«التجريبي» يناقش الكتب والرسائل العلمية حول التكنولوجيا الرقمية

«التجريبي» يناقش الكتب والرسائل العلمية حول التكنولوجيا الرقمية

العدد 791 صدر بتاريخ 24أكتوبر2022

قام مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورتة التاسعة والعشرين برئاسة الدكتور جمال ياقوت ضمن فعاليات “الندوات والترجمة والنصوص والرسائل» بطرح الفرصة لعدد من الدكاترة من مختلف البلدان لمناقشة رسائلهم العلمية التي اختلفت عناوينها ظاهرياً لكنها اتحدت واتفقت في باطنها علي تيمة أو فكرة واحدة وهي تأثير التكنولوجيا الرقمية الحديثة علي عناصر المسرح المختلفة. حيث ضمت الندوة رسائل كلاً من دكتور علي محمد عبيد كاظم من العراق ورسالته بعنوان «الواقع الافتراضي وأداء الممثل في المسرح الرقمي”، ودكتورة نجوي إبراهيم قندقجي من الأردن ورسالتها بعنوان «توظيف الصورة الرقمية في العرض المسرحي بين الفعل الدرامي والوسائطية»، وكذلك نوران مهدي عبد العزيز من مصر ورسالتها بعنوان «خطاب الأجساد المهجنة في الفنون الأدائية المعاصرة». وأدار الجلسة الأستاذ الدكتور محمد زعيمة من مصر. وذلك في خامس أيام المهرجان يوم الإثنين الموافق 5 سبتمبر بالمجلس الأعلي للثقافة.
ياسر علام: الأستاذ الذي يرجع إلي منزله متوقعاً أن مهمته انتهت عند حدود التعليم داخل الجامعة في حاجة لمراجعة نفسه.
افتتح الجلسة ياسر علام مدرس بأكاديمية الفنون وعضو لجنة الندوات حيث طلب من الحاضرين قبل بدء الجلسة الوقوف دقيقة حداد علي أرواح شهداء حادثة مسرح بني سويف عام 2005 في ذكري وفاتهم. ومن ثم بدأ حديثه قائلاً: إن كان جزء من مهمة الجامعة هو التعليم فبالإضافة إلي التعليم مهمتها الأساسية هي الإضافة إلي العلم وزيادة المعرفة فتلك هي المهمة الحقيقية للجامعة. فالأستاذ الذي يظن أن مهمته توقفت عند حدود التعليم بحاجة لمراجعة نفسه. واليوم نحن نقدم باحثين من أماكن مختلفة بالوطن العربي ليقدموا أفكار جريئة وأفكار اقتحامية وأفكار تفتح أبواباً جديدة؛ فالأكاديمية أو الجامعة دائماً تنتعش أكثر بالانفتاح علي محيطها سواء أكان محيطها الحميم وهو حضراتكم كممارسين ودارسين ومهتمين بالعمل المسرحي أو محيطها الأوسع وهو جماهيرها.
لغة الجسد والجسد المهجن والتطور التكنولوجي هم العنصر المشترك في الكتب الثلاث
ثم انتقل الحديث إلي دكتور محمد زعيمة مدير الجلسة متحدثاً عن الكتب الثلاث: الجميل في الكتب المعروضة اليوم أنه هناك بالفعل اهتمام مسرحي وهذا شئ طبيعي، وهناك أيضاً اهتمام واضح بالمسرح المعاصر وبما حدث من تطور تكنولوجي وقدرات جديدة لتستخدم في هذا المسرح. وهذا يؤكد أنه هناك توارد خواطر كبير وهناك تواصل كبير بين المسرحيين نلاحظه من خلال العناويين والعناصر المشتركة في تلك الكتب و الرسائل. فإن أُتيحت لنا فرصة قرائتها كاملة سنجد عناصر مشتركة كثيرة مثل الاهتمام بلغة الجسد وارتباط عناصر العرض مثل السينوغرافيا بالتكنولوجيا الحديثة، وأيضاً هناك ما سنجده في أكثر من كتاب منهم بما يسمي تهجين الجسد والجسد المهجن، والزملاء سيكونون أقدر مني علي شرح تلك الأفكار؛ والتي ليست أفكار خاصة ولكنها ملاحظات الناقد المسرحي من خلال رؤيته لعروض حدثت بالفعل فهي عمليه لتحليل وتفسير العرض المسرحي عبر قرائته النقديه له. وليس الهدف من ذلك أن تكون مجرد مقالات نقدية أو تأويل لهذا العرض فقط وإنما هو تحليل لظاهرة موجودة ليسعي للبحث عن أسبابها ويسعي لنقلها للآخر وللمسرح العربي من أجل عملية التطوير. وتلك هي الأشياء المهمة في الثلاث رسائل وما أعجبني جداً بها.
