العدد 747 صدر بتاريخ 20ديسمبر2021
يستحدث مهرجان التجريبي في دورته الجديدة لهذا العام مشروع «نادي المسرح التجريبي»، بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان «هشام عطوة»، والذي يهدف الي الخروج من العاصمة بعيدًا عن المركزية وإتاحة الفرصة لأهالي الأقاليم المشاركة في مشاهدة العروض. تقدم للمشروع واحد وعشرون عرضًا مسرحيًا، اختير منها تسعة، تُعرض بالتوازي مع جدول المهرجان في محافظات «المنيا, بورسعيد, الجيزة، بني سويف, دمياط, البحيرة, القليوبية» وتكونت لجنة التقييم والمشاهدة من المخرجين هاني المتناوي وعمر المعتز بالله والناقد أحمد خميس.
تحديات التجريب في نوادي المسرح
اشتدت وتيرة الحوار بين نخبة من المسرحيين في الندوة السادسة ضمن فاعليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثمانية والعشرون, والتي تندرج تحت عنوان «نوادي المسرح بين التجريب وفلسفة المؤسسة الإنتاجية».
أدار الندوة د. أحمد عامر بادئا حديثه بتساؤل: هل ترعى الدولة أو المؤسسات الرسمية التجريب؟ هل تسمح بالتجريب؟ بل وهل تتحمل التجريب؟ أم أن لها قيود تحدد القدر المسموح به والمتاح والآمن من التجريب حسب كل نظام؟
بالحديث عن تجربة نوادي المسرح وهي ليست تجربة مستقلة، بل تتبع إحدى مؤسسات وزارة الثقافة, وبالتالي فهي تمثل علاقة بين الدولة والمسرح.
“دائمًا ما تتبنى العملية المسرحية خطابًا محملًا بمجموعة من الأفكار المرتكزة على دوافع وأسباب هذا الطرح وذلك على المستوى الفني الجمالي والقيمي على حد سواء, هذا الخطاب يتأثر بدرجة كبيرة بجهة الإنتاج التي تتحكم في طبيعته وفقًا لما تراه مناسبًا في التعبير عنها ودعم مصالحها وأهدافها.
وهو ما يدفعنا للتساؤل حول كيفية تأثير جهة الإنتاج على التجريب في المسرح؟
هكذا بدأ الباحث حسام عبد العظيم حديثه عن بحثه المعنون بـ «تحديات التجريب في نوادي المسرح تحت سطوة المؤسسة الرسمية», حسام عبد العظيم هوناقد ومخرج مسرحي بالهيئة العامة لقصور الثقافة, وهي المؤسسة الاكثر اشتهارًا بالتجريب.
نشر الثقافة المسرحية الغائبة
بالنظر إلى الإنتاج المسرحي المؤسسي الرسمي في مصر-والذي يتخذ من التجريب صفة وطابع له- وجده عبد العظيم ينحصر على جهتين:
-فرقة مسرح الطليعة, والتي حادت عن مسارها حيث لم تعد تقدم عروضًا تجريبية إلا نادرا.
-فرق نوادي المسرح التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة, والتي تعود أهميتها في هذا البحث إلى كونها الجهة الرسمية الوحيدة في مصر التي تقدم عروضًا لها صفة تجريبية منذ نشأتها وحتى الآن.
بالحديث عن بدايات ظهور فكرة نوادي المسرح في بداية الثمانينيات على يد المؤسس والمخرج عادل العليمي, والتي ظهرت كفكرة مستقلة من خلال شباب الفرق المسرحية في الأقاليم قبل تكوين إدارة لنوادي المسرح, وكانت تمول بشكل رمزي وبسيط, بينما يتمثل الهدف الحقيقي من تكوين نوادي المسرح في نشر الثقافة المسرحية الغائبة في كافة مواقع العمل بالثقافة الجماهيرية ويليه إنتاج العروض المسرحية ذات الطابع التجريبي بميزانيات محدودة.
