«بعد اخر رصاصة» كما يراها النقاد

«بعد اخر رصاصة»  كما يراها النقاد

العدد 820 صدر بتاريخ 15مايو2023

   بعد النجاح الكبير الذي حققه العرض المسرحي «بعد آخر رصاصة» للمخرج شريف صبحي الذي قدم للموسم الثاني على التوالي على خشبة مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح، نظم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية والتابع لقطاع الإنتاج الثقافي برئاسة المخرج الكبير خالد جلال، دراسة نقدية  وناقش من خلالها العديد من النقاط المهمة التي جاءت في أحداث العمل تحدث فيها الكاتب إبراهيم الحسيني والناقد إحمد خميس، بحضور الفنان سامح مجاهد مدير فرقة مسرح الغد، وصناع وأبطال العمل وعلى رأسهم المخرج شريف صبحي. أدارت الندوة الباحثة رشا زيدان وقدمت التحية لمسرح الغد برئاسة الفنان سامح مجاهد على إنتاج هذا العمل المتميز، وأثنت على أبطال العمل، وهم: آسر علي، إبراهيم الزهيري، محمد دياب، طارق شرف، مي رضا، وفاء عبده، إيناس المصري، إيمان مسامح، مريم سعيد. تأليف الكاتب العراقي علي عبدالنبي الزيدى، موسيقى وألحان هشام طه، توزيع موسيقي محمد همام، ديكور محمد هاشم، أزياء دينار زهير، ماكياج إسلام عباس، رؤية سينمائية طارق شرف، دعاية محمد فاضل، مخرج منفذ علياء عبدالخالق، نورهان سمير، سيادة نايل. فوتوغرافيا عادل صبري، تنفيذ مكياج نادين عبدالحميد، سارة محمد، تنفيذ الديكور سالي كمال، تنفيذ أزياء أماني سالم، مصحح لغوي إبراهيم الزهيري، الراقصون: محمد أحمد محمد، أحمد محمد عبدالوهاب، عمار بلال محمد. كما قدمت نبذة عن العرض الذي يدور حول قضية الحروب العشوائية التي تؤثر على البشرية نفسيا واجتماعيا واقتصاديا. أضافت زيدان أن مخرج العرض شريف صبحي من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، وفنان قدير بالبيت الفني للمسرح حصل على العديد من الجوائز منها جائزة أفضل مخرج من قبل لجنة التحكيم الدولية بمهرجان المسرح التجريبي، وذلك عن عرض “أحدب نوتردام” قامت زيدان بتقديم  المتحدثين وهم الكاتب والناقد أحمد خميس وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية قسم دراما ونقد، وعضو لجنة تحكيم وندوات الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعضو لجنة القراءة بالبيت الفني للفنون الشعبية، وحصل على العديد من الجوائز منها أفضل مقال نقدي، وذلك من خلال المهرجان القومي للمسرح المصري.
والكاتب والناقد إبراهيم الحسيني رئيس التحرير التنفيذي لجريدة “مسرحنا” كاتب مسرحي له العديد من المقالات النقدية والدراسات عن المسرح، بالإضافة إلى العديد من النصوص المسرحية قد يصل عددهم أربعين نصا منهم ثلاثة نصوص للأطفال، وحاصل على الكثير من الجوائز المصرية والدولية منها جائزة النص المسرحي بمهرجان المسرح التجريبي عن عرض “وصفه للاستمتاع بالقتل”، جائزة ساويرس الثقافية عن مسرحية “باب عشق”، جائزة أفضل مؤلف مسرحي عن المسرح الكنسي بمصر، وذلك بالمهرجان القومي للمسرح، جائزة د. فوزي فهمي عن أفضل دراسة نقدية بالقومي للمسرح، وله العديد من المسرحيات التي قدمت على خشبة المسرح المصري، ومنها “أخبار أهرام جمهورية”، “كوميديا إيد الهون”، “أيام أخناتون”، “سابع أرض”، “كوميديا الأحزان”، “حكايات سعيد الوزان”، وأخيرا “باب عشق”، التي ستعرض قريبا على خشبة مسرح الطليعة.

