«أثر التكنولوجيا على فنيات الكتابة المسرحية المعاصرة» على مائدة المحور العلمي بالتجريبي

«أثر التكنولوجيا على فنيات الكتابة المسرحية المعاصرة»  على مائدة المحور العلمي بالتجريبي

العدد 788 صدر بتاريخ 3أكتوبر2022

«أثر التكنولوجيا على فنيات الكتابة المسرحية المعاصرة» جلسة أخرى أقيمت بالمجلس الأعلى للثقافة ، ضمن المحور العلمي للمهرجان التجريبي الذي انتهت أعماله مؤخرا ، أدارها الدكتور عبد الرضا جاسم من العراق وشارك فيها  كل من  دكتور محمد حسين حبيب من العراق بورقة بعنوان «الشخصية الدرامية بين الرقمية المسرحية والسايبورغية السينمائية» والدكتور هايل علي المذابي من اليمن بورقة حملت عنوان «تحولات التكنولوجيا و أثرها في صناعة النص المسرحي قراءة في تجربة تطبيقات الذكاء الاصطناعي نظام Gpt-2 نموذجاً». 
مدير الجلسة الدكتور عبد الرضا جاسم افتتح تلك الجلسة بتأكيد أهمية المحور الذي تدور حوله فعاليات المهرجان وقدم الدكتور محمد حسين حبيب الذى أشار إلى أن دراسته  تتناول تاريخ الشخصية الدرامية وتحولاتها في المسرح والسينما وتقسيماتها من المرحلة التقليدية الأولية عند أرسطو إلى المرحلة الشكسبيرية فالمرحلة الحديثة، مروراً بتطورات كثيرة، كنظرية جسد الممثل عند بيكيت إلي جوردن كريج الذي أراد الاستغناء عن الشخصية واستبدالها بدمية لتكون أكثر مرونةً أو تمرين الممثل جسدياً حتي يصبح هو نفسه في حركته أشبه بالدمية أو الإنسان الألي، قال:  لذلك يعتبر هو أول من بحث عن «الدمية المثالية» عام 1907. وكذلك المخرج الإيطالي ديميرا صاحب مقترح إلغاء الشخصية تماماً من خشبة المسرح واستبدالها بالأزياء القاسية المتينة في صنعها المعبرة حسب النص، عام  1916 وكذلك موريس بيترلي الذي استبدل الشخصية بكائن آلي، فيه حياة ولكن بعيدة عن الانفعال النفسي والعواطف. تابع: وهذه الأنواع من الشخصيات التقليدية والحديثة والحداثية إلى ما بعد الحداثية، هي التي مهدت وبلورت لفكرة ظهور شخصية جديدة وبارزة اليوم في المشهد الرقمي والإبداعي مثل الشخصية الرقمية والسايبوغرافية. 

