ضرورة إنشاء «غرفة صناعة المسرح» لتوفير الدعم اللازم للإنتاج

 ضرورة إنشاء «غرفة صناعة المسرح» لتوفير الدعم اللازم للإنتاج

العدد 763 صدر بتاريخ 11أبريل2022

عقدت ثاني جلسات مؤتمر المسرح المستقل والمهمّش في مصر بقاعة “إيوارت” بالقاهرة مساء الجمعة 25 مارس، تناولت الجلسة “إشكاليات المسرح المستقل والمهمش “، وحضرها  نخبة من النقاد والمهتمين بالمسرح المستقل وأدارها الدكتورة دينا أمين مؤسس المؤتمر.
الدكتور طارق عطية مدير مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأمريكية استهل الجلسة  
بالقول: إن أهم التحديات التي تواجهنا هي ارتفاع أسعار تأجير المسارح، ولكن يمكننا أن نتخطاها فنحن جزء من مؤسسة كبيرة، بأن نوفر هذه المساحات خصوصا للفرق الغير قادرة على دفع النفقات العالية، وذلك في إطار التنمية المستدامة، وقال إن المسرح الحر وغير التجاري من الممكن أن يدخل دائرة النقاش حول إمكانية الاستفادة منه تجاريا، وأرى أنه يمكن ذلك، فنحن نحتاج إلى  أن ننظر للجمهور وفقا لآليات السوق، والتحدي كبير جدا، فالاستثمار في الفن الجاد نقطة جديرة بالمناقشة والتطبيق. وختم حديثه بالقول إن الميديا ستغير شكل كل شي حتى المسرح، ولكنه سيظل صامدا ولن ينتهي، فقط سيعاني كثيرا حتى يمكنه مواكبة التغير، فلا يوجد تخوفات حيال استمراره، وكل ما نرجو فعله الآن هو أن نجمع كل المعلومات عن المسرح في مصر خلال هذه الفترة ونقوم بتوثيقه لنجعل منه ركيزة قوية تستفيد منها الأجيال القادمة.

ارتفاع قيمة الإيجار 
المخرج محمد جبر تحدث عن أبرز المشكلات التي يقابلها كمخرج ومنتج في الوقت نفسه مشيرا أيضا إلى  ارتفاع أسعار تأجير المسارح مؤكدا ان عددا كبيرا من المسارح رفعت أسعار تأجيرها، و أن مسارح قصور الثقافة تكون مغلقة معظم أيام السنة، واعتبر ذلك خسارة للعرض المسرحي  وأضاف “جبر: “في ما سبق كان إيجار المسارح مناسب للفرق المستقلة فكانت العروض تتجول بين مسارح متعددة خارج وداخل القاهرة عكس الآن مع ارتفاع  الأسعار.
 واختتم  جبر حديثه بالدعوة إلى إنشاء “غرفة صناعة المسرح” مؤكدا على  أهميته لتوفير الدعم ، حين تصبح العروض مدعومة أو معفاة من الضرائب، ما يحل العديد من المشكلات وينتج زيادة في الربح وتحسن في الإنتاج وإقامة العروض على مسارح متنوعة وتتوفر أجور تليق بالممثلين  والفنيين.

