الفارس النبيل.. علاء عبد العزيز

الفارس النبيل.. علاء عبد العزيز

العدد 859 صدر بتاريخ 12فبراير2024

أصحاب الرسالة لا يموتون، تتجلى أرواحهم في كلماتهم، في تلامذتهم، في إبداعهم، في سيرتهم وذاكرة محبيهم... لا ينتهون إلا ليبدأوا  حياة  أخرى أكثر خلودا، من هؤلاء  الكاتب المسرحي  الدكتور علاء عبد العزيز الذي وافته المنية الأسبوع الماضي، وكان رحيله خبراً صادما هز أرجاء الوسط الثقافي والمسرحي فتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة للعزاء. الدكتور علاء عبد العزيز سليمان هو أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون بالهرم حصل على الدكتوراه في الدراما من كلية “رويال هولواي” بالمملكة المتحدة، له العديد من النصوص المسرحية منها “الملح الأخضر” ،”حكاية لم تروها شهرزاد” “في انتظار جودة”، “إزعاج”، بالإضافة إلى العشرات من الدراسات والمقالات النقدية كما شغل الدكتور علاء عبد العزيز العديد من المناصب منها رئيس تحرير سلسلة “نصوص مسرحية” التي تصدر من الهيئة العامة لقصور الثقافة، و رئاسة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي. خصصنا تلك المساحة لنتعرف على شهادات أصدقائه وزملائه ومحبيه عنه.
استثنائي في إنسانيته وعلمه
روى الفنان القدير ياسر عزت بداية تعارفه على الدكتور علاء عبد العزيز فقال: تعرفت عليه منذ التحاقي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، فنحن نعد زملاء وأصدقاء «دفعة واحدة» كنت أنا في قسم التمثيل والإخراج، وهو في قسم الدراما والنقد ومنذ تعارفنا الأول أصبحنا أصدقاء، كان يتميز بخفة ظل شديدة وفي نفس الوقت عمق كبير، وهو كاتب كبير، وفنان مهم وبالتأكيد جميع تلامذته يدركون قيمته جيداً كمدرس للدراما والنقد، كان إنسانا استثنائيا في كل شيء سواء في إنسانيته أو علمه، إنسان “دافئ” فطوال الوقت أحاسيسه حاضرة ومهتم بالآخرين، لا ينشغل بنفسه بمقدار انشغاله بالآخرين رحمة الله عليه.  خبر رحيله هز أرجاء الوسط الفني والثقافي والمسرحي نعزي أنفسنا ونعزي كل محبيه وتلاميذه ونحتسبه عند الله من الأبرار.

الموهبة والعلم الغزير
فيما نعاه  د.عصام أبو العلا فقال: فقد قسم الدراما اليوم زميلا غاليا يتسم بالموهبة والعلم الغزير، حيث سافر في منحة علمية إلى إنجلترا وهو معروف بين أقرانه كمؤلف مسرحي كبير، ثم عاد ليصبح مدرسا بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
واستطاع خلال سنوات قليلة أن يكسب قلب واحترام تلامذته وزملائه، كما استطاع أن يكسب إعجاب الوسط الفني كله ليحتل منصب رئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بعد أن قام برئاسة مهرجان الجامعات الدولي، الذي أقيم في الإسكندرية، ليشرف على سلسلة الإبداع المسرحي بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وأخيرا رشح لرئاسة المؤتمر العلمي الذي تقيمه أكاديمية الفنون هذا العام.
كان تلميذا نابها، حيث درست له سنوات البكالوريوس الأربعة، و زميلا غاليا بعد حصوله على درجة مدرس مشاركا بحب في كل الاحتفاليات والاجتماعات العلمية بكل صدق وأمانة.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته

