سرقات النصوص المسرحية شروع في قتل الفكر والإبداع

سرقات النصوص المسرحية  شروع في قتل الفكر والإبداع

العدد 739 صدر بتاريخ 25أكتوبر2021

منذ وقت ليس بالبعيد، كان المفهوم الأساسي للسرقة هو السرقة المادية، التي يتم من خلالها الاستيلاء على حقوق الأفراد وممتلكاتهم، ولكن بعد تطور الفكر الإنساني، وارتقاء الحضارات، أصبح لمفهوم السرقة أبعاد أخرى؛ فكان أهمها وأخطرها على الإطلاق سرقة الفكر والوعي من خلال السرقات الأدبية باختلاف أنواعها، والنصوص المسرحية خاصة، وتكون هذه النوعية من السرقات سلوكا إنسانيا غير سوي، يتم من خلاله الاستيلاء على أفكار أو نصوص بدون وجه حق، وتقديمها على أنها من عمل وإبداع السارق دون نسبتها إلى المؤلف الأصلي.
وحول قضية سرقة النصوص المسرحية وحماية حقوق الملكية الفكرية، نطرح لكم آراء المسرحيين حول تلك الأزمة.

السيد فهيم: قانون حماية حقوق المؤلف معطل، ولا يتم العمل به
في ضوء تلك الأزمة، حدثنا الكاتب المسرحي، د. السيد فهيم، قائلا:
إن سرقة النصوص المسرحية، بل السرقات الفنية عامة، أضحت جريمة يعاقِب عليها القانون؛ أو هكذا يتصور مفلسو الفكر وعديمو الموهبة ممن يقدمون على مثل هذه الجرائم؛ فالسطو على نتاج فكر وتعب الآخرين قبل أن يكون جريمة بمعناها الشائع فهي خداع للنفس وللغير، فسرعان ما يتوهم هذا اللص الدعيُّ أنه يملك الموهبة وأنه في زمرة المبدعين الحقيقيين؛ لكن هيهات فالموهبة الحقيقية تتوهج كالنجم الساطع ولا تخفى على أحد، أما الزائف فسرعان ما يخبو ويعلوه الصدأ. واستكمل «فهيم»: رغم أن هناك عقوبات رادعة في القانون لحماية حقوق المؤلف، قد تصل إلى سَجن السارق، فإن كثيرا من المؤلفين يتكاسلون أو يغفلون عن إثبات ملكيتهم رسميا، معتمدين على حجم شهرتهم وثقتهم في لجان القراءة والمتابعين من النقاد والباحثين. وتابع «فهيم» حديثه، قائلا: عند احتدام المعركة وظهور أحد اللصوص وفضحه بصورة أو بأخرى، لا يعترف القانون إلا بسند موثق يثبت حق المؤلف الحقيقي، مثل رقم إيداع بدار الكتب، أو نشر النص في كتاب يحمل رقم إيداع وترقيما دوليا، أو فوز النص في إحدى المسابقات الموثقة، أو التعاقد مع جهة إنتاج رسمية، وأهم وأقوى وثيقة إثبات هي تسجيل النص بإدارة حقوق المؤلف بوزارة الثقافة، أو إثبات تاريخ بالشهر العقاري.
وعن دور الرقابة وصلاحياتها في أزمة السرقات، استطرد «فهيم» حديثه، قائلا: إن الرقابة على المصنفات الفنية دورها ليس توثيقيا ولا يعتد بتقارير الإجازة حين وقوع نزاع قانوني، فرأي الرقابة يعتبر استشاريا في صلاحية النص للعرض أو عدمه، وليس من صلاحياتها إثبات ملكية النص لمؤلف دون آخر؛ فهي تشكل لجانا للقراءة يمر عليها جميع النصوص، ولو بأسماء وهمية؛ فما يعني الرقابة هو عنوان النص ومحتواه، وليس ملكيته، وقد انتبهت الرقابة مؤخرا لحيل كثيرة من فرق الهواة للسطو على النصوص المنشورة بكتابة عبارة «إعداد فلان الفلاني»، دون الرجوع للمؤلف وموافقته شخصيا. فأصبحت تشترط منذ فترة موافقة المؤلف الأصلي وحضوره شخصيا إلى الرقابة، دون اعتماد عبارة «إعداد» المخادعة، وفي هذه الحالة لو تجرأ أحد المخرجين أو مديرو الفرق بنسب النص لنفسه؛ فسيقع مباشرة تحت طائلة قانون حماية حقوق المؤلف؛ رقم 82 الصادر عام 2002؛ وتكون العقوبة بالغرامة والحبس، كما ورد في المادة 181 من الكتاب الثالث الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة؛ لكنه -كما ذكرت في بداية حديثي- قانون ُمعطل الآن؛ فالجهات المسئولة مثل النيابة العامة وأقسام الشرطة لا تلتفت إلى مثل هذه القضايا، ولا تأخذها على محمل الجد، مما يمنح اللصوص فرصة للتمادي واحتراف سرقة الأفكار والإبداعات دون رادع.

