«شتات» ودراسة نقدية جديدة

«شتات»  ودراسة نقدية جديدة

العدد 823 صدر بتاريخ 5يونيو2023

ضمن سلسلة الدراسات النقدية التي ينظمها من المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، والتابع لقطاع الإنتاج الثقافي برئاسة المخرج خالد جلال، عُقدت دراسة نقدية جديدة حول العرض المسرحي «شتات»، وذلك عقب انتهاء الليلة قبل الأخيرة في الموسم الأول له على خشبة مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، وأنتج العرض برئاسة الفنان شادي سرور. وقد حظي «شتات» منذ افتتاحه بنجاح كبير على المستويين: النقدي والجماهيري، لذلك قام المركز القومي بتوثيق العرض من خلال هذه الدراسة المصورة بحضور كوكبة من المسرحيين والإعلاميين والنقاد وعلى رأسهم أ.د. هدى وصفي رئيس قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وواحدة من علامات المسرح المصري، كما حضر الفنان جمال الفيشاوي والكاتبة مايسة زكي والكاتبة صفاء البيللي، وغيرهم من الكتاب والنقاد والإعلاميين. تحدث فيها من النقاد أستاذ الدراما والنقد بكلية الفنون د. سيد الإمام, ودكتورة الدراما والنقد وفاء كمالو وعضو اللجنة المركزية للقراءة بالبيت الفني للمسرح ولها العديد من القراءات النقدية.
أدارت الندوة الباحثة رشا زيدان، وقالت إن «شتات» هو إنتاج مركز الهناجر للفنون من تأليف رشا فلتس وإخراج سعيد سليمان، ويُعد هذا العمل هو الثالث للكاتبة رشا فلتس حيث قدمت من قبل العرض المسرحي «بيانولا» للمخرج محسن حلمي، وعرض «اهتزاز» للمخرج حسن الوزير أيضا على خشبة مسرح الهناجر، بينما قدم المخرج سعيد سليمان العديد من الأعمال المسرحية منها «أوديب ملكا» و»ماكبث» لوليام شكسبير، كما حصل على العديد من الجوائز في مختلف المسابقات.
«شتات» يناقش هوية الإنسان في العصر الحديث وصراعه وحالة الشتات بين العقل والجسد والروح.
بطولة: ياسر أبو العينين, حسن عبدالعزيز, عمرو نخلة, مصرية بكر.
ديكور وأزياء نهاد السيد, إضاءة أبو بكر الشريف, إعداد موسيقي مريم سعيد, هيئة الإخراج عليا عبدالخالق, فاطمة عصمت, تامر عثمان.

وفاء كمالو
في البداية أشادت وفاء كمالو بعرض «شتات» وقالت إننا بصدد عرض متميز عبارة عن مواجهة شرسة مع قسوة الوجوه وصفته بأنه الوصل والبوح والجموح. الوصل الناري على ذاكرة الروح والجسد هي الحالة الاستثناء فتحت المسارات أمام عبقرية الحضور وسحر الاختيار. أضافت أن «شتات» هي تجربة تُروى عن العشق والحرية واللين والجنون عن دهشة التكوين وقسوة الأقدار وعذابات الإنسان، تمردت «شتات» على السائد والكائن وامتلكت وعيها الثائر وقانونها الخاص لنصبح أمام قطعة فنية آخذة الجمال مسكونة بالسحر والقسوة والعنف والبراءة منسوجة من الدهشة والشوق والحرارة أعلنت العصيان على القهر والاستبداد وهزت عرش التسلط والاستيلاء بحثا عن الحرية والنبض والمعنى في وجود مخيف ضبابي الملامح والأبعاد. وأوضحت كمالو أن مؤلفة النص رشا فلتس اتجهت من خلال «شتات» إلى دفاع جدلي سائر على الثابت والمطلق كالسياسة والسلطة وعذابات الإنسان، وأن الكتابة الحية امتلكت شرعية حضورها الطاغي عبر الرؤية العصرية الضمنية التي تنتمي إلى ما بعد الحداثة تشتبك بقوة مع عبثية وجودنا الآن بكل قسوته وجموحه وجنونه وانهياراته. أوضحت كمالو أن المؤلفة رشا فلتس تواجهنا بمنظومة فنية خلابة ارتكزت علي أبعاد درامية مسكونة بمفاهيم الجماليات من حيث الشخصيات والتقاطعات اندفاع الفعل والأحداث والتصاعد والمفارقات ولغة الكتابة وخصوصية المفردات ورشاقة الإيقاعات تدفع المتلقي لمسارات التفكير الواعي في مأساة الوجود المخيف. وأكدت أن المؤلفة استاطعت أن تبلور هذه الحالة باختلاط الواقع بالخيال والحقيقة بالوهم والماضي بالحاضر من خلال الطرح الفلسفي للوجود والعدم والعبث واستحالة التواصل بين البشر في عالم مسكون بمؤامرات الدم والقتل والتسلط والاستبداد وحتمية السقوط.  
وعن مخرج العرض، قالت إنه صاحب المشروع المسرحي الحي الباحث دائما عن قداسة الوجود الإنساني، تبلورت تجربته في «شتات» بتقنيات ما بعد الحداثة من خلال الصورة المفككة والمعروضة بشكل غير منطقي، بالإضافة إلى المشاهد المتباعدة عن التصاعد الخطي وعن المنطقية، كما أنه نجح أن يجعل المتلقي يلامس حالة تعبيرية رسمت حدود وأشكال الفضاء المسرحي، دفعتنا ببساطة إلى قلب مسرح القسوة الذي يحرر بداخلنا القوة الكاملة المسكونة دائما بالقيود الاجتماعية والنفسية والسياسية، لذلك الحالة المسرحية تتحول إلى تيار انساني يدين انهيار القيم وقتل أحلام الناس ومشاعرهم.
في النهاية، أشادت كمالو بالديكور المبهر والموسيقى الناعمة التي تتشابك مع الأحداث وتعانق الضوء، كما أشادت بالإضاءة وكل نجوم العمل.

