«الحجاج في نصوص محمد العثيم المسرحية»

«الحجاج في نصوص محمد العثيم المسرحية»

العدد 794 صدر بتاريخ 14نوفمبر2022

تم مناقشة رسالة الدكتوراه بعنوان «الحِجَاج في نصوص محمد العثيم المسرحية» مقدمة من الباحثة مها بنت حميد الفريسي، بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الملك فيصل، وتضم لجنة المناقشة الدكتور سامي عبد اللطيف الجمعان، أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية (مشرفًا ومقررًا)، والدكتور عبد الحكيم أحمد جيني، أستاذ بقسم اللغة العربية (ممتحنًا داخليًا)، والدكتورة إيمان محمد التونسي، أستاذة بجامعة جدة (ممتحنًا خارجيًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراه في الآداب.

وجاءت رسالة الدكتوراه الخاصة بالباحثة كالتالي:
هذه الدراسة تتنزل في مجال النص المسرحي، ويدور موضوعها حول نصوص الكاتب السعودي محمد العثيم؛ الذي عدّ المسرح رافدا من روافد المعرفة والتغيير، ورفع مستوى الوعي، ونافذة على التنوير الاجتماعي، ولكونه اتخذ الصراع الدرامي منطلقا لتباين وجهات النظر واختلافها.
والإشكالية الرئيسية  للدراسة لها مستوياتها التالية: الصراع الدرامي المحتدم بين وجهات النظر المختلفة، مما ولّد محاولات مستميتة لدى شخوص مسرحيات العثيم  لإقناع الآخر بفكرتها، عبر الدفع باستراتيجيات حجاجية بارزة، تتوخى منخلالها تحفيز فعل المتلقي على إحداث التغيير في الموقف الفكري والعاطفي، وكأنها تترجم الفكرة التي ينطلق منها الحِجاج بوصفه درْسا لتقنياتِ الخطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات، أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم، فضلا عن أن تقنياته سَعيٌ لإذعان العقول لما يطرح عليها، وزيادة في درجة ذلك الإذعان، الأمر الذي جعلها من أكثر المدونات المسرحية مشحونة بالحجج التي ترميلإقناع المتلقي بإنجاز العمل أو الإمساك عنه.
وتتنامى إشكالية الدراسة بحسب ماتقوله مها الفريسي  في المزج بين الأدلة العقلية والأدلة النقلية والعاطفية،؛ انطلاقا من خلفيات دينية ومنطقية عقلية وعاطفية تأثيرية،  أو بتعبير آخر إن لغة هذه النصوص لها صفة ذاتية جوهرية تؤدي وظيفة حجاجية تستند إلى آليات وروابط تأثيرية  تحمل أبعادا حجاجية، تتضمن استراتيجيات وآليات- روابط وعوامل وسلالم – تقوي الطاقة الحجاجية؛ فغاية أي حجاج هو التأثير.
ومسرحيات محمد العثيم مشحونة بالحجج والروابط والآليات الحجاجية التي تروم إقناع المتلقي بإنجاز العمل أو الإقلاع عنه.
لقد تم اختيار المنهجية الحجاجية في هذه الدراسة  بناء على ما تتوفر عليه مسرحيات  محمد العثيم من أقوال إقناعية مضمرة، سعت الدراسة للكشف عن استراتيجياتها الحجاجية ؛ انطلاقا من أن نجاح العملية الحجاجية يعتمد على كفاءة المرسل في حسن توظيفه لأدوات إقناع ذات مرجعية اجتماعية مرتبطة بالقيم الثقافية أو الدينية، أو ذات مرجعية مرتبطة بطبيعة الحجاج كاستعمال حجج وآليات وروابط وعوامل لغوية وآليات بلاغية بمثابة الحجة التأثيرية المقنعة في ذهن المتلقي وغير ذلك، من الصور التي تزخر بجلاء في خطاب الكاتب العثيم المسرحي، بحيث استدعت المدونة الاستهداء بآليات المقاربة الحجاجية بعد أن وجدتها الباحثة أكثر اتساقا وانسجاما وطرافة مع معطيات إشكاليتها؛ فالناظر ولو نظرا سريعاً في النصوص المسرحية للكاتب محمد العثيم يدرك بيسر أنها نوع أدبي مشروط بالاختلاف، قائمة على الصراع في تباين وجهات النظر بين إثبات قيمة ونقض أخرى؛ قابلة للانخراط في مبحث الحجاج.