أحمد خميس: «بعد آخر رصاصة» رؤية إخراجية متميزة
في البداية قدم الناقد أحمد خميس الشكر للفنان سامح مجاهد مدير فرقة مسرح الغد، وأشاد بنوعية العروض التي تقدم على خشبة مسرح الغد، وأن مجاهد لا يتوانى عن تقديم جميع الخدمات الممكنة لأي عرض يقدم داخل المسرح ويقوم دائما بمتابعة العرض فترات دون راحة حتى يذلل جميع العقبات التي قد تواجه فريق العمل أثناء البروفات دون التدخل في رؤية المخرج، ولكنه يحرص على مساعدة تلك الرؤية على الوجود على خشبة المسرح ويقوم بمناقشة جميع عناصر العرض للوصول إلى أعلى كفاءة يرتضيها صناعه.
أما عن النص، فقال خميس: إننا بصدد ثلاثة نصوص في عرض واحد للكاتب الكبير علي عبدالنبي الزيدي، وهو أحد أهم الكُتاب في الوطن العربي الذي حصل على العديد من الجوائز في مسابقات على مستوى الكتابة والإخراج، وهم “القمامة، الجيل الرابع، عودة الرجل الذي لم يمت”، قام المخرج شريف صبحي بدمجهم في عرضه المسرحي “بعد آخر رصاصة” برؤية إخراجية متميزة، وأكد أن المخرج شريف صبحي يعمل دائما على المكون الدرامي الذي يطرحه للمتلقي في كل أعماله سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج كما هو في العرض موضوع الندوة “بعد آخر رصاصة”، مضيفا أن صبحي لا يرضى بفكرة العمل على نص معد سلفا، ويعيد ترتيبه مرة أخرى ولكنه يتدخل في حالة أنه رأى تيمات أخرى لدى المؤلف ذاته، فيجاورها ببعضها البعض كما هو محقق في هذا العمل من خلال ثلاث حكايات (منفصلة متصلة)، ولكنها تدور حول فكرة أساسية وهي الأثر السلبي  للحروب على المجتمعات والتغيرات التي قد تحدث في وعي وتكوين الناس بقضاياهم ومشاكلهم الأساسية، مؤكدا أن صبحي استطاع ببراعة شديدة أن يدمج هذه الحكايات التي من الممكن أن تكون بعيدة عن بعضها وتمت كتابتها في أزمنة مختلفة، وهي تدور حول ثلاث أسر مختلفة الأسرة الأولى وهي أسرة رجل يُسمى في المنطقة أبو ذراع لديه طفل حديث الولادة، فيفكر في بتر ذراع ابنه الرضيع خوفا من مشاركته في الحروب، ويقوم بالفعل بعملية البتر في مشهد مؤلم. والأسرة الثانية هي أسرة الرجل الموسيقار الذي قبض عليه يوم زفافة من قِبل صناع الحروب ليشارك معهم في تلك الحروب رغم أنفه، ولكنه حسب قوله لم يطلق رصاصة واحدة أثناء الحرب. أما الأسرة الثالثة فهي لرجل يُسمى الرجل المربع الذي عاد من الحرب مبتور القدمين، موضحا أن القصة الثالثة تشبه واحدا من النصوص المهمة التي قدمت خلال فعاليات مهرجان المسرح التجريبي وهي مسرحية “الجنة تفتح أبوابها متأخرا” للكاتب الكبير فلاح شاكر وهو واحد من أهم كتاب المسرح العربي. 
ثم تطرق إلى بقية عناصر العرض مشيدا بـ(السينوغرافيا) قائلا إنها من الأركان الأساسية في صناعة العرض المسرحي وتلعب دورا كبيرا في خدمة وتكوين رؤيتنا لهذه التيمات. ويرى خميس من وجهة نظره كقارئ للدراما ومطلع على الحركة الدرامية باستمرار، أن هذه التيمات لا تتحرك بشكل كبير وليس لديها روح الحركة الزائدة التي يحدث فيها تغير أثناء تطوير الحدث الدرامي، مشيرا إلى فكرة الرجل الذي يريد بتر ذراع ابنه، موضحا أن هذا المشهد كان من الممكن أن يقدم في دقيقة أو دقيقتين، ولكن المخرج استطاع مع جميع عناصر العرض من ممثلين وإضاءة وموسيقى وأزياء أن يفتت تلك اللحظة ليؤكد للمتلقي أنه لا يعمل بطريقة البداية والوسط والنهاية، ولكنه يعمل بمنطق التفتيت والبناء طوال الوقت لتيمات مصنوعة بشكل لائق في التكوين الدرامي والعرض المسرحي المتطور. 
أشاد خميس بالممثلين وأدائهم المبدع وإيمانهم بالفكرة وإنكار الذات. واختتم خميس حديثة بالوقوف على بعض النقاط كوجود مشاهد يرى أنها زائدة وكان من الممكن الاستغناء عنها خاصة في النهاية، وهي الجزء السينمائي الذي لا يخدم ولا يفيد العرض، وأبدى رفضه لفكرة أن يكون المخرج واعظا وأن تكون رسالته للسلام مباشره، فالمتلقي تشبع من خلال العرض بهذه الفكرة خاصة وأن متلقي هذه النوعية من العروض لديه ثقافة ووعي كبير لا يقبل فكرة بسيطة التكوين.

