علم الأعصاب الإدراكي وفن التمثيل التخيل والمزج الإدراكي والتقمص(2)

علم الأعصاب الإدراكي وفن التمثيل  التخيل والمزج الإدراكي والتقمص(2)

العدد 649 صدر بتاريخ 3فبراير2020

 • التقمص :
لقد بدأت أصلا استكشاف التقمص مع جلسة مؤتمر تناولت مجموعة من وجهات النظر حول الموضوع واستخدامه في المسرح، ولاسيما من حيث الفعالية الاجتماعية والسياسية في الأداء . وكان هدف الجلسة دراسة إمكانيات ومخاطر التقمص في الأداء والفعالية . (وكان العنوان الرئيس للجلسة “ تجديد التطبيق العملي : مائدة مستديرة حول التقمص والفعالية والأداء “ جزءا من مؤتمر مؤسسة المسرح في التعليم العالي عام 2007) . كنا قادرين علي التحدث بإصرار عن الإمكانيات الايجابية للتقمص : علي سبيل المثال، يمكن أن يساعد التقمص المشاهدين علي فهم محنة بشكل أفضل في مواقف مختلفة عن مواقفهم، وربما يؤدي إلي أفعال موجهة نحو التغيير الايجابي . ومن بين المخاطر التي تأملناها كانت عرض أنفسنا بطريق الخطأ، أو الاستيلاء علي موفق الآخر، بمعنى أن التشجيع علي زيادة الشعور العاطفي في غير محله هو تعاطف نرجسي، واستهلاك مفرط لألم الآخر – وربما الأهم في هذه اللحظة الثقافية المتمثلة في الرقابة الاستهلاك بدلا من المشاركة – باعتقاد أنه، لأننا نشعر بشيء له علاقة بالتقمص، فإننا نتحدث عن شيء مفيد أو نتصرف هكذا، لأننا نشعر بشيء من التقمص، وأننا نفعل شيئا مفيدا، أو علي الأقل مفيدا . وتساءلنا أيضا عن السرديات الخيالية، القادرة علي إثارة ردود الأفعال القوية المرتبطة بالتقمص، والمناسبة في إطار الفعالية . وكان دوري في هذه الجلسة هو التفكير في بعض الطرق المتعلقة بعلم الأعصاب الإدراكي للتقمص، وكيف يمكن أن يوضح هذا فهمنا للمسرح . علي الرغم من أن تركيزي عادة ما يكون علي الممثل فيما يتعلق بالتقمص، لأننا نتحدث عن العلاقات المتبادلة بين الأشخاص بطرق متعددة، فان بعض ما أفكر فيه هنا يرتبط أيضا بعلاقة الممثل بالجمهور . اذ يبدو لي أننا يجب أن نكون واضحين بأقصى ما يمكن عما نعني عندما نتحدث عن التقمص، ولذلك أبدأ باختصار بمراجعة الرؤي متعددة الطبقات للتقمص المقدم من بعض العلوم التي ربما لها أثار مفيدة علي المسرح والأداء .
