معهد الموسيقى العربية.. يحيي ذكرى شيخ الملحنين زكريا أحمد

معهد الموسيقى العربية..  يحيي ذكرى شيخ الملحنين زكريا أحمد

العدد 862 صدر بتاريخ 4مارس2024

قدم 30 مسرحية غنائية مع الفنان علي الكسار
\أقيم الأسبوع الماضي وضمن النشاط الثقافي والفني لدار الأوبرا المصرية ندوة لشيخ الملحنين زكريا أحمد وذلك بمعهد الموسيقى العربية التراثي بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لوفاته أدارها، وتحدث بها الأستاذ الدكتور خيري محمد عامر أستاذ متفرغ بقسم الموسيقى العربية كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان ورئيس قسم الموسيقى العربية ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع الأسبق وتحدث بها الدكتور سيد علي إسماعيل أستاذ الأدب المسرحي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة حلوان، الناقد الفني محمد دياب مدير تحرير مجلة دار الهلال وفي بداية الندوة أوضح الدكتور خيري محمد عامر الإرث الموسيقي الذي تركه لنا الشيخ زكريا أحمد من خلال ألحانه المتميزة فقد قدم للمكتبة الموسيقية العديد من الألحان، كذلك المسرح الغنائي الكبير والذي قدم من خلاله الألحان الجميلة، والذي قدم للساحة الغنائية العديد من المطربين والمطربات، وترك لنا تراثا عظيما وكلمة «شيخ» تعني الأستاذ الكبير المخضرم في مهنته، وقد كانت بدايات الشيخ زكريا أحمد من الأزهر الشريف حيث التحق به ولم يكمل به، وبدأ بالإنشاد الديني والتواشيح وبقراءة القرآن ثم استهواه المجال الموسيقي فقام بتغير اتجاهه، وبدأ العمل في الحقل الموسيقي وتابع: وكان أسلوبه في التلحين يمثل إلى حد كبير مدرسة المنشدين، وكان لديه مخارج حروف جيدة وانتقالات مقامية ولحنية جيدة، ويرجع ذلك لتتلمذه على أيدي عملاقة كبار في هذه الفترة الزمنية وعلى عكس الكثير من الموسيقيين كانت بدايات الشيخ زكريا أحمد من أصعب البدايات فكان والده يتوسم بأن يكون من أحد شيوخ الأزهر الشريف، وعندما بدأ اهتمامه ينصب على المنشدين والموالد بدأت الخلافات تدب بينه وبين والده، وتصاعدت هذه الخلافات للحد الذي جعله يترك منزله حتى تدخل بعض المقربين لإقناع والده بأنه من الممكن أن يكون منشداً جيد، وهي مهنة جيدة وقد اقتنع والده بهذا الأمر، وبالفعل أعطاه مساحة حتى يتعلم الموسيقى، وعهد به إلى شخص يدعى “درويش الحريري” وهو يعد من أساطين الموسيقى في هذا العصر، وكان شيخاً كبيرا ومنشداً متميز لديه إلمام ودراية بالمقامات والإيقاعات الموسيقية فبدأ في إعطائه نقاط الانطلاق له وأرسله للشيخ “درويش الحريري” إلى صديقه يدعى “على محمود” وهو من الناس المشهورين فتعلم منه ما يتم تقديمه في الموالد ثم انتقل إلى شخص يدعى “إسماعيل سكر” وهو ملم بشكل كبير بالموشحات وفن الموشحات من الفنون الجملية التي تجعل الشخص ملما بالمقامات الموسيقية والإيقاعات.
وأضاف: بدأ سيط وشهرة الشيخ زكريا أحمد تنتشر، وبدأت الناس تعرفه فقام الشيخ درويش الحريري وعلي محمود بإرساله لشركة أسطونات، ومن هنا كانت بداية انطلاقه لعالم التلحين فقط لحن لأغلب المطربين لهذه الفترة وتعرف بعد ذلك على الموسيقار سيد درويش ولازمه وتعرف من خلاله على التلحين المسرحي والأوبريتات.
وعن علاقة الشيخ زكريا أحمد بالمسرح وبالفنانين المتواجدين في ذلك التوقيت تحدث جبرتي المسرح د. سيد علي إسماعيل عنه قائلاً: وفي بداية حديثه أعرب الدكتور سيد علي إسماعيل عن سعادته بأن يكون ضمن المتحديثن عن الشيخ زكريا أحمد موضحاً أن الحديث عن الشيخ زكريا أحمد قد يجعل هناك إشكالية كبيرة، وهي أن المرحوم صبري أبو المجد لم يترك لنا سطراً واحداً نضيفه عما كتبه عن الشيخ زكريا أحمد في كتابة عن زكريا أحمد في سلسلة أعلام العرب التي صدرت في يوليو عام 1963 م.