ما أقسي أن تودع ابنا
ونعاه الدكتور سيد الأمام على صفحته الشخصية فقال: ما إن فتحت عيني لأستقر على مكتبي في بيتي، حتى فوجئت بخبر وفاة د. علاء عبد العزيز. كان الخبر صادما، إذ لم يكن «علاء» مجرد زميل عمل، بل واحد ممن أتاحت لي الظروف أن أقف أمامهم في قاعة الدرس قبيل مناقشتي لأطروحة الدكتوراة، ولم يدر بخلدي قط أن أنعيه، ولكن قدر الله أن يبتليني بنعيه بعدما ابتلاني بنعي «د. مصطفى سليم». ما أقسى أن تودع ابنا لك، مهما اختلفت معه. سبحان من له الدوام، ولا يسأل عن حسن الخاتمة سواه. اللهم له الرحمة، ولآله الصبر والسلوان.

 حرصه على التدريس
فيما تحدث الدكتور محمد شيحه عن عدة جوانب تميز بها فقال: درست له في مرحلة البكالوريوس وكان متفوقاً، وكان حريصا على إقامة علاقة طيبة مع أساتذته، وعندما أصبح معيداً كان حريصاً على توطيد العلاقة بالطلبة ورغم تأخره في الحصول على الدكتوراه؛ إلا أنه أنجز هذه الرسالة بنجاح شديد، وله أعمال مسرحية شديدة التميز والإبداع، ولكنه لم يكن حريصا على تولي مناصب إدارية داخل الأكاديمية أكثر من حرصه على التدريس،  لم يكن حريصا على تدريس المواد النظرية فقط لكنه كان يقوم بتدريس المواد التي تحوي الجانبين العملي والإبداعي، وكانت تعرض عليه من المناصب الإدارية؛  ولكنه  وافق على العمل في مجال النشر بالثقافة الجماهيرية،  وتابع د. شيحه قائلاً: في فترة الامتحانات كان يشرف على الطلبة ويحل مشكلاتهم. أهداني قلم رصاص كتذكرة،  وحتى الآن لم أصدق أنه رحل.

رجل مواقف
ووصفه الدكتور أسامة أبو طالب بأنه شخص مثالي فقال: الدكتور علاء عبد العزيز كان شخصا مثالياً في كل شيء، وهو نوع نادر من الرجال، يتسم بالصفات الكريمة، عطوفاً ومستعداً للمساعدة في كل الأوقات، يشهد بذلك تلامذته قبل زملائه، أما من الناحية العلمية فكان يتمتع بكفاءة حقيقية، وكان فناناً وشاعراً يكتب المسرح، علاوة على الدراسات النقدية القيمة، كما كان في قاعة الدرس أستاذاً قديراً متفتحاً حاضر البديهة، وقابلاً للمناقشة دون تعنت ودون سيطرة.
وتابع قائلاً: أما في قسم الدراما والنقد فقد كان أحد الأعمدة التي ظلت تدافع عن القسم وتاريخه طوال فترة عمله، علاوة على إخلاصه عندما كلف بالإشراف على أعمال الكنترول فتميز بالجدية، والنزاهة التي شكلت القسم الأكبر من صفاته، كما أنه رجل مواقف، لا ننسى له انسحابه من رئاسة المهرجان التجريبي في إحدى دوراته القريبة احتجاجا على مخالفات وتجاوزات رآها ولم تتفق مع مبادئه على الإطلاق.
وأضاف: كنت شاهداً على اعتذاره الأخير عن قبول رئاسة المهرجان القومي عندما عرضت عليه معالي وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، وكان ذلك في حضوري، لكنه رفض رفضاً تاماً رغم إلحاحي أن يقبل هذه المهمة؛ لكي يحدث ما حدث من خروج عن السياق المتعارف عليه للمهرجان، وكان هذا إثباتا قاطعا بكونه رجل مواقف. يتميز بالنزاهة والشرف ولا يستجيب لأي مغريات على الإطلاق. رحيل الدكتور علاء عبد العزيز يمثل لنا خسارة لا تعوض ويمثل لي شخصياً ما هو أكثر من ذلك لأنه تلميذي الموهوب المخلص، عزائي لكل أسرة المسرح في مصر والعالم العربي الذي خسر أحد الشرفاء المحترمين وعزائي لأسرة المعهد العالي للفنون المسرحية ولزوجته الدكتورة رشا خيري.