علي عبيد يستبدل المفاهيم السابقة بمفاهيم بديلة تلائم التكنولوجيا الرقمية
وبدأت المشاركة الأولي من خلال الدكتور علي محمد عبيد من العراق وكتابه بعنوان  “الواقع الافتراضي وأداء الممثل في المسرح الرقمي” حيث بدأ حديثه قائلاً: أريد أن أقول في هذه الدراسة أن الواقع الإفتراضي هو واقع حقيقي وملموس من خلال اللمس البصري واللمس السمعي وأن الممثل يقع تحت منظومة رقمية لينمو ويتغذي رقمياً. من وجهة نظري أن من حق الباحث أن ينسف أي مرجعيات سابقة بشرط أن يأتي بشئ جديد. الكثير من الطروحات التي طُرحت تقول أن هناك عملية تغيير في بنية أداء الممثل وسط هذه المنظومة الرقمية؛ لكن إلي الأن لم تتضح الصورة والتغيرات التي حدثت. فأنا أعتقد أن للمثل جزيئات علي سبيل المثال الذاكرة الانفعالية فهل استبدلت الذاكرة الانفعالية بمفهومها؟ أي هل يجد الممثل وقت كافي أن يستحضر مخيلته وسط هذا الضغط الزمني المبرمج للصورة البصرية؟ أم أن هنا تغير مفهوم الذاكرة الانفعالية؟ وأنا أقول إن الذاكرة الانفعالية انتهت فهذه أول جزئية اتفق عليها في هذه الدراسة «موت الذاكرة الانفعالية للممثل».
مثال آخر.. المونولوج الأدائي هذا الخطاب الأحادي للممثل هل تغير مفهومه؟ فعندما يخاطب ممثل جسده المنقسم في الشاشات هل هنا يعتبر هذا مونولوج أم يعتبر ديالوج؟ لأن الممثل يقع في فضاء العرض منقسم جسده ورأسه في شاشة وجسده الأخر في مكان أخر ويؤدي خطاب سواء كان خطاب حواري أو خطاب جسدي. فهل تغير ذلك؟ فقد أتت هذه الدراسة ببعض من المفاهيم أو المصطلحات يطلقها الباحث أو يغير مفهومها السابق. لذلك أعرّف المونولج الرقمي أنه خطاب أحادي ذاتي بين الممثل اللحمي وجسده الرقمي المفكك في الشاشات وجدران فضاء العرض ضمن خطابات مونولوجيه ترتبط بذاكرة الممثل والذاكرة الرقمية المبرمجة. وكذلك مصطلح آخر سابق. فالكثير من العروض الرقمية يستخدمون خيال الظل وسابقاً كان خيال الظل عبارة عن قطعة قماش ومصباح والمؤدي الذي يقوم بالمايم؛ ولكن الآن يقدم الممثل المايم وهو داخل فضاء الشاشة المبرمجة والتي يستطيع المبرمج أن يغير الفعل الأدائي بين لحظة وأخري عبر الشاشه. فهل هناك تغيير في هذه الجزئيه بالنسبة للممثل؟ ولذا أعرفه المايم الرقمي الظلي هو أداء جسدي داخل منظومة ظلية رقمية أسهمت في تغيير خصوصية الأداء بعد أن أصبح الممثل داخل ظلال تنتمي إلي الوسائل الرقمية التقنية.