وتابع قائلاً: كل ما نسمع ونقرأه ونعرفه ليس معرفة زكريا أحمد بل زكريا أحمد في عيون صبري أبو المجد مشكلة هذا الكتاب أنه بدأ في النشر في مجموعة حلقات في مجلة المصور بعد وفاة الشيخ زكريا أحمد بحوالي ستة أشهر في يوليو عام 1961 م، هذه الحلقات وفي البداية يشير صبري أبو المجد أنها مذكرات وحكايات الشيخ أودعها عنده وهي سبعة أو ثمانية حلقات وبعد عامين فوجئنا أن هذه الحلقات أصبحت كتاباً ضخماً.
ويقول في البداية أنها مذكرات أو يوميات أو قصة؛ وبالتالي المكتوب عن زكريا أحمد مكتوب من وجهة نظر صبري أبو المجد والسؤال الذي يطرح نفسه هل مذكرات الشيخ زكريا أحمد الأصلية موجودة؟ وكلمة موجودة تعني أنها موجودة كيوميات، وبدأها عام 1916 م وهذا يعني ففي حالة إنها مذكرات يومية مثل المفكرات فهذا يعني أننا نحتاج ما يقرب إلى خمسين مجلدا فهل هناك خمسون مجلدا عنه وموجودون من خلال مذكرات أم يوميات، والحلقة التي أضافها صبري أبو المجد بعد ظهور الحلقات أضاف حلقة، وهي آخر ما كتبه الشيخ زكريا أحمد قبل وفاته بأسبوعين فهل المذكرات التي تركها الشيخ زكريا أحمد بهذه الصورة ماذا فعل كل يوم؛ وبالتالي ومن وجهة نظري أن هذه المذكرات لا بد أن تعاد كتبتها لأن صبري أبو المجد انتقى أشياء وفسر من وجهة نظره أشياء أخرى، واخفى وأضاف أشياء من عنده هذه يجوز أو لا يجوز فأنا لا أحاسبه فهو يعترف في كتابة أنها المرة الأولى التي يكتب بها عن الفن فتشعر في كتابته أنه يحقق وفيما يخص المسرح الغنائي وعلاقته بالموسيقار سيد درويش: بدأ بين عامين 1924 ،1925 فقدم مجموعة من المسرحيات منها «مملكة الباباظ «، والعمدة ومسرحيات أخرى وهناك إشارة عن مسرحية هامة وهي “فقراء نيويورك” ويقال إنها قدمت عام 1922 وأتشكك في هذا التاريخ فقد ذكر أنها قدمت عام 1916 م ولدي الإعلان الخاص بهذه المسرحية التي تخلو من الأسماء فعلى سبيل المثال لا يوجد اسم محمد سعيد الذي قام بتعريبها من الإيطالية، وكذلك ذكر أن هناك مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية والتي قال في مذكراته إن الفنان حسين رياض كان أحد هؤلاء الطلاب، ولكن الإعلان لا يوجد به اسمه وهناك مسرحية بعنوان “إديني عقلك” مع الفنان علي الكسار قدمت عام 1924 م وكان التلحين في هذه المسرحية مشتركا بينه وبين الموسيقار إبراهيم فوزي ولم تكن هذه المسرحية مشهورة وهناك نقطة هامة يجدر الإشارة بها في هذه المسرحية، فقد كان التمثيل الأول لهذه المسرحية “إديني عقلك” عام 1922 م ولحنها إبراهيم فوزي، وعندما تمت إعادتها من الممكن أن يكون شارك في تلحينها الشيخ زكريا أحمد مع إبراهيم فوزي .
وتطرق الدكتور سيد علي إسماعيل إلى نقطة هامة في حديثه عن علاقة زكريا أحمد بالمسرح فهناك إشكالية كبيرة للملحن في البحث العلمي بخلاف الممثل والكاتب فمن السهل الحصول على معلومات عن العروض المسرحية وتواريخ تقديمها سواء للممثل أو الكاتب، ولكن عند الحصول على معلومات عن أي ملحن فتكون هناك صعوبة بالغة ثم ارتكز الدكتور سيد علي إسماعيل على نقطة هامة في مشوار شيخ الملحنين، وهي الثنائية التي كونها مع الفنان علي الكسار فكان يلحن أغلب عروضه، وكتب زجل أغلب هذه المسرحيات بديع خيري، وهذه العلاقة الموسيقية تحتاج لباحث موسيقي ليعرف ما أسباب هذا الترابط الفني الموسيقي والنقطة الثانية هو أنه يشاع اهتمام زكريا أحمد بالموسيقى الشرقية دون أن يدخل عليها الألحان الغربية، والتساؤل هنا هل لدينا الدليل القاطع على عدم دخول نغمات غربية في موسيقى زكريا أحمد؟ وفجر الدكتور سيد علي تساؤلاً هاما يخص الإعلانات الخاصة بأعمال الشيخ زكريا أحمد فقال: لماذا لم أجد إعلاناً واحدا في أي عمل ضمن صالات عماد الدين رغم تلحينه لمجموعة من الأغنيات للكثير من الرقصات، وكذلك لم أجد إعلاناً واحدا به اسم زكريا أحمد في مسارح روض الفرج. فكان حريصا على وضع اسمه في المسارح الكبيرة، وعقب الدكتور الدكتور خيري محمد عامر على هذه النقطة موضحاً أنه كان يحرص على وضع بصمته على اللحن الذي يجعل المستمعين يحترمون ويقدرون ما يقدمه من فن كما أنه قدم ثلاثين  مسرحية غنائية مع علي الكسار.