هكذا اختصر حسام عبد العظيم حديث عن المباحث الثلاث المطروحة في بحثه تحت عناوين:
المبحث الأول: “المسرح التجريبي وإرهاصاته عالميًا وعربيًا»,
المبحث الثاني:»التجريب والمؤسسة الرسمية»
المبحث الثالث: «نشـأة وأهداف حركة نوادي المسرح»
نوادي المسرح تواجه الكثير من المعوقات
وتابع عبد العظيم حديثه بذكر أهم المعوقات التي واجهت نوادي المسرح عبر مراحلها المختلفة وهو ما يطرحه المبحث الرابع والأخير. ويتمثل أولها في مرحلة التأسيس حيث كانت أولى التحديات التي واجهتها فرق النوادي هي صعوبة الاعتراف الرسمي بها, خوفًا من وجود أي هدف سياسي قد يجمع بين هؤلاء الشباب. أما المرحلة الثانية وهي مرحلة شكلية أخذ فيها القرار الرسمي لإنشاء فرق نوادي المسرح عام 1983 صورة شكلية غير فعالة لا تتعدى الورق, مما نتج عنه مجموعة من المشكلات والمعوقات التي يرصدها عادل العليمي في إحدى وثائق “مشروع نوادي المسرح” عام 1958, وتتلخص في عدم وجود إدارة فعلية لنوادي المسرح, فمديرها هو الموظف الوحيد فيها. وعدم وجود ميزانية مستقلة لإدارة النوادي. كما لم يُعترف بإدارة النوادي من قبل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة, لأنها فاقدة لمواصفات الشكل الإداري، ولم ترسل إدارة المكتبات أي كتب عن المسرح لعمل مكتبة المسرح المتخصصة. فضلا عن تأجيل إقامة المهرجان الأول للنوادي لحين ورود ميزانية, الأمر الذي لم يحدث، وعدم توافر إقامة أو إعاشة مناسبة للمحاضر الذي سوف يعاني يومًا كاملًا في الذهاب والعودة والتدريس, مقابل مبلغ بسيط ومتواضع. وعلى الرغم من وجود كافة الموافقات الإدارية على طبع نسخ فيديوهات مصورة للعروض المسرحية لكي توزع على الأندية, فإن ذلك لم يتحقق نتيجة وجود عطل فني في أحد أجهزة الطبع.
في المرحلة الثالثة يتطرق عبد العظيم إلى الهيمنة المؤسسية بتغلغل الدور الإداري للمؤسسة الرسمية بعد تفعيل القرارات الرسمية الخاصة بنوادي المسرح, والذي تمثل في وضع مجموعة من الأسس والضوابط المنظمة للعمل بالنوادي, كان من شأنها أن تجعل المشروع ينحرف عن مساره.
تفريغ المشروع من مضمونه
استكمل عبد العظيم حديثه بالمرحلة الرابعة والاخيرة وهي مرحلة المشاريع المضادة لحركة النوادي كمشروع شباب المخرجين الذي تأسس على يد د. صبحي السيد كبديل لفكرة اعتماد المخرجين من خلال النوادي, الأمرالذي أفرز مجموعة مخرجين محدودي المستوى نتيجة اعتمادهم من مجرد مشاهدة عرض مسرحي لليلة واحدة.
لقد كان المشروع يستهدف سنويًا المخرجين المتميزين في مهرجان نوادي المسرح, فبدلًا من اعتمادهم المباشر, تسعى الإدارة لتطوير أدواتهم من خلال مراحل الورش المختلفة, ومن يجتاز كافة هذه المراحل تنتج له الإدارة عرضًا متميزا يشارك في مهرجان شباب المخرجين, ليتم اعتماد من تراه اللجنة المحكمة متميزًا بين هؤلاء المخرجين.
المشروع الذي مع مرور الوقت والتغير الإداري للموظفين انتزع من سياقه, حيث تم تفريغه من كل آليات العمل والتدريب سابقة الذكر, كما لم يصبح مهتمًا بمخرجي النوادي, ولكنه أصبح مهرجان تسابقي يمكن أن يتقدم إليه أي مخرج بمشروعه, ويتم الإنتاج له بعد اجتيازه للجنة المناقشة.