وأضاف: في المفهوم التقليدي للممثل هناك أبعاد نفسية واجتماعية ومادية فهل للشاشة أو الفضاء الرقمي بعد نفسي مؤثر في أداء الممثل؟ هنا أعرّف سيكولوجيا الشاشة بأنها ذاتية سيكولوجية حركية تمتلك صوت وصورة بصرية وفعل حركي يتفاعل مع ذاتية الممثل بحضوره الجسدي اللحمي. وكذلك هل أفرزت الرقمية رمزية جديدة؟ المتعارف بالرمز هو أن يستطيع المخرج أن يقدم عشرة أو عشرين إشارة رمزية مختلفة داخل العرض؛ لكن الرمز بالمسرح الرقمي يستطيع المخرج أن يقدم 3600 إشارة رمزية في الساعة الواحدة؛ لأنه يغير فضاء العرض كل ثانية. لذا أعرّف الرمزية الرقمية أنها لقطة لصورة أو شعاع ليزر بلون معين يتغير بين لحظة وأخري عكس الألوان الرمزية في الفضاءات المسرحية السابقة التي تكون ثابتة طيلة فترة العرض. أما الإشارة أو الرمز في الواقع الافتراضي فهي ترددات ضوئيه وسمعيه تعبر عن كم هائل من الرموز والإشارات والتي تنبثق من الكومبيوتر ليكون الحاسوب هو فيلسوف العصر المؤسس لمدرسة فسلفية جديدة.
نجوي قندقجي: الصورة هي كلمة ووسيط يعمل إلي جانب الممثل لكنه لا يحل محله
ومن ثم انتقل الحديث إلي الدكتورة نجوي إبراهيم قندقجي ورسالتها بعنوان «توظيف الصورة الرقمية في العرض المسرحي بين الفعل الدرامي والوسائطية» فتحدثت قائله: في البداية لم أكن أعلم من أين أبدأ رسالتي وقد أخذني ذلك إلي سؤال هل نحن ننقسم إلي موقفين؟ هل نحن مع التكنولوجيا بالمسرح ومع الوسائط الرقمية التي تعتبر الصورة واحدة منها أم نحن ضدها؟ وفي رأيي أننا لا نستطيع حسم ذلك النقاش هذا النقاش سيبقي مادامت التكنولوجيا باقيه وستحكم فيه التجربة الوضعية العلمية. إذاً كانت الإشكالية التي بدأت من عندها هي الصورة الرقمية المصنعة المادية حيث تقف إشكالية للممثل الحامل الأساسي للفعل الدرامي كونه عضوي وحيوي؛ ولكن هناك تجارب استطاعت أن تشارك فيها الصورة الرقمية مع الممثل. ثم بدأت في اختيار التجارب التي سيطبق عليها البحث وبعد فترة من البحث وقع اختياري علي المسرح البريطاني. وتوصلت إلي ثلاث مسارح تستخدم ثلاثة أنواع من الصورة الصورة الصناعية والاصطناعية ولكني اخترت الصورة الرقمية بالأخص لأن جميع هذه التجارب الثلاثة لم تكن لتكتمل من دون التقنية الرقمية وأيضاً تعتمد علي أداء الممثل إذاً فقد دمجت ما بين الإثنين.
وأضافت قندقجي: لأعرض لكم سريعاً فرضيات البحث التي عملت عليها وهم ثلاثة الأولي لها علاقة ببناء الفعل الدرامي بدايةً من السرديات (النص الأدبي) ثم تحويله إلي فعل وحدث درامي ثم إلي صورة بصرية، والثانية لها علاقة بالممثل افتراضاً أن استخدام الصورة ينتج أداءاً ثالثاً للممثل، والفرضية الثالثة عن الفضاء المسرحي. أما عن الصورة فقسمتها إلي أنواع لأتمكن من إحكام الموضوع؛ وهي الصورة التعبيرية والصورة السينمائية وصورة البث المباشر، وكل صورة منهم تفرض علاقة مختلفة مع المسرح. ولذلك أري أن الصورة علي عكس مخاوف الكثير من المسرحيين هي ليست منافس للكلمة ولن تقضي عليها ولن تخفيها بل إنها علي العكس تعمل علي إبرازها وتقويتها فالصورة هي كلمة رائعة لأنها قابله للتغيير. وأريد أن أقول أن الصورة إذا حضرت للمسرح تصبح السردية هي سردية الصورة وهي لا تلغي الممثل لكن تجمله لصالحها فهي وسيط فائق يمكن أن يلتقي الممثل مع الصورة لكنه لن يصبح وسيطاً لها.