 التقمص كمصطلح بدأ في الفلسفة الغربية قبل وقت قصير من انفصال علم النفس كمجال مستقل في أواخر عام 1870. انه في بعض النواحي امتداد لمفهوم التعاطف في القرن الثامن عشر، كما وصفه ( آدم سميث Adam Smith) في “نظرية العواطف الأخلاقية “ في عام 1759، فالتعاطف وفقا ل (سميث) هو شعور مصاحب بشكل أساسي، مما يمكننا من التواصل مع الآخرين وفهمهم . وفي عام 1873 صاغ (روبرت فيشر Robert Vischer) كلمة “ التقمص العاطفي einfuhlung” بمعنى “ الشعور ب “ أو “الشعور من الداخل “ لوصف إسقاط الشعور الإنساني علي العالم الطبيعي . وقد وسع ذلك ( ثيودور ليبز Theodore Lipps)، وهو الفيلسوف الذي أعجب به (سيجموند فرويد)، في مناقشته أولا لسيكولوجية التجربة الجمالية ثم فيما بعد “علم نفس المشاركة الذاتية Psychology of intersubjectivity” في إطار المحاكاة الداخلية حركة الآخرين المتصورة، كخطوة في اتجاه فهم أن للآخرين ذوات . وقد دخل المصطلح الي اللغة الانجليزية في 1909 بمعنى “ التقمص Empathy” والذي ترجمه العالم النفسي ( ادوارد تيتشنر Edward Titchener) واشتقه من اليونانية بمعنى “ جعله يعاني to make suffer “ . وفي العقد الماضي أو نحو ذلك، كانت دراسة التقمص مجالا متناميا في العلوم العصبية والإدراكية، ومعقدا ومتعدد الأوجه وسريع التغير، وقدم كل من المفهوم النظري ( الذي يقوم علي أدلة قوية) وكتابة فرضيات علي أسس قوية ( إلي حد ما الاستقراء إلي أبعد ما يشير إليه البحث بشكل صحيح في هذه المرحلة، ولكنه يتبع معايير ومبادئ المجالات المقبولة في اتجاه وسيلة للتقدم ) . وأقوم باستنتاج انتقائي من القراءة الأولية لبعض المصادر المتاحة، في محاولة لإلقاء الضوء علي الأداء المسرحي .
 بهذه التعريفات المبكرة . كان لا بد أن يكون للتقمص علاقة بالاستجابة المادية المتولدة في الذات فيما يتعلق بالآخر . والتجسيد أساسي . فهناك، بالطبع، اختلافات بين التعريفات، ولكن عبر الأدب، في شكل أو آخر، هناك اتفاق علي ثلاثة سمات للتقمص . أولا، يجب أن يوجد استجابة مؤثرة للشخص الآخر، والتي يعتقد البعض أنها تستتبع مشاركة الحالة العاطفية لهذا الشخص – فلابد لنا بدرجة ما أن نشعر بما يشعر به الآخر . ثانيا، يجب أن يوجد طاقة إدراكية لاتخاذ منظور الشخص الآخر – لابد أن نكون قادرين بدرجة ما علي تصور أو تخيل أنفسنا في موقف الشخص الآخر ونضع أنفسنا مكانه . ثالثا، لابد أن توجد بعض آليات الرصد التي تتابع أصل الشعور الممارس ( الذات مقابل الآخر ) - يتطلب الأمر أن نعرف أننا منفصلين ومستقلين عن الشخص الآخر . وقد تكررت هذه الحقيقة في بحث ( جين ديستي Jean decety) و ( جيسكا سومرفيل Jessica Summervill) حول المعاملات المشتركة، التي تدعم وجهة نظر شبكة التمثيل المشتركة (سواء علي المستوى الإدراكي أو العصبي) بين الذات والآخر علي الرغم من أن معنى الوعي الذاتي والوساطة هما من المكونات المتممة للتنقل داخل هذه التمثيلات المشتركة . نحن ننسخ أو نعكس بعضنا البعض علي عدة مستويات، بينما نظل ندرك أننا لسنا الآخرين، ولدينا إمكانات لأفعال مختلفة ومنفصلة – أي أن حدودنا لا تذوب .
 ويصيف عالم النفسي والعصبي ( ماركو ياكوبوني (Marco Iacoboni الذي اكتشف صلة عصبية بين المحاكاة واللغة والتقمص، المزيد من الطرق الممكنة لفهم التقمص . تبحث دراسات تصوير الدماغ عن الحد الأدنى من الهندسة العصبية للمحاكاة التي تشتمل علي ثلاثة مناطق في الدماغ : الأولى للحصول علي وصف مرئي للفعل الذي يجب محاكاته ( أن نرى الفعل)، ثانيا، يرمز للمواصفات الحركية المفصلة للفعل إلي أن يتم نسخه، ثالثا يرمز الى هدف محاكاة الفعل (نتوقع قصد الفعل، وهذا معروف بأنه “ قراءة العقل “ ) . وهذه المناطق الثلاث هي:
 جزء من القشرة الدماغية يسمي perisylvian وهي منطقـة  قشرية حرجة للغة، مما يشير إلي أن الآليات العصبية التي  تنفذ المحاكاة تسـتخدم أيضا في أشكـال أخرى من التواصـل  مثل اللغة (....) وتشير البيانات الإضافية إلي أن التقمــص  يحـدث عبر الحـد الأدنى من الهندسـة العصبية عن طريـق مع مناطق المخ ذات الصلة بالعاطفة.