سيد الإمام
أما د. سيد الإمام فقد قدم في البداية الشكر للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية على دعوتة للمشاركة في هذه الندوة التي جعلته يعود مرة أخرى إلى المشهد المسرحي بعد توقف عدة سنوات عن الكتابة والنقد. وواصل الشكر للمخرج سعيد سليمان لتحملة مسئولية هذا النص الصعب، مقدرا المجهود المبذول من مجموعة الممثلين فقط لحفظ النص والعمل على الحركة، قائلا: هناك مجهود نفسي وروحي بُذل من «كاست» هذا العمل لكي يقدم بهذا الشكل الاحترافي، لذلك أحترم جدا تلك الدعوة التي وجهت لي، وأن المخرج اكتشف في هذا العمل دوافع مسرحية وليست دوافع درامية، واستطاع أن يعمل على معادلة تشكيل الجملة الدرامية الخالية من الحركة. وأضاف أن العرض المسرحي «شتات» تتوقف مرجعيته عند ثلاثة محاور يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وهي: (المسرح الساكن) و(مدرسة التحليل النفسي) و(الفلسفة الوجودية).
لذلك يثير العرض التباسات عدة ما بين إمكانية المشاهدة وإمكانية الاستسلام للجماليات الموجودة في العرض أو الفرار منها وقد يهرب المتلقي بعد عشر دقائق من عرضها إن لم يكن لديه خلفية ثقافية عن هذه المحاور، قد لا يستطيع فهم العرض المسرحي لذلك تواجه هذه النوعية من العروض صعوبة بالغة في الطرح، موضحا أن في نهاية القرن التاسع عشر حدث تضافر لظاهرتين: الأولى ظهور كاتب بلجيكي الجنسية يكتب بالفرنسية وهو السيد موريس ميترلينك، والثاني ظهور شاعر فرنسي وهو شاعر رمزي تحمس إلى أن يتحول إلى مخرج وقرر أن يعمل على كيفية وإمكانية تقديم الدراما الرمزية على خشبة المسرح، ويُعد هذا هو أول تضاد حقيقي للدراما والمفاهيم الواقعية مع مفاهيم الكتابة الكلاسيكية القديمة، قدم خلال هذه الفترة أيضا موريس ميترلينك البلجيكي ما يقارب الخمسة عروض وقدم تعريفا عن المسرح الساكن بـ(هو المسرح الذي لا يحدث فيه شيء ولكن ندعوا فيه الإنسان للحظة تأمل ممتدة). ومن هنا، يدرك تماما مفهوم القدر ونتفاجأ به بعد حوالي أربعة عروض له أن تتحول وجهة نظره في المسرح الساكن، مشيرا أن ذلك حدث بسبب (المرأة) التي تستطيع أن تُحدث اشتباكا حقيقيا بين الرجل وبين العالم، والعكس صحيح، مؤكدا أن الطرح بقدر ما به من لحظة تأمل ممتدة لا بد أن أدعو نفسي للاستجابة لتلك اللحظة المرعبة لعالم اللاوجود.
وعن الديكور أشاد الإمام بمصممة الديكور نهاد السيد لأنها استطاعت أن تقدم صياغة الفراغ الزمني متزامنا مع صياغة العرض المسرحي، وذلك لاستخدامها بعض الخامات والأدوات مثل الجريد والتروس وتوظيفها داخل الفضاء المسرحي بشكل متناقض متماشيا مع أحداث العرض، كما أشاد أيضا بالموسيقى والمؤثرات الصوتية التي تفوقت بشكل كبير ليكتمل الشكل الجمالي مع  استخدام الإضاءة التي لعبت دورا مهما في مجريات الأحداث.

