أمريكا والمسرح وكورونا

أمريكا والمسرح وكورونا

العدد 667 صدر بتاريخ 8يونيو2020

للمسرح عشاقه الذين لا يستطيعون الحياة بدونه ويعتبرونه بمثابة الهواء الذى يتنفسونه. وهؤلاء العشاق – فى الولايات المتحدة على الاقل -  يعانون كثيرا هذه الايام بسبب اجراءات العزل التى يفرضها وباء كورونا الذى يلقى بظلاله الكئيبة على الحياة فى الولايات المتحدة بشكل عام وعلى الحياة الثقافية بشكل خاص.  
لم يقف البعض مكتوفى الايدى امام المشكلة  وحاولوا تقديم بعض الحلول العملية.من هؤلاء الكاتب المسرحى الاسمر الشاب “تريفون جريفيث” الذى كشف النقاب عن فكرة مبتكرة للغاية حققت نجاحا كبيرا فى اسابيع قليلة بعد ان بدات فى مارس.  
الفكرة هى “مسرح فى المنزل” ويتم تطبيقها بالتعاون بين عدد من الفرق المسرحية غير الربحية. وتعتمد الفكرة على نصوص مسرحية قصيرة تتراوح مدتها بين 10 دقائق الى نصف ساعة تقوم الفرق ببثها على مواقع الفرق على الانترنت بعد مراجعتها مع عرض بعضها ممثلة ومصحوبة ببعض الموسيقى التعبيرية. ويمكن للاسر تنزيل هذه المسرحيات وتمثيلها فى بيوتها اذا ارادت.  
مزايا
ويقول جريفيث ان هذا الحل يهدف الى اشباع رغبات محبى المسرح فى هذا الوقت الحرج وتقريب الجمهور من المسرح وتقريب المسرح من الجماهير. وتقوم الفرق بمراجعة النصوص المسرحية بدقة وتدفع 500 دولار لمؤلف النص الواحد على سبيل المكافأة ثم تبثها على مواقعها مجانا لمن يريد. وتقوم الاسرة الراغبة بتحميلها واعادة تمثيلها بشكل مباشر او عن طريق الفيديو مع الاقارب والاصدقاء. ويمكن ان تكون المسرحية من مسرحيات الممثل الواحد او اثنين او ثلاثة ولايجب ان تزيد عن ذلك. واحيانا تكون بعض المسرحيات للاطفال واحيانا للكبار.
ويقول جريفيث ان الفكرة حققت نجاحا كبيرا حتى انه يوجد الان اكثر من مائة نص مسرحى متاحة على الانترنت لمن يريد.   وسوف تنشر قريبا احصائيات عن معدلات تحميل كل مسرحية . وسوف يتم نشر صور لبعض المسرحيات اثناء تمثيلها فى البيوت اذا امكن ذلك.
وتعلق على التجربة” ستيفانى ايبارا “المدير الفنى لاحدى الفرق غير الربحية وهى بلتيمور سنتر واحدى الشخصيات الرئيسية فى عالم المسرح الامريكى. تقول ايبارا (50 سنة ) انها تجربة ناجحة بكل المقاييس ليس فقط لانها تجربة مبتكرة  بل ايضا لانها تشبع حاجة رئيسية عند عشاق المسرح وهم كثيرون فى الولايات المتحدة والعالم. وهى فى الوقت نفسه تحقق العنصر الرئيسى فى المسرح والميزة الرئيسية له وهى التواصل المباشر بين الجمهور والممثلين. وهى فى رايها فرصة رائعة لتحويل المشاهدين الى ممثلين فيشعر الواحد منهم بمتعة التمثيل بدون الضغوط التى يتعرض لها الممثل العادى. وهى فى الوقت نفسه فرصة كبيرة تتاح للكاتب المسرحى من اجل الابداع. وتساهم فى تعريف القراء بالناشئين منهم وربما يكون لهم مستقبل كبير فى عالم المسرح.
اضيئوا الانوار
ومن اكثر الاعمال التى وجدت اقبالا منذ بدء التجربة مسرحية” اضيئوا الانوار “ للكاتب والممثل المسرحى الشاب “تيتو ليفاس” ابن ولاية يوتا. تدور المسرحية فى اطار فكاهى خيالى حول طفل صغير فى التاسعة  من عمره يعجب بالنمل النارى ويراقبه بنظارة مكبرة ثم يفاجأ بنفسه وقد تحول الى واحدة من النمل النارى ويسعى للتعايش معها. ويقول ليفاس انها عبارة عن معالجة مختصرة ومبسطة لمسرحية للاطفال سبق له ان كتبها واخرجها واستوحاها من حياته فى المزرعة التى يمتلكها والحشرات التى تحفل بها تربة ولاية يوتا المعروفة باسم ولاية خلايا العسل. وكانت المسرحية الاصلية تضم سبعة انواع من الحشرات اختصرها الى ثلاثة فى المعالجة المختصرة .
وهناك الكاتبة المسرحية الشابة  “دالى دون” ابنة  ولاية نيومكسيكو الحنوبية  التى كتبت مسرحية عن وباء اجتاح الجنوب الامريكى بالفعل فى 1918 بعنوان “ ابتسم فى مكانك”. واعتمدت فيها على ماوصلها عن تجربة جدها الاكبر الراحل الذى عاصر الوباء.  
وتدور التساؤلات حول امكاني استمرار هذه التجربة الناجحة فى مرحلة ما بعد كورونا. وتقول دالى دون انه لا احد يعلم والمهم ان تنتهى المشكلة ثم نترك الامور بشكل طبيعى ولنرى ماسوف يكون وقتها.
معلقة باتريوت ليدجر: القياس فاسد والعفة اساس بلا بديل
