التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر.. حديث الطلاب وعتاب الأصدقاء(5)

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر.. حديث الطلاب وعتاب الأصدقاء(5)

العدد 655 صدر بتاريخ 16مارس2020

في الحلقة السابقة، ذكرت أغلب أقوال طلاب المعهد، عندما تحدثوا عن أسباب التحاقهم بأول معهد مسرحي في مصر والعالم العربي، وكذلك ذكرت أقوالهم حول رؤيتهم المستقبلية لهذا المعهد ووجودهم فيه، وتعمدت ألا أتدخل في هذه الأقوال؛ لأن توثيقها ونشرها بعد تسعين سنة، مفيد للأجيال الحالية، والقادمة، ليتعرف شبابنا كيف كان يفكر الدارسون الأوائل للمسرح في مصر!! والحقيقة أنني أرجأت أقوال طالبين لهذه الحلقة، لما لهذين الطالبين من خصوصية خاصة!! فالأول هو طالب مُعمم، يرتدي الزي الأزهري (الجبة والعمة والقفطان)، والآخر ليس مصرياً بل عراقياً، وهو أول طالب عراقي يدرس المسرح في المعهد، وفي تاريخ المسرح العراقي!!
الطالب الأزهري
الطالب المُعمم، صاحب الزي الأزهري، واضح وبجلاء في الصورة الجماعية لطلاب المعهد، وأقول هذا لأنني لم أعرف اسمه تحديداً؛ ولكن من خلال قراءة أقوال الطلاب المنشورة حول أسباب التحاقهم بالمعهد، ومستقبلهم فيه، وجدت أن أقرب أقوال، تتناسب مع هذا الطالب المعمم، هو (محمد عزت القرماني)!! الذي قال: “... الحياة أمل وألم، كلمتان شملتا معنى الحياة وأوضحتا حقيقتها، وما تنطوي عليه نفس كل فرد فيها. وقد كان ميلي منذ الطفولة أن أكون خطيباً. ولما كبرت، وكبرت الميول وتركت الدراسة الابتدائية إلى الدراسة الثانوية، وجدت مجالاً واسعاً للاستفادة في ذلك، بفضل جمعيات التمثيل والخطابة والموسيقى الموجودة بالمدارس الثانوية، فاشتركت في الخطابة والتمثيل، ووجدت ميلاً من نفسي إلى النوع الأخير. وقد نما في قلبي حب التمثيل منذ ذلك الوقت؛ وبدأ يترعرع حتى صار قوة كامنة لا يمكن مقاومتها. وفي يوم من أيام الصيف الماضي، قرأت في الصباح عن معهد فن التمثيل الحكومي، وعن عزم الحكومة على فتح هذا المعهد في أول السنة الدراسية الحالية، وعن جعله في مصاف المدارس العليا. فوطدت العزم على دخوله؛ لأن هذا هو الذي كان نفسي تتلهف إليه، تلهف الزهرة الذابلة للقطرة الهاطلة، وصرت أتتبع ما يكتب عن هذا المعهد، ثم قدمت طلباً بالالتحاق إلى إدارة الفنون الجميلة. فلما عقد امتحان القبول التمهيدي، توجهت إلى معهد الموسيقى الشرقي، وكان مقراً للجنة الامتحان بصحبة أحد أصدقائي، الذي قام بمساعدتي. وما هي إلا أيام قلائل بعد تأدية الامتحان حتى جاءني خطاب، ينبئ عن نجاحي في الامتحان التمهيدي، وفيه دعوة للحضور في يوم 19 أكتوبر الماضي لتأدية الامتحان التفضيلي، فذهبت ووجدت أن عدد الناجحين في الامتحان، يربو على المائة. نودي اسمي فدخلت طارحاً كل خوف وراء ظهري. ومثلت أمام أعضاء اللجنة، وكلهم من كبار الأدباء الأفذاذ. وبعد أن وجه إليّ حضرة الرئيس بعض أسئلة. وكذلك الدكتور طه حسين وأجبتهما عليها، ابتدأت في إلقاء قطعتيّ، وأنا ثابت الجأش غير هياب ولا وجل. وبذلك تم لي الفوز في الامتحان التفضيلي، وأسفرت النتيجة عن قبول عشرين طالباً من الـ 329 الذين تقدموا، وأنا من بينهم طبعاً. وإني لأشعر بأن أساتذة المعهد، هم آباؤنا وطالباته وطلبته أخوة، نشأوا في منزل واحد وتربوا في صعيد واحد. فمنذ اليوم الأول، ابتدأنا بتبادل التحية والعطف، وكل منا يقدم المساعدة الفعلية لأخته أو لأخيه عن طيب خاطر، سواء في الدروس العملية أو النظرية. وأملي إن شاء الله بعد تخرجي من هذا المعهد العالي، أن أتمكن من إتمام دراستي في أوروبا حتى أوفق تمام التوفيق في جهودي”.