«بعد آخر رصاصة» عمل يكثف قبح الواقع
أما الكاتب إبراهيم الحسيني فأشاد في البداية بدور الممثلين قائلا: عندما يصل الممثل لحالة ما بعد الإنسانية لا يحتاج العرض إلى نقد فني بقدر احتياجنا إلى نقد لنفسية الممثل الذي أدى الشخصية بهذا التشابك النفسي العنيف جدا. ولا يرى أن الممثل تماهى مع الشخصية كما وصفه الناقد أحمد خميس، ولكن الممثل أخذ موقفا نفسيا داخليا من الشخصية التي يؤديها على خشبة المسرح، وأن هناك نوعا من أنواع الظلم للممثل، مؤكدا أن الممثلين بذلوا جهدا بدنيا ونفسيا كبيرا لصالح جمالية العمل، وقد ينعكس ذلك الأمر نفسيا على الممثل في حياته الطبيعية بعيدا عن التمثيل نظرا لما وصل إليه في تمثيل تلك الشخصيات، كما أشاد أيضا بحالة الديكور المصممة على شكل متاهة في عقار متهدم في حالة من حالات الضبابية، ويطلق عليها مصطلح (القتامة في الفن) وتعني أنك تنظر إلى الحياة بحدة وتشاؤم لتخدم الفكرة والطرح والرؤية الإخراجية. 
وأشار الحسيني إلى ملحوظة مهمة تحدث أثناء الحروب تجسدت بشكل واضح في العمل وهي هيمنة العنصر النسائي على المشهد واختباء الرجال لتكون رسالة واضحة وصريحة بانكسار الرجل وسيادة مشوهة للمرأة.
 اتفق الحسيني مع الكاتب أحمد خميس في الرأي بأن كلمة السلام التي جاءت في الفيلم السينمائي حولت حالة الـ(إيهام) التي عاشها المتلقي طول العرض إلى حالة (الوثائقية). 
مضيفا أننا أمام عمل يكثف قبح الواقع قد نستخدم فيه تحذيرا لأصحاب القلوب الضعيفة بعدم المشاهدة، وأن هذه النوعية من الأعمال ممكن أن تكون مشبعة نفسيا للمخرج وفي الوقت ذاته تقدم له التيمة الفنية، وعندما نصنع فنا فهناك اتجاهان هل نواجه قبح الواقع بقبح مماثل على مستوى الشكل؟ أم نعيد تنظيم هذا الواقع المتوتر والمليء بالحروب والقتل والتشوهات؟ 
موضحا أن الاتجاهين لا ينفيان بعضهم البعض، وهناك مدارس إخراجية تتجه لهذا الاتجاه. 
أكد الحسيني أن المخرج شريف صبحي لا يقتنع بتقديم عمل بسيط أو عادي وكان من الممكن أن يقوم بتقديم حكاية واحدة من الثلاث حكايات التي قدمت، وقد تكون قصة الرجل المربع العائد إلى بيته لأنها الأكثر اكتمالا ما بين القصص الثلاث على مستوى الدراما حيث إنها تتضمن بداية ووسط ونهاية، ولكنة اختار أن يدمج هذه التيمات بعضها ببعض في عمل واحد ليصبح العرض لحظة تكثيف واعية جدا لمأساة هذا الزمان. 
استطرد الحسيني حديثه حول المخرج وقال: أعتقد أنه قام بتحضير وتجهيز هذا العمل المتميز منذ عامين ولديه دأب شديد للعمل على كل التفاصيل، مشيرا إلى أن نقاط الالتقاء الوحيدة في الثلاث حكايات التي تسير بشكل متوازي تتمثل في المزيكا ولحظات الإضاءة التي تقوم بالاشتباك بين هذه الحكايات وأحيانا في الكلمات والجمل المكملة لبعضها البعض، ويرى أن المخرج ترك الدلالة مفتوحة ولم يحدد له زمانا أو مكانا، ليؤكد أننا بصدد عالم واحد، وما يحدث على خشبة المسرح فهو يحدث الآن في العالم، ومن الممكن أن تستأنف مشاهدة العرض من خلال نشرات الأخبار وما يحدث من جنون الحرب في العالم. 
في النهاية، أشاد الحسيني باللوحات الجمالية التي قدمت على خشبة المسرح سواء من أداء الفنانين أو خطة الإضاءة المحكمة أو الرؤية الإخراجية للمخرج شريف صبحي وطموحه الذي لا يخضع لمواصفات الواقع، كما قدم التحية للفنان سامح مجاهد مدير فرقة الغد والفنانين الذين تخلوا عن ذاتهم.

