الفروق بين التأليف والإعداد والاقتباس على مائدة لجنة المسرح بالأعلى للثقافة

الفروق بين التأليف والإعداد والاقتباس على مائدة لجنة المسرح بالأعلى للثقافة

العدد 810 صدر بتاريخ 6مارس2023

عقدت لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة جلسة بحثية تحت عنوان «تحديد الفروق بين التأليف والاعداد والاقتباس، والدراماتورج» وأدارها المخرج عصام السيد مقرر اللجنة وشارك فيها الدكتور أيمن الشيوى أستاذ التمثيل ولإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية، والدكتور محمد سمير الخطيب أستاذ الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس والدكتور مصطفى رياض أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة عين شمس والكاتب المسرحى محمد السورى وشهدها عدد من المتخصصين مثل المخرج محمد الشافعى والمخرجة عبير على والناقد محمد بهجت .
وقال المخرج عصام السيد فى مستهل كلمته: قررت لجنة المسرح خلال هذه الدورة أن لا يكون هناك تصادم بيننا وبين الجهات الادارية وأن نقوم بعمل نوع من تحسين وتطوير المهنة من خلال مناقشة وتحليل بعض الظواهر الغير مقبولة، ونحن اليوم نتناول ظاهرة انتشرت بشدة فى عروضنا المسرحية وهى ظاهرة أن يأخذ أحد المؤلفين أو المخرجين فيلما أجنيا ويقدمها للمسرح ويكتب عليها اسمه كمؤلف، وزاد الأمر أن بعض الأشخاص أخذوا مسرحيات وكتبوا عليها تأليف لمجرد أنهم قاموا بعمل تعديلات بسيطة، هذا الأمر أدى إلى حدوث لبس بين الناس فى تعريف مصطلحات مسرحية مثل التأليف رغم بديهيته، وهناك أيضا ظاهرة قديمة لدينا وهى عدم الاعتراف بحقوق الملكية، فتجد من يأخذ عن نص أجنبي دون ذكر العمل الأصلى ومن خلال مراجعتي لبعض العروض الأجنبية اكتشفت أن تلك الظاهرة غير مقتصرة علينا حيث فوجئت بأفلام أجنبية شهيرة مأخوذة عن أصول دون ذكرها مثلا  “my fair lady»  لم يشر إلى أنه مأخوذ عن بجماليون لبرنارد شو، ثم فيلم أمريكى آخر اسمه born yesterday ولكن تم تغيير مهنة البطلة من بائعة ورد إلى فتاة لعوب .
وعليه فقد قررنا عقد هذه الجلسة البحثية لتحديد كل مسمى من بين تلك المسميات ثم يتم توزيعها على الجهات الإنتاجية والإدارية لتوضيح الفارق بين كل منها على حدة لكى تسترشد به، لأنه على سبيل المثال نص مثل “ليل الجنوب” الذى كتبه شاذلي فرح، وأخرجه ناصر عبد المنعم النص الذى أخرجه ناصر ليس هو النص الأصلى الذى كتبه شاذلي فرح لأن هناك دراماتورج تدخل، تم تقديم هذا النص بعد ذلك وكتب عليه تأليف شاذلي فرح .
وقال د. مصطفى رياض: إذا بدأنا بالتأليف، فنحن فى عصر ما بعد الحداثة وأصبحت الأمور بها قدر كبير من “التميع”، لكننا نعلم جميعا أن التأليف يندرج تحت 36 موقف درامي لا يخرج عنهم الموضوع، لكن هناك فكرة إعادة الكتابة برؤية مختلفة، والتناص، ولكن فى النهاية يجب أن نفرق بين التأليف والإعداد والاقتباس .
وقال د. أيمن الشيوى: إذا كان التأليف يعتمد بالفعل على 36 تيمة، فيجب أن نعترف أننا نعمل على العلاقات والشكل واللغة، حيث نقدم شبكة العلاقات وشكلها وعلى ذلك فلدى المؤلف ثلاثة أوجه يعمل عليها أولها اللغة ثم فكرة العلاقات مثل علاقة الزمان بالمكان، وعناصر العرض المسرحى الأمر الثالث هو الشكل مثل الكوميدى أو التراجيدي أو فارس أو ملحمى، لكن نأتى هنا لفكرة التعامل مع المؤلف هل نترك له العنان لتقديم كل ما يخطر على بالك من أفكار أم نجعله مقيداً بشروط محددة وعدم الاقتراب من أية أفكار يشوبها شائبة الاقتباس، وأنا أرى أن نطلق العنان للمبدع ليقدم مايريد، ونترك للحركة النقدية تصحيح وتصويب ما التبس عليه، وبصفة عامة فإن كل الدراسات تؤكد أنه لا يوجد فكرة أصيلة ويجب أن تكتشف تناص، وأن أى شخص فينا يعمل على نص يجد نفسه قد أخذ من مصدر والمبدع دائماً يقدم حصيلة خبراته وقراءته ومشاهداته والتى يدخل فى جزء أصيل منها احتكاكه بتجارب وابداعات الآخرين، فالمسألة فى النهاية لو أن هناك حركة نقدية قوية فإنها ستفصل وتحسم هذا الالتباس .