عبدالفتاح البلتاجي: سرقة الأعمال الأدبية بمثابة سرقة الضمير والأعمال المسروقة تحصد الجوائز
قال الكاتب المسرحي عبدالفتاح البلتاجي: علينا أن نعترف أن سرقة النصوص المسرحية، بل والأعمال الروائية، انتشرت بشكل واسع في السنوات الأخيرة، والأمر لا يتوقف على المسرح وحده، بل هناك مثال سرقة أفلام روائية ليتم تحويلها إلى رواية، ثم يعاد إنتاجها كفيلم مصري، وعادة هذا الأمر ينتشر في سنوات الاضمحلال، وبالطبع هي جريمة؛ فسرقة الأعمال الأدبية هي الأخطر؛ لأنها بمثابة سرقة الضمير.
وأوضح «البلتاجي»: قد ترجع السرقات لعدة أسباب، منها الاستسهال، وعدم وجود موهبة، والمجاملة، وكسب أموال سهلة وشهرة فارغة؛ فتتم السرقة؛ فاللص الذي يسرق خزينة أموال مثلا لا يعرف قيمة الوقت والمجهود الذي بذله صاحب الخزينة، وتتوقف طرق اكتشاف السرقة على المحكمين أو اللجان المسئولة عن إعطاء الموافقة على إنتاج العمل، وبالطبع وعي الجمهور، وعادة ما يتم اكتشاف السرقة بالصدفة من النقاد أصحاب الوعي، والعجيب أننا نلاحظ أن هذه الأعمال تحصد الجوائز، ومسألة توارد الخواطر هي حجة يستخدمها البعض لطمس الجريمة، وقد نسمع أن هذا الأمر لتسهيل التعاقد بين سارق النص والجهة المنتجة؛ لأنه يطلب منه إحضار موافقة صاحب النص الأصلي، أو من ورثته، وهذه المعضلة يجب أن يكون لها حل.
وتابع: جميع الكتاب يعملون في إطار أفكار محدودة، إنما ما يفرق هنا هو المعالجة التي يتم تناولها في الزمن الذي نعيشه، أما معرفة إن كان النص به توارد خواطر، أو كان مسروقا؛ فمن ناحية تناول الحبكة أو المعالجة وتناول الشخصيات والحوار؛ فإن كان كل هذا متطابقا؛ فهي سرقة؛ فلكل عمل بصمة خاصة ترتكن على روح المؤلف، فاللص لن تجد عنده بصمة أو كلمات نابعة من روحه، وبالطبع اكتشاف السرقة يتوقف على سعة اطلاع المحكمين والنقاد، ونادرا ما يرد الحق لأصحابه، وإلا ما كنا طرحنا هذا الموضوع، وللأسف يتم الكشف عن السرقة بعد أن يحصد اللص الجوائز المادية والعينية، وهذا في رأيى تواطؤ أو مجاملة، مشيرا إلى أن المعد أو الدراماتورج لا يسقط حق المؤلف؛ لأن لولا النص الأصلي ما كان هناك وجود لهذا العمل، فلا عمل -أو أي شيء- يوجد من فراغ.
