التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (20) طلاب معهد التمثيل بالفرقة القومية

التفاصيل المجهولة لأول معهد مسرحي في مصر (20) طلاب معهد التمثيل بالفرقة القومية

العدد 670 صدر بتاريخ 29يونيو2020

هذه المقالة، سأخصصها لطلاب معهد التمثيل التابع للفرقة القومية، كما وعدتكم في المقالة السابقة، حيث وجدت حوارات كثيرة تمت معهم، كما قاموا هم بالحديث عن أنفسهم ومعهدهم في مناسبات كثيرة، سواء قبل التحاقهم بالمعهد أو بعد التحاقهم به!! وطلبة هذا المعهد، هم: سامية فهمي، راقية إبراهيم، محمد الغزاوي، محمد توفيق، عباس يونس، حسن حلمي، حسن علي سالم، عبد العليم خطاب، محمود السبّاع.
كانت مجلة «الصباح» - في فبراير 1937 - أول مجلة طرحت على الطلاب سؤالاً قالت فيه: ما الدافع الذي دفعك لهواية التمثيل، وما هو أملك من الدراسة في المعهد؟! وقد أجاب بعض الطلاب على هذا السؤال، ومنهم الطالب «عباس يونس»، الذي قال: شعرت بحاجتي إلى التزود بأسلحة جديدة من العلم، لأنصر الحق على الباطل، وأنصر الفن الذي أهيم به. وأخذت أعمل متمنياً السفر إلى بلاد أخذت عنا ثم بزتنا!! وقد أضفت إلى ذلك التمثيل، الذي ظهرت به في عدة حفلات ومباريات. وأخيراً حانت الفرصة بوجود معهد فن التمثيل، ليحقق آمالي المنشودة. وكل ما أرجوه أن يوفقنا الله تعالى في قطع مرحلتنا الأولى في الجامعة المصرية بنجاح، وإن يتم إيفادنا لورود مناهل الفن في الخارج، لنرجع بكل ما يتناسب مع اسم مصر العظيمة من مجد وفخار، كل فيما اختص به من أنواع الفن. ونهاية ما أتمنى أن يتأسس نوع «التمثيل الغنائي»، فأدخل الميدان الذي أسجل فيه نصراً لمصر.
أما الطالب «عبد العليم خطاب» فقال: إن كانت لي أمنية من معهد فن التمثيل الحكومي، فتلك الأمنية هي تحقيق ما أتمنى بأن أستكمل من الدراسات العامة، ما يعاونني على أن أكون ممثلاً يعتز بي الجمهور في يوم ما. فلقد خطوت عدة خطوات نحو هذا الفن؛ لكني أعتبرها خطوات اجتهادية. فإذا أضيف هذا إلى دروس أتلقاها على يد أساتذة نابغين، اختارتهم وزارة المعارف لذلك. فهذا يجعلني مغتبطاً لحلم سوف تؤكد الأيام المقبلة تحقيقه. وكل ما أرجوه ألا تلعب الأيدي من خلف الستار، فيكون نصيب هذا المعهد ما كان من نصيب المعهد الأول الملغي.
وقال الطالب «حسن حلمي»: أما وقد استجاب الله رجائي ووقع علىّ الاختيار من بين المتقدمين للالتحاق بالمعهد؛ فإني أتمنى أن أصل إلى درجة تؤهلني إلى خدمة هذا الفن وإشباع هوايتي، التي طالما ضحيت وسأضحي من أجلها بكل ما أوتيت من قوى. وآمل أن نخطو بالمسرح المصري خطوات واسعة، لنلحق بذلك النور الذي نشره المسرح الغربي، بعد أن كان الشرق مهد التمثيل ومستقره.
كما قال الطالب «حسن علي سالم»: هويت التمثيل منذ إحدى عشرة سنة وأنا لم أتجاوز التاسعة من عمري، وكنت إذ ذاك تلميذاً بمدرسة طاهر بك الابتدائية بالإسكندرية؛ حيث قامت المدرسة بإعداد فرقة للتمثيل، وكنت من بين أفرادها، حيث مثلنا روايتنا الأولى «صوت التاريخ». ومنذ ذلك الوقت صرت أعنى بهذا الفن الجميل، وأقوي ملكة التمثيل في نفسي. واندمجت في جمعيات خارج الدائرة المدرسية، وأخرجت بعض روايات في جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية. وانتظمت في الفرقة التمثيلية لرابطة موظفي الحكومة بالثغر، وفيها يرجع الفضل في إنماء مداركي الفنية. وحينما حصلت على البكالوريا، التحقت بكلية الحقوق بالجامعة المصرية؛ ولكن حينما علمت بافتتاح معهد التمثيل آثرته على إتمام تعليمي العالي، لميلي العظيم نحو هذا الفن. وها أنا ذا لحسن حظي أصبحت طالباً في المعهد، وما أملي إلا رفعة فن التمثيل وارتقائه في مصر، وأن أكون مع زملائي طلبة المعهد، نواة صالحة، وبذوراً طيبة نجني ثمارها والله ولي التوفيق.