مشكلة التعريف
وكذلك قالت الكاتبة رشا عبد المنعم: نحن نواجه أيضا إشكاليات التعريف، حيث لا يوجد تعريف واحد للمسرح المستقل، وبالتأكيد ليس مطلوب منا تقديم تعريف واحد ولكن مطلوب بعض المحددات، حيث يوجد خلط كبير بين المسرح المستقل ومسرح الهواة، فإن كان المسرح المستقل يعبر عن آلية إنتاج معينة، فإن مسرح الهواة أو الاحتراف هو مفهوم فني، لذا يجب وضع محددات توضيحية للمفاهيم. كذلك نواجه إشكالية أخرى وهي الدعم، فقطاع كبير من الفرق المستقلة لا يتوفر لها دعم، فالدولة مغلقة علي دعم موظفيها ، وزارة الثقافة تدعم المسرح الحكومي الذي ينتجه الموظفون، وهذه الآلية أفسدت الكثير في المسرح وفنانيه، فالفنان الموظف يوجد لديه ارتباك في هويته ، بين أن ينشغل بالعمل على مشروعه ، وأن يريد دخلا ثابتا من الوظيفة.
وأضافت: فرص استقدام فنانين وفرقا  من خارج المؤسسة لعمل مسرح هواة أصبحت قليلة للغاية، فالدولة لا تقوم بدورها في دعم الفرق وإن دعمتها ستضع آليات للتدخل  في المنتج المقدم وهذا سيصنع لدي المقبلين على التجربة حالة من التخوف ، لأن لديهم فكر ومحتوى معين يريدون عرضه، لذا يجب وضع قوانين وطرق للدعم مع الحفاظ على هوية المسرح المستقل حتى لا يفقد حرية التعبير.
واستطردت: ومن الإشكاليات التي نواجهها أيضا “المسئولية الاجتماعية تجاه المسرح المستقل”، فلا يوجد رجال أعمال أو شركات لديها إحساس بالمسئولية الاجتماعية و تتوجه لدعم الفنون.
ونوهت “عبد المنعم “إلى أهمية الحرية واعتبرت افتقادها أكبر أزمة تواجه المسرح في مصر على مدار عقود سابقة، مشيرة إلى أن في تاريخ المسرح المستقل يوجد الكثير من العروض التي تعد نماذج للاحتفاء بالحرية كعرض “اللعبة” لمنصور محمد، وعرض “اللعب في الدماغ”، وعروض محمد أبو السعود، وطارق  الدويري، وغيرها الكثير، مشيرة أيضا إلى  وجود” دروس عظيمة لتقليم أظافر المسرح المصري”    
تابعت: من أهم التحديات التي توجهنا أيضا الوصول إلى الجمهور، والتعرف على الفئة المستهدفة و مواصفتها، وكيفية الوصول إليها، وهذا  ليس بالضرورة دور الفنان ، ولكن يجب أن يكون هناك جهة متخصصة للتواصل مع الجمهور.
واختتمت حديثها بطرح إشكالية التوثيق قائلة: إن حركة  المسرح المستقل ليس لها مرجعيات وثائقية ويجب إنشاء موقع لتوثيق حركة المسرح المستقل بكل المعلومات التي تخصه، و الكتب والدراسات المعنية به، ولذا سعدت بمعرض “منال إبراهيم” الذي قدم صورا لعروض مسرحية غير موثقة .
 
مأزق الجمهور
وقال  المخرج مصطفي خليل الشريك المؤسس لشركة كينوما: إن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا هي قلة الجمهور المهتم بالمسرح نتاج التطور التكنولوجي ووجود المنصات الإلكترونية التي تجذب الجهور للجلوس بالمنزل وعدم النزول لمشاهدة العروض، لذا يجب ابتكار أساليب جذب جديدة تخاطب الجمهور بفكر حديث ومختلف. وأكد خليل أن أكبر عائق يواجهه هو الإنتاج، ولذا يجب ان يعتاد الجمهور على دفع سعر تذكرة مناسب لمشاهدة العروض المسرحية لتغطية تكلفة العرض وتحقيق الربح المناسب. واختتم حديثه بأن المسرح يمثل قوة ويستحق المزيد من الاهتمام والمشاهدة، وأن المهم  ان يكون مسرحا ممتعا له رؤية وفكر جديد.

حرية الإبداع 
فيما قال الفنان حسن الجريتلي: من أهم ما قُدم خلال المؤتمر سرد التجارب الخاصة للحضور، وكنا نتمنى متسعا من الوقت لعرض المزيد من التجارب الفردية، ومع ذلك وصلنا إلي مضامين مهمة جمعت عصورا مختلفة وتجارب متفردة وشخصيات متنوعة، وأنا أشارك المستقلين في تلك الاقتراحات لمواجهة إشكاليات المسرح المستقل، فأغلبها فعالة، ولكنا في مجتمع مساحة الحرية فيه  ليست بالقدر الكافي، وهذه أحد أهم المشكلات الكبرى، فبرغم تنوع المشكلات التي تحدثنا عنها  ما زالت حرية الإبداع أهم المشكلات، حيث التدخل في إبداع الفنان يقيده في كل شئ.
وقال المخرج أحمد العطار: برغم المشهد السوداوي فما زل الأمل قائما  في الأجيال الجديدة و في كل جديد يقدم، أتذكر في عام 1987  قدم حسن الجرتلي مسرحية داير ما يدور وكنت وقتها أبلغ من العمر ثمانية عشر عاما، وكان من أجمل العروض التي شاهدتها  تكتمل فيه كل الأدوات من ممثلين ونص وتجهيزات و بدأت من خلاله اكتشف المسرح وتعاقبت بعده تجاربنا وتجارب كثيرة مختلفة ورائعة لغيرنا، واستكمل: إن الإبداع ينتج عن الاحتياج الشديد والعوائق الشديدة التي نواجهها كمسرحيين مستقلين، ولكن نحن نحتاج إلى أن نتفاءل ونؤمن بأننا إذا وجدنا الطريق وأصررنا عليه فلابد أن نصل، وأكد العطار على ضرورة  تفادي المفاهيم  الخاطئة عن تراجع  المسرح وربطه دائما بالتقدم والميديا، فالمسرح موجود قبل الراديو والسينما ومازال وسيستمر.
أضاف: انا أقدم أعمالا  مسرحية تتكلف مبالغ كبيرة وتدعمني مهرجانات ومسارح دولية بشرط أن  توافق علي ان أقدم مسرحا يلائم فكري وشروطي وبالنهاية أجد صدى ذلك عندما يسعي الجمهور لمشاهده عروضي. أنا لا أريد أن أقدم عملا تجاريا يغطي تكلفته ولكن هدفي  تقديم فكر مختلف.
واختتم حديثة بالقول إن الدول بالخارج تدعم المسرح لتقديم ثقافات مختلفة، ونحن نحتاج من الدولة الآن أن تدعم المسرح  بالطريقة الصحيحة لإنتاج أعمال لها قيمة فنية وثقافية، منها عروض جماهيرية وأخري لا تعجب بها الجماهير، ومن هنا تأتي التعددية واختلاف الفكر . 