شهدت فيه خلقا فريدا
كما نعاه  الدكتور ياسر علام فقال: «أفإن مت فهم الخالدون»
رحل الساعة عن معشر المسرحيين والعلماء، إنسان نقي الدعابة، طاهر اليد، شجاع، كريم، مستغنٍ لم نر عليه يوما تلهفا على مكسب ولا استقواء على ضعيف شهدت فيه خلقا فريدا.  كان يعتذر وقد أخطأ غيره.  غير عابئ إلا بمواساة المنكسر. كان يدعم المستحق وسواه أملا في انصلاح حال المعوج وكم أصابت فراساته، ملأ الدنيا بهجة حتى تناسينا المواجع وعرف لونا من الحكمة ندر في كل الأزمان، حكمة الذي يعرف أن المعترف بحماقته أحكم من مدعي المعرفة، رحل عنا جدار في عز برد كأن الموت لم يكفيه لحد، كأن الموت لا يثنيه عهد، كأن الموت لا يكبر لأحد.

علاء الروح التي لا تتشابه
فيما تحدث الدكتور مدحت الكاشف فقال: عرفته طالبا جادا نابها مهموما بقضايا علمية وإبداعية تشغل حيزا كبيرا في حياته اليومية  لقبه زملاء دفعته بأستاذ الجيل، لم تتح لي فرصة التدريس له، ولكني كنت أراقب عن كثب نشاطه الإبداعي والنقدي والتحليلي لكافة الظواهر التي تعتمل في محيطنا الأكاديمي، خاصة بعد عودته من إنجلترا،  وهو يحمل إلى جانب شهادته للدكتوراه أحلام لا نهائية. والمدهش أن معظم تلك الأحلام كانت للآخرين، صور من العطاء لزملائه وتلاميذه الذي لايكف عن متابعتهم، ومنحهم الطاقة الإيجابية التي تعينهم على مواجهة الصعاب، وفي المقابل كان لا يبحث عن مجد شخصي، إلا إنه حقق مجدا غير مسبوق في حب كل من حوله، وفي صدارتهم تلاميذه من الشباب الواعد ثم أساتذته الذين يحمل لهم عرفانا فياضا بالحب، أما شخصيته المتفردة كأستاذ فقد كانت أكثر إدهاشا، كنا نحن المحيطين حوله نتلمسها في روايات تلاميذه عنه، فهو يعي تماما أنه يعلم إبداعا، وليس مجرد علوم جافة. إن الحديث عن علاء عبد العزيز الإنسان بمبادئه التي لا يحيد عنها لا ينتهي.  رحل علاء الجسد، افتقدنا علاء الروح التي لا تتشابه مع باقي المحيطين، ولذا سيظل نموذجا فريدا على المستوى الإنساني والعلمي والإبداعي. كانت تلك تداعياتي أثناء إتمام مراسم دفنه إلى مثواه الأخير، ولا نملك إلا الدعاء له بقدر ما تركه فينا من أثر لا ينمحي.

  كتب للمسرح بوعي شديد ومتميز
فيما قال الدكتور عصام عبد العزيز: كان  رحمه الله شعلة من النشاط والأخلاق والاحترام للجميع، وكان محبوبا من الطلبة إنساناً مثقفا يقدم المساعدة للجميع، ويحاول أن يوفق بين الزملاء، كما كان يكتب للمسرح بوعي شديد ومتميز، وكما نعى كتاب المسرح الإنجليزي وفاة «كريستوفر مارلو»، الذي مات في سن صغيرة أنعي وبحزن كبير وأليم الزميل والأخ العزيز د. علاء عبد العزيز، ولا أملك له الآن سوى الدعاء بالرحمة والمغفرة.

