن يقرأ أو يكتب أو يفكر أو يتأمل ولكن الأهم في ذلك هو أن نكن صادقين فيما نفعل
المسألة نسبية
فيما أشار المخرج سعيد سليمان إلى أن  الأمر نسبى،  من حيث هو نظام نفسي قبل كل شىء و اعتياد، مؤكدا أن هناك بعض المبدعين اعتادوا الاختلاء بأنفسهم والتفكير فى مجريات الأحداث وتجديد طاقتهم، وهناك آخرون لا يملكون تلك الخاصية، والأمر يختلف عند الممثل، لأن الممثل لا يحتاج  إلى عزلة فكرية مثل المؤلف والمخرج ولكن أيضا هناك  فرصة للممثلين لمشاهدة أعمال كبار الفنانين والنجوم و الاستفادة منها وهو ما يسمى بثقافة المشاهدة،  كما أن المخرج لا يقل عن المؤلف في هذا الأمر حيث هناك ضرورة لأن يقرأ نصوصا جديدة ويشاهد الأعمال المسرحية الحديثة والمعاصرة، وأضاف:  اعتدت على العزلة وأمارس اليوجا وتمارين التأمل وما يسمى بالتأمل الروحي للمسرح، ويعني  الدخول فى باطنية المسرح من خلال الطقس الروحي.. وعن نصيحته للمسرحيين خلال هذه الفترة قال: هناك ضرورة لإعادة ترتيب الأفكار،  فجميعنا نتسابق في هذه الحياة ونتصارع ونطمح لتحقيق طموحاتنا وهذه الفترة تعد فرصة لالتقاط الأنفاس والمراجعة والنظر إلى بعيد دون تنافس أو صراع.
الوقت مناسب
فيما أشارت المخرجة عبير على إلى أن الغالبية العظمى من المسرحيين كانوا دائما في حالة انشغال كبيرة، و أن هذه الفترة هامة للإطلاع على الكتابات المسرحية الجديدة  التي لم نطلع عليها. أضافت: وأعتقد ان الوقت مناسب لقراءة المسرح والرواية والتاريخ، فجميعنا نحتاج لهذا الأمر،  كما أن أزمة فيروس الكورونا ستغير من تفكيرنا، تابعت : لفترة كبيرة انتابتنا حالة من الركود الإبداعي وهذه الأزمة ستغير العديد من الأمور،  والفرصة سانحة لتجديد طاقتنا وإعادة التفكير فى العديد من القناعات داخلنا،  بالإضافة لوجود مجموعة كبيرة من الفعاليات التي  يتم بثها من خلال مواقع التواصل الإجتماعى،  كما ان هناك ضرورة هامة لأن يقوم النقاد بإعادة قراءة الأعمال المسرحية وتحليلها.
استراحة محارب
والأمر كان مختلفا بالنسبة للمخرج المسرحى الشاب محمد حافظ ، الذي أطلق على هذه الفترة مسمى “ استراحة محارب” وعن تجربته خلالها قال : لم أتوقف عن عمل بروفاتي، ولكنى استعنت بوسائل بديلة خلال الحظر ومنها بعض البرامج والتطبيقات على الإنترنت، فهناك برنامج جديد ستخدمه وزارة التربية والتعليم ، استعنت به لإقامة البروفات عن بعد، ومن خلال هذا البرنامج تجتمع الفرقة ونقوم بقراءة النص ونستعين “بالمايكات” والكاميرات لنشاهد بعضنا البعض وذلك لتطبيق الإجراءات الوقائية ومساعدة الدولة حتى نعبر هذه الفترة،  وأنصح جميع المخرجين باستغلال هذة الفترة بشكل جيد في الإعداد لأعمال مسرحية جديدة ،  فبرغم الجلوس في المنزل إلا أن الوقت مناسب لالتقاط الأفكار والتعبير عنها في شكل أعمال مسرحية.
