آراء وأفكار أبو العلا السلاموني حول قضايا المسرح

آراء وأفكار أبو العلا السلاموني  حول قضايا المسرح

العدد 826 صدر بتاريخ 26يونيو2023

لم يكن الكاتب الراحل محمد أبو العلا السلاموني مجرد مؤلف مسرحي فقط, ولكنه كان مفكرا مهموما بقضايا الوطن, وهموم الشعب, ومسائل التنمية الاجتماعية والفكرية للمتلقي في كل ربوع مصر. مسرحياته كلها حملت أفكارا ورؤى نافذة وثاقبة ومحفزة للفكر, ومحركة للهمم وللعمل وللعقل. كذلك كانت حياته الفنية والمسرحية، ظل حتى آخر لحظة يفكر ويتحدث ويواجه بالرأي والفكر والحجة. ومن خلال عدة لقاءات أجريتها معه جمعتني به صفحات جريدة «مسرحنا» وصفحات نشرة المهرجان القومي, أستعرض هنا عددا من آرائه حول قضايا وأحداث مسرحية مختلفة, لعلها تكون نبراسا هاديا ومذكرا بما كان يطرحه من أفكار, فحتى لو رحل الجسد فتبقى الكلمة لا تنطفئ ولا تخمد أبدا. 

عن الاحتفال بمرور مائة وخمسين عاما على بداية المسرح المصري تحدث الكاتب والمفكر محمد أبو العلا السلاموني تحت عنوان «الجمهور المصري هو المعلم والرائد الأول للمسرح العربي».. كتب قائلا:
حينما نتحدث عن الاحتفال والاحتفاء بالمائة وخمسين عاما على نشأة المسرح المصري الحديث، إنما في الحقيقة نحتفي بعصر النهضة والتنوير والانتقال من ظلمات العصر التركي العثماني الذي جثم على صدر الشعب المصري والعالم العربي ما يقرب من أربعة قرون من الظلم والفساد والتخلف، إلى أن قيض الله لمصر ثورة شعبية قادها عمر مكرم وأسقط الحكم التركي، واختار حاكما بإرادته الشعبية هو محمد علي الذي كاد يكوّن إمبراطورية عربية مستقلة بقيادة إبراهيم باشا، لولا تحالف الإمبريالية الأوروبية التي أوقفته عند حدوده المصرية. بعدها بدأ عصر النهضة القومية خصوصا بظهور مؤسس اليقظة الثقافية الحديثة على يد رفاعة الطهطاوي، والرعيل الأول لهذه النهضة في المسرح على يد يعقوب صنوع وعثمان جلال ومحمد أنسي وعبدالله النديم، أو في الرواية على يد المويلحي وعلي مبارك، أو الشعر على يد البارودي، أو الفكر الديني على يد الأفغاني ومحمد عبده. 
هذا هو عصر النهضة الذي نحتفي به اليوم بمرور مائة وخمسين عاما في مقدمتها  المسرح المصري. أما لماذا المسرح المصري في المقدمة, لأن المسرح هو التعبير الحقيقي عن جمهور الشعب المصري الذي قاد ثورة التغيير التي بدأت مع عمر مكرم، واستمرت في صورة الاحتفاء بالظاهرة المسرحية الحديثة التي تجلت في بناء دار الأوبرا الخديوية وعروض الكوميدي فرانسيز في الأزبكية وترجمة مدرسة الألسن مسرحية «هيلين الجميلة» ثم ترجمات عثمان جلال، والأهم من كل ذلك تلك العروض  الجماهيرية التي كانت تحضرها الآلاف المؤلفة في مقهى حديقة الأزبكية لتشاهد المسرحيات الشعبية ليعقوب صنوع وتتفاعل معها بصورة تؤكد أن الجمهور المصري  كان عريقا في تجارب المشاهدة المسرحية والتناغم معها.
