تجليات القضية الفلسطينية في المسرح المصري(1-3)

تجليات القضية الفلسطينية  في المسرح المصري(1-3)

العدد 762 صدر بتاريخ 4أبريل2022

شغلت القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً من خريطة الإبداع العربي، منذ هزيمة القوات العربية في حرب 1948، مروراً بنكسة 5 يونيو 1967، والتي كانت أكثر تأثيراً ليس فقط في البعد السياسي، بل بقدر مواز له على المستوى الثقافي والإبداعي، حيث مر الإبداع العربي ـ بشكل عام والمصري بشكل خاص ـ بعد النكسة بمرحلتين مختلفتين : الأولى بعد الهزيمة مباشرة حيث تعمقت الجراح وزادت الأزمة تعقيداً لدى النخبة، وتتالت الأعمال التي تعبر عن المأساة مثل رواية « الحداد « ليوسف القعيد « ورواية « في الصيف السابع والستين « لإبراهيم عبد المجيد . وفي المسرح تغيرت الحال ـ تماماً ـ فوجدنا خطابات موجهة داخل سياق البنية الدرامية كما في مسرحية «الدخان» لميخائيل رومان» ومسرحية «أرض لا تنبت الزهور» لمحمود دياب . 
وهنا تبرز الأهمية الاجتماعية للمسرح ـ الذي تغيرت بنيته في تلك الفترة، حيث تحول من خطابه المتقولب في « المسرح المعلب « إلى « مسرح العلبة الإيطالية إلى أبعاد أكثر شعبية، ولعل التجربة السياسية العنيفة قد حركت المياه الراكدة، في العقل العربي في تلك الفترة، فالمراجعات الفكرية والسياسية كانت قوية ـ وربما هذا ما يلمح إليه عوني كرومي قائلاً : 
« كثيراً ما تم ربط المسرح مع تطور المجتمع ولكن قليلاً جداً ما يرتبط تطور المسرح مع تدهور البنية الاجتماعية وتخلفها، وذلك لان المسرح يعمل على تقويض البنية القديمة للمسرح، ولا يظهر المسرح داخل المجتمع الأكثر تطوراً أو المتطور إنما يظهر في داخل المجتمع الذي يؤول إلى السقوط، حيث نجد هذا النوع الفني يسعى إلى تهديم، ماهو ميت وجامد في داخل المجتمع من خلال القدرة على تصوير هذه الصيرورة(1)   
 لم يكن الهم السياسي بعيداً عن المسرح المصري ـ لكن التجربة أخذت في الاتساع، بقدر عمق المأساة ـ التي مر بها الشعب العربي، فظهر ما يسمى بمسرح « الكباريه السياسي «، حيث لم يعد المسرح مكانا للتسلية بقدر ما هو « برلمان شعبي» فكري وثقافي، ومن هنا خرجت عروضي تطرح التحولات السياسية، وتقف في إطار المواجهة، خاصة وأن مخرجي ذلك الوقت كثير منهم قد درس المسرح بشكل أكاديمي في الخارج فتعمقت ثقافتهم، وزادت صلابتهم أمثال سعد أردش وكرم مطاوع ونبيل الألفي وأحمد عبد الحليم، وأحمد زكي وكمال ياسين، فبدأت العروض تأخذ منحى تثقيفياً ونهضويا، بما تبثه من لغة ثورية تستنهض الهمم، وتدعو إلى المواجهة والثأر حتى تعاد الأرض المسلوبة .
 وربما هذا ما أشار إليه الكاتب الراحل سعد الله ونوس، في إحدى شهاداته الإبداعية حيث يقول(2) «بعد عام 1967 كانت المعركة ملحة بالنسبة للمسرح وعلاقته بالسياسة، وكان واضحاً أن المسرح قد بوغت، مثله مثل الشعوب العربية بعد الخامس من حزيران 1967، وأنه قد تأخر كثيراً في الإجابة عن أسئلة ملحة .. إذن بعد 1967 طرحت العلاقة بين المسرح والسياسة بشكل حاد» . 