باختصار :
 ونحن نتفهم مشاعر الآخرين من خلال آلية تمثيل الفعل التي  تشكل المحتوى العاطفي، فمثل هذا الصدى التقمصي يرتكز  علي تجربة جسمنا التمثيلي والعواطـف المرتبطـة بحركـات  معينة . وكما يشير ( ليبز)، عندما ألاحــظ مـؤدي السـيرك  علي الســلك المعلق، أشــعر أنني بداخــله . ولكي نتقمص،  نعتمد علي التوسيط بواسطة تمثيل الأفعال المرتبطة بالعواطف التي نشاهدها، وأن شبكة المخ تتضمن البنيــات التي تدعــم  الاتصال بين دوائر تمثيل الفعل والدوائر المكرسـة للمعالجـــة  العاطفية .
 المهم للممثلين في هذه الصياغة هو ارتباطها بتقمص الفعل ومحاكاته، المرتكزة علي التجربة البدنية في لحظة الموقف . انه يخفف من التراكيب الشائعة في عملية التمثيل التي تميل الي تجزئة الذات الى جسم وعقل وشعور، ولعب الاختلافات في الثنائية الديكارتية القديمة .
 يفترض ( جاليزي) في فرضيته المتشعبة توسيع مفهوم التقمص لفتح امكانية تقديم مقدار أكثر شمولا للتفاعل بين الأهداف وطرق أكثر ثراء لفهم علاقاتنا مع بعضنا البعض . وتشتمل فرضية (جاليزي) علي ثلاثة مستويات : الفينومينولوجي (وهو يتضمن التقمص والمشاركة )، والوظيفي ( الذي ينطوي علي إجراءات الموقف، وكأن العمليات، وتمكين نماذج الآخرين التي تنشأ داخلنا – والكثير من هذا علي مستوى ما دون الوعي )، وشبه الشخصي ( الذي هو نتيجة سلسلة من النسخ المتطابق مع الدوائر العصبية ) . ويتعلق هذا الأخير بالدراسات التي أجريت في المحاكاة بواسطة (ياكوبوني) وآخرين والتي لها نموذج تعبيري ( وهو الممثل) ونموذج تلقي ( وهو المشاهد) : اذ يمكن تشغيل شبكات عصبية معينة اما عن طريق الفعل أو عن طريق المشاهدة . وهذا لا يرتبط فقط بالبحث الحالي عموما في النسخ العصبي المتطابق وأنساق المحاكاة، بل يرتبط بالاستخدام الموسع للممثل للتخيل واستخدام “ كأن الشيء “ في الدخول إلي الشخصية . وبالطبع قبل تبني مصطلح “ كأن الشيء” بواسطة علماء الأعصاب المعاصرين لوصف الاستجابات المادية للجسم لظروف متخيلة، استخدمها ستانسلافسكي لوصف كيف يجب أن ينغمس الممثل في “ اذا “ السحرية لتخيله – مثل ماذا لو كنت في موقف الشخصية؟ ويؤكد مبدأ “ إذا” السحري، المألوف لأي ممثل درس أسلوب ستانسلافسكي، أن الممثل يجب أن تكون لدية رابطة عاطفية مع الشخصية – القدرة علي الانخراط في تجربة الشخصية بشكل مبدع بينما يحتفظ في نفس الوقت بإحساس الذات المنفصلة عن الشخصية. ( هذه الحاجة إلي المحافظة علي الإحساس بالذات ينافسه الممثلون الذين يفقدون أنفسهم في الدور، مثل دانييل داي لويس، الذي يقال أنه يبقى في الشخصية من بداية التصوير الي نهايته، ولكن اختيار هذا الممثل، رغم ذلك، يقوم علي معلوماته المؤكدة أنه ليس تلك الشخصية، وبالتالي يجب أن يعمل بوعي للمحافظة علي صلة بالبديل، وهي الذات المؤقتة ) .