وجود هذا الطالب الأزهري المُعمم في معهد التمثيل، شغل الكثيرين، ومنهم صاحب جريدة الرشيد، الذي كتب عنه كلمة في نوفمبر 1930، أبان فيها عن مدى التطور الذي سيشهده المعهد، بدليل أنه ضم إلى طلابه طالباً أزهرياً من حملة الشهادات الأزهرية، وكانت تعاليم الأزهر تستهجن التمثيل، وترى فيه خروجاً على التقاليد والعادات الشرقية!! مما يعني أن العقلية الأزهرية بدأت تتقبل الدراسات المسرحية، دون التخلي عن الزي الرسمي؛ لأن الطالب كان يذهب إلى المعهد بزيّه الأزهري (بالجبة والعمة والقفطان)؛ لأنه يرى “ أن التمسك بالقديم على علاته أصبح لا يجدي نفعاً، لأن الجديد وتياره أشد من أن يقاوم في بعض الوجوه”.
وفي ديسمبر 1930، كتب عباس أحمدي الشلبي في جريدة الأنيس مقالة كبيرة، تحت عنوان (صاحب فضيلة بين جدران معهد التمثيل)، أشاد فيها بهذا الطالب، وبالنظام الأزهري، الذي بدأ يطور أفكاره!! ومن أهم ما قاله كاتب المقالة: “... إن هذا (الشيخ الأزهري) بنبوغه في فن التمثيل، قد برهن على ذكاء الأزهري، واستعداده العظيم لمزاولة أي حرفة، والقيام بأي عمل مهما كان نوعه، مادام لم يمس شرفه بأدنى شيء!! فما قول (السادة) الذين لا يزالون يرمون الأزهريين بالتأخر والجمود؟!”. ثم وجه الكاتب نصيحة مباشرة لهذا الطالب، قائلاً: “ مولاي .. لقد اهتم الرأي العام والصحف على اختلافها، باندماجك في سلك الممثلين أيما اهتمام. ولا تكاد هذه الصحف تنشر اسمك لأي مناسبة حتى تضع بجانبه شهادة (العالمية النظامية). فبرهن للعالم أجمع الذي أصبح يتجاهل قيمة حاملها، أن الأزهريين أكفاء ذو مواهب نادرة”.
أما المفاجأة التي فجرها ألبير عمون - وهو أحد الناجحين في امتحان القبول التمهيدي، ولم يتم اختياره في امتحان الأفضلية، وأصبح صحافياً مشهوراً فيما بعد – أنه كتب كلمة هاجم فيها زكي طليمات والمعهد والطالب الأزهري في مجلة المسامرات، وقبل نهاية العام الدراسي في أبريل 1931 – أبان فيها أن الطالب الأزهري، يُعد كفيفاً، وغير صالح للدراسة في المعهد، وأن زكي طليمات اختاره ليصد به “الهجمات التي تتوالى على المعهد .. وليس لكفاءته النادرة أو مواهبه الممتازة، التي جردها منه الله منذ ولادته. مع ملاحظة أنه نيف على الأربعين”.