وأوضح «البلتاجي»، أن المسئولية تقع بالطبع على الجهات المنوط بها هذه الأعمال، ورصد الميزانيات، والمهم أنها تقع على صاحب كل ضمير يقظ، وهناك كارثة أخرى أن هناك مخرجين لا يعرفون كيفية قراءة النص المسرحي؛ فيكتفون بشف الأعمال التي تستهويهم، وهؤلاء لا يملكون رؤية، فيحق للمخرج وضع رؤيته للنص كمسئول أمام الجمهور، لكن لا يحق له المساس بالنص إلا بعد الرجوع للمؤلف، كما أن وسائل التواصل الإجتماعي تساعد الكاتب في أن تصل أعماله لعدد كبير سواء داخل دولته أو خارجها، أما سلبياتها فهي أنها تقع في أيادي اصحاب الضمير الميت.
واختتم «البلتاجي» قائلا: إن آليات مواجهة هذه الأزمة، هي العودة لنقطة الصفر، عودة المسرح المدرسي الذي يربي النشء على أصول المسرح لتكوين رؤيته.
 
المخرج محمد جبر: ظاهرة «عروض الديزني» جيدة بشرط أن نشير إلى المصدر ولا نكتب عليها “تأليف”
قال المخرج محمد جبر: هذا الموضوع شائك جدا، وبه العديد من وجهات النظر، ولكن رأيي يختلف في هذه القصة، ففكرة سرقة النصوص مختلفة؛ فالبعض يحب أن يقتبس أفكارا، سواء من أفلام أجنبية أو مسرحيات عالمية أو كرتون؛ فهناك مثلا ظاهرة الديزني التي نراها في كل مسارح الطفل ويكتب عليها “تأليف”، فهذا يختلف بالطبع، ففكرة الاقتباس من الأفكار ليست بالضرورة سرقة في حال كتبنا عليه أنه مأخوذ عن «...»، ولكني أعتقد أن هذا اقتباس عادي جدا، وهو موجود منذ زمن، منذ أيام الدراما القديمة والأفلام العربية في فترة الخمسينيات التي كانت معظمها تسير على هذا الخط، وهو فكرة الاقتباس حتى أيضا في المسرحيات والمسلسلات والدراما، حين أقول إنه مقتبس وأحاول تمصيره أو أحاول أن أقربه بوجهة نظر مختلفة؛ فهذا الشيء يعد طبيعيا جدا وليست جريمة، أما الجريمة هي أن ينسب الشخص هذا الإبداع أو هذا التأليف أو هذه الفكرة لنفسه، خاصة عندما تأتي بنص ليس متاحا للجميع؛ فهذه المشكلة هي الكبرى لأنها ليست مرئية، أو ليست معروفة لدى الكثير.
وعن حماية الحقوق، أضاف «جبر»: أعتقد أن مثل تلك الأمور لا حماية لها؛ فهي مسألة ضمير، ومسألة أن المبدع يحمل وجهة نظر أم لا، فمسألة الحماية هي أشياء يفرزها الجمهور ويقيمها، وأنا غير مقتنع بفكرة الرقابة، فلا تقنعني فكرة أن السيد موظف الرقابة يرى جميع الأفلام، أو يقرأ النصوص المسرحية جميعا، ويفرزها ويفندها ليكتشف السرقات، فهذا يكاد يكون مستحيلا، ولكنها في النهاية مسألة ضمير.
وعن كيفية علاج الأزمة، أوضح «جبر»: علينا أن نقوي مسألة الابتكار بفتح مجالات جديدة للابتكار ونحن نمتلك الورش الإبداعية التي تنمي عمليتي الإبداع والابتكار، في هذه الحالة سنقتل فكرة السرقة، التي ترجع في الأساس للفقر في الخيال، أو نتيجة وجود فكرة أحدثت تماسًّا مع فكرة في الرأس، ومن هنا أراد أن يأخذ التيمة ويقتبسها، وقد قلت سابقا إنها مأخوذة عن «..»، وهكذا، فمن الطبيعي أن يكون العلاج في الأفكار الجديدة والورش الإبداعية في الكتابة والإخراج وغيرها من العناصر.
