«كنز أدم» في مسرحية لأطفال كفر الشيخ

«كنز أدم»   في مسرحية لأطفال كفر الشيخ

العدد 844 صدر بتاريخ 30أكتوبر2023

قدم علي مسرح قصر ثقافة كفر الشيخ العرض المسرحي “كنز أدم” من إنتاج الإدارة العامة لمسرح الطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة وهي مسرحية موجهة للأطفال تنطوي علي محتوي هام وجيد ومعلومة مصيرية تتعلق بالحفاظ علي البيئة من التعديات البشرية التي علي رأسها الإسراف في استخدام مياه الشرب واستهلاك هذه الثروة الطبيعية فيما لا يفيد وفيما يمكن الاستغناء عنه وهو علي حد تعبير العرض رش مياه الشرب في الشوارع بلا داعي أو سبب وبكميات مبالغ فيها كأحد الممارسات القديمية الراسخة في أذهان أصحاب المحلات والدكاكين وهو أمر يحيه في العرض صاحب ماركت متواضع بقرية من القري المصرية ومن الطريف الذين يبين أن المعالجة تجنح إلي خفة الظل والكوميديا أنه يسمي متجره الصغير (كارفور) تيمنا بهذا المتجر العملاق والمنتشر في كثير من مدن وعواصم العالم، وعلي الجانب الأخر من «كارفور القرية» نشاهد عامل النظافة المسئول عن جمع القمامة وخلفات البيوت والمحلات يهمل في أداء عمله ويترك المخلفات تنتشر في أرجاء المكان ممن يجعلها معقل للذباب والناموس وغيره من الديدان والحشرات وهو بذلك مصدر للتلوث ونقل العدوي والأمراض ولا يكتفي بذلك وإنما يحرق ما يجمع من مخلفات فيسبب في أذخنة مفسدة للهواء ومضرة للبيئة ومسببة للأمراض في أجهزة التنفس وما يترتب عليها من أمراض خطيرة يسببها استنشاق مثل هذه الملوثات.
 من أطريف وألطف مواقف العرض ما كان بين هذا الاثنان التاجر والمنظف دائماً علي خلاف حيث نري كلا منهما ينتقد الخر من دون أن ينتبه لما يتركب هو نفسه من حماقات لا تقل خطورة علي منظومة البيئة، وحقيقة الأمر أن خفة ظل الشاب (أحمد أشرف) الذي قام بدور عصام التاجر لا تقل أهمية عن خفة ظل (حسام أحمد) الذي قام بدور (صبري) عامل النظافة وكانا كلاهما من أهم عناصر نجاح هذا العرض بما قدموه من مرح وبهجة تنسجم مع باقي عناصر التمثيل المسرحي والعرض الذي قدمه أطفال كفر الشيخ الذي قاموا بباقي الأدوار لاسيما (كريمة محمد) التي قامت بدور “فرح” بثقة كبيرة ومهارة عالية وكان الالتزام الكبير من قبل الأطفال والانضباط سيد الموقف في هذا العرض الذي شارك في بطولته من أطفال كفر الشيخ الموهوبين الطفلة (تيا إيهاب) في دور حبيبة المتحيزة دوماً للحق والفاعلة في المواقف التي تتطلب إيجابية لتكون بالإضافة الي رفيقتها (محمد عبداللطيف) صوت الوعي والتنبيه إلي الممارسات الضارة بالبيئة وفي العرض قامت (ريتال محمد) التي قامت بدور “بندقة” والتي تقدمت مع أقرانها في كتلة واحدة فاعلة وإيجابية كانت تتقدم بقوة في سبيل النهوض بأحوال القرية أو الشارع أو الحارة أو المكان الذي يتبين في لحظة الكشف الحقيقية بالمسرحية عندما يخرج الجدار أيقونة الكنز الذي لفت إليه الرجل الدرويش أو المجذوب الذي قام بدوره في هذه