«اللامركزية في الفكر الغربي وأثرها على الخطاب النقدي...» رسالة دكتوراه بعلوم مسرح حلوان

«اللامركزية في الفكر الغربي وأثرها على الخطاب النقدي...»  رسالة دكتوراه بعلوم مسرح حلوان

العدد 799 صدر بتاريخ 19ديسمبر2022

حصلت الباحثة ريهام أحمد رشاد، المدرس المساعد بقسم علوم مسرح كلية الآداب جامعة حلوان علي درجة الدكتوراة بتقدير امتياز، وذلك من قسم الدراسات المسرحية كلية الآداب جامعة الإسكندرية، عن أطروحتها المقدمة بعنوان « اللامركزية في الفكر الغربي وأثرها على الخطاب النقدي المسرحي المعاصر... نماذج مختارة من المسرح المصري».
وتكونت لجنة المناقشة من: د/ محمد شيحة، أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية، رئيساً للجنة ومناقشاً من الخارج. د/ صوفيا عباس عوض، أستاذ النقد بقسم الدراسات المسرحية جامعة الإسكندرية، مشرفاً أساسياً. د/ إبراهيم حجاج، أستاذ النقد المساعد بقسم الدراسات المسرحية جامعة الإسكندرية، مشرفاً مشاركاً. د/ أحمد صقر، أستاذ النقد والدراما بقسم الدراسات المسرحية جامعة الإسكندرية، مناقشاً من الداخل. وقُدمت المناقشة بحضور عدد من الأكاديميين، وذلك بقاعة الندوات بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وجاء في مقدمة الحضور د/ دعاء عامر رئيس قسم علوم مسرح بجامعة حلوان، وبعض من أعضاء هيئة التدريس بالقسم.
في عرضها للبحث تَلَتْ ريهام أحمد: « ظهر مصطلح اللامركزية في الفكر الغربي عقب الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، كرد فعل للدمار الشامل الذي خلفته الحرب على كافة المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تعد أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية، وقد هيأت الحرب العالمية الثانية المناخ المناسب لولادة أفكار فلسفية جديدة  تتلخص في أن مجهودات الإنسان لإدراك معنى الكون وتفسير ظواهر وأحداث -من وجهة نظر البعض- غير منطقية، بل وغير عادلة، ودائمًا ما تنتهي بالفشل، ومن هنا ظهرت فلسفات هدفت الى زعزعة الثوابت ونقد المركزيات، وهدم كل المفاهيم التقليدية القديمة واستبدالها بأفكار أخرى لا تعتمد على المرجعيات الثابتة. وأنتجت تلك الفلسفات تصورات نظرية ونقدية تفكك المركزية، وقد ألقت تلك الفلسفات بظلالها على حقل النقد الغربي، فظهرت العديد من المناهج النقدية التي أكدت على لا مركزية النص الأدبي وانفتاحه على آفاق دلالية وتفسيرات ومعاني لا نهائية».
المنهج التفكيكي وارتكازه على مصطلح اللامركزية
وتابعت الباحثة: «يُعد المنهج التفكيكي واحدًا من أهم هذه المناهج التي اعتمدت مصطلح اللامركزية وكان من أهم مرتكزاتها، حيث اتخذت التفكيكية من فلسفة ما بعد الحداثة متكئًا لها، فاعتمدت على التشكيك والتقويض والعدمية، وإعادة النظر في الكثير من المسلمات، والمقولات المركزية التي تعارف عليها الفكر الغربي قديمًا وحديثًا، فأقرت باستحالة الوصول إلى فهم متكامل أو -على الأقل- متماسك للنص الأدبي، بل قراءات عدة قابلة للتأويل، وذلك عن طريق هدم مركزيته ومرجعيته لمنح الفرصة للتفكير الحر المتمرد على الثوابت». فالممارسة التفكيكية قد ذهبت بعيدًا في تجاوز النصوص الإبداعية حتى أصبح من العسير على المبدع أن يتعرف على نصه الإبداعي داخل النص النقدي، حيث لا يعتمد الناقد في تفسيره للنص على أي مرجعيات سابقة بل يبحث عن المسكوت عنه ليجعل من المهمش مركزاً، وهو ما أكده رائد التفكيكية جاك دريدا الذي اتجه إلى نقـد المركزية الغربيـة وركائزهـا العقلية التي تمحورت حول فكرتيـن: (التمركز حول العقل، وفكر الحضور).