واختتم «جبر»: من وجهة نظري الشخصية أن العلاقة بين المخرج والمؤلف هي علاقة تعاون، مثلما هي بين المخرج والممثل؛ فالجميع يستهدف الأفضل، ولأن العمل متكامل فلا يمكن الفصل بينهما، وبالتالي ففكرة الاشتراك سواء بالتعديل أو بالإضافة أو بالحذف هي عملية تعاونية للغاية، ويجب أن يتسم التعاون بين ثلاثتهم بالحب والتوافق حتى الوصول للأفضل، وبالتالي فالهدف واحد ومشترك، إذا أراد المخرج إجراء تعديل أو غيره في النص، عليه بكل الحب أن يستأذن المؤلف لأن له وجهة نظره الخاصة التي يجب الأخذ بها، وعدم استئذان المؤلف في التعديلات أو التغيرات في النص يعد اعتداء على نصه، وإن لم يكن هناك اتفاق بينهما قد يؤدي لحدوث المشاكل، مما قد يتسبب في انهيار العمل بسبب الخلافات.

أحمد سمير: جملة «الأفكار على قارعة الطريق» شرعنة للسرقات وينبغي التعامل بقانون رادع
قال الكاتب أحمد سمير: من المتعارف عليه أن السرقة الأدبية تعني الاستيلاء على نص أدبي ونسبه للنفس، وفي رأيي السرقات الأدبية  -أو السطو عليها- لها شكلان أو غرضان، أولهما وهو السرقة بالسطو على النص بتغيير اسمه، أو بعض محتواه بغرض سرقته، والثاني هو انتحال صفة المؤلف، بغرض تمرير العرض رقابيا لعدم توافر المؤلف، أو صعوبة الوصول إليه، أو للسطو على حقوقه المالية، وكلاهما مرفوض بالطبع.
وتابع «سمير»: كم عانينا جميعا من مرارة ذلك، وكان الرهان في تحقيق العدالة الأدبية في ذلك، مرهونا بدور الرقابة ذاتها بتعديل شكل الموافقة الرقابية على النصوص، التي كانت سابقا تتم بحضور المخرج فقط، أما الآن -ومع تعديل اشتراطات الموافقة بحضور المؤلف نفسه- أصبح من الصعب سرقة النص بنفس الشكل القديم إلا بتغيير اسمه، وهو ما يشكل عقبة جديدة في كشف تلك السرقات التي تقتضي معرفة النص الأصلي جيدا للحكم على سرقته أو تشابهه مع نصوص أخرى، وهو أمر يستلزم بعض الوقت لكشف ذلك.
 وأوضح «سمير» قائلا: هناك خلط ما بين الفكرة والقضية، وهناك جملة متداولة تقول إن الأفكار على قارعة الطريق، وفي الحقيقة هي تهدف لشرعنة السرقات، فالافكار تعني معالجة إحدى القضايا بشكل معين في إطار معين، ولكن بالطبع الذي على قارعة الطريق هي القضايا التي هي ملك للجميع، يتناولها كل من شاء بطريقته وفق تفسيره، ليقدم معالجته الخاصة لهذه القضية، ولنا في القضية الفلسطينية خير مثال، فكثير من النصوص تناولها بأفكار مختلفة دون التماس بينهم أو التشابه رغم أن القضية واحدة.
وأضاف «سمير»: سرقة النص جريمة في نظري تقتضي التعامل معها كغيرها من السرقات، إذ لا يقف الأمر عند السرقة الأدبية فقط، بل من الممكن جني المال من النص، وهنا تكون السرقة قد ساهمت في السطو على حقوق المؤلف المالية أيضا، وهو ما يحتم التعامل مع هذه الظاهرة بقانون رادع لا ينتهي عند الاعتذار فقط.