 وتردد رؤية عالمة الأعصاب ( جين ديستي) متعددة المستويات للصلة الحميمة بين التقمص والإحساس بالذات فرضية ( جاليزي) المتشعبة بشكل ما، وتقدم أيضا منظورا آخر حول الطبيعة المتناقضة لعلاقة الأنا – الآخر، والتي يكون فيها الآخرون ضروريين لنا لتطوير الإحساس بالذات . ويفترض بعض علماء الأعصاب التطوريين أن الإحساس بالذات ينشأ باعتباره نتيجة لحاجة الكائن الحي إلي توقع الفعل وقياسه علي شخص آخر من أجل تعظيم إمكانيات البقاء علي قيد الحياة وأن التقمص هو أحد الجوانب الهامة في علاقة الفعل بالإدراك . ويمكن رؤية هذا التفاعل باعتبار خلفية عضوية للرؤية الفينومينولوجية بأننا لا يمكن أن نتصور الذات بمعزل عن تصور الآخرين . ويحاول مفهوم نموذج تصور الفعل في التقمص عند (ديستي ) و ( سومرفيل) أن يأخذنا من الوعي إلي المستوى العصبي . فهذا النموذج يصف التقمص في اطار :
 (1) مفهوم التمثيلات الذهنية المشتركة بين الذات والآخر .
(2) حالات الجسم مثل الأوضاع وتعبيرات الوجه التي تنشأ أثناء التفاعل الاجتماعي وتلعب أدوارا مركزية في معالجة المعلومات الاجتماعية المتوافقة مع توسع الأدب في علم النفس الإدراكي والتي توحي بأن كثير من الوظائف الإدراكية تكمن في التفاعل بين الإدراك وأنساق الفعل ( وهذا يرتبط بفرضية التجسيد الاجتماعي)
(3) النسخ المتطابق الذي يحدث علي مستوى الخلايا العصبية المفردة في عقول القرود، والدليل في البشر علي فعل الشخص نفسه وسلوك الآخرين، وتقييم السمات، والتفكير في الحالة الذهنية، أي أن أجزاء مماثلة من عقولنا تضئ في بعض الحالات سواء كنا نفعل أو نشاهد . ( من المهم في هذه المرحلة من البحث أن نفصل بين مرآة الأعصاب، التي نعرفها عند القرود، والتي لها دليل محدود حتى الآن عند البشر ) . يفترض في نموذج إدراك الفعل أن إدراك حالة الآخر تحفز تلقائيا الاستجابات الجسدية التي تتولد علي مستويات متعددة، وبعضها أدنى من مستوى أي وعي . وهذه الاستجابات ذات صلة بإبداع المزج والضغط لأن التجربة الجسمية التي تنشأ من الصور التي ندركها وتوجهنا إلي استحضار صور أخرى تجعلنا نتفاعل . ولبنما لا يستطيع الممثل أن يعمل علي المستوى العصبي، فهناك شيء مفيد للممثل هنا، ولو فقط في إطار معرفته بطريقة عامة بشكل ما كيف يعمل عقله ويستجيب لحضور زميله الممثل . فوجود تخيل – صورة – مثل هذا قد يغير طريقة تفكير الممثل في الملاحظة بطريقة مثمرة ( وهي نقطة البداية في عمل الممثل ) .
