العدد 794 صدر بتاريخ 14نوفمبر2022
«عندما نتحدث عن المسرح فنحن نتحدث عن أبو الفنون، فكيف إن تحدثنا عن المسرح الغنائي، هل يحق لنا أن نقول أنه أبو الفنون وأمها؟»
من هذه المقدمة التي بدأت بها الكاتبة والصحفية “هبة ترجمان” ورقتها البحثية ومداخلتها، سنتناول تغطية موجزة للجلسات الحوارية التابعة لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في دورته 31 ، والتي تناقش في محاورها وجلساتها على مدار أربعة أيام كل ما يخص المسرح الغنائي في نقاط رئيسية مبسطة. حيث أدار الجلسة الأول الليلة الثالثة للجلسات الدكتور “هشام شرف” من العراق، بحضور الدكتورة “رشا طموم” رئيس اللجنة العلمية ونخبة من النقاد والمفكرين العرب.
تناولت “ترجمان” في بحثها المسرح الغنائي السوري، حيث ترى أن هناك ندرة وقلة في إنتاج المسرح الغنائي بسوريا، فعادت بنا إلى المسرح الغنائي في سبعينيات القرن الماضي من خلال مناقشة مسرحيتي “ضيعة تشرين” و “غربة”، قائلة بأن اختيارها لهذين العرضين بشكل خاص لأنهما من أهم الأعمال التي قدمت المسرح الغنائي بنكهة سورية خالصة.
وأشارت أن المسرح الغنائي السوري بعد هذين العرضين يمكن اعتباره غير موجود.
متحدثة عن بدايات المسرح الغنائي السوري على يد “أبو خليل القباني”، حيث ربط بين فن الأداء والموسيقى، وكان ذلك حوالي عام 1865، كما أشارت إلى قول “عدنان بن ذريل”، بأنه لم يكن في سورية مسرحا رسميا، بل كانت هناك مسارح الحدائق والمقاهي والسينمات، وبقي المسرح السوري على هذا الحال حتى أسس دكتور “رفيق الصبان” بعد عودته من فرنسا عام 1960 فرقة المسرح القومي التابعة لوزارة الثقافة و ضمت معظم الفرق الخاصة والأندية والجمعيات وأهم وجوه الفن في دمشق في هذه الفترة.
وقالت أن هذه الفترة شهدت اهتمام بنشر النصوص المسرحية وتأسيس الفرق الرسمية و تخصيص الجوائز، واهتم القصاصين والشعراء السوريين بالكتابة المسرحية خاصة عقب هزيمة 67، ثم بعد ذلك يقتحم “سعد الله ونوس” عالم المسرح.
وأشارت أن البعض اعتبر المسرح السوري هو مسرح الحرب، ولعل تاريخ المسرح القومي منذ تأسيسه على يد كل من نهاد قلعي، أسعد فضة، رفيق الصبان، سعد الله ونوس، وفواز الساجر، يحفل بالعديد من العروض التي تناولت موضوع الحرب، ومنها: “حفلة سمر من أجل خمسة حزيران” للمخرج علاء الدين كوكش، وعرض “رسول من قرية تاميرا” للمخرج فواز الساجر، مسرحيتي “ضيعة تشرين” و “غربة” للمخرج خلدون المالح، وغيرها من العروض، حيث لعبت دورا هاما في تكوين الرأى العام.
فالعرضين من تأليف الكاتب “محمد الماغوط”، ومن إخراج “خلدون المالح، وعن التلحين فمسرحية ضيعة تشرين من ألحان الملحن “عبد الفتاح سكر”، أما مسرحية غربة من ألحان “شاكر بريخان”، أما عن الممثلين المشاركين، فأغلب الممثلين في المسرحية الأولى شاركوا في الثانية، وعلى رأسهم “نهاد قلعي”و “دريد لحام” حيث شكلا ثنائيا هاما وتميزت أعمالهما بالكوميديا، إل جانب الفنان أسامة الروماني، ملك سكر، فاديا خطاب، ياسر العظمة، صباح وسامية جزائري، عمر حجو، بالإضافة لفرقة الفنون الشعبية السورية التي شاركت كممثلين وكاستعراضات.