أما الطالب «محمد حسن توفيق» - وهو الفنان القدير «محمد توفيق» - فقال: كل ما أتمناه أن أكون ضمن القائمين بنشر الثقافة المسرحية، والعاملين على رفع مستوى الأدب المسرحي في مصر إلى مثيله في البلاد الأجنبية كإنجلترا وفرنسا.
تعريف بالطلاب
بعد شهر – وتحديداً في مارس 1937 – قامت جريدة «الجهاد» بنشر مجموعة مقالات قصيرة بتوقيع الكاتب «خ.ع»، عبارة عن تعريف ببعض طلاب المعهد. فمثلاً قال الكاتب عن الطالب «عباس يونس»: عرفت عباساً موسيقياً موفقاً ومغنياً ناجحاً، ولما سألته عن مدى هوايته للتمثيل أجابني، أنه يهوى التمثيل ويمارسه، كما يهوى غيره من الفنون الجميلة والرياضية؛ لأنه لا يؤمن بوجوب التخصص. فقد مارس في وقت واحد ضروباً مختلفة من الألعاب الرياضية، ونبغ فيها جميعاً بالرغم من أن بعضها يتطلب مزايا من الرياضي، تتناقض مع المزايا التي تطلبها الرياضة الأخرى. وقد كان عباس إلى سنة 1928 - وهي آخر سني دراسته الثانوية - بطلاً من أبطال «الجمباز» في مصر، وكانت تُعقد عليه الآمال في تمثيل مصر مع بطلها «عبد المنعم مختار» في الألعاب الأفريقية التي أُلغيت لظروف سياسية. ونذكر أن ملك الأفغان السابق «أمان الله خان»، أبدى إعجابه به في الحفلة الرسمية، التي أقامتها المدرسة السعيدية، وأعلن رغبته في تعيينه مدرباً لفريق الأفغان في ألعاب الجمباز. ولكن أمان الله عُزل قبل أن يحقق رغبته وأمنية عباس. وكانت هاتان الصدمتان - إلغاء الألعاب الأفريقية، وعزل أمان الله قبل تعيينه مدرباً لفريق الأفغان - شديدتي الوقع على نفسه، فطلق الرياضة وانصرف إلى دراسة الموسيقى، فأظهر فيها نبوغاً كان كامناً. واحترف عباس الغناء والتلحين، وظهر في بعض المسارح الكبيرة، واستطاع أن يُكوّن لنفسه شخصية فنية محترمة، لم يجرفها تيار الاحتراف إلى الدرك، الذي يتردى فيه أكثر الفنانين في هذا الوسط. وهو يفخر بأنه من المغنين القليلين، الذين حظوا بالغناء أمام جلالة الملك الراحل [يقصد الملك فؤاد]، وحازوا إعجابه السامي. ولعباس آمال كبيرة تجيش في نفسه الطموحة، فهو يرجو من التحاقه بالمعهد أن يدرس في الخارج الأوبرا، ويرى أن يوم تحقيق آماله أصبح وشيكاً، إذ ينتظر أن تبعثه الحكومة في العام القادم إلى ألمانيا لدراسة التمثيل والموسيقى.
