النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(18) فتحى فضل.. الشهير المجهول!

النقد المسرحي السري والمجهول في مصر(18) فتحى فضل.. الشهير المجهول!

العدد 922 صدر بتاريخ 28أبريل2025

الكاتب المسرحى «فتحى محمد فضل» المعروف باسم «فتحى فضل»، أحتفظ له بنصوص عشر مسرحيات مخطوطة ومكتوبة بالآلة الكاتبة، وغير منشورة حتى الآن، وأعدّه أشهر كاتب مسرحى فى الثقافة الجماهيرية طوال خمس عشرة سنة (1973 – 1988)! وحاولت أكثر من مرة أن أكتب عنه، لكنى كنت أتراجع، لأنه ضد مشروعى، فأنا لا أكتب إلا المجهول و الجديد دائمًا، وطالما هو من المشاهير فهو خارج نطاق اهتماماتى ومشروعى.. هكذا كنت أظن!! وعندما اكتشفت أن «فتحى فضل» هو أشهر مؤلف مسرحى مجهول فى الثقافة الجماهيرية، قررت أن أكتب عنه وعن نصوصه المسرحية التى كانت ستُحرق منذ ثلاثين سنة، حتى يتم التخلص منها مع مئات النصوص غير المنشورة لعشرات المؤلفين المسرحيين المصريين والعرب!!
بحثت عن أية معلومات تصلح لتكون مدخلًا للكتابة عن فتحى فضل.. فشلت!! إلا من دراسة «يتيمة» كتبها الدكتور «إبراهيم محمد منصور» بعنوان «الكاتب المسرحى فتحى فضل (1932 – 1996) وتناوله لشخصية (عمر الخيام)»، نشرها فى مجلة كلية الآداب بجامعة طنطا فى العدد الحادى عشر بتاريخ يناير 1998، وهى دراسة حول مسرحية «عمر الخيام» - التى نُشرت مع مسرحية «مضحك السلطان» بعد وفاة المؤلف «فتحى فضل» - وقد بدأها الباحث بذكر نبذة عن فتحى فضل، قال فيها: “ولد فتحى فى مدينة قنا بجنوب مصر فى 16 أبريل 1932، وكان والده موظفًا كثير الترحال فانتقل معه وهو طفل إلى المحلة الكبرى فى سنة 1943، ثم توظف فى شركة مصر للغزل والنسيج وهو فى سن الخامسة عشرة، وقد عاش فتحى فضل فى المحلة الكبرى يعمل ويثقف نفسه ويبدع إلى أن توفى فى الأول من أكتوبر سنة 1996. وفى المحلة أسس فتحى فرقة مسرحية بشركة مصر للغزل والنسيج تابعة للجنة النقابية بالشركة وقد أخذت الفرقة على عاتقها الترفيه عن العمال، وكان يكتب نصوصًا لهذه الفرقة”.
ثم وثق الباحث مجموعة كبيرة من أعمال فتحى فضل المسرحية والقصصية من خلال أقوال الآخرين أو المصادر الشفاهية وبعض أقوال من عاصروه، وهذا التوثيق لا يتفق مع مشروعى، لكننى التمس العذر للباحث لأن هذا الأمر كان مصدره الوحيد للمعلومات المتاحة أمامه، وله كل الشكر لأنه فتح المجال لى ولغيرى للبحث أكثر حول فتحى فضل!! وقد لاحظت أن من بين المصادر الشفاهية للباحث كان المبدع «جار النبى الحلو» - أطال الله فى عمره - فاتصلت به لأعرف المزيد، لكننى لم أفلح لأن المبدع «جار النبي» لم تسعفه الذاكرة بأى جديد عما كتبه الباحث فى بحثه! وبناءً على ذلك أيقنت أننى أحتفظ بكنز ثمين – غير منشور – اسمه «مسرحيات فتحى فضل غير المنشورة» أو «مسرحيات فتحى فضل المجهولة»، ربما الكتابة عنها تشجع الباحثين لكتابة رسائل جامعية أو بحوث أكاديمية عنها، أو تلفت نظر الناشرين إلى مخطوطات مسرحية قديمة، تستحق النشر!