ويستطرد الشيوى: مشكلتنا الحقيقية أن النقد لدينا يكتفى أحياناً بتحليل النص والعرض فقط، ونحن ندخل أحيانا فى قوالب مجمدة، أنا اجتهدت وأطلقت على فكرة الاعداد أو الاقتباس تعريفا محددا وهو تحويل شكل أدبى معين إلى نص مسرحى، أما الدراماتورج فهو مرتبط بفكرة إعادة الصياغة وهو أمر يخص المخرج بشدة، ووجهة نظرى الخاصة فى تعريف التأليف هو أى عمل تتم كتابته ويحمل مواصفات المنتج بشكل جديد، مساحة التأليف نفسها هى مايمكن أن نختلف عليه، فالتأليف به جزء ابتكارى حتى التمصير به جزء ابتكارى.
وقال د. سمير الخطيب: هذا الأمر كان يشغلنى دائما وكنت أفكر دائما فى وجود تعريفات محددة لكل مسمى فلو تحدثنا عن مسمى التأليف نجد أن الكلمة مشتقة من الألفة فبالتالى يمكننا أن نقول أن التأليف هو التآلف مع حدث معين وإعادة صياغته على الورق، والتأليف به صنعة وهذا يتفق مع فكرة المؤلف فى اليونان قديما .. فتلك المهنة تحتاج صنعة وتحتاج خبرة وبالتالى فأنا أرى التأليف صنعة، عبارة عن وضع أحداث وصياغتها بشكل معين حتى نخرج إلى نص مكتوب، والمسرح هو استخدام خاص للغة واستخدام خاص للحياة وعلى هذا فلكى يكون المؤلف مؤلفا يجب أن يحمل مواصفات محدد اولها أن يكون لديه فكرة الاختيار والتى يعرف مالذى يختاره من مفردات الحياة وقوة الإخبار أى قدرته على تقديم أفكاره للناس وعلى ذلك فإن المؤلف هو من يستطيع صياغة حدث ما فى لغة متخيلة، وفى وقتنا الحالى فكرة المؤلف وتعريفه تغيرت ولكى نعرف المؤلف يجب أن يكون ذلك فى سياق العرض المسرحى نفسه ونحن نتكلم لو أن المؤلف هو السلطة الأبدية على خشبة المسرح ولكن فى عصرنا الراهن هناك مجموعة عوامل أخرى تساعد فى إيصال الرسالة التى يحملها العرض، فصورة المؤلف الراسخة لدينا تم زحزحتها خاصة فى النصف الثانى من القرن العشرين، وختاماً فإننى أرى أن التأليف هو مجموعة من الأفكار تشير إلى الألفة والتآلف فى حدث ما من خلال صياغات تعتمد على لغة متخيلة .
وقال محمد السورى: أتمنى أن نخرج من هذا اللقاء بتعريف محدد للتأليف حتى لا نسقط فى فخ الاتهام بالأخذ من مصادر أخرى، ولدى نصوص توقفت عن كتابتها ولم أكملها لأننى لا أعرف ماذا سأكتب عن نفسى ، وهذا راجع لكم الانتقادات التى أواجهها بعد كل عرض أقدمه حيث أفاجئ بمن يوجه لى اتهامات بأننى نقلت عن كذا أو كذا رغم أننى أكون منتظر أن يناقشونى فيما قدمته من فكر وتناول خلال العرض، ومن المواقف الطريفة التى واجهتنى أننى كتبت إعداد عن أحد العروض وكتبت إعداد فقالوا لى لماذا لم تكتب تأليف، فلما عملت بالنصيحة عند إعادة العرض قالوا لى هذا ليس تأليفك ! فأنا دائما فى حيرة مع هذا الأمر .
ورد عليه د. أيمن الشيوى قائلاً: أنت الوحيد الذى تستطيع تعريف ماتكتب هل هو تأليف أم إعداد، ومن المهم أن يكون هناك حركة نقدية قوية تناقشك فيما قدمته، لكن نصيحتى ألا تدع أحداً يحجم إبداعك .. أطلق لإبداعك العنان، وأكتب ماتراه ثم أترك تقييم التجربة وتصنيفها للآخرين.
