جولة في مسارح أمريكا اللاتينية المسرح الساخر في البرازيل يبحث عن «مسرح»

جولة في مسارح أمريكا اللاتينية المسرح الساخر في البرازيل يبحث عن «مسرح»

العدد 618 صدر بتاريخ 1يوليو2019

لا نكاد نعرف شيئا عن المسرح في دول أمريكا اللاتينية، رغم أن هذه الدول تشهد حركة مسرحية مزدهرة وتجارب متفردة تستحق أن يتعرف عليها قارئنا العزيز ويستمتع بها.
وننتقل إلى البرازيل لنجد تجربة مسرحية على درجة عالية من الغرابة والتميز، وهي تتركز حاليا في ريو دي جانيرو كبرى مدن البرازيل وعاصمتها السابقة.
يقول البعض إن من يزر هذه المدينة ولا يتعرف على المسرح الساخر الذي يزدهر فيها بقوة، يكون قد فاته الكثير. صحيح أن هذا النوع من المسرح بدأ ينتقل على استحياء إلى مدن برازيلية أخرى. لكن الاستمتاع به في مكان مولده ريو دي جانيرو يظل له متعة خاصة.

المسرح الساخر عبارة عن عروض ساخرة تفاعلية يقدمها فنان أو أكثر يتبادلون فيها التعليقات مع الجماهير. وهذه العروض تسخر من مشكلات المواطن البرازيلي، ومن هذه المشكلات على سبيل المثال ارتفاع معدلات الجريمة في البرازيل حيث يسقط فيها قتيل كل ثماني دقائق وارتفاع معدلات الفقر وتلوث البيئة والسياسات المتخبطة لرئيسها الجديد الإيطالي الأصل جاير بولسونارو التي وصلت إلى إصدار قرار يسمح للمواطنين بحيازة نوع من الأسلحة النارية للدفاع عن أنفسهم وإلغاء القرار في اليوم التالي. وهناك عمليات القتل العشوائية التي تمارسها قوات الجيش بعد الدفع بها لحفظ النظام في بعض ولايات البرازيل.
على المقاهي
والجديد أو المثير في هذه التجربة أنها لم تبدأ على المسرح بل بدأت في المقاهي والملاهي على أيدي عدد من الممثلين والفنانين المغمورين. وكانت العروض تجرى باللغة البرتغالية، ومع ذلك بدأت تجذب السائحين إلى حد أن المجموعات السياحية بدأت تطلب مشاهدة هذه العروض في حضور مترجم، وفي أحيان كثيرة يفشل المترجم في نقل المعنى على النحو المطلوب لكن السائحين كانوا ينخرطون في الضحك على تعبيرات وجوه الممثلين وحركاتهم. وتطور الأمر إلى ظهور فرق تقدم عروضها بالإنجليزية. كما جذب المسرح الساخر البرازيلي عددا من الأجانب المعنيين بالمسرح لإجراء دراسات حوله، وبدأ بعضهم ينخرط في نشاطاتها خصوصا أن السلطات البرازيلية لم تسع لفرض أي قيود عليها. كما نشأت فرقة مسرحية تعرف باسم الكاريوكا تسعى إلى نقل هذا النشاط إلى مسرح حقيقي تقدم عليه عروضها.
ويقول بويس إدواردز أحد أشهر الكوميديانات الذين يقدمون هذه العروض، إن ريو دي جانيرو بل والبرازيل كلها، تشكل بيئة ممتازة لمثل هذه العروض التي تحتاج إلى مسرح لتقديمها في صورة مسرحية ناضجة بدلا من الطابع الارتجالي الذي تقدم به على المقاهي وفي الملاهي. ويقول إنه أمريكي متزوج من برازيلية جاء إلى البرازيل كسائح ولفت نظره هذا الفن الذي كان ناشئا وقتها. واستهواه هذا الفن فصار يقدم عروضه الناجحة باللغتين الإنجليزية والبرتغالية التي تعلمها بسهولة بفضل إجادته الإسبانية وبمساعدة زوجته وصار له جمهور كبير من البرازيليين والأجانب. وقال إنه يحرص على أن يعيش حياته كبرازيلي كي يأتي أداؤه أكثر إقناعا.
وكانت أول فرقة تحاول تقديم العروض بشكل منظم هي فرقة «ريو نايت لايف» التي أسسها ممثل كوميدي فنلندي هاجر إلى البرازيل هو هاري سوينيلا بالتعاون مع ممثل كوميدي آخر آيرلندي هو ستيفن جارلاند. وتضم الفرقة مجموعة من الممثلين البرازيليين والأجانب.
وهذه الفرقة تعتمد على بعض الديكورات البسيطة في الملاهي التي تقدم بها عروضها وتسعى إلى شراء مسرح خاص بها.
نساء الذهب.. يدافعن عن المرأة البوليفية
صاحبات المشكلات.. يعرضن القضايا
ومن هذه التجارب ما يدور في بوليفيا إحدى دول الأنديز الثلاث مع بيرو وكولومبيا. والتجربة هي «كوري وارميس» أو «نساء الذهب». وهذا هو اسم فرقة مسرحية نسائية تأسست في 2014 تقدم عروضها على مسرح البلدية في العاصمة البوليفية لاباز أعلى عواصم العالم ارتفاعا عن سطح البحر.
