نبيلة حسن: ورشة واحدة لا تؤهل للاحتراف والتمثيل يحتاج إلى تراكم خبرات

نبيلة حسن: ورشة واحدة لا تؤهل للاحتراف والتمثيل يحتاج إلى تراكم خبرات

العدد 572 صدر بتاريخ 13أغسطس2018

نبيلة حسن محمود سلام، ممثلة وأستاذة جامعية مصرية، ولدت عام 1966، تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية، عملت في مسلسلات (الكعبة المشرفة، محمد رسول الله، سنبل بعد المليون،...) كما شاركت في أفلام (النمر الأسود، الحدق يفهم، ليلة القبض على فاطمة، ممنوع في مدرسة البنات)، على الصعيد الأكاديمي عملت نبيلة حسن كمدير للمركز القومي لثقافة الطفل بين عامي 2008 و2011، ورئيسة قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومؤخرا قامت بالإشراف على مجموعة من الورش الفنية بالمعهد العالي للفنون المسرحية ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، حيث حاضرت في ورشة «الممثل والارتجال» ضمن مجموعة من الورش في تخصصات أخرى، لذا كان لا بد لنا من عقد هذا الحوار معها حتى يتسنى لنا معرفة كل التفاصيل حول هذه الورش وكذا المغزى منها، وأيضا مناقشتها والاستفادة بآرائها وخبراتها في هذا التخصص وفي كل قضايا الورش المسرحية، الحقيقي منها والزائف، وكيفية السيطرة على هذا المجال من أجل ميلاد فنانين وكفاءات حقيقية تعود بالنفع على مجال الفن في مصر.
بحكم حضورك بالمهرجان القومي للمسرح المصري كمشرفة على مجموعة من الورش الفنية بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ما هي طبيعة هذه الورش؟
قمت بالإشراف على أربع ورش، الورشة الأولى تدور حول ممثل الارتجال، والورشة الثانية هي مسرح ما بعد الدرامي، الورشة الثالثة هي كيفية الإضاءة المسرحية التي تقوم بعمل تكوين فني وتشكيل مرئي قد يغنيك عن استخدام بعض الأشياء المادية، أما الورشة الرابعة فتدور حول أحدث ما وصلت إليه التيارات المسرحية في مجال السينوغرافيا والأزياء والماسكات.

 - ما الأسس التي على أساسها قمتم باختيار المحاضرين في تلك الورش؟ ومن المسئول عن اختيارهم؟
بالطبع كل شيء يتم بالاتفاق مع إدارة المهرجان، نحن نقوم بطرح أسماء ونتناقش فيها، كما قمنا مسبقا بتحديد ماذا نريد والموضوعات التي سوف نعمل عليها، ثم بدأنا في البحث حول من الأجدر بتدريس تلك الموضوعات من وسط كل المرشحين، وهنا واجهنا مشكلة تحديد المواعيد لهؤلاء الأساتذة، ولكن في النهاية تغلبنا عليها وتشرفنا باختيار مجموعة أساتذة قاموا بأداء كل المطلوب منهم باقتدار شديد لتميز كل منهم في المجال والتخصص الذي سوف يقوم بالعمل عليه.

 - ما أوجه الترابط بين موضوعات الورش الثلاث «الممثل والارتجال، مسرح ما بعد الدرامي، توظيف الإضاءة في تشكيل الفراغ المسرحي»؟
أوجه الترابط والعنصر الأساسي الدافع أن المسرح لا بد وحتما يقوم بتجديد دمه وأن الناس مهما كان لديها فقر في الموارد تستطيع أن تقدم فنا جيدا، لذلك نحن نكون حريصين أن نقدم بدائل سواء بأنك من الممكن بإضاءة بسيطة وبدون ما أن تمتلك أجهزة معقدة، كيف تستطيع أن تقوم من خلالها بعمل تشكيل، هذا التشكيل يخدمك في أنك تستطيع عمل بناء بصري أو محيط بصري للعمل الدرامي الذي تقوم بعمله في الوقت نفسه من خلال معرفتك لدرايتك بكيفية أنه ليس من الضروري أن يكون النص نصا تقليديا وخشبة المسرح خشبة تقليدية حتى تستطيع أن تقدم مسرحا، على سبيل المثال ليس بالضرورة أن يكون المسرح مسرح علبة إيطاليا، فليس شرطا أن يكون المسرح مصمما بالشكل التقليدي في الصنع، بل لا بد أن نقوم بفتح آفاق الناس لترى ما وصلت إليه الدنيا في هذا المجال، فحالة الانغلاق على التكوين المسطح وأخذنا بإشكالية الأمور فقط من الخارج، لا بد لها أن تنتهي، ولا بد من دعمها بكم كبير من المعرفة ومن العلم والبحث والتعلم المستمر.