مؤلف وناقد وأستاذ وإنسان
الدكتور أيمن الشيوي عميد المعهد العالي للفنون المسرحية قال عن بداية علاقته بالدكتور علاء عبد العزيز: عندما كنت طالباً بالدراسات العليا كان الدكتور علاء عبد العزيز والدكتور كمال عطية قد جاءوا من الإسكندرية؛ ليلتحقوا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان شخصاً خفيف الظل، ومنطلقا بشكل كبير،  تعرفت عليه كفنان له العديد من الكتابات الهامة والمميزة، وعاصرت مراحل تفوقه وصولا لتعيينه معيداً وسفره إلى إنجلترا،  وتوطدت علاقتي به بشكل كبير وازدادت من خلال د. رشا خيري الزميلة العزيزة بقسم الدراما، وكنت أستشيره في العديد من الأشياء وقبل انتهاء أي مشروع أو عمل أقوم به كان يحادثني ويبدي اهتماما كبيراً بما أقوم به، كما شرفت بزمالته في جامعة بدر، ومن النادر ما نجد من يجمع بين الممارسة الفنية والعمل الأكاديمي، فقد كان مؤلفا وناقداً وأستاذاً وإنساناً وكان يتميز بمساعدته للجميع، فلم يدخر أي مساعدة، وكان محبا للحياة مخلصا لفنه، وكان يستحق الكثير، وبرحيله سيترك فراغاً كبيراً بالمعهد العالي للفنون المسرحية.

طاقة الاستمرارية
ونعت الناقدة أسماء حجازي أستاذها بكلمات مؤثرة فقالت: رحل الفارس النبيل صاحب الضمير اليقظ، لم أتوقع يوما أن أنعي الأستاذ والأخ والصديق الدكتور علاء عبد العزيز. حينما تلقيت هذا الخبر المؤلم لم يستطع عقلي استيعاب هذا الخبر، كنت أتحدث إليه منذ وقت قليل، ضحك معي كعادته الطيبة. عرفته منذ 2003 حينما كنت طالبة بالسنة الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية، قسم الدراما والنقد، وكان معيدا في تلك الفترة، ومن هنا نشأت تلك العلاقة الفريدة كصاحبها، فهو أحد أعمدة الجيل الذهبي كما أطلقنا عليهم، وهم جيل من الأساتذة تتلمذوا على يد أساتذتنا الكبار، تشبعوا من روحهم ومنهجهم ولكن بتفرد فرضته طبيعة شخوصهم وثقافتهم فأصبح لدينا هذا المزيج الفريد من نوعه، ولأنه لم يكن هناك فارق عمري كبير أصبحت هناك علاقة أخوة وصداقة مع أستاذي، لي ولأبناء جيلي من الزملاء، فقد كان يحتضن ويحتوي ويشجع كل ما هو حقيقي وصاحب موهبة. لم يبخل يوما بمعلومة أو بالنصح أو بالدعم،  ولأنه فريد كان يفعل هذا على طريقته الخاصة، فقد كان بشوشا دائما. صاحب خفة ظل تلقائية. ساخر. لا تفوته المناسبات ليلقي التحية على أحبابه وتلامذته. ولا يعرف خبرا مفرحا عنهم إلا ويكون أول من يحتفي بهم .الذكريات كثيرة التي جمعتني به والتي امتدت إلى يومنا هذا ولم ينقطع الوصل بيننا كان رجلا يحمل قلبا نقيا. لا يعرف المجاملات الزائفة.
صاحب رأي لا يخشى غير خالقه. ترك بصمته الإنسانية والعلمية والفنية في كل من عرفه عن قرب، والحقيقة أنني مدينة له بالكثير لم يتسع الوقت لأخبره أنني كنت أستمد طاقة الاستمرارية منه، لإيمانه بي وتشجعيه الدائم والحفاوة التي كنت أتلقاها في كل مرة ألتقي به، كان يبعث فينا الأمل للتقدم، ولكنه سيظل حاضرا في قلوب أحبابه لما تركه من أثر طيب فى نفوس كل من عرفه..