كنت أتمنى أن أكتب عن أعمال فتحى فضل المسرحية من خلال التقسيم الموضوعى، كونه كتب المسرحيات التاريخية والتراثية متأثرًا بفترة المماليك وعصر محمد على، وكذلك تأثره بحكايات ألف ليلة وليلة بصورة ملحوظة، هذا بالإضافة إلى كتاباته عن الواقع المعايش فى مصر من خلال مسرحيات معاصرة. وهذا التقسيم الموضوعى ربما يقوم به الباحثون مستقبلًا فى بحوثهم أو رسائلهم الجامعية! أما أنا فمشروعى قائم على الجديد والمجهول، وهذا يتتبع الكتابة عن المسرحيات وفقًا لتاريخ كتابتها – أو عرضها أو تقديمها إلى الرقابة - وتتبع أسلوب المؤلف وتنقله من مسرحية إلى أخرى حسب موضوعها وضرورة كتابتها فى وقتها!
أول مسرحية لا يعلمها أحد – ولم يذكر عنوانها أحد - كتبها «فتحى محمد فضل» عام 1962 بعنوان «سعادة الآخرين»! وللأسف هى مفقودة – حتى الآن – وعلمت بها من خلال وثيقة مهمة، عبارة عن ثلاثة «تقارير قراءة» - وليست تقارير رقابة - للجنة قراءة النصوص المسرحية بالمؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى، التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي! التقرير الأول كتبه «سعيد محمد خطاب» - عميد المعهد العالى للفنون المسرحية وقتذلك – من خلال رأيه فى تأليف محمد فضل لمسرحية «سعادة الآخرين»، وهذا الرأى جاء فى عدة نقاط توضح موضوع المسرحية، قائلًا: “الأمير شاب عاش مع خياله فى الكتب، وترك أمر شعبه لزوجته ووزرائه.. الحطّاب كان بمثابة الواعظ وكذلك زيد.. الملاك والجن قاما بدوريهما كما قام الحطّاب وقام زيد (وعظ أيضًا).. ماذا يريد أن يصور المؤلف؟؟.. هل يريد أن يصور انصراف الأمير عن شعبه والانشغال بكتبه وقراءاته؟ ليس فى ذلك عيب حيث لم يشغل الأمير بأى ملذات غير مشروعة ما يؤخذ على الحكام والملوك.. هل يريد أن يصور سلطان الزوجة (الأميرة) الجائر؟ وما هو المبرر إلى ذلك؟.. ثم هل تعديل نظم الحكم قامت نتيجة وعظ أفراد كالحطّاب، أو زيد فى الوقت الذى صورهما الكاتب كأفراد دون أن يربط بينهما وبين نظرائهما فى المجتمع”. وكان قراره بأن المسرحية «لا تصلح» للتمثيل!! أما التقرير الثانى فكتبه الدكتور «عبد القادر القط» ولم يكتب فيه أى شيء سوى عبارة «لا تصلح للتمثيل»! أما التقرير الثالث والأخير فكتبه «أحمد حمروش» وقال فى رأيه: “مسرحية لا تتناسب مع واقعنا الخاص بالاحتفال بالعيد العاشر للثورة”!! ولولا أن هذا التقرير يحمل تاريخ تحريره وهو 11/7/1962 ما كنت اهتديت إلى أنها مسرحية فتحى فضل الأولى!
وبناء على ما جاء فى هذه التقارير، يتضح لنا أن فتحى فضل كتب أولى مسرحياته بمناسبة الاحتفال بعيد ثورة 1952 العاشر! وربما كانت مسابقة أو إعلان ظهر فى ذلك الوقت بأن الوزارة تريد نصًا تمثله فى هذه المناسبة، فكانت فرصة لفتحى فضل لأن يقول ما بداخله، حيث إن ما كتبه سعيد خطاب فى تقريره، يبين أن فتحى فضل غير راض عن أحوال البلد فى هذا الوقت، وربما قصد فترة «جمال عبد الناصر» تحديدًا!! فالمسرحية تتحدث – من خلال الرمز وتوظيف التاريخ والأساطير – عن حاكم منصرف عن شعبه بأمور أخرى غير أمور الحُكم، وعن تغيير نظام الحكم، لدرجة أن «أحمد حمروش» - أحد الضباط الأحرار – فطن إلى غرض الكاتب وقال فى تقريره إن المسرحية لا تتناسب مع واقعنا والاحتفال بعيد الثورة!! وبذلك تم منع تمثيل أول نص مسرحى يؤلفه فتحى فضل، وهو النص المفقود منذ عام 1962 وحتى الآن!! ومن وجهة نظرى أقول: إن هذا النص - المفقود حتى الآن – يحمل مبدأ الكاتب وبذور مشروعه الإبداعى، كونه مبدعًا يريد الخير لوطنه – مصر – بإظهار ما يحدث فيها من تجاوزات يقوم بها الحاكم وأولى الأمر، وعرض هذه التجاوزات أو السلبيات أمام الجمهور من أجل التوعية بها والعمل على إصلاحها!