شريف صبحي أجهز للعرض منذ سنوات
بينما قدم المخرج شريف صبحي التحية لمسرح الغد ورجاله وعلى رأسهم المخرج سامح مجاهد مدير عام فرقة الغد، على جهدهم في تذليل كل العقبات التي كانت تواجه حركة إنتاج العرض وتجهيزه.  وعن العرض، قال: كان لدي تساؤلات كثيرة وأهمهم لماذا أصبح العالم بهذه القسوة؟ وكان بالي دائما منشغلا بفكرة الحروب والدم والدمار، لذلك قررت العمل على هذا الملف من خلال منزلي في فترة الكورونا، وما قبلها، وصنعت ماكيت بكل التفاصيل وأخرجته ثم قمت بتقديمه لمسرح الغد. 
أما عن فكرة الفيديو السينمائي ومشهد النهاية والدعوة إلى السلام، فأكد أنه كمخرج للعمل مقتنع بالفكرة تماما، وكان مخطط لهذا الفيديو مشاركة معظم فنانين مصر لتكون دعوة إلى العالم أجمع بالسلام، وكان مقصودا جدا أن تكون الدعوة مباشرة لتكون صرخة في وجه كل معتدٍ وصانع للحروب.

سامح مجاهد فخور بالعرض
أعرب الفنان سامح مجاهد عن سعادته بنجاح العرض وردود الأفعال الإيجابية تجاه العمل سواء على المستوى النقدي أو الجماهيري، بينما قدم التحية لكل صناع العمل بداية من المخرج إلى المكياج وعمال المسرح ودار العرض. وواصل الشكر والتحية للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية على توثيق تلك العروض المهمة. وأكد أن العرض رسالة مهمة وهو فخور بتقديمها في هذا التوقيت. 
 


محمود عبد العزيز