قدرة على اكتشاف المبدع الحقيقي
قال أحمد عبد الرازق فنان بمسرح الطليعة: الدكتور علاء عبد العزيز هو المبهج الداعم الأقرب لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، عندما التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الدراما والنقد كان معيداً آنذاك، وكان ودوداً ويحب الطلبة، ويذيب المسافات بينه وبينهم، فكان يحسبه بعض طلبة المعهد طالباً وليس معيداً.  وكان أول لقائي به وهو يقرأ أعمال الطلاب بعمق شديد؛ ليفرز الطلاب، فقد كانت لديه قدرة على فرز المبدع الحقيقي والموهبة الحقيقية من الموهبة المتواضعة ولديه مقدرة على تصنيف المواهب وفرزهم؛ وبالتالي يسهل عليه معرفة المواهب الحقيقية، ومن يحتاج الدعم، ومن الذي يحتاج أن يطور من أدواته ولديه إمكانيات جيدة، وكان ينصح الطلبة، ويوجههم ويرشدهم إلى ذلك، ليس على مستوى طلبة قسم الدراما والنقد فحسب، وإنما أيضاً على مستوى طلبة قسم التمثيل والإخراج وطلبة قسم الديكور، وكان من فترة قريبة يشاهد كل عروض الأكاديمية سواء الخاصة بالمهرجانات أو مشروعات التخرج، وكان يدعم الطلبة بكتابة بعض «المنشوارت» على «الفيس بوك» ، ويستقطب لهم محكمين جيدين ليشاهدوا أعمالهم، وكان يدعو المسرحيين لمشاهدة عروض الطلبة، وكأنه يدعوهم لمشاهدة عرض خاص به، كان يروج لكل عرض جيد يشاهده، داعماً لطلبة المعهد.
وتابع: بالنسبة لي كنت أكتب مسرحاً قبل التحاقي بالمعهد، ولم أكن أعي هل هذا الطريق الصحيح أم لا، وأول من أرشدني بشكل صحيح كان الدكتور علاء عبد العزيز،  وكان يدعمني بشكل كبير ويشجعني، ويرى أنني موهوب وينتظرني مستقبل كبير، وعندما ابتعدت عن الكتابة للمسرح، وذهبت لعالم «الميديا» كان يحادثني ليعرف أخباري ويدعوني لنلتقي على أحد المقاهي، ويشجعني ويحفزني لأكتب من جديد وكنت أعده بالكتابة مرة أخرى، وظللنا لفترة طويلة على هذا الحال، كان يدعمني ويشجعني بشكل كبير للغاية، مؤمناً بموهبتي بشكل كبير.
وعندما عدت مرة أخرى للكتابة كان أول من خطر ببالي أن أستشيره في النص الجديد؛  لأنه السبب والمحرك الرئيسي لي في العودة مرة أخرى للكتابة، والفترة الأخيرة قبل وفاته كنا على تواصل، ولكن على فترات متباعدة،  كان يحرص على السؤال ومعرفة أخباري،  كان ودوداً للغاية، وقبل وفاته بيومين أرسلت له نصاً كتبته للتعرف على رأيه، فلم يترك رداً لي فهاتفته، وعلمت منه أنه مشغول في أعمال الكنترول بالمعهد ووعدني بقراءة النص، ومازحنى، وقد صدمني خبر وفاته.  كنت أنتظر رده. وهناك نقطة هامة كان يحرص عليها وهي قراءة أبحاث الطلبة ومشاريع التخرج بشكل جيد لديه «أرشيف عقلي» يستطيع التمييز من خلاله، إذا كان الطالب قام بعمل البحث بنفسه أم لا، وكان يواجه الطالب بدافع أن يوجه الطلاب ويعلمهم.