بيت جحا
النص المسرحى الثانى الذى كتبه فتحى فضل كان بعنوان «بيت جحا» عام 1967! ومن المرجع أنه كُتب بعد «هزيمة/نكسة» يونيو 1967 مباشرة، وذلك وفقًا لموضوع المسرحية. ومن المحتمل أيضًا أنه مُثل أمام الجمهور وقتها، أو لم يُمثل، حيث تم عرقلة تمثيله! هذا التضارب فى عدم حسم الأمر راجع إلى الآتي: أننى أحتفظ بأكثر من نسخة لهذه المسرحية وبأكثر من عنوان، وكل نسخة لها ظروفها ولها فرقتها ولها تقاريرها الرقابية.. إلخ! جميع النسخ لها تواريخ – تبعًا لتقديمها إلى الرقابة – إلا نسخة واحدة تحمل اسم المؤلف فتحى فضل وتاريخ التأليف عام 1967، لذلك سأتتبع هذه المسرحية وفقًا لوثائقها الرقابية للوقوف على أهميتها فى مسيرة مشروع مؤلفها!
النص الأول لمسرحية «بيت جحا» المُقدم إلى الرقابة كان بعنوان «جحا والحاكم» وأحتفظ به تحت رقم «843»، ووفقًا للوثائق الرقابية، تقدم بهذا النص فريق التمثيل والموسيقى بشركة الدلتا للغزل والنسج بطنطا، وهو تأليف «فتحى محمد فضل» وإخراج «شحاتة أحمد شحاتة»، وأحداثه تدور فى القاهرة فى عصر محمد علي. ومكتوب بخط يد مدير الرقابة عبارة: “السيدة سامية.. والعرض 18، 19، 20/3/1973”. وهذا يعنى أن مدير الرقابة أحال النص إلى الرقيبة سامية لتكتب تقريرًا سريعًا عن النص لأن الفرقة ستعرضه ثلاثة أيام فقط لأهالى شركة الدلتا للغزل والنسج بطنطا. هذا النص كان خاليًا من التقارير الرقابية، كونه حصل على ترخيص بالتمثيل سابقًا، لذلك نال ترخيصًا جديدًا برقم «47» بتاريخ 28/3/1973 وبدون ديباجة الترخيص المعهودة، ولعل هذا بسبب أنها نسخة إضافية كونها على ورق شفاف. ولكن الغريب أن الترخيص صدر بعد أسبوع من التاريخ المحدد للعرض!! فهل تأجل العرض بسبب تأخر التصريح، أم أن العرض تم إلغاؤه بسبب تأخر التصريح!! ولماذا يتأخر التصريح طالما أن النص صُرح بتمثيله من قبل؟! ماذا فى هذا النص من موانع؟!