الجسد الهجين يحمل خطاباً خاصاً في العروض الأدائية
وتلتها نوران مهدي عبد العزيز من مصر ورسالتها بعنوان «خطاب الأجساد المهجنة في الفنون الأدائية المعاصرة» متحدثه: بدأت رسالتي البحثية من خلال تساؤل استفزني أثناء مشاهدتي مجموعة من العروض التي كنت أشاهدها وهو لماذا نقدم أو نطرح هذا الشكل للممثل في بعض العروض الأدائية؟ ولماذا يتم وضع مجموعة من الإضافات عليه علي خشبة المسرح؟ ومن هنا بدأت أنطلق في محاولة لإيجاد الإجابة ومحاولة التأمل في الخطابات التي تقدمها هذه النماذج الأدائية. والجسد المهجن هنا يقصد به الهجين الخارجي أي الجسد المضاف إليه أجزاء آلية أي السايبورغ، أو حتي الهجين الحيواني وهو الدمج بين جسد الممثل وزوائد من أجزاء حيوانية لتقديم خطاب ما أو إشكالية. فالجسد هو حياة الفرد ووسيلة من الوسائل التعبيرية التي يتواصل من خلالها الفرد مع العالم الخارجي لذا كان حقلاً للنقاش والجدال طوال الوقت بين الفلاسفة والمبدعين وكافة المنظرين في مختلف المجالات. وقد أردت من هذه الدراسة التقرب إلي حدٍ ما من مفهوم الجسد الهجين والدور الذي يلعبه داخل العروض.
وعرضت نوران جزءاً من أحد العروض التي عملت عليها في رسالتها محلله: عرض التناقض من إخراج سانديو هو أحد العروض التي اعتمدت عليها في دراستي وهو عرض يقدم نموذج الهجين الذي جمع بين المفردات الإنسانية والمفردات الآلية والمفردات الحيوانية. وعرض آخر قُدم في كندا يمكننا الآن مشاهدة جزء منه. وهو عبارة عن مجموعة من الراقصين وكذلك يتم أيضاً دعوة بعض من الجمهور ليكون ليس مجرد مستقبلاً وإنما مشاركاً في التجربة. وقد اعتمدوا علي تيمة الجحيم حتي أنهم أطلقوا عليه العذاب الأبدي، فكان الطرح الخاص للعرض هل التقنية تسبب الجحيم؟ هل يمكن أن تسبب لنا الجحيم الأبدي؟ والعرض يسبب أذي نفسي لأنه بمجرد دخول الجمهور يرتدي المؤديون أنصاف أجزاء آلية معلقة من الأعلي. ليعبروا عن إحساسهم داخل الآلات وسيطرتها علي العقول البشرية. فالممثل منذ باية العرض يكون في حالة صراع مع هذه الآلة هل هو المتحكم بها أم أنه خاضع لها. والمؤديين طوال الوقت يعطون إحساس التقيد بهذه الآلات ليعبر عن تحكمها بهم والحد من حريتهم بمجرد ارتداء تلك السترات الآلية ليشعر المتفرجين دائماً بالخطر والتهديد الذي تمثله تلك الآلات لمستخدميها. وهو هنا يستخدم الجسد الهجين ليطرح خطاب أن الآلات والتكنولوجيا هي سلاح ذو حدين يجب أن نستخدمها عند الحاجة لها ولكن لا نترك لها المجال في السيطرة علينا. وكذلك ليوضح أنه مهما تطورت التقنيات الهجينة يظل للمؤدي حضوره ومركزيته الإنسانية.
ومن ثم تم فتح باب المناقشة بين المحاورين من الكُتّاب وبين الحضور ليفتحوا أبواباً أوسع وأفكاراً أكثر للخوض في الثلاث كتب وموضوعاتها التي تعلقت بالتكنولوجيا الرقمية وتأثيرها علي الخطاب وجسد الممثل والفضاء المسرحي. وفي النهاية قام دكتور مصطفي سليم رئيس لجنة الندوات بتسليم شهادات مشاركة لكلٍ من محمد زعيمة، علي محمد عبيد، نجوي إبراهيم قندقجي، ونوران مهدي عبدالعزيز.
 


مي سيد