أستاذ عظيم
فيما قال المخرج سامح بسيوني إنه برحيل الدكتور علاء عبد العزيز فقد الوسط المسرحي والفني مؤلفاً مسرحياً وقامة مسرحية كبيرة، كانت كل مسرحياته من الروائع ومنها «حكاية لم تروها شهرزاد»، «الوليمة» ومسرحية «إزعاج» التي كان سيقدمها بمسرح الشباب، وكان من العباقرة القلائل وأستاذاً عظيماً يشجع الطلبة، ويساندهم، وكان أخا كبيرا.

كثير من اللحظات الفارقة
وكشف الدكتور كمال عطية عن أول لقاء جمع بينه وبين صديقة الدكتور علاء عبد العزيز فقال: كان أول حضور لي لبروفة عرض مسرحي في فريق كلية التجارة جامعة الإسكندرية، ولاحظت وجود شخص يتمتع بخفة ظل كبيرة، أو كما يقولون بالمثل الدارج» دمه أخف من اللي بيشرط الورقة على سطح المايه عشان يتعلم النشل» فكان يلقي الإفيهات والقفشات على الجميع دون توقف، وعندما سنحت الفرصة لي قمت برمي أحد الإفيهات عليه، والمدهش أنه أضحكه بشدة، وأضحك كل من كان حاضراً في هذا الموقف، وأصبحنا أصدقاء منذ تلك اللحظة، ولم نترك بعضنا البعض حتى أصبحنا نعيش سوياً في بيت واحد، وذلك أثناء فترة دراستنا لأكثر الأشياء التي نعشقها وهي «المسرح»، وبدأ في كتابة المسرح وبدأت في إخراج ما كان يكتبه في المعهد، وحققنا ردود أفعال جيدة على ما كنا نقدمه، وشبهنا البعض آنذاك بالثنائي الشهير الكاتب لينين الرملي والفنان محمد صبحي، وعشنا كثيرا من اللحظات الهامة والمميزة والفارقة، ومع مرور الوقت تعلمت منه الكثير فكانت محبته تزداد في قلبي يوماً بعد يوم. كان يتمتع بطيبة قلب وعفوية شديدة أو كما يقولون “اللي في قلبه على لسانه” وكان رمزاً للكرم في كل شيء ولم يقم باستغلال أي شيء في حياته،  وعندما ترأس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي يشهد الله، وأشهد أنا، ويشهد آخرون ممن عملوا معه، إنه كان ينفق من جيبه على المهرجان.
وتابع: أعرف أن لكل شيء نهاية ومؤمن بأن لكل أجل كتاب، لكن النهاية جاءت سريعة بشكل كبير، والقصة كانت قصيرة تشبه لغته في الكتابة التي أراها أجمل ما قرأت في حياتي حتى الآن لكل من كتبوا مسرحا بالعامية والذين قرأت لهم، لغة قصيرة لا ينقصها شيء «الوداع يا لول في حفظ الله ورعايته».                                                                                          طوبى للودعاء
ونعاه المعيد بالمعهد العالي للفنون المسرحية الناقد فادي نشأت فقال:
«طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض»
كانت بداية معرفتي به منذ 10 سنوات، وأنا في السنة الدراسية الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية بقسم الدراما والنقد المسرحي، شاب في الخامسة والعشرين لا أعرف أحدا ولا أحد يعرفني، وهو من جاء حديثا من الخارج بعد إتمامه الدكتوراه في جامعة رويال هولواي بإنجلترا، مشرقا مليئا بالطاقة للتغيير بعد ثورة 25 يناير، تلاقينا على مستوى روحي وإنساني عميق، وجدت به الأب الذي افتقدته وأعتقد أنه وجد بي الابن الذي لم ينجبه، كانت مشاعره الدافئة وطاقته الطيبة تنبعث منه لكل من حوله، حتى لاحظت دائرة المعارف تزداد وجلسات المكتب تتسع ويجتذب سريعا الجميع، استطاع أن يخلق مساحة خاصة لنفسه ولنا جميعا معه، مساحة من الراحة والسعادة والطاقة في صحبته، حتى شعرت بالغيرة من كثرة مريديه، ولكن محبته كانت أكبر من أن تعطى لشخص واحد كانت أكبر وأعمق وأقدس وتكفي الجميع.
وتابع قائلاً:
تمتع الدكتور بشفافية عجيبة، تمكنه من التقاط المشاعر السلبية أو الإيجابية التي تخرج منك بمجرد مرورك من أمامه، وهو يدرك في حقيقة الأمر أن ذلك الشخص الذي يمر من أمامه يريد أن يتعرف عليه فيبادر الدكتور «بنكشه» ويظل على هذا الحال، وتتفاجأ حين تجده دائما متواجدا في أصعب المواقف، فهو أول من يخطر على البال حين تحتاج للفضفضة، كثيرا ما شعرت خلال جلساتي معه أنني في حضرة جلسة للاعتراف، أظل أعترف له وهو يسمعني بلا كلل أو ملل وبلا أحكام، كان يملك قدرة أن يعرف ما بداخل أي شخص من فرحة أو حزن فيشاركه الابتسامة أو النصح.
وأضاف: لحظة عظيمة ومهيبة تلك التي كانت أثناء رحلته الأخيرة ونحن جميعا من حوله ننظر إلى أفق واسع وسط أرض خضراء شاسعة في طريقنا إلى بيته الأخير، تفتح ذهني حينها إلى مدى روعة الطبيعة من حولنا تلك التي أنجبته وأهدتنا إياه، لحظات التعزية من أشخاص أعلم جيدا كم كان فارقا في حياتهم وترك بهم أثرا، أكاد أشعر بروحه داخلهم، فلا أستطيع أن أسيطر على دموعي، ولحظة انتهاء العزاء ونحن جميعا نرتمي في أحضان بعضنا لا ندرك حقا من يعزي الآخر بل أننا جميعا نعزي أنفسنا، فلا رثاء للخالدين وإنما لنا نحن الفانين في الأرض.