 - من وجهة نظرك كأستاذة تمثيل وإخراج بأكاديمية الفنون، هل ترين أن تلك المدة الزمنية القصيرة لورش المهرجان الفنية تعد مدة كافية لتدريس تلك الموضوعات بشكل يعود بالنفع والاستيعاب على طلاب الورشة؟
نحن نقوم بالاجتهاد، وفي الوقت نقسه أنت اليوم عندما تقوم بعمل ورشة ستة أيام بواقع عشرين ساعة أفضل بالطبع عندما تقوم بعمل ندوة لا تعرف الناس فيها شيئا، وفي الوقت نفسه أكيد نحن نجتهد في ظل المتاح، ولا تنسى أن هناك يوجد ظروف تحكم هؤلاء المتدربين من إقامة وعمل ومسئوليات، فعلى الأقل كونك تقوم بتحريك هذا الواقع، فهذا شيء جيد في حد ذاته.

 - هل في خطتكم للدورات القادمة أن تمتد تلك الورش الفنية إلى معظم مسارح الدولة وقصور الثقافة ومراكز الشباب في مختلف محافظات مصر بحكم الطبيعة التنافسية للمهرجان؟ أم ستظل تلك الورش قاصرة على مقرها بالمعهد العالي للفنون المسرحية فقط؟
حقيقة، أنا على دراية بأن إدارة المهرجان قد أخبرت بأنها هذا العام سوف تعيد النظر في كل تكوين المهرجان، وسوف يخرجون بأفكار جديدة، وبالطبع حالة التطوير سوف تظل حالة مستمرة، ولكن أزيدك علما بأن المعهد العالي للفنون المسرحية هذا العام يعد مستضيفا كنوع من أنواع الاحتواء للتجربة الجديدة التي تعد أول مرة تطبق بالمهرجان، من خلال إحضار المتدربين من مختلف المحافظات منهم من حضر من سوهاج ومنهم من البحيرة وهناك من المنيا وكفر الشيخ، إلا أنهم جميعا ليسوا من القاهرة، وقد قام الأستاذ أحمد عواض مشكورا بتوفير المأكل والإقامة والانتقالات لهم مجانا كما أن عددهم كبير.. وهذه تعد أبرز سمات العدالة الثقافية التي سألتني عنها سابقا كما أنه حينما تكون الدراسة لهؤلاء المتدربين بالمعهد أرى أنه سوف يعطيهم بالضرورة حماس تعليمي وطاقة إيجابية.