الحرب العالمية
و قال الناقد محمد النجار :اللحظة التي تمر بها البشرية هذه الأيام لحظة فارقة في التاريخ الإنساني بشكل عام، على البشرية أن تتحد فيها  جمعاء أمام خطر واحد، فالنجاة من هذا الخطر بإتحاد الكل لمصلحة الكل، وهي لحظة نادرة الحدوث، من هنا يظهر الكنز الذي أتيح للمبدعين علي اختلاف مناحي إبداعهم، الحرب العالمية الأولي والثانية أفرزت مدارس فنية كالعبث واللامعقول وما إلي ذلك، هذه اللحظة ( وباء كورونا) أدت لانعزال كامل للبشر عن حياتهم الطبيعية، والمبدعين فئة مختلفة ،
وهناك فئتان: فئة تتأمل الواقع العام العالمي حتي تختمر الأفكار فتظهر في شكل منضبط فنيا يضمن لها الحياة المديدة،  وفئة استهلاكية تفرز بعض الأعمال الفنية بشكل عاجل سطحي، لا يعدو أن يكون فنا استهلاكيا يموت بانتهاء اللحظة، وما يسري علي المبدعين يسري علي النقاد المتأملين الظواهر الإنسانية في العموم لقراءة المشهد الإبداعي.
صقل الموهبة
وأوضحت الناقدة داليا همام أن هذا التوقيت يجب استغلاله من قبل الفنانين فى جميع العناصر الفنية، سواء مخرجا أو ممثلا أو كاتبا أو ناقدا ... إلخ ،وذلك لصقل وتنمية الموهبة مؤكدة أن الموهبة ليست كافية ولكنها تحتاج إلى الدراسة، وليس شرطا أن تكون دراسة أكاديمية. كما أن الناقد يتيح له هذا الوقت البحث والتعرف على النظريات الحديثة فى النقد،  لانه يجب أن يكون موسوعيا وهو قارئ لكل أنواع الفنون.. وأشادت الناقدة داليا همام بالبرامج والفعاليات التي تبثها وزارة الثقافة لما تتيحه للمبدعين من مشاهدة الفعاليات التي لم يسعفهم الوقت لرؤيتها.
ومن وجهة نظر أخرى قال مهندس الديكور محمود غريب:  “القراءة والإطلاع ليس لهم وقت أو فترة محددة، فمن المفترض أن يكون المبدع أو الفنان فى حالة إطلاع دائم، الأمر ليس له علاقة بالظروف الرمانية والمكانية، فدائما الفنان فى حالة مستمرة من تطوير ذاته وأدواته، أنا كمهندس ديكور أطلع دائما على كل ما هو جديد وأشحن ذاكرتي بجميع المدارس والتنكيكات الحديثة.
وتابع : نحن الآن نتابع المشهد، فأنا كمواطن مثل باقى المواطنين أمكث لمتابعة المشهد، فالمتحرك في الوقت الحالي فئتان: الحكومة وما تقدم عليه من خطوات إيجابية وفعالة وحسن إدارة،  والفئة الثانية هم الأطباء الذين يعدون بمثابة المتاريس التي تعمل من أجل سلامة المواطنين، فيما باقى الأطياف تتابع المشهد دون تدخل منها واستطرد : أنا كفنان أحاول أن أرتب أفكاري وأجمعها، كما أن الأمر يختلف بالنسبة لمهندس الديكور فهو عنصر من عناصر العمل المسرحى وإذا توافر العمل الذي يلقى الضوء على هذه الفترة العصيبة فمن المؤكد أنى سأشارك به وأقدم أفكارا مختلفة،  كما أن هناك ضرورة لتوثيق تلك اللحظات بأعمال تتحدث عنها وإلا سنكون ظالمين للتاريخ إذا لم نقدم أعمالا توثق تلك اللحظات. أضاف:  المفارقة أن عرض العمى من إخراج سعيد منسى الذى قدم منذ ثلاثة أشهر كان متماسا مع الأحداث الجارية وكأنه الواقع الذي نحياه


رنا رأفت