الطالب العراقي
لأنه أول طالب عراقي وعربي في المعهد، فكان لا بد له من تقديم خاص، قامت به مجلة الصباح، عندما قدمت ما ذكره بكلام، حول حضوره إلى مصر لدراسة المسرح قبل إنشاء المعهد، وعندما أنشئ التحق به، واسمه (محمد تقي شمس الدين)، الذي قال: “... معهد التمثيل هو ضالتي المنشودة، هي تلك الضالة التي تركت من أجلها بلادي وأهلي ووظيفتي الحكومية، ووفدت إلى مصر سعياً وراء تحقيقها. لقد أتيت من العراق إلى مصر لأروي عطشي من فن التمثيل، الذي أمسيت بعد تعلقي به، مكروهاً من أهلي وأصدقائي. أتيت من العراق إلى مصر مدفوعاً بهذه القوة، التي لا تقاوم فماذا وجدت؟ وجدت الجادة السوية، التي تؤدي إلى هذا الفن الجميل، فسلكتها بعد تمحيص وتفكير، أديّا بي إلى حسن عاقبتها. نعم وجدت معهد التمثيل، الذي خطت مصر العزيزة بتأسيسه خطوة، ستجعلها في المستقبل القريب إن شاء الله في مصاف الأمم الراقية. وأما آمالي فواسعة بعيدة، فإذا قدر لي وأبحرت إلى العراق بعد تخرجي من المعهد، فسيكون أول عمل أبدأ به هو حث حكومتي الموقرة، وشعبي المحبوب على الشروع في تأسيس شبه هذا المعهد”.
قرأ هذا الكلام شباب العراق، فأرسلوا خطاباً إلى المجلة - نشرته في يناير 1931 تحت عنوان (أصوات من العراق) - جاء فيه الآتي: “ إلى الشاب العراقي محمد تقي الدين أفندي الطالب في معهد التمثيل في مصر. قرأنا في الصباح خبر دخولك في معهد فن التمثيل، الذي أسسته حكومة مصر، وانشرحت صدورنا من هذا النبأ، ولا سيما اجتيازك الامتحان من بين 300 طالباً وطالبة. وهذا ما كان يتمناه لك كل مخلص من أبناء وطنك. فهنيئاً لك أيها الناهض المجد بما أصبت من النجاح. وأننا على يقين من أنك ستقوم بخدمة هذه المهنة بأمانة ونشاط، ونتذرع بها إلى بث أنوار الفن في بلادك المقدسة، [توقيع] فريق من شباب العراق”.
عتاب الأصدقاء
كلام الطلاب المقبولين في المعهد، جعل غير المقبولين يشعرون بمرارة في نفوسهم، وبدأوا في نشر بعض المقالات في الصحف والمجلات، هاجموا فيها زكي طليمات، واتهموه بأنه كان وراء عدم قبولهم، لا سيما وأنه صديقهم، وكافح معهم، ولكنه تنصل منهم، ولا يريد أن يزاحموه في مجده المرتقب!! وكانت حجتهم جميعاً أن لجنة القبول من حقها عدم التقيد ببعض الشروط أو عدم التقيد بكل الشروط!! وعندما نقرأ أسماء عدم المقبولين نتعجب، ونتساءل: كيف لم يقبلوا، وكل فرد منهم يستحق أن يكون أستاذاً في المعهد وليس طالباً!! ومن أمثلة هذه الأسماء: عبد الوارث عسر، محمد توفيق، عبد الحميد زكي، عبد القادر المسيري، عباس رحمي، أمينة رزق، صالحة قاصين!!