 - هل أنتِ راضية عن تلك الورش الخاصة بمصروفات التي يقوم بتأسيسها غير الدارسين لفن التمثيل والإخراج؟ وهل تقوم بدورها التعليمي على المنهج الصحيح؟ وما هي سبل القضاء على ورش «السبوبة» التي يقوم فيها هؤلاء ببيع الوهم للشباب؟
موضوع الورش في حد ذاته، وأن يكون هناك حركة ثقافية، هذا يعد شيئا إيجابيا ولكن من المؤكد مثل أي شيء عندما يكون هذا الشيء غير منظم الصف فسوف يظهر هناك نصابون كثيرون، وأيضا سوف يكون هناك ناس جهلة كثيرون أيضا، فهذا ليس فيصل للحكم، فالأحرى هو تنظيم الصف في تلك المساحة، ولا بد أن يكون هناك خطوات وضوابط لمن يعمل بمهنة التدريس بالورش، وليس أي أحد والسلام، فنتمنى أن يتم اتخاذ خطوات من قبل وزارة الثقافة لتنظيم تلك الخطوات وتشريحها لي تأخذ طابع شرعية الوجود، حيث إنه لا يعقل أن يكون تعدادنا الآن أكثر من مائة مليون نسمة والأكاديمية ما زالت تأخذ 25 طالبا فقط في السنة، وكذا آداب مسرح أيضا أعتقد أنها تأخذ الأعداد نفسها.. هنا يتضح أننا نتحدث في أعداد قليلة جدا جدا بالنسبة لاحتياج المجتمع، وهذا بالطبع يجعل هؤلاء المتدربين يدخلون المجال الفني بشكل غير شرعي، ويكون من السهل استغلالهم على أيدي هؤلاء المدعين وأصحاب الورش الزائفة، وبكل أسف نخلق هنا مساحة مفتوحة لغير المؤهلين، وهنا لا بد لوزارة الثقافة وقطاع الإنتاج الثقافي بأن تصدر قانونا بأن من يقوم بالتدريس في أي من تلك الورش الخاصة لا بد أن يقوم باستخراج تصريح رسمي أولا بالتدريس أو بالسماح له بعمل ورشة، ومن الطبيعي أن هذا التصريح حينذاك لن يمنح إلا للمؤهلين فقط للتدريس، ولا بد أن يكون على أقل تقدير حاصلا على الماجستير في التخصص الذي يقوم بالتدريس فيه، ولكن لا يترك هذا الموضوع مفتوحا هكذا لكل من هب ودب ولأناس ليس لديهم أي فكرة عن التدريس، فقط يتخذونه سبيلا للرزق السهل والسريع وكذا النصب على الآخرين.

 - هناك بعض مخرجي السينما والفيديو يقومون بالتدريس في تلك الورش الفنية الخاصة بهم، ومن ثم تحويلها لمشروع تجاري مربح مقابل تشغيل الشباب في أعمالهم الفنية، فما رأيك في هذا الاتجاه الجديد هل تؤيدينه أم ترفضينه؟ ولماذا؟
لا مانع من ذلك لو تلك الورش جادة بالفعل في التدريب والتأهيل، ولكن أنا عن نفسي غير مؤمنة بالطبع بأن ورشة واحدة فقط سوف تؤهلك للاحتراف لأن التمثيل فن يحتاج لتراكم خبرات وسنوات من العمل تقوم فيها بالعمل على نفسك وتدريبها كي تنمو ذهنيا وجسديا وكذا وجدانيا، فهذه مهمة شاقة لها متطلبات كثيرة جدا، ففكرة أن أقوم بعمل ورشة لمدة ثلاثة أشهر لمجموعة متدربين معتقدا بذلك أنها ستكون فترة كافية لتأهيلهم، فهذا وهم ويتسبب في حالة لغط، إنما لو هناك صدق بالفعل في هذا الموضوع الخاص بتلك النوعية من الورش، ولو الهاوي يمارس الفن مسبقا قبل التحاقه بالورشة لعدة سنوات وفقط يريد أن يزيد من خبراته ويأخذ فرصة أيضا بالطبع للعمل مع هؤلاء المخرجين، فهذا يعد شيئا إيجابيا في هذه الحالة، حيث إن كل حالة ولها حالتها، فليس هناك مبدأ ثابت نستطيع أن نحكم من خلاله بأن هذا جيد وهذا سيء، فهناك بالفعل مخرجون جادون يقدمون أعمالا محترمة ويبحثون بالفعل عن كاركترات محددة، فيأتي لهم ناس يمارسون التمثيل منذ عدة سنوات وتدربوا بالكثير من الورش، وهذا يعد شيئا إيجابيا، لكن عندما يقوم هؤلاء المخرجون مثلا بقبول أي أشخاص حتى لو غير مؤهلين وعديمي الموهبة بغرض التربح، ولا أقدم له شيئا ينفعه، في هذه الحالة نحن في النهاية نضحك على أحلامه وهذا لا يصح مطلقا.