وفي أوضحت الباحثة إنها ستقوم بدراسة المنهج التفكيكي على المستوى النظري والتطبيقي انطلاقاً من فكرة اللامركزية، وتقديم قراءات تفكيكية جديدة ومغايرة لنصوص مختارة من المسرح المصري، تخرج فيها النص من معناه المألوف المتعارف عليه وتربطه بقضايا إنسانيه وسياسية واجتماعية معاصرة. في محاولة منها لدراسة كيفية جنوح كتابها عن المرجعيات الثابتة لكتابة النص الأدبي، ومن جهة أخرى تقديم قراءات جديدة ومغايرة لتلك النصوص تتجاوز زمان ومكان كتابتها لتقدم إسقاطات على قضايا إنسانيه وسياسية واجتماعية معاصرة، وذلك من خلال ممارسة القراءة التفكيكية عليها.
أهمية وأهداف البحث
أكدت الباحثة إن أهمية البحث تنبع من ندرة الدراسات الأدبية في المكتبة العربية التي تتناول الجانب التطبيقي للنظريات المعاصرة الى جانب الشق النظري، وأهمية الاطلاع والتطبيق على الثقافات المغايرة بنظرياتها واتجاهاتها.
وتتمحور أهداف هذه الدراسة في بحث المفاهيم والأسس التي قامت عليها استراتيجية النقد التفكيكى، من خلال تقديم قراءات جديدة ومغايرة للنصوص المسرحية المُختارة، وذلك من خلال عدد من آليات تفكيك النص الأدبي، وأهمها البحث عن المتناقضات لتكون بمثابة وسيلة هدم لبنيته الأساسية ومعناه التقليدي، وبداية لعملية البحث عن معاني جديدة مغايرة من خلال البحث عن المسكوت عنه داخله. والتأكيد على أن عملية النقد عملية إبداعية، وإن الناقد بمثابة مبدع ثاني للنص.
إشكالية البحث
وتكمن إشكالية البحث في الإجابة عن التساؤلات الآتية: ما هو مفهوم اللامركزية في الفكر الغربي المعاصر وماهي محدداته والعوامل التي أدت لظهوره؟ كيف أثر وساهم الفكر الفلسفي الغربي في إنتاج مناهج نقدية حديثة؟ ما هي المصطلحات الخاصة بالنقد التفكيكي؟ وماهي إجراءاته؟ كيف تسهم التفكيكية في تقديم قراءات جديدة ومغايرة للنص الأدبي؟ هل يمكن تطبيق مناهج نقدية تنتمي لثقافات وفلسفات مغايرة على نصوص المسرح المصري؟
منهج البحث
واستكملت الباحثة: في إطار إشكالية البحث والأسئلة التي يطرحها، استقرت الباحثة على الاعتماد على المنهج التحليلي الوصفي، بالإضافة إلي إجراءات المنهج التفكيكي، حيث تم تناوله من الجانب النظري والتطبيقي بوصفه واحدًا من أهم المناهج التي اعتمدت على مصطلح اللامركزية ليصبح من أهم مرتكزاتها.