وخلاصة قولها أن العرضين يشتملان على جميع مقومات المسرح الغنائي، حيث بها أغاني تراثية مثل الدلعونا وغيرها، تم تصميم أغاني خاصة للعملين وتوظيفها حسب كل عمل، الألحان والكلمات سورية خالصة، أغلب الأغاني من النوع الخفيف الاستعراضي الحماسي، استخدام الحديث المغنى الكوميدي، وغيرها من ملامح وسمات المسرح الغنائي.
في حين أمزجت “هدى عبد الله” من البحرين حديثها عن المسرح الغنائي بحديث “ترجمان” قائلة بأنه تتماثل البدايات المسرحية في دول الخليج بشكل كبير، حيث بدأ المسرح في حضن المدرسة النظامية الحديثة، مشيرة إلى أن الفضل للمدرسين القادمين من مصر والشام في لفت انتباه الطلاب إلى هذا النوع من الفنون.
وكانت مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، هي البيت الأول بالبحرين الذي أسس للمسرح وتم عرض أول عمل مسرحي فيها عام 1925وهي «القاضي بأمر الله» ثم تلتها مسرحية «وفود العرب على كسرى»1928، ثم مسرحية «ثعلبة» 1928.
وكانت أول فرقة مسرحية بالبحرين، فرقة «أوال» مثلت المملكة في أول مهرجان مسرحي خليجي، كما كانت أول فرقة تمثل المملكة في مهرجان دمشق المسرحي العربي.
وعن المسرح الغنائي فقد عرفته بأنه جنس فني مركب نشأ في الغرب، وهو ذلك النوع الذي يحتوي على أغاني وموسيقى، ولكن بشرط أن تكون لهذه الأغاني ضرورة درامية تخدم الصراع، وتساعد في تطوره، وتنمي الحدث الدرامي وليس على سبيل الترويح أو التزيين للعمل الدرامي. ويسجل الباحث هنا أن الأغنية في هذا النوع من المسرح تكون بمثابة الفكرة الأساسية في المشهد، لأنها تصبح المشهد، وجوهره، وخلاصته، وهدفه، فهي دراميته. وبذلك أصبحت وظيفة الموسيقى التعبير، أي أنها صارت تقول شيئا ما للمستمع، فتروي له أو تمثل حدثا ما.
وأشارت الباحثة إلى أن أسباب أزمة الموسيقى العربية مختلفة عنها في الغرب، وجلها يعلق بالفلسفة التربوية والإعلامية العربية، موضوع المسرح الغنائي العربي يعد نموذج ممتاز لما أسمته «التثاقف بين العرب والغرب» لأنه موضوع نموذجي لدراسة ظاهرة التثاقف هذه.
وأضافت أن الذين سلكوا المسرح الغنائي لم يستوردوا المسرح الغنائي الأوربي كما هو بل استلهموا الحاجة والدور، وأنشأوا مسرحا غنائيا عربيا في مواضيعه ومقامات موسيقاه وإيقاعات أغنياته ووسائل التعبير الخاصة فيه، وما إلى ذلك فأحدثوا جديدا قابلا للحياة والتطور، يغني ولا يلغي.
ونوهت في حديثه إلى رواد التأليف في البحرين للمسرح الغنائي، ومنهم: قاسم حداد، عقيل سوار، علي الشرقاوي، أمين صالح، خليفه العريفي، أما عن ملحنو المسرح الغنائي منهم، على سبيل المثال خالد الشيخ، يعقوب يوسف، خليفه زيمان، إبراهيم راشد الدوسري، زياد زيمان.
ومن مخرجي المسرح الغنائي في البحرين، حمزه محمد، عبد الله يوسف، مصطفى رشيد، جمعان الرويعي، خالد الرويعي، أحمد الصايغ.
واستشهدت الباحثة بالعرض المسرحي «وجوه» كتجربة استثنائية في مملكة البحرين، وهو من تأليف قاسم حداد، موسيقى خالد الشيخ، إخراج عبد الله يوسف، فنان تشكيلي إبراهيم بوسعد، غناء خالد الشيخ و هدى عبد الله و غيرهم، وإلقاء شعر أدونيس.