تغيير النمط والخروج عن المألوف
النقطة التي تقودنا إلى ما أنهى به حسام عبد العظيم حديثه وهي نوادي المسرح والرقابة, والذي ذكر فيها نكران الكثيرون لتعرض نوادي المسرح لأي نوع من أنواع الرقابة, وأنها أكثر تحررًا من غيرها وذلك تماشيًا مع طبيعة عروضها الخاضعة لشرط التجريب, والذي يدفع إلى كل ما هو مغاير ومختلف شكلًا ومضمونًا. أما حقيقة الأمر عكس ذلك فالرقابة على النوادي لها عدة أشكال منها ما هو من خارج الإدارة وما هو من داخلها كالتالي:
الرقابة الداخلية والتي تنطلق من داخل المؤسسة لها عدة مراحل تتمثل في: 1- الرقابة الفنية المتمثلة في لجان مشاهدة ومناقشة بيدها إجازة العرض وقبول تمويله من قبل الإدارة العامة للمسرح, وكثيرًا ما تخضع هذه اللجان لمعايير شخصية تتعلق بشخصية وخلفية أعضاء هذه اللجان التي لا يمثل عملها أي أهمية. 2- لجان التحكيم الإقليمية والختامية والتي تمارس نوعًا من أعمال الرقابة الفنية الغير مباشرة التي تخضع لها عروض نوادي المسرح . 3- الندوات النقدية وفيها يستخدم النقاد سلطة المنصة والنقد التقييمي للعروض في تعزيز أو دحض مختلف الاتجاهات الفنية التي تتفق مع آرائهم, وتتناسب مع المؤسسة.
أما الرقابة الخارجية فتتمثل في سلطة الرقابة على المصنفات الفنية حيث تخضع النصوص وفقًا لقانون الرقابة للحصول على التصريح الرقابي لعروض الليلة الواحدة, على الرغم من أن هذه الليلة تكون للجنة التحكيم, بهدف التسابق, مما يجعلها تجربة نخبوية منغلقة, لا تجربة فنية منفتحة مع الجماهير وهو ما قيد من حرية التجريب الذي لا يمكن إخضاعه لأى رقابة لما يحمله في جنباته من غرابة وعدم مألوفية تجعل من شرحه أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.
الأمر الذي اختلف معه رئيس المهرجان جمال ياقوت أثناء مداخلته، فضلا عن اختلافه مع فكرة التأسيس، حيث يري ياقوت أن نوادي المسرح لم تأخذ الشكل التجريبي أو الصورة التجريبية إلا فيما بعد، فقد كانت تقدم عروض على أعلى مستوى من التجريب دون أن تذكر أنها عروض تجريبية. وبحكم كونها اعتمدت على تغيير النمط والخروج عن المألوف فقد اتخذت هذا الطابع التجريبي وليس أنها بدأت بفكرة تجريبية بحتة مبنية على أساس التجريب, أما فلسفة التأسيس فاتجهت إلى محور مختلف تمامًا وهو فكرة التثقيف وليس التجريب, وعندما تحول الأمر مع الوقت لمجرد إنتاج وعمل أكبر قدر من العروض ليس إلا, فقدت التجربة معناها.
بالعودة إلى نقطة الرقابة أشار جمال ياقوت إلى أن لجان المشاهدة لم تكن أبدًا مطروحة بشكل رقابي ولم يكن هناك أي نوع من أنواع الرقابة بل كانت تتم بشكل فني بحت.
اتفقت معظم التداخلات مع رأي جمال ياقوت كالناقد أحمد خميس ومدير المهرجان د. محمد عبد الرحمن الشافعي, كما طرح البعض وجهة نظر أخرى منهم د. لمياء أنور التي اتفقت مع فكرة التأسيس حيث قالت أن التجربة كانت عبارة عن خروج الشكل المسرحي عن المعتاد بل وكانت شطحات مسرحية لم يتم تسميتها بعد أخذت فيما بعد مسمى الشكل التجريبي. واقترحت، فيما يخص الرقابة، خضوع لجان المشاهدة نفسها لورش تثقيفية حيث أن لديهم جمود فكري يصل بهم إلى حد قبول أو رفض العروض لأسباب شخصية بعيدة كل البعد عن ما هو معتاد الاعتراض عليه كالجنس والدين وغيرها.