من هنا لا بُدّ أن نسأل أنفسنا ما سبب كل هذا التجاوب الجماهيري المذهل بالآلاف مع المسرح، ولم يكن له سابق معرفة أو تجربة سواء مع المسرح الأجنبي في دار الأوبرا أو الكوميدي فرانسيز الشهير أو عروض الجاليات الأجنبية أو حتى عروض مسرح يعقوب صنوع الشعبية في مقهى حديقة الأزبكية؟
الإجابة بلا شك تؤكد أن الجمهور المصري الذي تجاوب مع هذا المسرح يرجع إلى أن لديه تجارب سابقة في هذا المجال. تسألني: وهل شاهد جمهورنا مسرحا قبل يعقوب صنوع؟ أقول لك: نعم، بكل ثقة. ذلك أن جمهورنا شاهد هذا الفن الجماهيري المسرحي في صورة فنون الفرجة الشعبية التلقائية التي كانت ممثلة في عروض السامر الشعبي وفرق المحبظين وفرق أولاد رابية وعروض مسرح خيال الظل وتجمعات الجماهير حول ألعاب الأراجوز وصندوق الدنيا والحكواتي والسير الشعبية, كل هذه الظواهر الشعبية تُعبّر عن جوهر المسرح وهو جوهر العرض والفرجة والمحاكاة التي تجذب حشود الجماهير التي تشاهدها في الأسواق والشوارع والأجران والموالد والاحتفاليات الشعبية.
قد تسألني عن الريادة في المسرح العربي، أقول لك لا ريادة إلا لجمهور الشعب المصري لأنه الوحيد الذي حقق الريادة بتشجيعه واستجابته وتجاوبه وتفاعله مع تجربة مسرح يعقوب صنوع، وإلا ما كانت لتنجح وتستمر ما يقرب من عامين (1870-1872) ويحضر عروضه بالآلاف تعبيرا عن حقيقة الظاهرة الجماهيرية لعشق ومشاهدة المسرح, عكس ما حدث مع التجربة اللبنانية مع مارون نقاش التي أُجهضت ولم تستمر وأشعرته بالإحباط واليأس مما جعله يوحي بتحويل مسرحه إلى كنيسة ليكفر عن ذنبه المسرحي الشديد للأسف. كذلك الحال مع تجربة أبي خليل القباني التي لم تستمر هي أيضا ولم تجد تشجيعا شعبيا يحميها ويقف بجانبها ويحول بين ما أدى إلى إحراق المسرح وللأسف الشديد أيضا.
فماذا حدث بعد ذلك لتجربة كل من نقاش وقباني؟ انتقلت التجربتان إلى مصر التي استضافتهما استضافة أصحاب الفضل وليس استضافة الريادة كما يعتقد البعض, لأن الريادة الحقيقية هي للجمهور المصري الذي شجعها وأقالها من عثرتها وشجعها وساعدها على النمو والاستمرار، مثلما شجع تجربة يعقوب صنوع والمسرحيات الأجنبية سواء الأوبرا أو الكوميدي فرانسيز.
نعم، يجب أن نعترف أن الجمهور المصري هو الرائد الأول والوحيد الذي احتضن المسرح الذي قدمه يعقوب صنوع وقدمته العروض الأجنبية, وقدمه نقاش والخياط والقباني وغيرهم. وأن يعقوب صنوع له الأولوية حين أدرك أهمية الجمهور المصري صاحب تاريخ الفرجة الشعبية وانطلق به ليصنع الأنواع العديدة في المسرح (الغنائي – الكوميدي- الميلودرامي- التراجيدي) وجعله يخترع أنواع الكوميديا الشعبية الممثلة في عروض التجول والارتجال وأشكال النمر والفصول الضاحكة والاسكتشات وغيرها من أشكال الفرجة، مستوعبا كل  تجارب المسرح القديم والحديث والعالمي والطليعي والتجريبي وما بعد الحداثة وما إلى ذلك.