أدرك المسرحيون أن الشكل المسرحي التقليدي السائد قبل 67 لم يعد يجدي مع سخونة الأحداث وتطورات الأوضاع وتفاقمها عقب الهزيمة، ومن هنا ربما دخلت أشكال أقرب إلى المسرح الشعبي مثلما رأينا في تجربة عبد الرحمن الشافعي في « قصر ثقافة الغوري « حيث بدأ يبحث عن فكرة البطل الشعبي المخلص فقدم مجموعة من العروض الشعبية التي تخاطب الحس الشعبي حول بعض الشخصيات التاريخية التي لها ميراث في الذاكرة الوطنية مثل الظاهر بيبرس وأدهم الشرقاوي، ولاقت هذه العروض نجاحاً ملحوظاً، في نهاية الستينيات، بل أكثر من ذلك، حدث اندماج في بعض العروض بين الواقع والمتخيل، فشارك أهالي الحي في التمثيل في بعض العروض . 
وتكرر هذا الأمر مع المخرج الراحل د. هناء عبد الفتاح حين ذهب إلى قرية دانشواي، مشرفاً على بيت الثقافة ـ هناك ـ في نهاية الستينيات، وأراد أن يطبق ما درسه في أعلي أكاديميات المسرح بالخارج لكن المتاح أمامه لا يبشر بقن لكنه استعاد قضية أهل دنشواي وقدمها مسرحاً في الجرن « أما الممثلون فكانوا من أهل القرية من الفلاحين البسطاء، الذين قدموا قصة أبائهم بشكل درامي جعل « عبد الفتاح « يكرر التجربة في أماكن أخرى . 
إذن تميز المسرح المصري في تلك الفترة بانحيازه للشكل الملحمي، حيث البحث عن قصة درامية لها أبعاد واقعية حقيقية، وأن تتضمن هذه القصة صوراً بطولية للقائد الملهم المخلص، الذي يأتي عادة في صورة « البطل الشعبي « في تلك الأثناء تغير موقف المسرح من الواقع، وحاول أن يخرج من نمط « المسرح البريختي».
« إن الأوضاع الجديدة الملتهبة بعد الهزيمة مباشرة كانت تقتضي أن يتطور المسرح الملحمي في مصر إلى شكل مسرحي آخر، أكثر عمقاً ومباشرة، يتحول العرض بموجبه إلى واقعة حية ومؤثرة من شانها أن تتدخل في مجريات الأحداث في الواقع وتعمل على تغييرها وتبديلها، أو على الأقل تسعى إلى هدم البني القديمة وخلخلة السائد والموروث من أجل تقويم الوضع السائد وتصحيح مساره، فكان المسرح السياسي المباشر بصوره التحريضية المختلفة ـ وفي مقدمتها مسرح الكباريه السياسي(3) .
وهكذا طوع المسرح المصري نفسه للتعبير عن الأزمات السياسية والاجتماعية بعد هزيمة يونيو 1967، ومدى تأثر علاقتنا بالقضية الفلسطينية . 
 وقد تجلت القضية الفلسطينية في المسرح المصري عبر رؤى مختلفة اتسمت بطابع المواجهة، واستلهام التراث في كثير من الأعمال المسرحية .
واختلفت رؤية جيل السبعينيات من كتاب المسرح المصري والعربي عن رؤية جيل الستينيات للقضية الفلسطينية من حيث الشكل المسرحي ومن حيث المضمون ـ أيضاً . 
 كما اتفق جيل السبعينيات مع جيل الستينيات في توظيف الموروث الشعبي في التعبير عن القضية خاصة في أعمال يسري الجندي والكاتب السوري سعد الله ونوس . 

الهوامش
1))  عوني كرومي ـ المسرح والتغيير الاجتماعي ـ مجلة فصول ـ ربيع 1995 .
2))  سعد الله ونوس : بيانات لمسرح عربي جديد ص 105 .
3)) د. محمد عبد المنعم ـ الإخراج في مسرح الكباريه السياسي ص 60 ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب 2013.


عيد عبد الحليم