تأسست هذه الفرقة لهدف محدد وهو الدفاع عن المرأة في بوليفيا – التي ينطقها أبناؤها بوليبخا - التي تتعرض لمعاملة قاسية على أيدي الرجل البوليفى حتى باتت تلك الدولة الغنية بمواردها والفقيرة في الوقت نفسه، صاحبة واحد من أعلى معدلات قتل النساء في العالم على أيدي أزواجهن.
ونجحت الفرقة منذ تأسيسها في لفت الأنظار إلى معاناة المرأة البوليفية مما دفع الحكومة البوليفية إلى اتخاذ إجراءات وسن قوانين للحد من العنف الذي يمارسه الأزواج في بوليفيا ضد زوجاتهم وإن كانت غير فعالة حتى الآن. وأدى ذلك إلى تنامي شعبية الفرقة بشكل رائع حتى بات من الصعب العثور على مقعد خال في مسرحياتها. وكان حضور مسرحيات الفرقة من أبرز مطالب زوار بوليفيا من الأجانب. وكان آخرهم الممثلة الأمريكية راكيل ولش وهي من أب بوليفي.
هذا رغم أنها لا تقدم عروضها باللغة الإسبانية لغة بوليفيا الرسمية بل تقدمها بلغة الإيمارا وهي إحدى لغات السكان الأصليين ويتحدثها نحو 20% من سكان بوليفيا.
كوسيسيتا
وتقدم الفرقة حاليا مسرحية «كوسيسيتا» التي تصور العنف الذي تتعرض له المرأة البوليفية وتدعو إلى القيام بإجراءات جادة لمواجهته.
والجديد في هذا العرض أنه تشارك فيه 22 ممثلة من السكان الأصليين. وتحكي كل منهن تجربة شخصية مرت بها.
من هذه التجارب تجربة ماريا لوك التي تصور كيف كانت تطلب من زوجها السكير التوقف عن إيذائها ومراعاة أن لهما أربعة أبناء يحتاجون إلى الرعاية. وتجاهل الزوج هذا النداء وزاد من قسوته في الاعتداء عليها بالضرب حتى أصابها بشلل جزئي. وبعد أكثر من عشر سنوات تعافت من هذا الشلل الجزئي وإن كانت لا تزال تواجه صعوبات في تحريك بعض عضلات وجهها.
وقالت لوك وهي مخرجة المسرحية في الوقت نفسه، إن ما حدث لها لم يكن حالة استثنائية. فقد نشأت في أسرة فقيرة جدا وعانت أمها كثيرا على أيدي أبيها. وتقول إن هناك في بوليفيا من يعتبر أن بعض العنف تجاه المرأة أمر طبيعي. لكنها ترى وتؤكد أن أي عنف ضد المرأة ليس له ما يبرره سواء في بوليفيا أو غيرها. وهي تطلب من الحكومة في بوليفيا فرض قيود صارمة على تعاطي الخمور لأن 90% من جرائم العنف ضد المرأة في بوليفيا ترتبط بتعاطي الزوج للخمور، كما حدث معها شخصيا.
وهناك أيضا الممثلة جوميرندا مماني التي أكدت أنها كادت ذات مرة تتعرض للخنق على أيدي زوجها المدمن. وتعيش حاليا من بيع حفاضات الأطفال والنساء. وسوف تعود إلى هذه المهنة بعد انتهاء عرض المسرحية.
أما كارمن أرانيبار وهي ممثلة أخرى، فقالت إنها تدعو النساء في بوليفيا إلى الثورة ضد الرجال المعتدين وألا يكتفين بردود فعل سلبية.
وتقول كارمن إنها ظلت تتحمل قسوة زوجها لأكثر من عشر سنوات من أجل أبنائها لكنها تمردت عليه في النهاية بعد أن اكتشفت أنه يخونها مع امرأة أخرى لمجرد أنها أصغر منها سنا وأكثر جمالا بعد أن ذوى جمالها بفعل معاملته الوحشية لها وما تبذله من جهد في رعاية الأبناء. وأضافت أنها كادت تنتحر بعد أن اكتشفت الحقيقة المروعة، لكنها تيقنت أنها لا يجب التضحية بحياتها من أجل زوج خائن، وقررت بدلا من ذلك فضح ممارسات زوجها والدفاع عن حقوق المرأة البوليفية.
حركة نسائية
وتقول إيريكا أنديا مديرة الفرقة إن الفرقة – التي تعتبرها في حقيقة الأمر بمثابة حركة نسائية بوليفية تتخذ من المسرح أداة تعبيرية. وتقل الإمكانات المتاحة لها كثيرا عن تلك المتاحة لبعض الحركات النسائية في الأمريكتين مثل حركة «المرأة ليست أقل» في الأرجنتين. لكن ما يزيد من قوتها أن مسرحياتها تعتمد على تجارب واقعية ترويها صاحباتها بشكل تلقائي مع بعض التقنيات المسرحية التي تجعل الأمر أكثر تأثيرا وإقناعا. ويكفي أن الفرقة أثبتت أن المرأة البوليفية تستطيع أن تفعل حين تريد أن تفعل.

 


ترجمة هشام عبد الرءوف