حيوا معي جمهور المسرح المصري, المعلم والرائد الأول وصاحب الفضل الوحيد في وجود ونشأة وبناء وانتشار المسرح ليس في مصر فقط, بل والعالم العربي.

وعن رأيه في فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري يرى أن المهرجان هو الأهم والأكثر تأثيرا بين كل المهرجانات, فكتب يقول:
المهرجان القومي هو نتيجة جهد كبير جدا قامت به لجنة المسرح خصوصا أن الدورة الأولى التي بدأت عام 1995 توقفت نتيجة تسريب النتيجة, ظل هذا التوقف لمدة أحد عشر عاما إلى أن قمنا في لجنة المسرح بعمل مذكرة لاستعادة هذا المهرجان عام 2006, وذلك في عهد المخرج سعد أردش، وقد كتبت أنا المذكرة وقدمتها له بخصوص استعادة هذا المهرجان. وفعلا تم إقامة المهرجان، ووضع لائحته التنفيذية من خلال لجنة كنت عضوا فيها ومعي المخرج خالد جلال ومحمد الرفاعي وحسن سعد ود. هدى وصفي، فوضعنا هذه اللائحة التي استمرت منذ عام 2006 وحتى هذا العام. 
ونحن نعتبر أن عودة المهرجان القومي للمسرح مكسب كبير جدا، وخصوصا أنه كان يضم جميع أطياف وتيارات المسرح المصري سواء مسرح الدولة أو مسرح الثقافة الجماهيرية أو مسرح المستقل والمسرح الخاص ومسرح الجامعات والشركات ومراكز الإبداع. وكانت هناك مسابقة قائمة للجميع، وخصصنا جوائز للفرق الصاعدة سواء للمؤلفين أو المخرجين أو الممثلين, كي لا يحرم الشباب من الجوائز. واستمر الوضع طوال السنوات السابقة وقدمت عروض كثيرة حصلت على جوائز، فكانت من أهم ما أنتج المسرح المصري وصورة مشرفة للعروض التي تقدمت فيها.
فأنا أعتبر أن هذا المهرجان هو الأهم والأكثر تأثيرا بين كل المهرجانات، لأنه يعبر عن حقيقة وواقع المسرح المصري سواء إيجابيا أو سلبيا، فهو يعطي صورة للحالة المسرحية كلها. فمن خلالها مثلا تظهر الاتجاهات الجديدة في أعمال الشباب وتظهر الأعمال القوية وتظهر الأعمال الضعيفة, تظهر الاتجاهات السلبية مثل ضعف التأليف المسرحي الذي تم حجب جوائزه في مهرجانين سابقين, وهذا كان مؤشرا لعلاج هذه القضية والنظر في لماذا حجبت هذه الجوائز؟ وهذا ناتج عن شلل في عملية الإنتاج لأن الإنتاج عليه أن يبحث عن النص المسرحي قبل أن يبحث عن الإخراج المسرحي, للأسف الشديد! إن الاتجاه السائد هو أن يبحث عن المخرج ولا يبحث عن المؤلف. فالمعروف أنه في الستينيات كان الاهتمام بالنص هو الأساس, فمدير المسرح كي يضع خطته كان يبحث عن المسرحية ويضع الخطة لنصوص مسرحية ثم يختار لها المخرجين. أما ما يحدث الآن فهو العكس، فيختار المخرجين ثم المخرجون يختارون النصوص, فهذا جانب من الجوانب السلبية لأن المخرج يبحث عن تقنيات تبرز قدراته الإخراجية فقط، لكن لا تبرز قدراته الفكرية في النص المسرحي، فالنص المسرحي هو الذي يعتبر عقل العملية المسرحية، وبالتالي فإن البحث عن النص المسرحي هو البحث عن العقل المسرحي. ونتمنى أن الدورة الجديدة تقوم بعلاج هذه القضية التي عانينا منها في الدورات السابقة.