 ويمكن تحفيز التقمص عن طريق المعالجة من أسفل إلي أعلي ومن أعلي إلي أسفل، وغالبا ما يشارك كلاهما في نفس الوقت . وجزء من عمل الممثل أن يصبح واعيا بكلى هذين المنظورين، وأن يتعلم أن يتلاعب بهما علي نحو فعال بأقصى ما يمكن خلال الاستخدام، علي سبيل المثال في تمارين الانعكاس الجسدي والتخيل، الذي يقوم علي عمليتي البحث والتدريب . فمعالجة التقمص من أسفل الي أعلى هو الميل التلقائي لدينا لتمثيل تعبيرات الآخرين، علي سبيل المثال عندما يبتسم شخص ما، فإننا علي الأرجح نجد أنفسنا نبتسم ؛ إذ تعد تمارين الانعكاس البدني الأساسية في من دروس التمثيل المثال الأساسي علي كيفية الاعتماد علي هذا . والمعالجة من أعلى إلى أسفل هي عملية النقل الواعية لتخيلنا الي داخل شعور وفكر شخص آخر، كما يقول علماء الأعصاب الادراكية الاجتماعية ( كلاوس لام Claus Lamm) و(دانييل باتسون Daniel Bastson) و ( جين ديستي Jean Decety )، أو استخدام التخيل بشكل واع، أو بمعالجة مجهدة، كما تقول ( ستيفاني بريستونStephanie Preston) و( فرانس دو وال Frans de Waal)، وهذا بالضبط كل ما يتعلق ب “ إذا” السحرية .
 وفي حين أن هذين الوضعين من أعلي إلى أسفل ومن أسفل إلي أعلي مختلفان، فمن المرجح أن كليهما يعتمد إلي حد ما علي الآليات العصبية التي تشارك عندما نعايش نفس المشاعر – بمعنى أننا نشعر عندما يشعر الآخر . وسواء استجبنا مع الآخر أو استجبنا للآخر ( والممثل مطالب أن يؤديهما خلال العمل )، اذ تعتمد كلا الاستجابتين علي المحاكاة، والتي يقرر (لام) وآخرون أنها تسبق اللغة والاستجابة الاجتماعية . ولا يتطلب التقمص بالضرورة إدراكا واعيا بسبب طريقة بناءنا البيولوجي، ورغم ذلك يمكن تقويته أو كبته بواسطة الطاقات الإدراكية والخبرة الشخصية ؛ فالممثل يجب بشكل واع أن يغذي موهبته في الإدراك التعاطفي . (هناك أيضا بحث حول التقمص في الرئيسيات الأخرى، يشير الي أن هناك تشابهات في طريقة عملنا).
 إن تأثير القدرات الإدراكية علي تقدير التقمص، ولاسيما فيما يتعلق بالألم، هو موضوع بحث ( لام ) وزملائه . وقد أوضحت دراساتهم أن تخيل شخص آخر في حالة ألم يفعّل بدرجة ما آليات عصبية مماثلة كما هو الحال عندما نشاهد شخص يتألم فعلا – التخيل والرؤية هما عصبيا نفس الشيء في بعض الوجوه . ومن المثير للاهتمام أن تقييم الفرد لطبيعة وألم شخص آخر يمكن أن يتوقف بدرجة كبيرة علي تناول المنظور والسياق . وقد أظهرت بعض التجارب التي تضمنت المشاهدين وهم يشاهدون الذوات ظاهريا في حالة ألم، أن تقييم أحد المشاهدين لدرجة الألم الذي يعاني منه شخص آخر يختلف تبعا لعوامل مثل : ما إذا كان المشاهد يتخيل نفسه أو الشخص الآخر في حالة الألم ؛ وهل صدق المشاهد أن الألم سوف يستمر لمدة قصيرة أم لمدة طويلة، وما إذا كان المشاهد قد صدق أن لدية واسطة ويمكن أن يؤثر ايجابيا علي حالة الشخص الآخر من خلال قيامه بالفعل . يبدو لي أن هذه المعلومات العامة عن الكيفية التي يعمل بها تخيلنا أو فهمنا المرتبط بالألم يمكن أن تكون مفيدة للممثل في تحديد الكيفية التي يبني بها العلاقة الخيالية مع الظروف المعينة للمسرحية عموما أو مشهد أو لحظة معينة ، سواء لزيادة المخاطر أو تقليلها أو الشعور بالعجلة – وهي المصطلحات التي يستخدمها الممثلون والمخرجون لوصف انخراط الممثل المؤثر في المادة المسرحية .
