في جلسة التجريب في الخليج العربي حالة رهاب عطلت المسرح الخليجي عن التجريب ولكنه تخلص منها

في جلسة التجريب في الخليج العربي حالة رهاب عطلت المسرح الخليجي عن التجريب  ولكنه تخلص منها

العدد 837 صدر بتاريخ 11سبتمبر2023

عُقدت ضمن المحاور الفكرية للمهرجان التجريبي جلسة  (التجريب في الخليج العربي) أدارها  الدكتور محمد زعيمة وشارك فيها د. جميلة الزقاي من الجزائر معلقاً يوسف حمدان من البحرين، د.عزة القصابي من سلطنة عمان،  فهد ردة الحارثي من السعودية، و مجدي محفوظ من مصر 
 د.محمد زعيمة أشار إلى أن رسالته في الدكتوراه كانت تطبيقاً على العروض  في المهرجان التجريبي الدولي. أضاف : ومن خلال خبرتي في الفترة التي عشتها في الخليج استطيع القول بأن الخليج العربي ليس هو ما نعرفه عنه أو نراه من ثراء وبترول فقط، بل يمتلك مبدعين وفنانين وحسا فنيا. 
 عزة القصابي مؤلفة وناقدة من سلطنة عمان قالت : إن الوطن العربي وتحديداً الخليج تجمعه خصائص ديموغرافية مشتركة نتيجة الظروف الموحدة للخليج كله لذلك يتشابه الوضع هناك، وطرحت سؤالا: هل يوجد تجريب في مسرح الخليج العربي؟ أم هي مجرد ملامح؟ وأجابت:  كان هناك بالفعل محاولات لتجارب تجريبية قليلة ونادرة، الفكرة العامة التي سيطرت عليها هي أثر التحولات الجيولوجية والمتغيرات السياسية والأقتصادية والأجتماعية وكيف أثرت على تكوين المسرح، فبرغم أرتباطه بالتراث الشعبي والموروث الثقافي والأغاني الشعبية إلا انه تأثر بتلك المتغيرات تحديداً في عصر ما بعد النفط، ونتج عن ذلك صراعاً بين ما هو قديم وحديث للبحث عن رؤية جديدة. كما تطلع إلى النافذة العالمية بحثاً عن رؤية جديدة من خلال التيارات العالمية. 
وتابعت القصابي: إن هناك بعض التحديات التي واجهت المسرح الخليجي أثناء بحثه عن التجريب وتمثلت في عدة نقاط وهي: غياب المسرح بشكل دراسي يرسخ مناهج لدى الأجيال لذلك هناك جزء كبير منها لا يعرف شيئاً عن المسرح. كما أن الخليج بشكل عام يحب الكلمة والسماع، وفي ضوء ذلك يحضر المسرح الكلاسيكي التقليدي بقوة، حيث يرتبط بالجمهور الذين يطالبون بالكوميديا والتراجيديا، ولأنهم يحبون التحاور أيضاً فيصعب الأنتقال للتجريب ويصعب تقبله. ومن التحديات أيضاً ندرة التخطيط المسرحي فالمسرح في الخليج يكون تحت غطاء الإداريين أكثر من المسرحيين لذلك في المؤسسسات يدور صراع أزلي بين الفنانين والعقل الأداري، فالمرحلة الأولى للمسرح الخليجي غاب عنها متخصصو المسرح فساهم ذلك في تأثره  بالفكر الغربي الذي ساهم في تغير مفردات المسرح الخليجي قليلاً، أيضاً من التحديات التي يواجهها المسرح الخليجي مسألة شباك التذاكر فهي في الواقع الخليجي محدودة، ولكن كل ذلك لا يمنع من وجود تجارب تجريب في بعض الدول، فعلى وجه الخصوص التجريب في المسرح العماني حاله حال باقي دول الخليج لم يصل للعالمية بعد لإرتباطه بالموقع الجغرافي وتراثه وواقعه. والتجريب لا يرتكز على التراث الشعبي عكس القاهرة، فهناك عروض استلهمت من التراث ووظفته بشكل تجريبي من خلال الرؤية البصرية والممثل لتتكون عروضا تجريبيه نأمل وجودها في المستقبل.
تقارب خليجي 
و بدأ الفنان فهد ردة الحارثي كاتب ومخرج مسرحي سعودي حديثه قائلاً: إن الحالة الأجتماعية والأقتصادية والبنيوية في الخليج تبدو متقاربة لذلك يسهل الحديث عن المشكلة مجمعة تحت مسمى الخليج العربي . لكن من أكثر الدول ريادة في مجال المسرح العربي دولة الكويت، حيث يوجد بها معهد لدراسة المسرح بشكل أكاديمي. المسرح الخليجي بصفة عامة عانى من حالة رهاب تجاه التجريب وظل يبحث في ادواته التقليدية خوفاً من فقدان الهوية لذلك نجد أن أغلب العروض تناقش قضية الهوية في الخليج العربي، وقد ظهرت حالة الرهاب تلك في المسرح الخليجي أثناء أنتقاله من الكلاسيكي للتجريبي في إطار المحاولات. ومع ذلك فتحت حركة التجريب أفاق جديدة لفرق خليجية معظمهم من الشباب تأثروا بالتجارب المختلفة المنفتحة على العالم لكن ظل هناك مشكلة عويصة لفكرة التجريب وللمصطلح نفسه. حيث أنه من أول دورة للمهرجان وحتى الآن يصعب تحديد مفهوم التجريب فكل منا له تعريفه الخاص.