يعتبر المهرجان بانوراما لعروض المسرح المصري كلها، فنجد أن المسرح المستقل بدأ يبرز في هذه المرحلة, وهذا شيء جيد لأنه يقوم بدور مهم جدا, ومسرح الدولة لا يقوم بدوره الحقيقي في أن يقدم أعمال كبار الكتاب, فهو يقدم أعمالا تنتهي بمجرد انتهاء عروضها, أي لا تذكر أي عمل شاهدته من أعمال مسرح الدولة لأنه لم يبحث عن النص المسرحي ولم يعتمد على كبار الكتاب, فيوجد نظام نسميه الريبرتوار وهو يعني إعادة أعمال كبار الكتاب السابقين، لأن الأجيال الجديدة لم تشاهد العروض القديمة, لم تشاهد توفيق الحكيم, لم تشاهد نعمان عاشور ويوسف إدريس وسعد الدين وهبة, فكبار الكتاب لم يُقَدَموا حتى الآن مع أنه في بريطانيا مثلا يوجد مسرح مخصص لتقديم أعمال شكسبير منذ خمسمائة عام, لأنهم يحافظون على تراثهم المسرحي, الحفاظ على التراث المسرحي دور من أدوار مسرح الدولة. 
من ضمن السلبيات مسرح القطاع الخاص الذي أصبح في حالة سيئة وما يُقدم فيه, الظاهرة الجيدة الوحيدة فيه هي مسرحية الملك لير. لكن بقية العروض عبارة عن اسكتشات, وهذه الاسكتشات هي ردة للخلف لعصر العشرينيات التي كان يقدم فيها كشكش بك وبربري مصر الوحيد وأعمال الريحاني وشرفنطح وغيرهم, وهذا ما يُقدم حاليا في بعض المسارح الخاصة.
مسرح الثقافة الجماهيرية هو الأفضل لأنه يقدم أعمالا لكتاب مصريين وكتابا أجانب، فيقدم نصوصا عربية ونصوصا أجنبية ونصوصا معدة، وهو مسرح مظلوم لأنه لا تسلط عليه الأضواء، وحتى الآن لا يوجد اهتمام به لا في الصحافة ولا في التليفزيون ووسائل الإعلام المختلفة, فنرجوا الاهتمام بمسرح الثقافة الجماهيرية لأنه مسرح الشعب لأنه يقدم في الأقاليم, المسرح ليس في القاهرة فقط، ولكن المسرح يجب أن يكون في الأقاليم حتى يراه المائة مليون, فالقاهرة بها حوالي عشرون مليون فقط، ولكن في المحافظات أكثر من ثمانين مليون، فلا بُدّ أن يشاهدوا مسرحا، وهم يشاهدونه من خلال عروض الثقافة الجماهيرية، فيجب الاهتمام بهذا المسرح. 

وعن أيهما أفضل في المهرجانات المسرحية الشكل الاحتفالي أم الشكل التنافسي؟ ولماذا؟ لاسيما أننا لدينا خصوصية فنية في الحركة المسرحية المصرية, فما هو الشكل الأنسب الذي يرضي جميع الأطراف؟ طالب الكاتب محمد أبو العلا السلاموني بعودة التسابق للتجريبي وعودة اللائحة القديمة للقومي, قائلا: 
 إن الفكرة نشأت في أعقاب توقف المهرجان التجريبي بعد أحداث يناير 2011, حيث حدث في المجتمع كما هو معروف حالة من حالات السيولة الفكرية والتصادم بين الأفكار والآراء، وبدأ الناس يتناقشون فيما هو موجود وفيما كان, هذه العملية جعلتنا نبحث في الأمور من أساسها عند إعادة المهرجان, فقررنا أن نعيد المهرجان القومي والمهرجان التجريبي بعد هذا التوقف، وحتى نجمع حولنا كل الناس بأن نجمع الأفكار المشتتة والآراء المتضاربة، وخصوصا أنه كان هناك ما يشبه الرفض للمهرجان التجريبي من بعض الآراء التي ترى أن التيار التجريبي توغل وسيطر  وتغلب على الاتجاهات الأخرى من المسرح، فاجتمعت لجنة المسرح وقررنا إعادة المهرجان بصورة جديدة بأن تجمع ولا تفرق، فقررنا أن نترك فرعا خاصا بالتجريب موجودا ومعه فرع للتيارات الأخرى التي أسميناها بـ»المعاصر»، فأصبح المهرجان اسمه المسرح المعاصر والتجريبي, كي نجمع كافة التيارات المعارضة والموافقة ولنضع شيئا من التوافق بين الجميع، ونقضي على هذه  التفرقة التي أدت إلى الكثير من المشاكل والمشاجرات.