مخرج العرض سعيد سليمان
ومن جانبه أعرب المخرج سعيد سليمان عن سعادته بهذه الندوة، وما قيل في حق هذه التجربة، وتحدث عن بداياته عندما لقي الدعم والمساندة من جانب د. سيد الإمام من خلال عرض «صرخة» كذلك الأمر مع الناقدة وفاء كمالو لدعمها المستمر من خلال مقالاتها وكتابتها عن أعماله المسرحية، واتفق مع سيد الإمام في تحليله بأن هذا العمل قائم على هذه المحاور التي ذكرها خلال الندوة، وكشف أنه دائما كان يتحدث مع الممثلين أثناء البروفات عنها، مضيفا أن العرض قابل للتقويل، موضحا أن البروفات استغرقت في البداية وقتا طويلا للتدريبات الجسدية فقط بعيدا عن النص ثم بدأنا الانغماس في الحاله تدريجيا.

الفنان ياسر أبو العينين
وفي السياق تحدث الفنان ياسر أبو العينين عن تجربته في العرض المسرحي «شتات»، وقال: لقد عملت على مدار ثلاثين عاما من المسرح كافة أنواع العروض، ولكنني لا أميل لهذه النوعية من العروض والنصوص غير التقليدية، وأنحاز دائما للمتلقي والعروض التي يذهب إليها للفرجة والمتعة بمختلف ثقافتهم، وفي الوقت ذاته يخرج المشاهد من العرض برسالة ما، إلى أن رشحني المخرج سعيد سليمان لهذا الدور، فقررت أن أخوض التجربة وأنا أعلم أنه تحدٍ كبير. أضاف أبو العينين: كنت أريد أن أرى هذا العالم من الداخل، فدائما أشاهده كمتفرج، مؤكدا أنها تجربة إيجابية جدا تعلم منها الكثير، ومن الممكن أن نقدم تجارب مستواها الفكري والثقافي يحتاج إلى خلفية ثقافية ومخرج يمتلك أدواته جيدا مع بقية عناصر العمل يستطيع أن يقدم حالة من حالات المتعة وتقريب الفكرة إلى ذهن المتلقي مهما كان مستواه الثقافي.

الفنانة مصرية بكر
أما الفنانة مصرية بكر قالت: إن العرض بالنسبة لي كان تجربة مختلفة استطاعت أن تلامس مشاعري بصفة شخصية. وأضافت أن التدريبات على الحركة والشكل الخارجي فقط استمر فترة زمنية طويلة من البروفات قبل العمل على النص ذاته، مما جعل المخرج بذكاء فني شديد يسرب لنا هذه الحالة من الشكل الخارجي إلى الداخلي. وأوضحت مصرية أنها تشعر منذ اللحظة الأولى أن داخلها صراع حقيقي على المستوى الشخصي، وأن الثلاثة رجال هم من يمثلون هذا الصراع الداخلي بحالاتهم المختلفة، فعندما أذهب إلى الحالة الأولى وهي الاستسلام والتعايش لم أرَ ذاتي، كذلك الأمر في الحالة الثانية والثالثة.
وفي السياق ذاته، أكدت مصرية أن مشاركتها في العرض كان له تأثير نفسي يشعرها بألم داخلي تصفه بأنه جلد الذات قد يصل هذا الألم لحالة بكاء أثناء مشاهدة العرض من الكواليس، خاصة في وجود الميوزك الملتصقة بشكل كبير مع الحالة.
واختتمت حديثها بأن التجربة هي تجربة شيقة ومختلفة بالنسبة لها كممثلة أشبعت رغبتها على مستوى التمثيل والأداء الحركي والجسدى والفني.

الفنان حسن عبدالعزيز
بينما أعرب الفنان حسن عبدالعزيز عن سعادته بخوض هذه التجربة مع المخرج سعيد سليمان، وقال: إن «شتات» ليس العمل الأول مع سليمان، ولكن هذه هي التجربة الثانية لهما سويا، مضيفا أن المخرج يتبع مدرسة إخراجية صعبة للغاية، ولكنه لم يترك أي كبيرة ولا صغيرة إلا وقام بشرحها بالتفصيل حتى أستطيع أن أجسد هذه الشخصية باحترافية، خاصة في المشاهد الصامتة التي تطلبت تعبيرات جسدية فقط تعبر عن حالة (الثورة) وكيفية صياغتها على خشبة المسرح.
الفنان عمرو نخلة
وفي النهاية، أكد الفنان عمرو نخلة أنه سعيد بالتجربة لأنها مختلفة على كل المستويات وغير تقليدية بداية من التدريبات على الحركة والكلام دون أداء، ولا أعلم متى جاء الأداء. وأضاف أن هناك بعض الجمل والكلمات كانت غير مريحة أثناء الأداء، وكنت أتناقش مع المخرج في هذا الأمر، فكان يؤكد لنا أن هذا هو المطلوب لنكتشف فيما بعد أنه أراد ذلك عن قصد لتكون صادقة المشاعر فتصل إلى المتلقي بشكل واضح. أتم حديثه بأنه تحمس للمشاركة فور قراءة النص خاصة وأنه غير تقليدي.
 


محمود عبد العزيز