عروض الهواة .. بين فقر الإمكانات وسندان الرقابة

عروض الهواة ..   بين فقر الإمكانات وسندان الرقابة

العدد 550 صدر بتاريخ 12مارس2018

حاولت على مدار يومين أن أشاهد الفيديوهات المنشورة لمسرحية «سليمان خاطر»، وما قاله المخرج أحمد الجارحي في عدة مداخلات تليفونية ببرامج التوك شو، وما قاله بعض ضيوف تلك البرامج حول الأمر وهيستريا كبيرة حول مؤامرات.
تعالى نمد ما حدث خلال اليومين الماضيين على استقامته ونتساءل كيف نحاسب صالح مرسي على كل جمل الكراهية والتشفي في مصر عند هزيمتها.. على لسان أبطال العمل ممن يمثلون الجواسيس واليهود والإسرائيليين، بمسلسل رأفت الهجان؟
الهيستريا التي تحدث الآن من مجرد عرض مسرحي يعود بنا للمربع صفر وسوف يضار أول ما يضار هواة المسرح في كل مكان، إن ما يحدث يضرب الظهير الثقافي والفني في جبهتنا الداخلية على الفور يجهز على كل ما هو معلن في النور ويعرض على خشبات المسارح مقابل أنه يتغاضى أو لا يرى ما يحدث في الظلام من تمدد للتطرف والأفكار المتشددة التي تجد في الظلمة طريقا ممهدا لصنع متطرفين، وذلك مقابل كل مسرح يغلق وكل ممارس لفن الإبداع يتوقف وكل مجموعة مسرحية ينفرط عقدها.
فكيف تطلب من شاب - في الشلاتين أو أسوان أو مطروح أو سيناء أو المناطق الأولى بالرعاية والثقافة - أن يوفر تذكرة القطار للقاهرة ليذهب للرقابة ويسلمها نسخ نصه ويدفع لها مبلغ أكثر من مائة جنيه، وكذلك المؤلف، كي ينتظرا قرار الرقيب بعد شهر مثلا إن كانا سوف يقدمان مسرحيتهما بمركز شباب أو قصر ثقافة ليلة واحدة يتيمة إن سمح لهم بالطبع؟
إن ما حدث من هسيتريا حول عروض الهواة تحديدا، هو ضد أي تنوير ومع إغلاق كل خشبة مسرح ووأد كل موهبة تفكر حتى أن تمارس هذا الفن وتجرب ذاتها في الكتابة أو الإخراج أو التمثيل.
إن ما يحدث يتطلب من المبدعين بشكل عام التضامن والتكاتف حتى لا تذهب نصوص الدستور الخاصة بحماية حق حرية الابداع أدراج الرياح، لقد أصبح مقدمو البرامج التلفزيونية ومحررو الصفحات الرياضية نقادا مسرحيين يفندون العمل الفني ويجتزئون منه مقاطع ويقدمون بها بلاغات لجهات التحقيق ليزجوا بها شبابا يمارسون هواية التمثيل إلى السجن، بل وصولا للحديث حول الخيانة العظمى لجملة أو جملتين في نص مسرحي رأته عدة لجان من قبل ولم ترَ به من فن ولا من إبداع جدير بالذكر أو المنافسة بمهرجان محلي أو دولي.
لا أعرف ما عليّ فعله سوى أنني أكتب وأحاول تأمل ما يحدث وسط صمت كبير لا أفهمه، وأتمنى أن يكون ضمن أولويات النقاش بلجنة المسرح، وأنا أثق بهم في أن ينجحوا بإيقاف تلك الهيستريا التي لا مبرر لها.
أعلم جيدا مدى الرعب المسيطر على البعض؛ مما قد يجعل من عروض الهواة هدفا للمنع أو التضييق عليها في أحسن الأحوال بكل مكان سواء للمنع أو تصفية حسابات والزج بمبدعيها بالسجون، لأن ما قيل أو تم صنعه من حركة وإضاءة وموسيقى وإشارة وملابس يمكن تأويله بكذا أو كذا.
ولكن، في تلك اللحظة الراهنة التي تنتفض فيها الدول التي رزحت تحت وطأة شيوخ التطرف، وبدأت تفتح ذراعيها للحياة والتصالح معها، هل نقوم نحن بالنقاش حول ماذا كان يقصد الممثل حين التفت بتلك الطريقة أو رفع رأسه للسماء أو حرك ذراعه يمينا أم يسارا، وتغير الإضاءة في هذا المشهد أو ذاك عن ماذا أشار وعبر ووجود برنيطة أو غطاء رأس، وما الذي أراد أن يشير إليه المخرج ومصمم الملابس. ونتساءل هل يفترض بنا أن نعود لمرحلة إقناع الناس بأن الشخصيات الشريرة والطيبة من خيال المؤلف، وأن الممثل يقوم بدور فلا هو الشرير ولا هو الطيب، ونحاول إقناعهم بأن هذا عمل فني.. ونكتب لا تمت الأحداث للواقع بصلة؟ وأي تشابه بينها وبين أي أحد بصفته أو بشخصه هو محض صدفة لا أكثر.

 


أحمد زيدان