وطبعا، فإن مسألة التسابق خلقت من قبل كثيرا من المشاكل، وأدت إلى خلافات وصراعات ما بين الأطراف وبعضها، فقررنا بداية مرحلة التوافق بدونه, ثم نعيد النظر هل يتم التسابق فيما بعد أم لا؟ فقررنا وجود مرحلة انتقالية لمدة أربعة أعوام تنتهي هذا العام 2019, وبالتالي لا مانع من إعادة النظر في مسألة التسابق بعد أن ترسخت المسائل في المهرجان التجريبي.
أما إذا ألغي التسابق في المهرجان القومي، فإن ذلك سيؤدي إلى حالة إحباط عند  المسرحيين. إن هذه الفكرة ستؤدي إلى مشاكل كبيرة لأن عادة التسابق من المفترض أنها موجودة منذ القدم, فالمسرح الإغريقي كان به تسابق, فكان في عهد سوفوكليس ويوربيديس وأيسخيلوس يوجد تسابق، وكان الشيخ يتسابق مع الشاب, فأذكر أن أيسخيلوس كان عمره ستين عاما وسوفوكليس عمره ثلاثين عاما، واشتركا في تسابق فاز فيه سوفوكليس على أيسخيلوس, ولم يكن يغضب أحد من هذا, فالتسابق هو تقليد من تقاليد المسرح الراسخة, ويفترض أنها مثل الرياضة لا أحد يغضب، وبها الفائز والخاسر, فلا يمكن إلغاؤه لأنه ليس شيئا جديدا أو بدعة, هذا التنافس يعطي دافعا للمسرحيين للتجويد, وتحريك الماء الراكد والتحفيز والمحاولة للوصول إلى الجوائز، ورغم أنها جوائز متواضعة فإن الجانب المعنوي أهم من الجانب المادي.
وثانيا: ما الداعي لطرح تلك الفكرة؟ وما وجهة نظر أصحابها؟ فهي فكرة غير عملية ويمكن أن تقضي على المهرجان تماما, علينا أن نشعر أننا في لعبة رياضية قائمة على التنافس يدخل فيها الضعيف والقوي, كما أن تاريخ التسابق في المهرجان القومي كان مساره جيدا منذ 2006 وحتى الدورة السابقة العام الماضي, وكانت اللائحة القديمة متوازنة؛ لذا أطالب بالعودة إلى اللائحة الأصلية, ولا يجوز لكل رئيس مهرجان محاولة تغيير اللائحة, فما حدث هذا العام قد دمر اللائحة تماما, وهذا الذي أدى إلى المشاكل وظهور طلبات إلغاء الجوائز, فوجود لائحة ثابتة سيرضي الجميع، وكانت اللائحة القديمة متوازنة تماما وبها اشتراك للمحترفين والهواة من كافة التيارات, وكانت الجوائز توزع على الفرق, ولدينا الجانب الآخر وهو العروض الصاعدة ووجدت جوائز للصاعدين، وتحصل العروض الصاعدة على جوائز خاصة بها, لإرضاء الشباب وتوجد عروض عامة للجميع يدخلها كل التيارات: البيوت الفنية، والثقافة الجماهيرية، والمسرح المستقل، والشباب، والشركات، والحر، والخاص، وهكذا. فكان للجميع حرية دخول المسابقة والجوائز متاحة للجميع. فلا بُدّ من العودة إلى اللائحة السابقة التي بدأت من عام 2006.