 «انتهى عصر الأنبياء فلماذا تفعل هذا؟»
 كان هذا سؤالا من أسئلتي السخيفة له، كانت سعادتي غامرة منذ بدأ في كتابة محاورات سقراط ونشرها على صفحته الشخصية، بأن جعل مني أحد شخصيات تلك المحاورات وهو “سؤاليس زنانيس”، ففي إحدى سهراتي معه في المكتب فجر يوم ما، أجابني بعد بضع لحظات قضيناها في صمت “هناك أناس متعتهم المال وآخرون الشهرة أو المناصب، أما أنا فمتعتي نجاح الموهوب”، لم تكن أقاويل حسنة يلقيها أستاذ على مسامع تلميذ له، بل كانت حقائق أخلص لها طوال حياته، فهو لم يملك شيئا لنفسه ولا حتى وقت للراحة، فحينما لم يكن يكتب كان يستمع إلى مشاكل الآخرين أو يصلح سوء تفاهم بين شخصين، أو يرد حق مظلوم، أو يشاهد عرضا كي يشجع موهوب.
حاول كثيرا أن يستخدم السخرية اللاذعة كأسلوب للمصارحة والمكاشفة ولكن الجلود السمينة أبت أن تتعظ فلجأ الى أسلوب الصدمة للإصلاح وهذا كان آخر كارت في جعبته. وختم برجاء خاص قال فيه:
علينا أن نتمسك جميعا بتلك الحقيقة التي استطاع الفقيد أن يزرعها بداخلنا، وهي التي تتلخص في أنه ما زال هناك شيء جميل بالحياة، بداخله وبداخلنا من بعده، علينا ألا نضيع تضحيته الأخيرة هباءً، والتمسك بكل صفاته النبيلة التي زرعها بداخلنا، الرجاء من كل مسئولي الثقافة المصرية عمل حدث ثقافي سنوي سواء (مهرجان – جائزة – منحة – مسابقة) تحت اسم الدكتور علاء عبد العزيز، حتى يستمر تأثيره وهدفه في دعم الموهوبين،
وعلى روحك السلام يا دكتور.


رنا رأفت