 - لماذا لا يقوم معهد فنون مسرحية، المعني الأول والأخير بتخريج المواهب للوسط الفني، بتبني مشروع عمل ورش مسرحية متخصصة تحت إشراف كبار الأساتذة بالمعهد بأجور رمزية وتكون متاحة للجميع بعد اجتياز اختبارات المستوى للمساعدة في القضاء نهائيا على ظاهرة ورش الوهم المنتشرة مؤخرا في الوسط الفني؟
منذ فترة طويلة ونحن نطبق نظام التعليم الموازي ونظام الدراسات الحرة ثم تم إغلاقه وتم فتح مركز للفنون مؤخرا في قاعة سيد درويش وهي تقوم بهذا الدور حاليا.

 - ما رأيك في عودة المهرجان القومي للمسرح المصري إلى شكله التنافسي القديم بين فرق الهواة والمحترفين؟
أنا ضد أن نثبت على شكل بعينه، ولكن دعنا نجرب أشكالا متعددة ثم نرى بعد ذلك كل شيء بوضوح، لأن كل شيء وله سلبياته وإيجابياته، فأنا أرى أن التجديد المستمر هو أن نقوم بتجريب أشياء جديدة، وهذا يعد شيئا رائعا.

 - ماذا أضاف الدكتور حسن عطية رئيس المهرجان للسنة الثانية من تجديد وتطوير لهذا المهرجان القومي في دورته الحادية عشرة؟ وهل هو حريص على التجديد من عام إلى عام من وجهة نظرك؟
بالطبع، د. حسن عطية حريص جدا على أن يجدد، كما أنه أيضا يقوم بإدخال أفكار جديدة كل عام.. وأرى ان هذا شيء إيجابي جدا على الرغم من أنه لأول مرة هذا العام على سبيل المثال يعترف بمسرح الطفل الذي يعد من ضمن المسرح وقام بعمل ندوة له وعمل أبحاث ومشاركات، وهذا في حد ذاته شيء رائع ومكسب كبير.

 - لأول مرة في تاريخ المهرجان تقوم لجنة مستقلة باختيار العروض التي ستمثل البيت الفني للمسرح، هل هذا الفصل من وجهة نظرك بين اللجان المختلفة يعد في صالح المهرجان أم ضده؟
نحن من نقوم باختيار عروضنا، فنحن كأكاديمية نقوم باختيار عروضنا التي تمثل اسمنا، وهذا شيء رائع في حد ذاته، فأنت مطالب كمؤسسة احترافية بأن تقول ما هي العروض التي سوف تمثل اسمك، فعلى سبيل المثال مصر مثلا ستذهب للمشاركة في مهرجان بدولة معينة، فمصر هي من تقول ما هي العروض التي سوف تشارك باسمها ولا أحد يملي عليها اختياراتها، وهذا شيء طبيعي.

 - أنتِ ممثلة وموهبة تمثيلية كبيرة لها تاريخ فني طويل، مثلما أنتِ دكتورة وأكاديمية كبيرة أيضا، فما هو سر ابتعادك منذ سنوات عن التمثيل؟ وهل هو برغبتك أم رغما عنك؟
بالطبع ليس هناك أدنى شك أنك عندما تختار طريقا معينا في حياتك، فهذا في حد ذاته يأخذ وقتا طويلا من عمرك، فالشكل الأكاديمي من أجل عمل أبحاثك وترقياتك وحياتك يأخذ وقتا كبيرا جدا، إلا أن هذا لا يعد مبررا للبعد عن السوق، لكن السوق له مفرداته؛ أولها العلاقات العامة، وأنا بليدة جدا في العلاقات العامة، إنما أحاول من وقت للآخر حينما تعرض علي أعمال فنية أن أوفق بين ظروفي الأكاديمية والفنية، وأتمنى في الفترة القادمة أن يكون عندي وقت أكبر وأن أساهم بشكل أفضل، لأن التمثيل هو عشقي الأول وهوايتي الأولى والأخيرة.

 


اشرف فؤاد