 
وعندما احتفى المهرجان القومي للمسرح المصري بدورة الكاتب المسرحي, أبدى السلاموني سعادته بهذا الاحتفال, فكتب بعنوان الكاتب المسرحي عقل العملية المسرحية, شهادته قائلا:
أخيرا، وبعد دورات عديدة للمهرجان القومي للمسرح المصري، تم فيها حجب جائزة التأليف المسرحي، جاءت هذه الدورة لتعيد الاعتبار لأهمية النص المسرحي، وتطلق على مهرجان هذا العام (دورة الكاتب المسرحي). ولعلنا بهذه المناسبة أن نتذكر الدور المهم لتدعيم مكانة الكاتب المسرحي والرائد الأول للأدب المسرحي العربي (توفيق الحكيم) الذي أرسى دعائم هذا الفن وبذل الجهد الجهيد من أجل غرسه في تربة الثقافة وآداب اللغة العربية حين قال متمنيا في كتابه (زهرة العمر): «آه لو أمكن إدخال الحوار قالبا أدبيا في الأدب العربي» الذي جعله يقول أيضا في مقدمة مجموعة المسرح المنوع يشرح فيها مأساته ومأساة الجيل الذي ينتمي إليه حين تفتحت عيونهم على الدنيا، فوجدوا المنظر الأدبي خاليا إلا من القصيدة والمقالة «أنا أحاول أن أسارع في ملء بعض الفجوة على قدر إمكاني وجهدي وأن أقوم في ثلاثين سنة برحلة قطعها الأدب المسرحي في اللغات الأخرى في نحو ألفي سنة». تصوروا هذا العبء الثقيل الذي تقوم به العصبة أو القوة ليتحمله توفيق الحكيم وحده على هذا النحو؟ يريد في ثلاثين سنة من عمره أن يقوم برحلة قطعها الأدب المسرحي في نحو ألفي سنة. من هنا ندرك قيمة هذا الرجل في صبره ومثابرته وإدراكه العميق لقدر المسئولية التي تحملها على عاتقه. لقد استطاع بالفعل خلال الثلاثين عاما التي قدرها لنفسه أن يؤسس لفن التأليف المسرحي في مصر والمنطقة العربية ويضع القواعد لبناء صرح لجنس أدبي جديد يضاف إلى الأجناس الأدبية في الأدب العربي الحديث, وأصبحنا الآن نفاخر أن لدينا أدبا مسرحيا محترما يمكن عرضه على مسارحنا دون أن نخجل ويمكن تناوله بالدراسة والبحث في معاهدنا ومدارسنا كما تفعل الثقافات الأخرى في العالم دون أن نشعر بالنقص أو القصور.
هذا يعني أن النص الأدبي المسرحي –للأسف!- لم يكن له وجود في تراثنا الثقافي قبل توفيق الحكيم لما يقرب من عشرين قرنا؛ أي منذ انتهاء عصر الحضارة الفرعونية ونصوص مسرحياتها المنفية (الأوزيرية). أما لماذا لم يكن لها وجود، فهذه في الحقيقة قضية القضايا الفكرية التي تناولها الكثيرون من الباحثين دون أن يوفقوا -للأسف!- في الوصول إلى الحقيقة التي أرى أنهم تجاهلوها إما عمدا أو جهلا أو قصورا أو تقصيرا.