محمود جمال حديني: السرقات لا ضرر ولا خوف منها.. من يسرق لا يعيش
قال المخرج والمؤلف محمود جمال حديني: إن سرقة النصوص المسرحية توجد طوال الوقت وبأكثر من شكل، فمنهم من يسرق النص ويضع اسمه عليه فيأخذ النص بأكمله فقط يغير الاسم، وأيضا هناك من يأخذ الفكرة ويؤلف عليها شيئا، أشبه بالدراماتورج، ولا يذكر اسم المؤلف، وهذا رأيته كثيرا، تحديدا كان هناك نص فى 1980 كان تأليفي فوجدت العديد من الفرق التي استخدمته تحديدا في المحافظات، حيث المخرجين الذين يدعون ملكيتهم للنصوص، وللأسف مثل تلك السرقات لا تكتشف إلا بالصدفة، فمثلا اليوتيوب عند سرقة فيديو أو أغنية، تتم معرفة السرقة لأنه مسجل الصوت للأغنية الأصلي، لكن في حالة النصوص المسرحية لا توجد وسيلة لاكتشاف السرقات، كأن تُعطى إشارة إلى أن هذه الجملة أو هذا المشهد تمت سرقته، وبالتالي مثل تلك السرقات تكتشف بالصدفة، مثلا قديما كان هناك من يسافر للخارج لإحضار النصوص المجهولة، ثم ينسبونها لأنفسهم بعد ترجمة النص، وكان ذلك يحدث في العشرينيات والثلاثينيات حتى تميزت تلك الفترة بالنصوص المعربة، فهناك من يكتب «تعريب»، أو «مأخوذة من كذا»، ولكن هناك آخرين ينسبونها لأنفسهم ويسجلونها بأسمائهم.
وأشار «الحديني» إلى أنه أحيانا تكون هناك فكرة عامة، والناس جميعا يتكلمون عنها، مثال قصة حقيقية أن أناسا وقعوا في خندق أو في منجم تحت الأرض ويريدون الوصول إليهم، أو الحديث عن قرية فقيرة معدمة وفي توقيت الاحتلال، أو الحديث مثلا عن محرقة اليهود، هناك تكون أفكار حقيقية، أو أفكار متداولة، وهي أفكار عامة، ولكن السؤال هنا: كيف سيتم تناول مثل تلك الافكار؟ فقد تجد أفلاما أو روايات أو مسرحيات عديدة، تتحدث عن الفكرة ذاتها، والموضوع بعينه، هنا كيف يتم التناول؟ فالعديد قد يتناولون الفكرة ذاتها؛ لكن تختلف في طريقة تقديمها، ولا يعد ذلك بالضرورة سرقة، فمهما اختلفت النصوص، ومهما اختلفت الأشكال، ومهما اختلفت الأفلام لا يمكن القول إنها سرقة من آخرين، إلا إذا تمت سرقة تناول الفكرة نفسها، ولكن هناك ما يُسمى الفكرة الجديدة، حيث تتحدث عن أشياء جديدة أو فرضية وأفكار لم يتناولها أحد من قبل «مبتكرة»، فالأساس هنا ليس الموضوع وإنما الفكرة أو «طرقعة الفكرة الجديدة» في هذه الحالة عندما تتكرر تدخل في نطاق السرقة.
واستطرد «الحديني» حديثه، قائلا: نحن نتحدث هنا عن كل كاتب ونيته؛ فكيف لي أن أعرف أن الكاتب استوحى مني هذه الفكرة، أو قد تكون فكرة عامة فقرر حينها هذا الكاتب أن يكتب عنها، ولا أعتقد أن هناك كتابا ساذجين ينقشون بالحروف أو بالكلمات أو حتى الجمل، فهؤلاء يتم اكتشافهم بكل سهولة، لوجود حقوق الملكية الفكرية فقد يتم سجنهم إذا فعلوا ذلك.
وتابع «الحديني»: السبب الأساسي وراء مثل تلك السرقات يرجع لانعدام الضمير، وعموما من يسرق لا يعيش، فإذا تمت سرقة نص ما، ماذا سيفعل في النص الذي يليه، وأيضا في النص الذي يليه؟ وهكذا.. هل سيظل يسرق؟ بالتأكيد سيتم اكتشافه، وبالتالي فالسارق لا يعيش، ولا وجود له، فالسارق يسعى وراء نجاح مؤقت في مكان مؤقت ومحدود، وهنا يأتي عليه الوقت الذي يتم اكتشافه فيه، خاصة إذا ظهر عمله للنور، وبالتالي ستسوء سمعته وترفع عليه القضايا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع سرقة أشياء أخرى.