وأكدت المخرجة عبير على أنه من الملزم لأى كاتب أو مخرج يقتبس فكرة من كاتب ما أو حتى من التراث أن يشير للأصل ويكتب عن فلان فهذه حقوق يجب عدم اهدارها، من أجل إعادة الحق لأصحابه .
وقال الكاتب والناقد محمد بهجت: هناك أعمال وقصص مأخوذة عن رواة شعبيين فعلى سبيل المثال حكاية “عزيزة ويونس” التى استمعنا إليها وأعاد بيرم التونسى صياغتها لا أستطيع هنا أن أقول عنه معد لكنه مؤلف .. فكل الأشعار المكتوبة مختلفة تماما عن السيرة الشعبية .
وطرح المخرج عصام السيد فكرة أن هناك حقوق ملكية فكرية للمؤلف فى حين أن ذلك غير مطبق على المعد أو الدراماتورج وتساءل عن مسألة إعادة كتابة وصياغة أحد النصوص وتقديمه برؤية خاصة فهل يحق أن يأتى مخرج آخر ويعيد تقديم النص دون الإشاة إلى كمصدر وضرب مثلاً بعرض سبق له تقديمه تحت عنوان “درب عسكر” تأيف الكاتب الراحل محسن مصيلحى، وقال أنه لجأ خلال العرض إلى لعبة أن يجعل الممثلون ينادون على بعضهم البعض بأسمائهم الحقيقية فى بعض أجزاء العرض، وبعدها بأعوام قدم أحد المخرجين العرض وذهبت لمشاهدته ففوجئت بأن الممثلون ينادون على بعضهم بأسماء الممثلون الذين كانوا فى عرضى أى أن المخرج حصل على النص الذى كتبته وقدمه كما هو حرفياً دون الإشارة إلى ذلك، وأنا أرى أن ذلك يعتبر سطواً وهناك مثال آخر فى نص “ليل الجنوب” لشاذلى فرح كان النص عبارة عن حواديت متتاية لمجموعة نساء فى الجنوب وكان النص بعنوان “الجنوب” فلما قدمه المخرج ناصر عبد المنعم جعل العنوان “ليل الجنوب” وجعل تلك القصص المتوالية قصص متوازية وبالتالى أصبح هذا شكل آخر للنص، قدمه بعد ذلك أكثر من مخرج برؤية ناصر دون ذكر إسمه.
وعقب الدكتور مصطفى رياض قائلاً أتفق معك تماما فى أن القانون لا يحمى الدراماتورج رغم أن دوره مهم جداً لأنه هو حلقة الوصل بين النص وخشبة المسرح فإذا كان له دور مؤثر فى تفسير النص وتقديمه للمتلقى فيجب أن يتم تفعيل دور الدراماتورج وحفظ حقوقه.
وقال د. أيمن الشيوى: هناك فرق بين الدراما تورج و”الدراما ميكر” فالدرما ميكر هو صانع الدراما من الأساس، وبريخت كان يقول عن نفسه أنه دراماتورج فقد كانت هذه هى بدايته فى المسرح، فإذا قاك الدراماتورج بنشر النص الذى أعده عن عرض ما فقد تحول إلى نص جديد، ويمكن لأى مخرج إعادته وعمل دراما تورج جديد ولا تعتبر هنا سرقة .
وأضاف الشيوى: أتذكر هنا الخلاف الشهير جدا بالبين المخرج الراحل كرم مطاوع والكاتب الراحل يوسف إدريس فى نص “الفرافير” أن الأستاذ يوسف إكريس أخذ رؤيته الإخر”، فما حدث أن يوسف إدريس كتب نصاً أولياً ثم أخذ رؤية كرم مطاوع الإخراجية ودمجهما معا، وبعد نجاح العرض حدث خلاف حاد حول من هو صاحب الفضل فى هذا النجاح، فقال المخرج كرم مطاوع أن الكتب حصل على رؤيته وأضافها للنص ونشره بإسمه فالنص لم ينشر إلا بعد العرض بينما قال إدريس أن النص يخصه من الألف إلى الياء والمخرج التزم به وقدمه كما هو، فى النهاية الأمر يعود إلى النص المنشور والذى لم يذكر عليه اسم كرم مطاوع وينسب إلى يوسف إدريس .
واختتم المخرج عصام السيد الجلسة قائلاً: “هناك شبه اتفاق فى تلك الجلسة أن الابداع لا يجب أن يحده حدود بشرط ألا يعتدى على علاقات شخصيات سبق تقديمها من قبل لا بشكلها ولا مضمونها ولا اطارها ولا لغتها، بمعنى أن الإبداع يجب أن يكون متفرداً حتى يسمى تأليفا وإلا يعتبر مأخوذا عن، أما النسبة التى يمكن أن يتأثر بها المبدع من عمل آخر فيجب أن يذكر اسم العمل الأصلى .
 


كمال سلطان