والحقيقة التي أراها من وجهة نظري في اختفاء النص المسرحي من تاريخنا هذا، ترجع إلى خطيئة ثقافية كبرى اقترفتها النخبة والسلطة في تراثنا الأدبي حين اهتمت بثقافة القول واللغة التي تعتمد فقط على حاسة السمع، وأهملت واحتقرت ثقافة العرض والفرجة والمحاكاة التي تعتمد على البصر والرؤية أكثر مما تعتمد على حاسة السمع. ولهذا ازدهرت في تراثنا فنون الشعر والنثر والمقال والخطابة والرسائل والحكم، وكلها فنون قول ولغة سمعية, بينما فنون العرض والفرجة والمحاكاة التي تعتمد على الرؤية والبصر، كانت محتقرة ومنزوية في الظل لا تمارسها طبقة النخبة المثقفة أو السلطة, وإنما تمارسها الطبقات الشعبية بطريقة غير رسمية بعيدا عن الأضواء، كفنون: خيال الظل، والساحر، والمحبظين، والكرج، والسماجة، والأراجوز، وصندوق الدنيا، والحكواتي، وغيرها، مما نسميها بظواهر فنون المسرح الشعبي التي تتوافر فيها شروط العرض والفرجة والمحاكاة دون أن يتوافر فيها النص المسرحي الأدبي إلا بشكل بدائي كفن المقامة. أي أننا كنا نمارس المسرح الشعبي في الأسواق بطريقة بدائية وتلقائية وعشوائية دون نص أدبي وفكري، أو بمعنى آخر بدون عقل, لأن النص المسرحي هو في حقيقته عقل العملية المسرحية.
تسألني: لماذا لم يواكب النص الأدبي المسرحي ظواهر العرض والفرجة والمحاكاة الفنية؟ أقول إن هذا القصور أو التقصير المتعمد من قبل النخبة الثقافية في تاريخنا التي لم تقم بدورها في هذا الشأن، ولم تهتم بهذا الفن المرئي وتركته مهملا بعيدا عنها؛ بل وتعمدت إقصاءه احتقارا له واستعلاء عليه, وهذا عكس ما حدث مع فنون العرض والفرجة والمحاكاة في بلاد الإغريق مثل عند إيسخيلوس وسوفوكليس ويووربيديس وأرسطوفانيس, وتناولوا هذه الاحتفاليات الشعبية الغنائية والعشوائية بالتطوير والتحسين والإبداع حتى خرجت على أيديهم نصوصا أدبية رائعة من التراجيديا والكوميديا التي مازلنا ندرسها ونعرضها على مسارح العالم حتى اليوم.
من هنا ندرك أهمية دور الكاتب المسرحي والنص المسرحي الذي حاول توفيق الحكيم أن يؤسس له في ثقافتنا خلال ثلاثين سنة ما افتقدناه خلال ألفي سنة. فهل ترانا الآن ونحن نطلق على المهرجان القومي لهذا العام اسم (دورة الكاتب المسرحي), نستطيع أن نعيد الاعتبار لقيمة وكيان النص المسرحي الذي وللأسف الشديد لم يعد له صفة أو كيان في عروض مؤسستنا المسرحية هذه الأيام بحجة الإعداد والتوليف والتلفيق.
هل ترانا نظل نمارس نفس الخطيئة الثقافية الكبرى التي وقعت فيها النخبة القديمة في تاريخنا وأدت إلى إهمال وتجاهل النص المسرحي الأدبي حتى اختفى من تراثنا الأدبي طوال هذه السنوات العجاف، وجعلنا نمارس المسرح بطريقة عشوائية دون نص، أو بمعنى أصح دون عقل؟ الآن، فليعلم الجميع أن المسرح لم يكن ليكون مسرحا دراميا قبل ظهور نصوص الكاتب المسرحي.