ثم عادت الكلمة للدكتور سيد علي إسماعيل الذي تحدث عن ترحيبه بهذه الندوة وهذا يرجع لأمرين الأول وهو أن مسرح المعهد العالي للموسيقي العربية افتتح عام 1929 م ولكن وجوده كان منذ عام 1923 م من خلال نادي الموسيقى الشرقي وهو الحديقة التي تقع خلف المسرح “مسرح الفن جلال الشرقاوي” الذي يرجع الفضل لوجودهما لشخص واحد وهو شخص مجهول للعامة ولكنه معروف للمسرحيين وهو رائد المسرح المدرسي محمود مراد وهو أول من أنشأ جماعة موسيقية ومسرحية في المدارس والذي صدر كتاب عام 2015 عن نشاطه المسرحي الوموسيقي، كما أن معهد الموسيقى العربية شهد أول افتتاح لمسرح العرائس عام 1958م وقدم عليه عرض “الشاطر حسن”.
بينما ارتكز الناقد محمد دياب على عدة نقاط هامة، ومنها علاقة الشيخ زكريا أحمد بأم كلثوم التي بدأت منذ عام 1919م وعن هذه العلاقة تحدث قائلاً: بدأت علاقته بالسيدة أم كلثوم أثناء تواجده بالسنبلاوين لإحياء ليالي رمضان، وأثناء ذلك علم بوجد فتاة من طماي، وهي أم كلثوم فقام باستدعائها هي وشقيقها الشيخ خالد، وعندما استمع لصوتها أعجب به وتنبأ لها بمستقبل باهر، وكان في نفس الرحلة الشيخ أبو العلا محمد يحيى ليالي رمضان، والتي حفظت منه مجموعة من التوشيحات لتضمها إلى برنامجها التي تقدمه في ليالي رمضان والشيخ زكريا أحمد أول من ساعدها للمجيء للقاهرة، وتوسط لها لإحياء إحدى الحفلات في حي الأزهر والتي حضرها كبار الموسيقيين والمنشدين في ذلك التوقيت، ومنهم الشيخ علي محمود، ودرويش الحريري، وعبد اللطيف البنا، ومحمد القصبجي، وكذلك كان يتوسط لها عند متعهدي الحفلات ورغم علاقته بها التي بدأت منذ عام 1919 م؛ إلا أن أول لحن قدمه لأم كلثوم كان عام 1931 م، ولم يذكر أحد منهم السبب في عدم التعاون لهذه السنوات ففي مرحلة العشرينات كانت تغني من ألحان النجريدي والقصبجي، وفي عام 1931 م قدم لها طقطوقه بعنوان “اللي حبك يا هناه” وقدم من خلال هذه “الطقطوقة» تطوراً كبيراً وتوطدت علاقتها آنذاك بالشاعر أحمد رامي والشيخ زكريا أحمد الذي عرفها فيما بعد على بيرم التونسي حيث أن الزجل الشعبي الذي يقدمه بيرم التونسي يتناسب مع ألحان الشيخ زكريا أحمد بينما الشعر العاطفي الرومانسي فيتناسب مع ألحان محمد القصبجي، وقدمت أم كلثوم مع الشيخ زكريا أحمد أروع الأغنيات في مرحلة الأربعينات والباقي منها 6 أعمال ومنهم “أهل الهوى يا ليل”، “الأمل”، “الحلم”، “حبيبي يسعد أوقاته” الأولى في الغرام”. وقد روت السيدة أم كلثوم أن الشيخ زكريا أحمد كان السبب في أن أبرز أعماله معها لم تسجل في فترة الأربعينات وذلك بسبب طلبه لمبلغ كبير من الشركة المختصة بالتسجيلات وهي شركة “كايروفون”  حيث رفضت المبلغ الذي طلبه الشيخ زكريا أحمد ولذلك رفض أن تسجل أعماله وروى أحد المآسي التى واجهت الشيخ زكريا أحمد في فترة الأربعينيات وهي انتحار أحد أبنائه وهجرة ابن آخر، وذلك في فترة الأربعينيات، وعندما علمت السيدة أم كلثوم هذا الأمر ذهبت هي والشاعر بيرم  التونسي له وحولوا هذا الحدث الحزين إلى عمل عظيم وهي “الأولى في الغرام” فيما تحدثت الصحفية أميرة النشوقاتي حفيدة الشيخ زكريا أحمد وهي صحفية بالأهرام أونلاين عن إنسانيته كفنان، فهي حفيدة أصغر بناته فلديه سبعة أبناء وكان يعتاد عندما يقدم لحناً لأم كلثوم أن يتشاور مع أبنائه ليقوموا باختيار الألحان معه، وكان رجلاً صادقا وهادئا وديمقراطيا ولطيفا وحنونا ومبهجا.
 


رنا رأفت