وتابع: إن معظم التجارب التي كانت موجودة لم تحقق مفهوم التجريب ففي البحرين مثلاً بعض الفرق رفضت كل جديد، وكانت أقصى حركة للتجريب في سينوغرافيا العرض وظهر ذلك في تجربة محمد العامري وبرغم أنها كانت محاولة إلا إنها لم تكن في سياق التجريب. وتعد التجربة الحقيقية نحو التجريب عام 1991م عند مسرح الصواري الذي كان قائماً على فكرة التجريب بل وحقق العديد من الجوائز في المجال التجريبي لأنه كان قائماً على تفاصيل عديدة مهمة كالمكان الذي كان يتعدد بين سلم بناية أو مقهى أو شارع …الخ. كذلك الظل والضوء في حالة تحاور شديدة. ومسرحية السيد والعبد للمخرج خالد الرويعي المشاركة في المهرجان لهذا العام تسير على نفس النهج، فالمسألة مسألة فكر وليس مسألة سياقات منفردة. أما  التجربة الثانية فكانت مسرح الطائف السعودي عام 1992م،  حيث بدأت وفق قاعدة فكرية تنطلق من منطلقات تجريبية، انطلقت من ورشة تجريب مسرحي مستمرة تخلق مرجعياتها ثم تنطلق نحو مبحث في مختبر فني قائم على التطبيق وفق تساؤلات التجريب، فإن تجربة مسرح الطائف تجربة طويلة امتدت لأكثر من 30 عام كما أنها من أكثر الفرق التي شاركت في أكثر من 120 مهرجان في اكثر من 40 مدينه عربية.
ورش كلباء 
 دكتور محمد زعيمة قال: إن التجريب ليس في الصورة فقط وإنما بالفكر، لذا أشيد بالحركة التجريبية في الكويت والأمارات، خاصةً الإمارات ومسرحها منذ مشاركتها بعروض مبهرة في الدورة الثانية من المهرجان التجريبي. حيث قدمت الأمارات مسرحية عطيل بشكل تجريبي باسم المنديل وكان البامفلت الخاص بها عباره عن منديل يوزع على الجمهور والعرض لم يخلو من الشكل التجريبي علي مستوي عناصره المختلفة. كذلك شخصية شكسبير التي قُدمت بشكل مغاير ومبهر جداً. فدائماً يكون حضور الأمارات قوي في كافة دورات المهرجان التجريبي كما رشح لجوائز عديدة وهذا ينقلنا للمسرح الاماراتي برؤية مغايرة قليلاً، برؤية مصري يقيم في الامارات وهو الدكتور مجدي محفوظ .
بدأ مجدي محفوظ الكاتب والمخرج المسرحي حديثه عن مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة والذي يخص فئة الشباب حيث ذكر في مقدمة بحثه النتائج التي تظهر جراء تلك الورش على مدى 9 دورات وهي عمر المهرجان وإلى الآن. ونوه إلى أن الدورة العاشره منه تقام 22 سبتمبر المقبل، واستكمل حديثه عن ذلك المهرجان قائلاً: إن هذا المهرجان  متميز جداً في الأسلوب والإدارة، حيث يتم عمل عدة ورش مسرحية خاصة بعناصر العرض المسرحي، تبدأ بالتمثيل والسينوغوافيا والإخراج وتنتهي بتقديم عروض مسرحية ما بين 20 الى 25 دقيقة برؤي شبابية جديدة وتجريبية. وبالفعل انتج بعض شباب المهرجان ومنهم محمد كريم عرض الملهاة الاخيرة  الذي فاز بجائزة  السينوغرافيا. كما شارك العديد منهم في مهرجانات مختلفة مثل شرم الشيخ وايام الشارقة المسرحية، وللعلم تلك الورش لا تقتصر على الإماراتيين فقط بل تضم كافة الجنسيات.
كما تحدث عن المشهد التجريبي من مفهوم جغرافي قائلاً: هو يمثل حالة ايجابية لارتباطه بالمفهوم الثقافي لمجموعة من الدول التي تتأثر بتكوينها الجغرافي والبيئي وتؤثر على الحالة السكانية وثقافتها حيث يرتبط برؤية مميزة تتفق مع أو تتوحد  حول اسلوب معين. فإن التجريب متعدد الجوانب ومرتبط بتغيرات وعناصر العرض المسرحي ويتجاوز النماذج المسرحية التي تعتمد على اشكالية مختلفة لتقديم صورة حقيقية موجودة ومرتبطة بكل ما يخص العرض المسرحي.