العرض ينتمي للمدرسة التجريبية والمسرح التجريبي ينفرد بقدرته على استعراض أجرأ الأفكار وأكثرها حداثة ويمتاز بتطرقه لقضايا سياسية ودينية و فكرية و اجتماعية.
قدمه المخرج بطريقة مغايرة للعروض، فلم يقدم على خشبة المسرح، بل اعتمد شكلا مغايرا لمشاهدة العرض، حيث يجلس الجمهور حول مكان العرض بشكل احتوائي حميمي وكأنهم في ضيافته، وكان الديكور عبارة عن لوحات من الوجوه، شارك الشاعر العربي الكبير أدونيس في تقديم هذا العمل وفق طريقة فريدة في الإلقاء وأظهرت مشاركة صاحب «المفرد بصيغة الجمع» مؤازرته للعمل بوصفه عملا يشير لتغير في الذائقة الغنائية والموسيقية وتحولها من التسلية العابثة إلى عمل فني وثقافي مؤثر.
وانتقلنا بعدها إلى مداخلة «أحمد عبد الله دعوب» الباحث في التراث الموسيقي الليبي، والذي سلط الضوء على قضية مهمة تخص عرض وتوثيق المسرح الغنائي الليبي والذي اعتبره طموح وافاق، حيث اعتبره من الأولويات المهمة والملحة والتي وجب تسخير كل الامكانيات لتحقيقها.
وأشار أن المسرح الغنائي الليبي عانى من الاهمال سواء على مستوى الأنتاج والعرض أو على مستوى الجمع والتوثيق.
وألقى الضوء خلال عرضه على مجموعة من التجارب الليبية الحديثة التي ساهمت بشكل متواضع في تفعيل المسرح الغنائي في ليبيا.
حيث لم تكن ليبيا قديمة العهد بالمسرح الغنائي والذي كان واسع الانتشار في بلاد الشام ومصرعلى يد العديد من اعلام الموسيقى والغناء بدء من الشيخ أحمد أبو خليل القباني وانتهاء بأقطاب التلحين كالشيخ زكريا والقصبجي وبليغ حمدي وغيرهم.
وكان أول تعرف بين الجمهور الطرابلسي والمسرح الغنائي كان بقدوم سلامة حجازي وفرقته لزيارة فنية لطرابلس عام 1914. قدم خلالها مجموعة من المسرحيات الغنائية منها مسرحية شهداء الغرام، روميو وجوليت، ثم زارت فرقة جورج أبيض ليبيا عام 1921 وقدمت عروضها المسرحية لمدة أسبوعين، وبعدها توالت الفرق والعروض المسرحية، التي جعلت للمسرح الغنائي يتخذ مكانه في طرابلس وكانت البداية للفنان الشيخ عبد الله جمال الدين الميلادي وهو صاحب أول تجربة في قالب المسرح الغنائي في ليبيا.
ثم بعدها كتب الأديب «أحمد الفقيه» 1973 مسرحية غنائية بعنوان «هند ومنصور»، لتكون نقطة الانطلاق في كتابة النصوص المسرحية الغنائية، وهناك العديد من المسرحيات منها: أغنية على الممر، وردة وربيع، الوصية وغيرها.
خلاصة قوله أن المسرح الغنائي الليبي غير مكتمل النمو، حيث يقتصر الإنتاج الفني للمسرح الغنائي في مدينة طرابلس دون غيرها من المدن الليبية، كما أنه لم تقدم محاولات حقيقية جادة باستثناء العروض التي ذكرت، وما دون ذلك لم يستمر الوهج الفني لهذا اللون من المسرح.
وناشد الجهات الرسمية والمهتمين بالفنون بضرورة السعي لتوثيق وأرشفة المسرحيات الغنائية لتكون وثيقة مرئية أو سمعية أمام الباحثين، وكذلك ناشد بمد جسور جديدة بين مبدعين هذا اللون وبين جهات الإنتاج ليعود المسرح الغنائي ليكمل نموه ووهجه.