مشكلات لا تتغير 
و في كلمته قال الناقد جرجس شكري: إن مشكلات المسرح لم تتغير قديما و حديثا ولكن تتغير صورتها وأسلوب التعبير عنها، ففي عهد  الخديوي إسماعيل تم إنشاء مسرح “يعقوب صنوع”  وعندما تجاوز صنوع أمر الخديوي  بإغلاق المسرح، وهذا يعني أن المشاكل والأزمات لم تتغير علي مدار 150 عاما، ولكن برغم كل هذه الإشكاليات استمر المسرح، ويستمر رغم انتشار الميديا “ فمازال المسرح راسخا متجددا في العطاء و يشكل وجداننا.
واستكمل”شكري” قائلا : يوجد عشرات الفرق خارج الإنتاج الحكومي كأفاق، ونوادي المسرح، والفرق المستقلة، والفرق الحرة و لن أعتبر وجودهم نوعا من التفاؤل إنما هو الواقع الموجود بالفعل. 
وعن فكرة التوصيف قال: يوجد بمصر مسرح حكومي تنتجه الدولة، ومسرح غير حكومي، إنتاج ذاتي مثل مسرح سمير خفاجة و محمد صبحي، وأوضح شكري أن مشاكل المسرح متشابهة، وإن من قرأ مذكرات نجيب الريحاني وحديثه عن مسرحية العشرة الطيبة وأسباب وكيفية إغلاقها  سيشعر بالتطابق، وقد أغلقتها الرقابة ولحقت الخسائر بالفرقة، وبنفس الأسلوب  لحقت بالقطاع الخاص نهاية التسعينات، فغاب المسرح التجاري وأغلق تماما، ومنح نجما مثل عادل إمام صلاحية الفتح مرتين  فقط في الشهر.تابع:  هناك أزمات عامة للمسرح وتكرر، ولكن التحدي الأكبر الذي يتفرد به فن المسرح فهو أنه  يتفاعل مع  جمهور وهو التحدي الذي يجب أن نفكر فيه جيدا.
وختم شكري مداخلته بالقول: إذا أعطت الدولة المسرح القومي لفرقة مستقلة لمدة عام، مع دفع رواتب الموظفين وفواتير الكهرباء والمياه، فلن تأتي التجربة بثمرها من الربح، حيث يجب أن ينحصر الأمر في: كيف أصنع مسرحا للجمهور، وأقدم  تجربة ناجحة مثل 1980 وأنت طالع، بتكلفة بسيطة مثلما يحدث في الثقافة الجماهيرية ولكن لها هدف ومضمون.
أما المخرج محمود  أبو دومه فقال: يعد التمويل ضمن إشكاليات المسرح، وله صيغ كثيرة جدا، فليس شرطا أن يكون التمويل حكوميا فقط ،وليس من الضروري أن يكون أجنبيا ، فأنا لي تجربة مختلفة وقد  شاركت بفيلم مع إبراهيم البطوط وكان من ضمن شروطه أخذ مستحقاتنا عندما يبيع الفيلم، ووافقتا ونجح الفيلم وأخذنا مستحقاتنا المالية. 
وتابع ‘ أبو دومه “: هناك ضرورة للاعتراف المجتمعي بنا ، بمعني أن يشعر المجتمع بوجودك وتشعر أن لك دور مهم، وأضاف: من الإشكاليات أيضا ارتفاع أسعار التذاكر بشكل مبالغ فيه، مما يصنع سمعة سيئة للمسرح، فمكتبة الإسكندرية قدمت عرضا ليحي الفخراني أسعار تذاكره تبدأ من 1500 جنيه، وهو ما لا يناسب عددا كبيرا من الجمهور ومبالغ فيه. وفيما يتصل بموضوع الحرية قال  أبو دومة نحن مطالبين “بتحرير التعبير” وليس ممارسة حرية التعبير دأخل إطار معين ومساحة معينة.
هذا وقد اختتم المؤتمر فعالياته الاثنين 28 مارس الماضي، على خشبة مسرح الفلكي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث دارت مناقشات حول نمطي مسرح الأطفال والمسرح المجتمعي، ثم عرضت كل ورشة عملا مسرحيا مستقلا.
 


نهاد المدني