محمد حسين حبيب: هناك اختلاف كبير حول ترجمة مصطلح «الرقمية»
انتقل حبيب إلي استعراض جذور الرقمية كمصطلح قائلا:  هناك اختلاف عالمي كبير حول ترجمة هذا المصطلح «الرقمية» أو النص الرقمي عموماً الذي يعتبر جزءا مهما من الثقافة الرقمية العالمية بتعدد وتنوع أغراضها، ما بين الشعر الرقمي والرواية الرقمية والقصة الرقمية واللوحة التشكيلية الرقمية والفيلم السينمائي الرقمي والموسيقي الرقمية. وأشار إلى أن الرقمية هي الرقمنة أو التحول الرقمي، أي عملية تمثيل الأجسام والصور والملفات أو الإشارات باستخدام مجموعة متقطعة مكونة من نقاط منفصلة. واستعان حبيب في شرح فكرته بالتحدث عن الفيلم الأجنبي «simone» للمخرج أندرو نيكول، حيث يتحدث الفيلم عن شخصية رقمية قام بصناعتها مخرج أفلام بمساعدة أحد المبرمجين ليستغني بها عن الممثلات الحقيقيات. وأضاف حبيب: أشعر أن السينما مقنعة أكثر من المسرح في استخدام تلك التطورات التكنولوجية ومن هنا سأنتقل إلي مصطلح «السايبورغ»، المصطلح كما عرفه أحد الباحثين هو «كائن سايبورنتيكي معرفي يدمج بين الآلة والكائن الحي، مخلوق من الواقع الاجتماعي ومن الخيال أيضاً. الشخصية التي تمتلك أجزاء عضوية وأخرى “بيوميكاترونيك”، أي تدمج عناصر ميكانيكة وأخرى إلكترونية مرقمنة وثالثة حيوية من لحم ودم. ولذا وفقاً لهذا التعريف فنحن نتوقع وجود كائنات سايبورغ بشكل بدائي أو بشكل أولي في الواقع من حولنا وربما معنا في تلك القاعة الآن. فعندما يضع أحد عدسة عين أو مفصل ألي _طرف صناعي_ للأطراف مثل القدم أو اليد فهو بذلك سايبورغ لأنه يحمل قطعة ميكانيكية طبية في جسده وهذا شكل أولي للسايبورغ. والباحثون في ذلك المجال يتنبأون بأن السايبورغ قد يعيش إلي ما لانهاية. وأشار إلى أن  هناك فروق بين الشخصية الرقمية والشخصية السايبورغية لذلك أصبحت الرقمية مرتبطة بالمسرح أكثر والسايبورغ بالسينما. فالشخصية السايبورغ يسهل استخدامها في السينما أكثر من المسرح حيث تكون أكثر إقناعاً من خلال شاشة أما علي المسرح بشكل حي فقد لا تكون مقنعه بنفس القدر. كما أن الشخصية الرقمية المسرحية تكون مبرمجة مسبقاً أما الشخصية السايبورغية فليست مبرمجة بل متحولة وفقاً لمقتضيات الفعل الدرامي، فلا تكون ذات وظيفة واحدة بل عدة وظائف. والشخصية الرقمية في المسرح تبدو راشدة، أما السايبورغ في السينما فهي حكيمة وراشدة لأنها أكثر إقناعاً. الشخصية الرقمية في المسرح لا مجال للارتجال بها أما السايبورغ في السينما فمحدود الارتجال. في المسرح مكونات الشخصية الجسدية مبرمجة، وفي السينما مكونات بشرية من لحم وعظم، بالإضافة إلي الأجزاءالإلكترونية. في المسرح الشخصية مقيدة بسلطة المخرج وتعمل وفقاً للبرمجة والرؤية الخاصة به. أما في السينما فلا. الخيال في المسرح مفتوح في التعامل معها أما في السينما فالخيال محدود. في المسرح لا تفكر وخالية من العواطف، في السينما تفكر وتتعاطف. الشخصية المسرحية الرقمية تموت أما السايبورغ السينمائية فلا تموت.
هايل المذابي: ستختفي المهمات المسرحية ويبقي الدراماتورج
وتحدث الناقد والمؤلف هايل على المذابي قائلا:  توجد جملة هامة للعالم الذي أشرف علي روبوت Gpt-2 الذي أنتج أول نص مسرحي من خلال روبوت ذكاء اصطناعي، تقول: قبل مائة عام كتب رجل مسرحية عن الريبورتات، هل بعد مائة عام الريبوت سيكتب مسرحية عن الرجال. فقبل مائة عام تحدث الناس عن السحر فسار سحر الأمس هو علم اليوم، كما حدث مع قصة “أليس في بلاد العجائب” الشهيرة حيث استقى منها العالم آينشتاين نظرية النسبية. فكانت في البداية خيالية لكل من قرأها وبعد أعوام اتضح له أنها نظرية علمية وضعها أينشتاين. 
ثم تحدث عن المسرحية التي أنتجها الروبوت لأول مرة وقصتها قائلاً: المسرحية تتحدث عن حياة روبوت والعالم الذي صنعه. وسأتحدث عن روبوت Gpt-2 بمستوياته الثلاث، يوجد مستوى وحيد يتمكن من كتابة وإنتاج النصوص المسرحية، ويوجد مستويين يسبقوه لكنهما ليسوا بنفس إمكانيته علي كتابة نص كامل بشكل آلي مثل lni الذي يستخدم مثلاً في لعبة الشطرنج. كما يوجد مستوي ثاني egi وهو مستوي قوي وذكي نسبياً لكنه لا يكتب النصوص أيضاً فالوحيد الذي يتمكن من ذلك هو المستوي الثالث asi. 
وأضاف: ربما كان النص الذي كتبه الروبوت نصا مسطحا ولكن تجربة تطبيقات الذكاء الاصطناعي نظام Gpt-2  سيكون لها شأن كبير في الفترة القادمة وسيكون هناك تجارب أكثر، ولذلك يرى بعض النقاد والمفكرين أن أغلب المهام المسرحية قد تندثر مستقبلاً بسبب قيام الروبوتات بها بدلاً عن الإنسان ويبقى فقط الدراماتورج ليضيف الروح والعواطف والمشاعر الحسية والنفسية للنصوص التي تنتجها الروبوتات. ولكن عبقرية الذكاء الاصطناعي ليست سوي تجسيد لعبقرية العقل البشري الذي أجاد صياغة تفاصيل التكنولوجيا بما يمكن أن يرقى بحاضر البشرية ومستقبلها لدرجة أن يتمكن روبوت من كتابة نص كاملاً وحده. كما أن هناك روبوت أنتج مؤلفه موسيقية كامله بشكل رقمي دونما تدخل بشري. 
واختتم هايل كلمته بعرض المقطوعة الموسيقية وإسماعها للحاضرين. ومن ثم تم فتح باب المناقشة.
موت المؤلف وقتل العقل البشري مقابل التكنولوجيا الرقمية
دارت التساؤلات حول فكرة هل وجود روبوت يكتب نصوصاً مسرحية يعرب عن قرب مرحلة موت المؤلف مجدداً؟ وهل سيختفي دور المؤلف الأدمي بسبب الروبوتات. وكان الجواب من دكتور هايل أن الروبوت لم يتطور بالشكل الكافي الذي يجعله محل المؤلف المسرحي تماماً. كما تساءل البعض عن المسرحيات العربية: كيف يكتب الروبوت باللغة العربية وأجاب هايل: إن اللغة هي جزء من المدخلات التي توضع منذ البداية في برمجة الروبوت وأن ذلك أمر سهل أن تكتب الروبوتات بمرادفات اللغة العربية إذا تم إدخالها منذ البداية. 
 


مي سيد