أما الطالبة «سامية فهمي»، فقال عنها الكاتب «خ.ع»: هي الفتاة المصرية الوحيدة التي أجابت إعلان وزارة المعارف، وتقدمت إلى امتحان المعهد، الذي ألحق بكلية الآداب بالجامعة المصرية. وقد رأيتها لأول مرة في دار الأوبرا الملكية في إحدى حفلات الفرقة الإنجليزية، التي تمثل الآن على مسرح الأوبرا [وهي فرقة دبلن جيت]، وتحدثت معها حديثاً قصيراً. وأول ما لفت نظري بساطة ثيابها مع توفر الذوق والجمال والاحتشام فيها، وهي متوسطة الجمال وأظنها لا تتجاوز العشرين من عمرها، وإن كان وجهها يبدو كوجه غلام في الرابعة عشر، يحمل كثيراً من إمارات السذاجة والطفولة. وقد يكون عيب الآنسة سامية الوحيد - وأبرز عيوبها من الناحية الفنية كما يبدو لرائيها لأول وهلة - قصر قامتها، غير أن جسمها مع ذلك بديع التكوين متناسق الأعضاء. وهذا راجع إلى ممارستها بعض الألعاب الرياضية، وعلى الخصوص التنس. وهي تميل إلى الفنون المسرحية ميلاً غريزياً، وتقول إن سبب التحاقها بمعهد التمثيل - ضاربة بالتقاليد عرض الحائط - رغبتها في أن ترى نفسها تحتل مركزاً مرموقاً بين بنات جنسها، ولتحقيق آمال كبيرة تجيش في نفسها منذ زمن طويل، بأن تصبح إنساناً نافعاً عظيم الأثر. وقد تلقت من التعليم قسطاً طيباً، إذ إنها بعد أن تركت المدرسة على أثر حصولها على شهادة الكفاءة، لم تقطع الصلة بينها وبين الدراسة والتعليم. بل انكبت تلتهم ما يتفق وميولها من كتب الدراسات الأدبية والعلمية بشغف ولذة.
أما الطالب «حسن علي سالم»، فقال عنه الكاتب: شاب إسكندري التحق بكلية الحقوق بالجامعة المصرية هذا العام، ثم تقدم للامتحان بالمعهد، مفضلاً التخصص في التمثيل على التخصص لدراسة القانون، مع أنه كان من الطلبة القلائل المعافين من دفع المصروفات في الجامعة. وحسن شاب زكي مجتهد، قضى مراحل التعليم بقسمه الابتدائي والثانوي بنجاح تام. فقد كان أول فرقته في مدرسة رأس التين الابتدائية والثانوية في معظم امتحاناتها، وكان ترتيبه في امتحان الشهادة الابتدائية الثامن عشر بين جميع الناجحين، وكان ترتيبه الحادي عشر في امتحان الكفاءة ثم الثامن عشر في امتحان البكالوريا. وهذا التفوق من الناحية العلمية لم يمنعه من العناية بإشباع ميوله الفنية، إذ كان يصرف كل فراغه، بل ويقتطع من أوقات دراسته ساعات يقضيها منصرفاً إلى هوايته. وبدأ اهتمامه بالتمثيل منذ إحدى عشرة سنة، أي وهو لم يتجاوز التاسعة من عمره. وكان ذلك في مدرسة طاهر بك الابتدائية، إذ أنشأت إدارة المدرسة فرقة للتمثيل، واسندت له دوراً هاماً في رواية المدرسة، أظهر فيها تفوقاً لفت إليه الأنظار، وجعل اللجنة التمثيلية لرابطة موظفي الحكومة بالإسكندرية، تضمه إلى فرقتها التمثيلية، مع أن أفراد الفرقة التمثيلية كلهم من موظفي الحكومة. ولقد أثار تفضيله معهد التمثيل على كلية الحقوق، وتضحيته بدراسة القانون في سبيل ثقافته الفنية عاصفة شديدة من اللوم والتأنيب بين ذويه، وهو يقول: إنه يرجو أن يوفقه الله في الوصول إلى المكانة التي ينشدها، حتى يحقق حُسن ظن القائمين بأمره.