ولو أخذنا عباس رحمي مثلاً على الطلاب غير المقبولين في المعهد، سنجده أحد أعضاء نادي موظفي الحكومة للآداب والفنون الجميلة، الذي مثّل في مسرحيتي (الغريزة والواجب) و(كدبة إبريل) عام 1922، بجانب كل من: محمد عبد القدوس، وزكى طليمات، وروز اليوسف، وأستر شطاح، وفاطمة رشدي. ثم وجدناه ممثلاً بفرقة عكاشة، ومثّل فيها مسرحية (أحب أفهم) عام 1926 بجانب عمر وصفي، وعلية فوزي. كما وجدناه مؤلفاً مسرحياً، حيث ألف مسرحية (الحماة) لفرقة عكاشة عام 1926. ووجدناه أخيراً ممثلاً عام 1929 بفرقة رمسيس؛ حيث مثّل فيها مسرحية (المائدة الخضراء)!! كل هذا التاريخ، لم يشفع لعباس رحمي ليكون طالباً في المعهد، مما جعله في نوفمبر 1930، يكتب كلمة عتاب لزكي طليمات في مجلة (أنت وهو)، تحت عنوان (حول معهد التمثيل)، قال فيها:
“ ... الآن وقد خرجت فكرتك يا أستاذ طليمات إلى حيز العمل، وتحقق حلمك القديم، وأصبح أملَك يقيناً بعد أن كان خيالاً. وطابت لك نفسك، وعينت سكرتيراً فنياً، بعد أن كنت موظفاً كتابياً. وتم لك غرضك في الشهرة بعد أن كنت في الخفاء نسياً منسياً. واعتزلت إخوان الفن القدماء بعد أن كنت لهم وفياً. وصرت زميل الأكابر والعظماء بعد أن كنت عنهم قصياً. الآن وقد أصبح لك الرأي الأعلى في معهد التمثيل، بعد أن كنت تطلب البقية في الصلاة والتبتيل. فهل تسمح لصديق عتيق كنت له في يوم من الأيام خير رفيق. ولكن دارت الأيام وفي غفلة من الزمن يتقدم أمامك كتلميذ صغير يلتمس منك حكماً ورأياً أن يهمس في إذنك. لماذا تركتم إخوان الصبا ورفاق المسرح القدماء وأصحابك أيام البؤس والشقاء. لماذا تركتموهم وأسقطتموهم في امتحان أنت تعلم علم اليقين أنهم جازوه بتفوق ونبوغ. هل للسن أم للمؤهلات؟ إن كان الأول وأنه لا ينفع فيهم تعليم فكم كان عمرك يا أستاذ يوم سافرت إلى فرنسا والتحقت (بالكونسرفتوار)؟ نحن على يقين بأنك كنت تتعدى الثلاثين فهل امتنعت معاهد فرنسا عن قبولك؟ وهل حالت سنك بين التعليم وبينك. أم هل عدت كما أنت زكي طليمات لم تزدد علماً ولم تزدد فناً. كلا ومطلقاً فقد جئت وقد أضيف إلى اسمك لقب الأستاذ وعدت وقد تغير كل ما فيك حتى عاداتك وعدت وقد تثقفت عقليتك وتهذبت عبقريتك وصرنا لا نسمع من فيك إلا اسم (دنيس) واسم مش عارف إيه. ثم عدت أيضاً نابغاً في المكياج ونابغاً في الإضاءة وأستاذاً بالمعهد ومع ذلك فقد حصلت على كل هذا وذاك وأنت في سن اليأس كما تلقبنا الآن بحق. ولماذا نذهب بعيداً وقد قبلتم بالمعهد الأستاذ (كندس) [أي محمد عبد القدوس] رغم الأنوف وهو على وشك أن يدخل في سن الكهولة. وإن كان الثاني فلا نظن مؤهلاتنا الدراسية تحول دون الالتحاق بهذا المعهد لأننا أولاً ليس فينا من لا يحمل أقل من شهادة الدراسة الابتدائية وثانياً ليس فينا من أمضى في الوظائف الحكومية أقل من عشر سنوات وثالثاً وهذا ما لا يتوفر فيمن انتخبتموهم ليس فينا من أمضى أقل من خمسة عشر عاماً فوق المسرح ما بين الاحتراف والغية والشعب على رأسه نوابغ الفن كالأستاذ أبيض وأنتم تشهدون لنا بالتفوق والنبوغ. فهل بعد كل هذا الإيضاح يحكمون علينا بالسقوط وأننا لا نصلح لأن نكون ضمن طلبة أول معهد ينشأ للتمثيل؟”.