انتهت الدراسة  إلى عدد من النتائج أبرزها:
- مرونة وطواعية  نصوص العثيم المسرحية والتي تمظهرت من خلال المقاربة الحجاجية التي تنهض على عنصري الحوار والصراع وهما الركيزة الأساسية فيها، ويدوران حول الاختلاف في وجهات نظر الشخصيات، ومن ثم الظفر والغلبة لوجهة نظر أحدهما على الأخرى. وبهذا تصبح المسرحية أرضاً خصبة وميداناً واسعاً للحجاج، والأمر الذي يجذبها نحو المقاربة الحجاجية. والمتأمل في نصوص العثيم يجدها امتازت بصياغة الحوار والصراع الاختلافي، وانطوت على تقنيات حجاجية عقلية ولغوية وعاطفية تأثيرية لها حضورها الفعال. واتّضح لنا من خلال الصراعات والتناقضات التي ترسَّمها عبر المحافظة على التراث الثقافي للأمة وبين الانفتاح على الآخر والتطور والتقدم، فتجلى لنا صراعٌ مسرحي مولدٌ لممارسة تواصلية حجاجية لها غايتها التأثيرية الإقناعية في متلقي النص.
- استدعت نصوص العثيم بنيات معرفية ووقائع خارجية من نماذج وشواهد وأمثال تاريخية وظّفها باعتبارها استراتيجيات حجاجية فاعلة تخدم العملية التواصلية وتعزز قوة حضورها. ممّا زاد في قناعة المتلقي بالقيم الحضارية والإنسانية والثقافية. من خلال تجربته الكتابية التي انصهرت وتمازجت فيها الحجج التي تنتمي في مجملها إلى طرائق الوصل التي تُعنى بتقريب العناصر المتباينة والمتباعدة التي تعد من تصنيفات بيرلمان في التقنيات الحجاجية.
- بروز المعنى الوجودي في مسرحياته حيث يتمثل في تبني فكرة وجوده بوصفه كاتبا مسرحيا يحمل على عاتقيه مشروعا ومُنجزا ورؤية نقدية تنفتح على الآخر بالتغيير والتطور، فضلا عن تبرئة المسرح السعودي من التهمة التي لازمته زمنا طويلا ؛ وهي اتّهامه بالغياب والتقصير، فأزال التهمة اللائطة بأصل غيابه وأكّد حضوره وأثبت وجوده في المجال الأدبي.
- قدم العثيم كثرا من القيم السّامية التي يسمو إليها كلّ مجتمع راقٍ متحضّر ويسعى إليها انطلاقا من أن المسرح من أفضل المِنصّات التي يمكن منها وعليها بثّ الرؤى والطموحات.
- التوظيف للاستراتيجيات والآليات لم يكن دون مقصدية؛ وإنما هدفَ من خلالها إقناع المتلقي بما يريده ويبتغيه بقصد إحداث تغيير في الموقف الفكري والعاطفي، فضلا عن إقناع الآخر بمشروعه الفكري والحضاري ودعوته إلى التطوّر. وبه ثمرة الحجاج التي تدفع إلى الإذعان وتغيير السلوك.
وبعد الاطلاع على النصوص المسرحية للكاتب السعودي محمد العثيم وقراءتها وإجراء المنهج الحجاجي عليها الذي دعته المدونة، نرى بمواصلة طلاب العلم في الوقوف عند هذا اللون الأدبي الفني «المسرحيات» بالدرس والشرح والتحليل؛ إذ تعدّ المسرحيات أرضاً خصبة وناجعةً للإجراء التحليلي الحجاجي وغيره من مناهج النقد الحديثة.
 


ياسمين عباس