 وليس من المستغرب أن يقول (ياكوبوني) أن البشر مرتبطون بالتقمص . فلدينا خلايا في مخنا تجعلنا نفهم بعضنا البعض بطريقة بسيطة وتلقائية ودون وسيط. ويمضي في سؤاله، لماذا يوجد الكثير من الوحشية والعداء في العالم ؟ . ويؤكد أن المشكلة هي أن عقولنا الواعية وثقافتنا تعترض الطريق . وافتراضه وهو يحاول أن استخلاص العلاقة بين بعض التوظيف العصبي الأساسي وحقيقة سلوكنا، هو أن:
 الآليات العصبية البيولوجية التي تجعلنا مربوطين بالتقمص تعمـل  علي مستوى قبل انعكاسي وتلقائي وضمني . وأن مجتمعاتنا مبنية  علي خـطاب متعـمد وانعكاسـي وصـريح . ونادرا مـا يتقاطــع  المستويان المختلفان للعمليات الذهنية الضمنية والعلنية: فبالطبـع  هناك أدلة علي أنهم يمكن غالبا أن ينفصلوا . وهذا بسبب أن  أنساق الاعتقاد الهائلة – الدينية والسياسية – التي تعمل علي  المســتويين القصدي والانعكاسي قــادرة علي تقســيمنا بهــذه  بهــذه الطريـقة القويـة علي الرغـــم من أن علــم الأعصــاب  البيولوجي يجب أن يجمعنا .
ولكن هناك شيئا من أيضا هو “التنوير الجديد “ – مثل رؤية (ياكوبوني) للبشر باعتبارهم تطوروا بطرية فطرية الي حد ما من أجل التعاطف والتعاون، وكل ما نحتاج إلي فعله هو مجرد منع الأنساق الثقافية من العبث بالأمور . وهذا بسيط جدا – ولاشك أنني أضخم تحليل (ياكوبوني)، ولكن حجته تتجاهل الفرضيات الأخرى التي تقترح أن التقمص لم يتطور كشيء موجه لتسهيل الرعاية والاهتمام المتبادلين، ولكنه تطور كشيء معد لتعظيم بقاء الكائنات، سواء من خلال حماية صغارنا وقبيلتنا أو من خلال قدرتنا علي فهم وتوقع ما يمكن أن يفعله العدو . وفي هذه الرؤية، لا يوجد خير أصيل ولا شر أصيل، ولا أخلاق أصيلة تتعلق بالتقمص، إنها البيولوجيا بالأساس . ويمكننا أن نستفيد منها كلما أردنا . فمثلا قدرة (ياجو) أن ينفذ إلي رأس (عطيل) – للتأكيد عليه بعمق – هو المثال الأولي للاستخدام الشرير للتقمص . وبغض النظر، فان ما أجده مفيدا في البحث هو أن أجسامنا وعقولنا تعمل مباشرة ضد بعضها البعض بكل الوسائل لكي تساعدنا فقط لكي لا نفهم، بل أيضا لكي نعرف بطريقة عميقة، تجربة كل منا، وليكون ذلك عاملا عندما نتناول الفعل . وبالنسبة للممثل فهناك القليل الذي هو أكثر أساسية من هذا .