أما أمينة رزق، فقد حدث معها ما لا يُصدق!! فقد نشرت مجلة الصباح في يناير 1931، خطاباً لها، أرسلته إلى زكي طليمات يوم 24/11/1930، قالت فيه: “ حضرة الأستاذ الفاضل السكرتير الفني لمعهد التمثيل. بعد السلام، بصفتي ممثلة أرجو التكرم بأن تسمحوا لي بحضور محاضرة الإلقاء، ومحاضرة حرفية المسرح، ومحاضرة تاريخ الأدب المسرحي في أيام الاثنين والأربعاء ولكم مزيد الشكر”. فكتب عليه زكي طليمات: “يعرض على سعادة البك السكرتير العام”. وبالفعل تم عرضه على صاحب العزة محمد بك العشماوي السكرتير العام للوزارة، فكتب عليه: “ برجاء النظر في هذا الطلب لحين تنظيم الدراسة العامة”. وهو الأمر الذي لم يحدث، مما يعني أن إدارة المعهد رفضت قبول أمينة رزق بكل فنها وتاريخها، لتكون طالبة مستمعة - وليست نظامية – على الرغم من أن المعهد قَبَلَ من الطلاب المستمعين تسعة، كما مرّ بنا سابقاً!
طالبة تدافع عن معهدها
بعد مرور أيام على افتتاح المعهد، نشر الناقد محمود طاهر العربي مقالة في مجلة الصباح، بها تحريض ديني على معهد التمثيل، قال فيها: “... إلى فضيلة الأستاذ أبي العيون، وإلى السادة العلماء. سيدي الأستاذ، تحياتي وإجلالي وبعد، فإني أحد الذين تتبعوا بمزيد الإعجاب جهادك الشاق الجريء في سبيل إلغاء البغاء الرسمي ............ لا شك أنه قد اتصل بعلم فضيلتكم أن وزارة المعارف العمومية، وهي جزء من الدولة المصرية الإسلامية، قد أنشأت معهداً لتعليم التمثيل، قررت في برنامجه أن يتلقى الفتيات المسلمات فيه دروس التمثيل. والتمثيل يا سيدي الأستاذ وما أدراك ما التمثيل، هو التقبيل والعناق والتفاف الساق بالساق. تقف الفتاة المسلمة أمام الشاب على مرأى من الناس فتبثه غرامها ووجدها، أو يركع الشاب تحت قدميها يبادلها الهوى والهيام. ثم لا يلبثان أن يتعانقا، والشفاة ملتصقة بالشفاة ....... تنشئ وزارة المعارف معهداً للتمثيل تستحث الفتيات المسلمات على الإقبال عليه، وترغبهن بمكافآت مالية. فتلك إحدى الكبر وتلك مسألة فيها نظر!! يا صاحب الفضيلة ويا سادتي العلماء، أترون إلى أي طريق نحن مسوقون، وأي منكر هذا الذي تقرون ........ وأخيراً فإن كل أملي أن يعمل السادة العلماء على إصلاح هذا الخطأ، وتغيير ما فيه من منكر. وليذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.