وقال الكاتب عن «محمد الغزاوي»: الأديب محمد أحمد الغزاوي من الممثلين الهواة الممتازين، بل لقد احترف الغزاوي التمثيل في فرقة الأستاذ جورج أبيض، وفي غيرها من الفرق، وكان بين الممثلين المحترفين ممثلاً ممتازاً، وللغزاوي أن يفخر بأنه مثّل بنجاح دور «ياجو» في مسرحية شكسبير الخالدة «عطيل» مع أن ياجو من أصعب الأدوار التمثيلية وأعقدها، ويزيد في قيمة نجاحه إنه كان يمثل ياجو أمام الأستاذ جورج أبيض «عطيل». يقص الغزاوي قصة هوايته للتمثيل فيقول: كنت أسمع على أستاذي - الشيخ التميمي أستاذ اللغة العربية بمدرسة خليل أغا - في حصة المحفوظات قصيدة شوقي، التي مطلعها «يا أمي ما شكل السماء وما الضياء وما القمر .. بجمالها تتحدثون ولا أرى منها أثر». فأعجب الرجل بإلقائي، وأخذ يتحدث عن قوة صوتي وكامل نبراته وشدة تأثيره، ثم طلب إليّ أن ألقي القصيدة في الحفلة التي تقيمها المدرسة في آخر العام الدراسي. ونجحت في إلقاء القطعة نجاحاً كبيراً كان دليله تصفيق الطلاب والمدرسين وعبارات المديح والإطراء التي أخذ الجميع يمطرونني بها. وفكرت حينئذ في فن التمثيل، وكنت كلما خلوت إلى نفسي، أتصورني ممثلاً يجول ويصول فوق خشبة المسرح والجمهور يصفق لي! وكان والد الغزاوي رحمه الله من الذين يعشقون التمثيل ويترددون على دوره، فلما عرف تعلق ولده بالتمثيل أخذ يصحبه معه إلى فرقتي الأستاذ جورج أبيض والأستاذ نجيب الريحاني، وكانت الأمنية الوحيدة التي تعتلج في صدر الغلام الغزاوي حينئذ، هي أن يصبح صاحب فرقة تمثيلية كالأستاذ جورج أبيض، أو على الأقل ممثلاً في فرقته، وكان أحب الأدوار التمثيلية إلى نفس الغزاوي التي يتمنى أن يمثلها دور «تيمور» في رواية «لويس الحادي عشر»، وكان يمثله حينئذ الأستاذ حسين رياض. وعندما التحق بالمدارس الثانوية كانت وزارة المعارف تقرر على طلبة البكالوريا رواية تمثيلية كل عام، فألف فرقة من الهواة تمثل في حفلات خاصة للطلبة الروايات المقررة، فأخرج حينئذ رواية «يوليوس قيصر»، ومثّل فيها دور «أنطونيو»، ثم «تاجر البندقية» ومثّل فيها دور «شيلوك» ثم «كريولينس» ومثّل فيها دور كريولينس، ثم رواية «الهاوية» ومثّل فيها «أمين بك»، و«العصفور في القفص» ومثّل فيها «حسني بك»، و«عبد الستار أفندي» ومثّل فيها عبد الستار، وهذه الروايات الثلاث من تأليف محمد بك تيمور. وعرف الغزاوي صديقاً من بني إسرائيل [أي اليهود] سرعان ما توطدت بينهما أواصر علاقة متينة، ونصحه هذا الصديق بأن يؤلف فرقة تمثل في أعياد اليهود. وألفت الفرقة ومثلت روايتي «أستير» الملكة و«سيدنا يعقوب»، وكان الإسرائيليون [أي اليهود] يتدفقون على المسرح بحيث لا يعد فيه مكان لقدم. وأنشئ معهد فن التمثيل [الذي أغلق]، والتحق الغزاوي به وكان ضمن الناجحين في امتحان الالتحاق به، ورُشح لبعثة أُلغيت لسفر وزير المعارف حينئذ «مراد سيد أحمد باشا» إلى بروكسل، والتحق بقاعة المحاضرات بعد إلغاء المعهد، وكان الأول بها في نهاية السنة الدراسية. وبعد إلغاء المعهد اشترك طلبة المعهد الملغي مع الأستاذ جورج أبيض في فرقة مثلت روايات «لويس الحادي عشر» و«عطيل» على مسرح الأوبرا ومسرح رمسيس. ثم انقطعت صلة الغزاوي بالمسرح بعد ذلك إلى أن فكرت الفرقة القومية في إنشاء معهد التمثيل، فتقدم للالتحاق به.
وأخيراً قال الكاتب عن الطالب «عبد العليم خطاب»: احترف التمثيل قبل أن يلتحق بالمعهد. فقد حصل خطّاب على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول – الكفاءة – سنة 1930، وتقدم في تلك السنة مع المتقدمين إلى معهد التمثيل فنجح في الامتحان التمهيدي، ولم يتقدم لامتحان التصفية، لأن أهله حينما علموا برغبة ولدهم في عدم إتمام الدراسة الثانوية واحتراف التمثيل، اختطفوه خطفاً من القاهرة وأعادوه إلى بلده – طنطا – ولكن غيّة التمثيل كانت قد امتزجت بدمه فلم ينصرم العام حتى أصبح عبد العليم ضمن ممثلي فرقة السيدة فاطمة رشدي ممثلاً هاوياً. ثم التحق بقاعة المحاضرات، وكان الأول في امتحان آخر العام الدراسي. ثم اشتغل ممثلاً محترفاً بفرقة الأستاذ يوسف وهبي في سنة 1935، وأهم الأدوار التي مثلها عبد العليم في فرقة يوسف دور «عويس» في رواية «بنات الريف».