الفرجة المسرحية الصغير (مصطفي محمد) في دور “سمسم” وهو فرعون صغير حبس بالجدار منذ زمن قديم لأنه أرتكب خطيئة تتعلق بالبيئة أسرف ربما في استعمال مياه النهر وكان الطفل المختار لأداء هذا الدور هو (مصطفي محمد) الذي كان رغم حداثه عمره والأحساس الذي انتابني شخصيا بأنه من فرط البراءة قد يغادر خشبة المسرح في أي لحظة ويولي ظهره خوفاً من الجمهور وباحثاً عن والده أو أمه إلا أن ذلك كان محض خيال والحقيقة أنه صمد إلي النهاية وقام بأداء الدور الصعب المنوط به كأيقونة لمكان العرض بشكل مرضي.
 وبظهور هذه الشخصية القديمة حدث التلاقي الجيد بين الماضي والحاضر حيث التاريخ الفرعوني العريق لمصر القديمة يجسده هذا الفرعون الصغير في حارة أو قرية مصرية عصرية يضطر أهلها إلي تعليم هذا الجد الصغير لغتنا العربية وكذلك الاتجاهات الشمالية منها والشرقية والغربية والجنوبية حتي يتفهم لغتهم ويستطيع أن يستمر في التواصل معهم وأن يدلهم علي مكان الكنز المخبوء “كنز أدم” الذي نحن بأمس الحاجة إليه الآن وهو الحفاظ علي أرضنا الكريمة وحمايتها من التعديات والملوثات التي أفسدت بيئتنا وأخلت بتوازن طبيعة عالمنا وهو الأمر الذي يشكل خطراً شديداً علي مستقبلنا ولأجل هذه الموعظة العظمي التي انطوي عليها هذا النص الذي كتبه لمسرح الطفل (صلاح عتريس) وهو اسم جديد بالنسبة لي في مجال الكتابة المسرحية للأطفال ولكني أظن أنه بهذا المستوي الجيد والمعالجة الطيبة لموضوع هام فإنه لن سيصبح في المستقبل القريب من أفضل كتاب الأطفال، وبالطبع يحسب اختيار هذا النص الصعب في الواقع لمن أقدم علي تبسيط هذه القيمة العظيمة بهذه الجودة وهو المخرج (محمد مصطفي العافي) الذي يتقدم في مجال الإخراج المسرحي للأطفال بخطي منتظمة، وثابتة بقي أن نقول أنه من الواجب أن نذكر كتيبة الأولاد والبنات التي حملت علي عاتقها أمانة توصيل هذه الرسالة الهامة بكل انضباط والتزام وجديته وهم (كريمة أحمد - أميمة أحمد – ساندي وليد – مايا خالد – مرام كساب – جني أحمد – ريماس عطية – صبا إيهاب- تقي مسلم – مليكة أحمد – ريناد إبراهيم – رغد ابراهيم – يحيي محمد عبد الرحمن – محمد عطية – حلمي محمد – سما ابراهيم – خالد ابراهيم – نوارا ابراهيم – فريدة هشام – رقية محمد – ساندي أحمد – ملك محمد – روئ مسلم- عبد الرحمن محمود) شارك بالألحان والغناء في هذا العرض “د. أسامة رشاد” وقام بتصميم الاستعرضات “محمود مصطفي” أما ديكور “علياء محمد” فقد كان من أضعف عناصر هذه المسرحية وذلك لأنه تجاهل تماماً أن العرض موجه أساسا للأطفال وقدم صورة شبه ثابتة تعكس الحالة السلبية وعدم النظافة المسيطرة علي المكان متناسياً أن الفن هو عملية إظهار الجمال حتي من القبح لذلك وحتي أقبح المخلفات ما كان ينبغي لها أن تقدم بهذا الصدق وليس علي علتها علي هذا النحو بالإضافة إلي حقيقة أن عروض الأطفال وفنون الطفل تتطلب إسلوب خاص ولغة مختلفة تناسب توجههم وتليق بهم.


محمود كحيلة