في العدد التالي من مجلة الصباح، وجدت رداً على هذا الناقد، عنوانه (الفتاة المسلمة في معهد التمثيل .. رد لإحدى طالبات المعهد)، وهذه الطالبة، كانت زوزو حمدي الحكيم، وقالت في ردها: “... طالب حضرة الكاتب في مقاله حضرات أصحاب الفضيلة السادة العلماء، أن يعملوا على إصلاح الخطأ الذي يعتقد وجوده في التحاق الفتيات المسلمات بمعهد التمثيل، مستنهضاً أحد أصحاب الفضيلة، وهو الأستاذ أبو العيون إلى محاربة المعهد! وقد كنت أظن أن الكاتب يتوجه بهذه الدعوة إلى العلماء بأسلوب لا يسف فيه إلى مساواة معهد التمثيل بأماكن البغاء الرسمي. ويدعو الأستاذ أبا العيون إلى محاربة المعهد أسوة بمحاربته لبؤر البغاء! ومما يزيدنا ألماً، وصف حضرة الأديب الكاتب ذي الذوق السليم – ولا أقول أكثر – لفن التمثيل، بقوله “والتمثيل يا سيدي الأستاذ، وما أدراك ما التمثيل، هو التقبيل والعناق والتفاف الساق بالساق (كذا)”. ثم استطرد يقول: “وتقف الفتاة المسلمة أمام الشاب على مرأى من الناس فتبثه غرامها، ووجدها، أو يركع الشاب تحت قدميها يبادلها الهوى والهيام، ثم لا يلبثان أن يتعانقا والشفاة ملتصقة بالشفاة” ما شاء الله! هل هذا هو التمثيل؟ لست أدري ما إذا كان حضرة الأديب الكاتب قد شاهد التمثيل. وهل إذا كان قد شاهد رواية تمثيلية – فهل كانت تقبيلاً وعناقاً والتفاف الساق بالساق؟ لا نظن أن هذا الوصف ينطبق على رواية تمثيلية، فما بالك إذا قيل في وصف التمثيل؟ إن المسرح المصري محتاج إلى الممثلة المصرية في أسلوب إلقائها، وفي مزاجها، وفي تعبيراتها وقد كفانا خمولاً، واستعانة بالغير في فن أثبتت الأيام أن الممثلة المصرية أبرع من شقيقاتها من الجنسيات الأخرى. وإذا كانت الفتاة المسلمة أصبحت الآن تدرس الطب، وعما قريب تدرس المحاماة، وغيرها من العلوم والفنون. فلماذا يحرم عليها دراسة فن التمثيل؟ إن حظر التعليم على الفتاة ومنعها من انتهال مورده – سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة – فيه الخطر كل الخطر لأنها إذا كانت وحيدة وكثيرات وحيدات لا عائل لهن – لم تجد طريقاً للكسب سوى الفساد! أما إذا كانت الفتاة متعلمة وفي حاجة إلى العمل لتقوم بأود نفسها، استطاعت أن تسلك سبيل العمل الشريف، شأنها شأن الرجل سواء بسواء. وإني أؤكد لحضرة الكاتب وأمثاله أن المسرح المصري سيزدهر بعد قليل من الزمن بدخول الفتاة المصرية ممثلة ومطربة وراقصة وأن الخير الذي سيلحق بالمسرح المصري أعظم بكثير من الفساد الذي يخاله حضرة الكاتب وأمثاله. وفي كل صناعة من الصناعات، وحرفة من الحرف، ومهنة من المهن الفساد الذي يخشاه حضرة الأديب الكاتب. أليس في المحاماة لصوص؟ أليس في الطب دجالون أشرار؟ أليس في الموظفين مختلسون؟ إذن: ماذا لو كان بين الممثلات بعض الفاسدات اللائي يمكن تطهير المسرح منهن بعد قليل من الزمن؟ الحق نقول إن حضرة الكاتب الأديب غيور إلى الحد الأقصى – وهو مسلم، ولكنه يفهم الإسلام على غير ما يفهمه المسلمون إن لم نقل إنه في الفضائل (ملكي أكثر من الملك) كما يقولون. وإنّا نبشر حضرة الكاتب الأديب بأن المعهد التمثيلي سيسير في خطوات النجاح، وسيكون له مستقبل زاهر باهر بإذن الله فليطمئن”.


سيد علي إسماعيل