طلاب كمبارس
في أول مواجهة لطلاب المعهد مع الجمهور، حدثت مشكلة كبيرة! فطلاب المعهد يُعدون هواة مُلحقين بالفرقة القومية! وبناءً على ذلك أراد سكرتير الفرقة – طاهر حقي – مشاركة الطلاب، بوصفهم كمبارس في أحد مشاهد مسرحية «اليتيمة»، ولكنهم رفضوا، وقال أحدهم: “ نحن لم ندخل المعهد إلا لنكون أساتذة، وعلى نفس قدر هؤلاء الممثلين”! وفي إبريل 1937، أوضحت مجلة «الصباح» تفاصيل الأمر، قائلة: إن الفرقة القومية سعت إلى إيجاد معهد التمثيل لتدريس هذا الفن على الطلبة والهواة. وقررت اللجنة العليا عندما وافقت على إيجاد المعهد، أن يشترك الطلبة مع أعضاء الفرقة القومية أيضاً بحضور البروفات والتمثيل، ليستفيدوا في نفس الوقت، الذي يتلقون فيه الدروس ونظمها؛ لأنه عندما افتتح المعهد أبوابه، كانت الفرقة في بروفاتها بالإدارة. فقد رأت الإدارة أن تأمرهم بالتفرغ للدروس وحدها إلى أن تنتقل الفرقة من الإدارة إلى الأوبرا. وعندما انتقلت الفرقة القومية إلى الأوبرا، بدأت عملها برواية «اليتيمة». ولما كان الفصل الثالث من الرواية المذكورة كله «زوار» و«ضيوف»، فقد رأى الأستاذ طاهر حقي سكرتير الفرقة القومية أن يستدعي الطلبة ليقوموا بتمثيل هذا المشهد. فما كان من الطلبة إلا أنهم انتظروا حتى آخر وقت ستمثل فيه الرواية، ورفضوا الظهور احتجاجاً على هذا الأمر الموجه إليهم! فقام طاهر حقي بجمع موظفي المخازن، وصانعي الملابس، والباروكات والفراشين، وأمرهم بتمثيل هذا المشهد - رغم أنهم لم يظهروا على المسرح قبل الآن - وفعلاً قاموا بتمثيل مشهد الفصل الثالث من رواية «اليتيمة»، وبهذا تم إنقاذ الموقف.
ونتيجة لهذا الفعل، أصدرت إدارة الفرقة أوامرها بعدم اشتراك طلبة المعهد في أية فرقة تمثيلية. وتم تحذير عبد العليم خطاب، عندما علمت الإدارة إنه يذهب إلى بروفات فرقة فاطمة رشدي! وفي أحد الأيام ذهب طاهر حقي إلى مسرح برنتانيا ليشاهد رواية «قلوب معذبة» لفرقة فاطمة رشدي، فإذا به يفاجأ بالطالب «محمد توفيق» يمثل في العرض! فقام طاهر بإرسال خطاب فصل إليه – نشرته مجلة «الصباح» - قال فيه: “حضرة محمد توفيق أفندي، نخبركم بأن لجنة ترقية المسرح المصري، قررت فصلكم من هيئة طلبة المعهد من تاريخه، بسبب عملكم في فرقة أخرى، مع العلم بأن هذا محظور. والرجاء التفضل بتسليم ما بعهدتكم من كتب وأدوات إلى إدارة الفرقة القومية، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام”.
وبعد أيام قليلة نشرت جريدة «البلاغ» خبراً، قالت فيه: “ إن الفرقة القومية قد فصلت الأديب محمد توفيق من معهد التمثيل؛ لأنه خالف قوانينها ولوائحها، واشتغل ممثلاً بفرقة السيدة فاطمة رشدي. وقد سألنا الأستاذ الكبير خليل مطران مدير الفرقة، فأخبرنا بأنه شفع لهذا الطالب لما يعرف فيه من استعداد واجتهاد، فقبلت لجنة ترقية التمثيل الشفاعة، وقد عاد الطالب إلى المعهد، وأدى امتحانه، وشهد له أساتذته بالجدارة”.


سيد علي إسماعيل