 ويقودنا ذلك الى تساؤل اخر...هل يمكن ان يكون المسرح اداة توعية مناسبة ضد فيروس كورونا؟ وبمعنى اخر هل يمكن انتاج عمل مسرحى يعالج موضوع وباء الكورونا واثاره على المجتمع وغير ذلك من القضايا المتعلقة به.
ثار هذا السؤال فى الولايات المتحدة منذ ان بدات تكتوى بنيران فيروس كورونا المستجد الذى اصاب حتى الان نحو مليونين من ابنائها واودى بحياة اكثر من مائة الف منهم.
 وبدأ السؤال يثور بقوة اكثر بعد وفاة الكاتب المسرحى وكاتب السيناريو والممثل “لارى كرامر” منذ ايام عن 84 عاما. وبدأ البعض يتحدث عن امكانية انتاج عمل مسرحى يعالج قضية كورونا ويتحدث عن مخاطرها مثلما فعل كرامر قبل 35 عاما عندما كتب مسرحية “القلب الطبيعى” عن مرض الايدز عرضت على مسارح برودواى عام 1985. وكان ذلك فى ذروة انتشار المرض بين عامى 1981و1989 قبل ان يتمكن الطب من الوصول الى عقاقير توقف انتشار المرض فقط دون ان تعالجه. ولايمنع ذلك من انهيار مقاومة حامل الفيروس  فى النهاية وظهور الاعراض والتعجيل بوفاته او يصاب باثار جانبية من الادوية نفسها فتعجل به الى العالم الاخر قبل المرض نفسه. وقد اعيد عرض المسرحية عدة مرات.
يقول الناقد المسرحى لجريدة فلادلفيا انكوايرر الامريكية ان المسرحية حققت نجاحا كبيرا فى لفت الانظار الى خطورة المرض على البشرية حيث انه لم يكن مشكلة امريكية فقط بل كان بمثابة وباء عالمى. فتسبب فى تدفق التبرعات لبحوث الايدز من المؤسسات والافراد.
ووجد النداء الذى وجهه ناقد الفلادلفيا انكوايرر صدى واسعا فى صحف واوساط عديدة ومنهم من دعا مؤلفى المسرح المحترفين الى تاليف مسرحيات حول هذا الموضوع سواء بشكل فردى او التعاون معا لاخراج مثل هذا العمل الى الحياة.
ليس قدوة
لكن هذا الرأى لم يعجب سوزان ويل معلقة صحيفة باتريوت ليدجر التى تصدر فى مدينة جاكسون عاصمة ولاية مسيسيبى افقر ولاية امريكية.
تقول ويل انها لا تعارض من حيث المبدا انتاج عمل مسرحى او حتى عدة اعمال لخطورة هذا الوباء الذى يهدد الولايات المتحدة بعواقب وخيمة طويلة الاجل حتى بعد انحسار المرض.
لكنها ترفض ان تكون القدوة مسرحية “القلب الطبيعى” لكرامر لسبب بسيط للغاية وهو ان كرامر نفسه كان شاذا ومعروفا بعلاقاته الشاذة منذ مطلع شبابه وكان كرامر – وهو يهودى صهيونى متطرف - يجاهر بما يفعل دون ادنى خجل كما هو الحال مع معظم الشواذ مما ساعد للاسف على انتشار الشذوذ فى المجتمع الامريكى بشكل خطير رغم وضوح مضاره. ولم يتوقف عن شذوذه حتى اليوم الاخير من حياته حتى انه تزوج من صديق له عام 2013 عندما كان فى السابعة والسبعين من عمره بعد علاقة دامت عشرات السنين . ولم تستبعد ان يكون حاملا للفيروس و مات من المرض او من الاثار الجانبية للادوية التى تحد من انتشاره بما تسببه من اثار جانبية. وكان نشطا فى  اوساط جماعات الشواذ  ومدافعا عنهم وعن حقهم فى “الحياة الطبيعية”!!!.وله كتاب ضخم من جزئين يؤرخ لحركة الشواذ فى الولايات المتحدة واظهار دورهم “البناء “ فى المجتمع!!!. وله افلام ومسرحيات واعمال تليفزيونية تدافع عنهم مثل فيلم الشواذ faggots  وفيلم اضطهاد الشواذ sessies  scrapbook
وتمضى قائلة انها شاهدت المسرحية فوجدتها دفاعا سافرا عن الشواذ واعتبار انهم “ضحايا لمجتمع ظالم فشل فى ان يضمن لهم حقهم فى الحياة الطبيعية “ولابد من التكاتف لانقاذهم ...وياله من منطق فاسد. كانت تتوقع مثلا ان تكون المسرحية بمثابة دعوة للفضيلة والابتعاد عن الشذوذ الذى يخالف الفطرة الانسانية ويهدم المجتمعات. وكرر هذه النغمة فى مسرحيات اخرى مثل “جيش المحبين”.
هذا بينما اعجبتها مسرحية اخرى عرضت فى بوسطن تعتبر الايدز نتيجة طبيعية للشذوذ ولابد من انهائه خاصة انه يمكن احيانا ان يصيب ابرياء حيث تقدر الاخصائيات ان 4 % من حاملى فيروس الايدز او مرضاه ليسوا من الشواذ او مدمنى المخدرات عن طريق الحقن ولاتعرف اسباب اصابتهم على وجه الدقة.  
وقد تدخلت جماعات الشواذ لوقف المسرحية وكان لها ما ارادت للاسف. وتذكر المعلقة الرئيس الامريكى الراحل رونالد ريجان الذى خرج الى مظاهرة نظمها الشواذ امام البيت الابيض عام 1985 للمطالبة بدعم بحوث الايدز فقال لهم ...افضل حل ان تقلعوا عما تفعلون.


ترجمة هشام عبد الرءوف