وكان مما أثار حفيظته واهتمامه الفكرة التي طرحها البعض حول إزالة مسرح البالون العريق لنقله إلى منطقة مطار إمبابة, فكان يرى الكاتب محمد أبو العلا السلاموني: أن هذا تراث لا يمكن نقله ويجب بقاؤه في مكانه فهو تاريخ، وكأنه معروف، ويشمل السيرك والبالون والسامر, فقد أصبحت منطقة تراثية، ونحن لا يمكن أن ننقل التراث,  فإذا أرنا أن نفعل شيئا لمنطقة إمبابة فعلينا إقامة إنشاء جديد, إذا أرنا إقامة بالون هناك فليُنشأ بالون جديد. فالموجود حاليا تم إنشاؤه عندما كان عددنا عشرين مليونا, أما الآن فعددنا مائة مليون, فليتم إقامة جديد غيره ويُقام مسرح آخر ويُنشأ سيرك جديد, فلا مانع من ذلك. فليس شرطا نقله. فبدلا من النقل يبقى مكانه ويتم تطويره وتجديده مع إنشاء مسارح أخرى جديدة. فلا يجب اقتصار النظرة للناحية المادية كما يفكر البعض, فهذا تراث ثقافي يجب الحفاظ عليه وهو لا يُقدر بثمن, فقيمته أكبر من أي ثمن.

كما اهتم السلاموني كثيرا بمسائل التراث وتوظيفه في العمل المسرحي, حيث تناوله بكثرة في أعماله المسرحية, فقد أدلى برأيه حول أهمية الأراجوز في الموضوعات الدرامية, وعن كيفية تناوله وتوظيفه دراميا, قائلا:
الأراجوز ظهر في تراثنا الأدبي والفني نتيجة محاولة للتخلص من مسألة عدم التشخيص، لأن التشخيص يبدو أنه كان مرصودا لدى التراث, لأن المسرح لم يظهر، وكنا نبحث عن السبب في عد ظهور المسرح. واكتشفنا أن التراث السلفي يرفض التشخيص ويرفض أن يظهر إنسان يمثل دور إنسان آخر، ويُعتبر نوع من أنواع البدع في وجهة نظر السلفيين, فتحايل الفنان الشعبي على هذه المسألة فأبدع موضوع الأراجوز الذي هو محاولة من الفنان الشعبي لأن يتجاوز عن أفكار السلفيين والفقهاء الذين كانوا يرفضون التشخيص والتمثيل وفن المحاكاة، وبالتالي أصبح الأراجوز هو فن الشعب, لأنه كان يدور في الحواري والشوارع وبين الطبقات الشعبية بعيدا عن الطبقات العليا والسلطة والأعيان والأغنياء، فهو بالتالي فن شعبي وإحياءه دليل على أن هذا الفن نبع من عمق الشعب المصري.
أنا شخصيا استغللت هذا الأسلوب في كثير من أعمالي خصوصا مسرحية «النديم عن هوجة الزعيم», وفي «مآذن المحروسة» و»ملاعيب عنتر» وكثير من الأعمال المسرحية، وأعتبره نوعا من أنواع فن الشعب الذي يجب أن نحتفي به. واعتراف اليونيسكو بهذا الفن خطوة مهمة جدا تدل على احترامهم لفنون الشعوب.
وفن الشعب عموما يكون فيه كثير من النواحي التي تُعبر عن ضمير الشعب، والأراجوز عادة يُعبر عن الطبقة المطحونة والإنسان البسيط، وليس عن إنسان غني أو مرفه، فهو إنسان يعاني وبالتالي كان يقوم بدور النقد للسلطات والطبقات العليا وللمستغلين من الطبقات الأخرى، وبالتالي يمكن لأي كاتب استغلال هذه الطريقة في تقديم نقد اجتماعي ونقد سياسي, نقد اجتماعي للعادات والتقاليد والظروف الاجتماعية الظالمة، وفي الوقت نفسه ينقد الاستبداد الذي يتسم به بعض الحكام الظالمين.  


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