فرقة «الضوء» أقل قدرة من الطلاء

فرقة «الضوء» أقل قدرة من الطلاء

العدد 708 صدر بتاريخ 22مارس2021

عندما ظهرت المبادرة الأولى لتجميع الأعمال المسرحية للفرقة الحرة وتقديمها في شكل جماعي عام 1990 لأول مرة لم تكن هناك معايير أو مواصفات واضحة لماهية الفرق الحرة.. ولا كيفية فض الاشتباك بينها وبين الفرق المسرحية الأخرى التي تعمل في الحقل المسرحي المصري.. لذلك جاء المعيار الأساسي الذي تم تطبيقه على عروض عام 90 عند إقامة “اللقاء المسرحي الحر الأول” هو امتلاك الفرقة لعرضها وإمكانية تقديمه في أي مكان، هذه الصيغة كان من الصعب تحقيقها إلا في إطار “التمويل الذاتي” من قبل الفرق.. وهو ما يتيح للفرقة وضع اسمها الفني على منتجها الذي قامت بتمويله كاملا.
وقد تزامنت الدورة الأولى لمهرجان المسرح التجريبي عام 1988 مع تخرج المخرج طارق سعيد مؤسس فرقة الضوء الفنية المستقلة من الجامعة مع مجموعة من الفنانين الشباب.. ورغبتهم في العمل كمجموعة فنية خارج إطار المؤسسة.. سواء تلك التي تمثلت في الجامعة عندما كانوا أعضاء في المنتخب المسرحي.. أو الجهات الثقافية ممثلة في وزارة الثقافة بمسارحها وقصورها.
هذه الرغبة المشتركة بين مجموعة فرقة الضوء أثمرت عن تكوين الكيان الفني “الضوء” والذي قدم أول عروضه المسرحية في الدورة الأولى للمهرجان التجريبي.. باسم “العرض الأخير”.
ومنذ عام 1988 وفرقة الضوء تعمل على تقديم عروضها الفنية بشكل يقترب كثيرا من البساطة متضمنا العمق الفني في مضمونه.. هذه البساطة العميقة تنبع لدى أعضاء الفرقة من الإيمان بأن الأطروحات الفنية لا تخلق من العدم إنما هي موجودة بالفعل.. وكل ما تفعله “الضوء” هو إلقاء الضوء عليها فنراها مع الجمهور أوضح وأجمل.
تأسست الفرقة من المخرج طارق سعيد والممثل إيهاب صبحي والممثل سيد الروبي.. ثم انضم لها بعد ذلك عدد كبير من الممثلين والمنفذين.. شاركوا في ثمانية عروض مسرحية قامت الفرقة بإنتاج خمسة منها بالجهود الذاتية.
كانت مشاركتها فعالة منذ البداية في تأسيس تيار للمسرح الحر في مصر.. فشاركت في الدورة الأولى للقاء المسرح الحر الأول عام 1990 بعرضين هما “العابرون” و”العرض الأخير”.
وقد فازت عن عرض “العابرون” بتقدير جميع النقاد والجمهور وفي اللقاء الحر الثاني.. شاركت بعرض “انصاف الثائرين” عام 1992.. والذي فاز بجائزة أفضل عرض بإجماع لجنتي التحكيم حيث كان باللقاء مسابقتان الأولى للمسرح عموما والثانية لأعمال يوسف إدريس.
وفي اللقاء الحر الثاني عام 1993.. شاركت “الضوء” بعرض “البيانو” والذي فاز بأحسن عرض وسافر ليمثل مصر في مهرجان ربيع المسرح العربي بالمغرب في نفس العام.
هذه المشاركات في تأسيس فكرة تيار المسرح الحر لم تمنع الفرقة من المشاركة في معظم دورات المهرجان التجريبي فقدمت عرض “المطاردة” عام 1989 و”راشومون” عام 1995.
طرق الصياغة
تعتمد فرقة “الضوء” بالأساس على صياغة نصوصها من مصادر مختلفة.. فلا تعتمد فقط على النصوص المسرحية وإنما تعمل على تكوين موضوعات عروضها من الشعر.. والكاريكاتير مثلما قدمت على المسرح الكوميدي عرض “سلم لي على ..”” عام 1996 ويهتم مخرج الفرقة ومؤسسها طارق سعيد بتدريب الممثلين على الأداء البسيط التلقائي ليكونوا دائما جاهزين لتقديم الأسلوب المناسب للعرض البسيط.. فيخرج أداؤهم تلقائيا متسقا مع الكتابة السلسة البسيطة طارحا الأفكار بعمق، وهي طريقة لعل أول من ابتدعها في العصر الحديث هو المسرحي العالمي “بيتر بروك” لهذا.. نجد أن الممثل المدرب الحاضر في فرقة “الضوء” هو العنصر الأساسي.. بعده يأتي الجمهور كركن أهم في التجربة المسرحية.. فالممثل هو سفير “الضوء” في العمل المسرحي.. يحل بداخله فكرا يحترم عقل المتفرج ويعزف بأدواته الفنية على أوتار عقله وإحساسه وعينه، ومن هنا نجد أن كل تجربة من تجارب “الضوء” مختلفة تماما باختلاف الجمهور بل يتنوع ويختلف باختلاف ظروف مكان عرضه..
مشاركات فنية
تعاونت فرقة “الضوء” خلال مشوارها المسرحي مع المؤسسة الثقافية ممثلة في صندوق التنمية الثقافية بمعيار الشراكة الفنية فقدمت “راشومون” عن مسرحية يابانية للكاتب “اكوتاجاوا” عام 1995.. و”فتافيت الماس” عن 17 قصة قصيرة لتشيكوف و9 قصائد لصلاح جاهين عام 1999.
والراصد لمشوار “الضوء” يجد أن عروضها تصل إلى حوالي عشرين عرضا على مدى أكثر من خمسة عشرين عاما.. بدأتها بالعرض الأخير88، والمطاردة 89، ثم العابرون 90، وأنصار الثائرين 92، والبيانو 93، وراشومون 95 وسلم لي على 96، وفتافيت الماس 99، وعملت الفرقة على إنتاج عرضين الأول عن أعمال صلاح جاهين والعرض الثاني عن السعادة الزوجية.. ليخرجا في صيف 2004.

مسرح فرقة “الضوء” هو مسرح بلا نقاب.. مسرح مكشوف راصد بأقل قدر من الطلاء والإكسسوار ليحقق حالة فنية قريبة من الناس.. تعتمد “الضوء” في تقنياتها الفنية على تقنية السينما من حيث التكثيف فتختصر الكثير من الكلام والأحداث عبر لغة الصورة المعبرة ليصل المعنى مؤثرا صادقا بأقل قدر من الخطاب فيتحقق التواصل مع الجمهور الذي هو الهدف الأسمى لأي مبدع.
فرقة “الضوء” كان دائما هدفها الاستقلال لتتخلص قدر الإمكان من معوقات الإبداع واختارت الفرقة بأعضائها الفن وسيلة ليصرخوا بهمومهم ويجدوا من يسمعهم.. فهو يمثلون أنفسهم.. ويتحاورون مع الآخرين.


عيد عبد الحليم