عينة الدراسة
اختارت الباحثة ثلاثة كُتاب مصريين من أجيالٍ مختلفة وانتقت بعضاً من نصوصهم ليكونوا نماذج مختارة من المسرح المصري، تقدم لهم قراءات تفكيكية تُخرج فيها النص من معناه المألوف المتعارف عليه وتربطه بقضايا إنسانيه وسياسية واجتماعية معاصرة. وجاءت تلك النماذج كالاتي:
- مسرحية «سالومي» 1986 للكاتب «محمد سلماوي».
- مسرحية «حالة غثيان» 1999 للكاتب «رأفت الدويري».
- مسرحية «نهر الجنون» للكاتب «توفيق الحكيم».
محتويات الرسالة
تشكلت رسالة الباحثة ت من مقدمة أربع فصول وخاتمة، وذلك على النحو الاتي:
الفصل الأول بعنوان «اللامركزية بين الفكر السياسي والنقدي»: وفيه تناولت تعريف مصطلح اللامركزية وعوامل ظهوره، كما تطرقت إلى علاقة المصطلح بنظريات ما بعد الحداثة ومنها: نظرية التفكيك والمصطلحات الخاصة بالنظرية، ثم تناولت الباحثة إجراءات النقد التفكيكي، والتفكيكية في بيئة النقد العربي وكيف استقبلها العرب بين مرحب ومعارض.
الفصل الثاني بعنوان «قراءة تفكيكية لمسرحية سالومي لمحمد سلماوى»: وتناولت فيه الباحثة النص المسرحي «سالومي» للكاتب «محمد سلماوي» والذي تم ممارسة التحليل التفكيكي عليه، للوصول إلى العديد من التفسيرات السياسية والفكرية.
الفصل الثالث بعنوان «لانهائية المعني في النص المسرحي حالة غثيان لرأفت الدويري»: وفي هذا الفصل بدأت الباحثة بعرض أثر اللامركزية على أسلوب الكتابة المسرحية في مصر، واختارت الباحثة النص المسرحي العبثي «حالة غثيان « للكاتب «رأفت الدويري»، في محاولة للوصول إلى تفسيرات جديدة ومختلفة للنص.
الفصل الرابع بعنوان «نهر الجنون لتوفيق الحكيم بين القراءة السياسية والنفسية والدينية»: وقامت فيه الباحثة بتحليل النص المسرحي «نهر الجنون» للكاتب « توفيق الحكيم «، وذلك لتقديم قراءات مغايرة على المستوى السياسي والفلسفي.
وأخيراً تنهي الباحثة أطروحتها بخاتمة تبرز فيها أهم النتائج التي توصلت إليها ، بالإضافة إلي قائمة المصادر والمراجع التي استعانت بها خلال بحثها.
نتائج الرسالة
توصلت الباحثة في نهاية رسالتها إلى مجموعة من النتائج يمكن إجمالها فيما يلي:
عرضت الدراسة مفهوم اللامركزية وأصوله الفلسفية والدوافع التي أدت إلى ظهوره سواء في المجال السياسي والإداري أو في حقل النقد الأدبي. كما توصلت الباحثة الى أنه هناك نظريات أخرى غير نظرية التفكيكية تقوم على أساس مصطلح اللامركزية، مثل: نظرية التلقي التي تؤكد لامركزية عملية التلقي ذاتها حيث أن لكل متلقي ثقافة مغايرة عن غيره، وبالتالي كل مشاهد يمكن أن يترجم النص المسرحي ويستقبله في كل مرة بشكل مختلف عن غيره، لذا فالتلقي هنا لامركزي.
أشار البحث إلى عدد من آليات تفكيك النص الأدبي، وأهمها: البحث عن المتناقضات لتكون وسيلة لهدم بنيته الأساسية ومعناه التقليدي، وبداية لعملية البحث عن معان مغايرة من خلال البحث عن المسكوت عنه داخله.
أثبت البحث قدرة المنهج التفكيكى على قراءة النصوص عينة الدراسة عدة قراءات مختلفة، بعيدة عن القراءة التقليدية، وإنتاج معان جديدة ترتبط بتفسيرات سياسية واجتماعية وفلسفية ونفسية، مما يخلق حالة من إعمال العقل، وتحريك آليات الفهم عند المتلقي للوصول إلى نشوة المتعة الفكرية.