لم أجد إجابة على هذا السؤال، الذى ظل مطروحًا لعدة سنوات حتى اطلعت على النص مرة أخرى، عندما تم تقديمه إلى الرقابة بعد أربعة عشر سنة، وتحديدًا فى عام 1987، وهو النص الذى أحتفظ به تحت رقم «299» بعنوان «بيت جحا» تأليف فتحى فضل، وإخراج فوزى شنودة، لصالح الفرقة المسرحية بنادى الجمارك الرياضى ببور سعيد. ومن الوثائق الرقابية المرفقة بالنص خطاب من «سحر أحمد أبو العز» مسئولة النشاط فى النادى إلى مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية للموافقة على مراجعة مسرحية «بيت جحا» تأليف فتحى فضل! فكتبت الرقيبة «لواحظ عبد المقصود» تقريرًا عن المسرحية، قالت فيه: تدور أحداث المسرحية أثناء حكم محمد على لمصر حيث إنه أصدر قرارًا بأن يحتل كل مملوك من المماليك منزل أحد المصريين. وبناء على هذا القرار يحتل «الباش أغا» ومعه «سعيد» والجلاد منزل «جحا» ويستولون على كل شيء فى المنزل، فنجدهم يبيعون حمار جحا ويرهنون المنزل، وكلما يعترض جحا على تصرفاتهم يجلدوه عدة جلدات، ولكنه عندما شعر أن الباش أغا يريد إبعاده ليعتدى على زوجته «فردوس»، والتى تمثل مصر فى المسرحية، نجده قد ثار ثورة عارمة وانهال على الباش أغا ضربًا حتى قضى عليه دون أن يعبأ بما سيلقاه من تعذيب. وتنهى الرقيبة تقريرها برأى قالت فيه: “تصور المسرحية مدى الظلم والاستعباد الذى كان يلقاه المصريون أثناء حكم المماليك لمصر، ومدى التضحيات التى ضحى بها الشعب المصرى فى سبيل حرية البلاد واستقلالها”. وتوجد تأشيرة من مدير الرقابة فى نهاية التقرير، قال فيها: “سبق الترخيص بهذه المسرحية «بيت جحا» وهى صورة من فن الأساطير تحكى تضحيات الشعب من أجل حياة بعيدة عن الاستعباد، ولا مانع من الترخيص”.
أما الرقيبة «فادية بغدادي» فكتبت تقريرًا اشتمل على ملخص للمسرحية - يحمل تفاصيل جديدة لم ترد فى تقرير الرقيبة السابقة - قالت فيه: تدور أحداث المسرحية فى عصر محمد على حيث أصدر قرارًا بأن يستضيف كل واحد من أهل مصر جنديًا من جنود الجيش العثمانى.. كان يعيش جحا مع زوجته فردوس ووالدته فى بيت متواضع حيث كان يعمل جحا «سقا».. وكان جحا يعيش فى سعادة رغم الخلافات المستمرة بين زوجته ووالدته.. ويفاجأ جحا بالجندى التركى وسعيد والجلاد وقرار ضيافتهم الإجبارى، ويفكر جحا كيف يتخلص من هؤلاء الضيوف الثقلاء ومطالبهم الاستغلالية.. ويفاجأ جحا بأنهم باعوا حماره ورهنوا بيته وباعوا أثاث البيت والنحاس كما ضربوه على قدميه بالفلقة عندما كان يعارض أى مطلب من مطالبهم.. ويقع التركى فى حب زوجة جحا ويدبر حيلة يبعد بها جحا عن المنزل.. ولكن جحا يدرك الحقيقة ويظل فى بيته.. وعندما يجد التركى يغازل زوجته ويطاردها يهاجمه جحا ويطعنه بالسكين.. أما سعيد والجلاد فيفرا هاربين.. وتنتهى المسرحية بموت الجندى التركى، وتشعر فردوس بالخوف من انتقام زوجها، ولكن جحا يطمئنها ويعرفها أنه يتسامح فى الكثير لكن إلا الشرف فسيدافع عنه حتى آخر قطرة فى دمه.
وبناء على هذا الملخص، يتضح لنا أن المؤلف «فتحى فضل» وظف التاريخ للحديث عن قضية فلسطين، ونتائج هزيمة يونية على مصر والعرب، وبيان ألاعيب الصهاينة فى استخدام المكر والخديعة لاقتطاع أجزاء من العالم العربى.. إلخ أبعاد القضية الفلسطينية من خلال الرمز واللجوء إلى التاريخ القديم!! وهى القضية التى تتقبلها الرقابة وتُصرح بتمثيلها فى وقت محدد حسب الظروف، ويمكن عرقلتها أو إيقافها بالتلميح دون التصريح كما حدث أول مرة!! ولكن فى عام 1987 صرحت الرقابة بتمثيلها، بناء على رأى الرقيبة فادية التى أنهت تقريرها قائلة: “مسرحية كوميدية تبين صراع المصريين ضد الاحتلال التركى لا مانع من التصريح بتأدية هذه المسرحية التى سبق التصريح بها”. وبالفعل نال النص ترخيصًا بتمثيله تحت رقم «99» بتاريخ 26/3/1987.


سيد علي إسماعيل