واُختتمت الجلسة بمداخلة الدكتور «حاج محمد الحبيب» من الجزائر، والذي طرح مضمون ورقته البحثية بعنوان « من المسرح إلى الأغنية الملتزمة_ ناس الغيوان نموذجا»، مشيرا في حديثه أن البحوث حول هذه المجموعة تكاد تكون منعدمة حتى في موطنها الأصلي المغرب.
سوى بعض الأعمال منها: كتاب «كلام الغيوان» لحسن النجمي، و كتاب «الفن المغربي جاذبا اجتماعيا_ دراسة سوسيولوجية لقصائد ناس الغيوان»، وفيلم «الحال» للمخرج مارتان سكورسيز، واهتم فيه بظاهرة الغيوانية وأفرادها، والسنفونية الغيوانية للموسيقار العالمي الجزائري «صافي بوتلة» وهي من أهم الاعمال في مجال التراث الغيواني.
ولكن هناك من حاول الاحتفاظ بالتراث الشعبي الغواني ولكن بالتجديد فيه ومنهم دنيا باطما في كليب «أوشن»، وأمنية كرم في أغنية «الله يا مولانا»، وفرقة الغيوان ذاع صيتها لأنها عبرت عن آلام الشعب المغاربي وحملت على عاتقها إخراج الموروث الشعبي المغاربي الضارب في العمقالإفريقي إلى الضوء.
وقد عرف «الحبيب» بعد ذلك الأغنية الشعبية الملتزمة، بأنها لون غنائي يرتكز على مضمون الكلمات الهادفة وحاملة لشحنة لها وقع في نفوس المتلقين، وقد تناولت الأغنية الملتزمة هموم الجماهير الشعبية فغنت للفلاح والعامل، والطالب، وتميزت بالتعبير عن المعاناة التي يعيشها الإنسان محاولة تعرية الظلم والاستغلال والدعوة إلى التحرر من الطبقية.
وتعددت المواويل الغيوانية بين الموال المحلي الوطني وهو غالبا يكون كردة فعل لطلب اجتماعي جماهيري، أو استجابة لفئة بعينها عاشت وضعية اقتصادية أو ثقافية معينة، موضوعه يحمل طابع خصوصية البيئة التي أوجدته، فيمكن أن توظف فيه رموز و ألوان وأسماء أشخاص أو أماكن لا يفهمها غير المنتمي إلى المحيط المباشر المعني بموضوع الموال.
ومن هذا النوع، موال «علي وخلي»، والذي تناول كلمات كثيرة تعبر عن البيئة المغاربية بامتياز ومنها: نوالة بمعنى العشة، شفيفير بمعنى السارق، تحفر بمعنى الظلم وغيرها من ألفاظ.
وكذلك موال «مهمومة» وشمل كلمات مثل اللومة، ومضيومة، والفقايص وكلها كلمات تدل على المحن.. وموال «السيف البتار» وغيرها من المواويل المحلية الوطنية.
وهناك الموال ذو البعد الإقليمي الدولي، وهو موال يتجاوز الحدود الجغرافيا، ويتناول مواضيع أكثر حدة معلومة لدى الشعوب والدول، وغالبا ما يوجه إلى طبقات مثقفة شغلها حدث دولي أو إقليمي، وغالبا يغلب على هذا النوع الطابع السياسي.
ومنها: موال «الدم السايل» الذي يختصر ما تعانيه قارة إفريقية من مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها.
وكذلك موال «علولة» الذي يحمل طابع الرثائية والتضامن الإنساني مع عبد القادر علولة الكاتب المسرحي الجزائري وهو صديق لمجموعة ناس غيوان، وقد كان اغتياله صدمة كبيرة لمحبي المسرح.
وفي الختام وعد رئيس الجلسة الدكتور «هشام شرف» من العراق الشقيقة، المعقبين على الجلسة بوضع توصيات في الختام تراعي متطلباتهم والتي كان في مقدمتها الاهتمام بوضع محاور الدورة القادمة تلقي الضوء على مسرح الطفل تبعا للتقنيات الحديثة.