قدمت الباحثة قراءة جديدة لنص «سالومي»، فعلى المستوى السياسي يقدم النص صورة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم في إطار واقعنا العربي المتأزم تلك العلاقة القائمة على ثنائية (الخوف والقهر)، كما تشير وقائع المسرحية إلى أزمة حقيقية من أزمات مجتمعنا العربي وتتناول بالنقد عبر سلسلة من الإسقاطات الجرائم الإرهابية التي استهدفت الاستيلاء على السلطة، والوصول إلى الحكم إلى جانب فكرة زواج المحارم وكلها أفكار يتحملها النص، كما يمكننا أن نسقط أحداث المسرحية على ما كان يجري في تسعينات القرن العشرين من تآمر سياسي، فسالومي يمكن أن  ترمز إلى الزعامات العربية، التي تأمرت مع أمريكا والقوي الغربية التي يمثلها هيرود وحاكم روما  ضد الرئيس العراقى صدام حسين، الذي يمثله «الناصري» في النص.
عرضت الباحثة قراءة لنص «حالة غثيان» على أكثر من مستوى، حيث ترى فيه الباحثة تجسيدًا لثيمة القهر الإنساني بمعناه العام والمطلق، ليقر النص في النهاية أن الإنسان هو من تسبب في قهر نفسه نتيجة رضوخه واستسلامه، وقد تولدت من رحم القراءة السابقة قراءة أخص على المستوى السياسي تحيلنا إلى تاريخ الاستعمار الغربي لبلدان الوطن العربي ويمكن أن تمتد تلك الفكرة إلى الصراع العربي الأمريكي وموقف الحكام العرب من الهيمنة الأمريكية وسيطرتها على مقدرات شعوبهم. كما قدمت الباحثة قراءة نفسية مغايرة للنص تعده تعبيرًا عن لاوعي شخصية السندباد، كما تناولت الدراسة العلاقة بين (المرأة العجوز والسندباد) التى جاءت في نص «حالة غثيان» بعدة مستويات، فهي علاقة السيد والعبد على مستوى الإنسانية كلها، كمعنى مطلق عام، ويمكن النظر إليها على أنها علاقة القوي بالضعيف والرأسمالية بالاشتراكية والغني بالفقير والمالك بالأجير.
قدمت الدراسة عدة قراءات مختلفة لنص «نهر الجنون»، فعلى المستوى السياسي يمكن أن نعده إسقاطاً سياسياً على فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وعلى مستوى آخر من القراءات السياسية للمسرحية يمكن أن يتضمن النص واحدة من أخطر الممارسات السياسية التي تتسبب في تخلف المجتمعات، وهي خضوع الحكم السياسي للثقافة الشعبية والمزاج العام. كما ظهرت من خلال قراءة النص ظلال قصة بداية الخلق وغواية حواء لآدم التي وردت في التوراة في سفر التكوين في سياق آخر تمت قراءة نص «نهر الجنون» قراءة فلسفية بوصفه تجسيدًا للصراع الأزلي بين الثوابت والفرضيات أو بين الحقيقة والوهم.
وختاماً توصلت الباحثة لبعض من تقنيات التفكيك، التي استطاعت أن تفكك النصوص المسرحية المصرية من خلالها، وهي تقنيات تساعد الناقد التفكيكي على إيجاد التناقض داخل النص وبناءً عليه يستطيع هدم النص وإعادة بناءه مرة أخرى، وهم: الشخصية الدرامية المشتِتَة لعملية التناص الديني الدرامي، تكديس سمات درامية مصطنعة للشخصية في النص المسرحي، العلاقة بين المضاف والمضاف إليه في عنوان النص المسرحي.
 


عبد الرحمن الحمامصي