المؤسس الأول  
 يوسف الحمدان الكاتب المسرحي البحريني قال: لا وجود لمصطلح المسرح التجريبي في المهرجانات الدولية لأن المسألة تقف عند الرؤية، ما هي رؤية العمل في الجانب الانثروبولوجي و التلقي؟ لذلك لا وجود لمصطلح مهرجان تجريبي وسنظل ندور في تلك الدوامة نبحث عن معنى التجريب وننسى المسرح، وبالرغم من ذلك فالتجريب لا ينفصل عن العالم بكافة مؤثراته، لكن التجريب في الخليج يعد مغايراً، فالتجارب التي ذُكرت تشمل الإخراج والتأليف والسينوغوافيا والدراماتورج. وإن أول تجربة بحرانية قدمت في القاهرة كانت كاريكاتير ليوسف الحمدان عام 92م، كذلك تجربة سليمان البسام i media  التي قدمها في قرطاج، ومن أهم التجارب أيضاً، مهرجان قرطاج، فحضوري فيه أسعفني بالتطلع على تجارب  أُخرى مختلفة على مستوى العالم، إن المسرح فكر ثقافي وليس عمل موسمي، هو بحث وايغال في تفاصيل دقيقه وخطيرة، فالتجريب يتصل بالحرية في الاساس و يواجه الحواجز والتابوهات التي حكمت المنطقة العربية حتى الآن، والمسرح التجريبي مستمر لا يتوقف.
وعن تجربة الصواري قال: إنها تجربة تفتح مخيلتنا حيث نجد اغلب العروض التي نشاهدها أحياناً تفتقر للمخيلة. فكيف نبحث في التجربة ونحن نسأل؟ عندما نسأل نعرف إلى أين نذهب فالتجارب المعلبة لا تنتج بل تدمر، والشيء العادي هو أهم وافضل من التجارب التي تخلو من الوعي، ففي تجربة الصواري ما يعوزنا هو الرؤية ، الرؤية التي عمل عليها عبد الله السعداوي في مسرحه، في تعدد الفضاءات و السينوغرافيا والنص الذي لم يعد هو النص بل هو محفز لقراءة جديدة في العرض المسرحي، لذلك اطلق على السعداوي لقب مسرح بلا حدود. فالعرض التجريبي يجب ان يؤثر في الجمهور ويدهشهم  وأن يفتح آفاق فكر بينهم وبين العرض لفتح باب التساؤلات. لذا فإن التجربة التي تستحق الإشادة والوقوف عندها في الخليج هي عبد الله السعداوي فهو يعد المؤسس الاول للتجريب في الخليج.
تعقيب 
 عقبت د. جميلة الزقاي من الجزائر على الأبحاث المقدمة فقالت:  الورقه البحثية الخاصة بالدكتورة عزة  كادت أن تكون شاملة في وقوفها عند التجريب في الخليج العربي وتوقفت في النهاية وقفة مطوله عند المسرح العماني، و تكاملت تلك الأوراق وعصفت بالتجريبي يميناً ويساراً، وأكدت على انه لا يمكن ان ننكر التجارب التجريبية التي قامت في المسرح الخليجي، كما وقفت عند القاسم المشترك الذي يجمع تلك المسارح وهو توظيف التراث واستثماره في التجريب. 
أما عن تعليقها على الورقة البحثية الخاصة بيوسف الحمدان فقالت: ما رأيت وفاء واخلاصا للمسرح الخليجي اكثر من ورقة يوسف الحمدان وشكراً له لأنه وقف عند عبد الله السعداوي وقد أوفاه حقه وكان البحث عموماً ملتزماً بتيمة الندوات، ورأيت ان الورقة مفعمة بزخم من الوقفات النقدية التي تقف عند العروض كأنها سلم يصعده يوسف الحمدان، لقد عزز هذا الزخم التمهيدي مسحاً ينم عن المتابعة. 
أما بخصوص الورقة البحثية للفنان فهد ردة الحارثي فقالت: تلك الورقة يمكن القول أنها استفزتني، حيث اطلق الباحث في ورقته الملغمة فكرته الاساسية وهي خطيرة، حيث يتهم المسرح الخليجي بالخوف والتوجس من الأقتراب من التجريب لأنه مدمر للاصالة ويعمل على تدميرها.
 أما عن ورقة مجدي محفوظ فقالت: إن كلماته أظهرت الورش وكأنها العصاه السحرية التي تجعل الهواه يحترفون فتجعلهم يظنون أنها تيسر الصعب وتجعلهم ممثلين وكتاب ومخرجين محترفين وذلك ليس حقيقياً، فالورش مجرد جزء من مشوارهم الفني التجريبي.
 


مي الدماصي - ساره عمرو