 فنحن ليس لدينا سيطرة علي مستوى استجاباتنا العصبية، ولكن من المثير أن أعرف أن عقلي ينير بطريقة مماثلة لعقل الآخر وأن عضلاتي تقلد عضلاته . وأجد من القوة أن أعتقد، بناء علي دليل ما، أننا يمكن أن نكون مربوطين بالتقمص بقدر ما تعكس أجسامنا وعقولنا كل منا الآخر في إطار الإدراك، وبالتالي تجهزنا للفعل. وأجد من القوة أن التخيل، الذي يتعلق أساسا بأن لدي الكائن الحي صورا لذاته في مواقف وسياقات مختلفة لكي يعرف كيف يتفاوض مع بيئته بأقصى ما يمكن، لا يحدث بشكل واع فقط، بل أيضا علي نطاق واسع وثري تحت مستوى الوعي، لكي يمكنه أن يعرض ما نفعله عندما نجعل المسرح وسيلة تساعد أجسام المشاهدين علي تخيل أنفسهم داخل القصص التي نحكيها . ( وقد كان أوجستو بوال أحد الفنانين العاملين علي أساس سياق اجتماعي وجماعي، وقد طبق ذلك صراحة، في ورش ترتكز علي منهجه حيث يعيد المشاركين إعادة تجسيد المشاهد التي عايشوا فيها القهر أو الصراع، وبعد ذلك يتخيلون بشكل جماعي المشاهد ويتفاعلون معها بطرق جديدة تجسد نماذج كيفية الاستجابة للموقف، وتؤدي بشكل مثالي الي نتائج ايجابية ) . ونحن كفنانين لدينا بعض السيطرة علي صور التقمص في مستوياته البدنية والإدراكية العليا . ونستطيع أن نستخدم ويمكننا استخدام العضلات التي يتم من خلالها إثارة التعاطف أو الشعور المصاحب وإيجاد نماذج جسدية تثير الشعور الذي نريده عند المشاهدين في سياق العمل الذي ننجزه . واذا كانت فرضية علماء الأعصاب صحيحة، فان التفمص يٌثار مبدئيا كوسيلة لمساعدة الفرد في تحديد ما الفعل الذي يقوم به تجاه الآخرين في البيئة . وقد كانت بعض آليات النسخ المتطابق والمحاكاة التي تطورت استجابة لاحتياجات البقاء في صميمها ؛ فكان لا بد أن نصل إلي داخل الآخر من أجل البقاء . ويمكن للمسرح والأداء أن يعظما طرقا رفيعة المستوى للقيام بذلك .
 لقد اختبرت تطبيقات هذا البحث في عملي في الاستديو ( كمخرجة ومدربة ومؤدية)، ولمست أن له ثمار . فقد ساعدني العلم لتوجيه الممثلين أن يعملوا بمزيد من الخصوصية العاطفية والتصويرية، لكي يطرحوا جانبا مجازات الواقعية النفسية عندما لا تكون مفيدة وتؤدي إلي تفكير مسيطر عليه تماما ويربط التخيل، فضلا عن أنه يحرره، ويركزوا علي الفورية الجسمية والتخيلية والحضور في علاقة مع المادة وزملائهم الممثلين . ووجود الشعور الأساسي بالضغط والمزج بين الفهم التقني للتقمص يعطيني وسائل للتفكير في التمثيل والتحدث مع الممثلين الذين يعملون بشكل مباشر علي الجسم والحواس . وفي حين أن الفهم الذهني هو الجزء الحاسم في التمثيل، فان دليل عمل الممثل في النهاية في التجسيد ؛ فهذا هو الاختبار الحقيقي – إيجاد طرق للتحرك يمكن استخدامها بعد ذلك لتحريك الجمهور . وتتيح لنا العلوم الإدراكية والعصبية أن نفهم التخيل بوضوح وعلاقته باللغة والتقمص بطرق يمكن أن تؤتي ثمارها الحقيقية في المسرح والأداء .
.........................................................................................
 • روندا بلير تعمل أستاذا للمسرح في Southern Methodist university . وأهم كتبها “ الممثل والصورة والفعل : التمثيل والعلوم الادراكية العصبية “ وقد صدر عن روتلدج عام 2008 . وعملت كمحرر مشارك لكتاب “ وجهات نظر حول تدريس المسرح” عام 2001.
 • نشرت هذه المقالة في مجلة Drama Review 53:4 (T 204) 2009


ترجمة أحمد عبد الفتاح