الكاتب سعيد حجاج: الجهل بالمسرح مناخ خصب لتسهيل الاستيلاء على أعمال الكُتاب الحقيقيين
فيما حدثنا الكاتب المسرحي سعيد حجاج عن القضية قائلا: من المؤكد أن الفضاءات الإلكترونية المتعددة، كان لها الفضل الأعظم في تفشي ظاهرة السرقات الأدبية، لما لها من واسع الانتشار دون رقيب أو حسيب من شأنه أن يحد من هذه الظاهرة التي تغبن كثيرا من حقوق المبدعين، ولا بد من الاعتراف بأن اكتشاف هذه السرقات يأتي في كثير من الأحيان بمحض الصدفة، حين يكتشف أحدهم سرقة إبداعه وهو يشاهد إحدى المسرحيات ليجدها مسرحيته، وقد اكتشفت أنا كثيرا من هذه السرقات بحكم مشاركتي في تحكيم العديد من مسابقات النصوص المسرحية.
وتابع «حجاج»: وهذه السرقات -بلا شك- يجرمها القانون بالطبع حين يكون العمل مسجلا من قبل حقوق الملكية الفكرية أو حتى الرقابة على المصنفات الفنية، ولكن هذا لا يمنع حدوث هذه السرقات، فلا يحق للمخرج أن يعتدي على نص المؤلف دون مشورته، كما لا يجب أن يكون المؤلف ضيق الأفق ويلقي بتصورات المخرج خلف ظهره، لكن يجب عليه أن يعرف أن العرض المسرحي هو وليد تعاون مشترك بين مبدعين اثنين، يشارك فيه مبدعو العمل المسرحي ككل، لكن أن يتصور المؤلف أن نصه مقدس، فهذا خطأ كبير، يجعل المؤلف يدور في حلقة مفرغة، ويجعل نصه أيضا حبيس دفتي الكتاب، دون أمل في العرض على خشبة المسرح.
وأضاف «حجاج»: معرفة المسرحيين وقراءاتهم ربما تكون نافذة مهمة تعمل ضد سرقة النصوص؛ لأن الجهل بالمسرح مناخ خصب بلا شك لتسهيل الاستيلاء من المدعين على أعمال الكتاب الحقيقيين للمسرح.

الناقدة منار سعد: السرقات الأدبية تختلف عن التأثر والاقتباس
فيما علقت الناقدة الفنية منار سعد قائلة: تعد الأساطير القديمة، وخاصة اليونانية، مادة خصبة للكتاب على مر العصور، يستقي منها الكاتب ما يتناسب مع قناعاته ومعتقداته والمجتمع الموجه إليه الرسالة المنوط به توصيلها إليه، وربما تكون أسطورة واحدة يتناولها العديد من الكتاب ولكن لكل واحد منهم رؤيته الخاصة في طرحها التي ترجع إلى ثقافته أولا، ثم ثقافة مجتمعه المقيد بها، والآن الظرف السياسي والاجتماعي هو الذي له الدور الأساسي في فهم العمل الإبداعي. ولعل أكثر الأمثلة التي قدمت أكثر من طرح في تناولها، أسطورة «بجماليون»، حيث صاغها بيرنارد شو أول من تناولها في عملين، أحدهما درامي، ثم أعاد كتابته بشكل موسيقي بحيث يتناسب مع طبيعة المجتمع آنذاك والفترة الاشتراكية التي عاصرها هذا الكاتب، وهو ما قصدته.
أيضا تم تناولها في أعمالنا الأدبية المصرية، وهي ما نسميه علاقة التأثير والتأثر وهذا مشروع وجائز، فقدمت في فترة الستينيات من خلال إحدى المسرحيات التي حملت اسم «سيدتي الجميلة» المسرحية الشهيرة لفؤاد المهندس، وكذلك الفيلم الذي حمل نفس الاسم بطولة نيللي ومحمود ياسين.
وأوضحت «سعد»: ولم تقتصر النماذج على استلهام الأسطورة فحسب، بل يمتد كذلك إلى الاستلهام أو التمصير من الأعمال الأدبية العالمية والمسرحيات المترجمة، فنجد على سبيل المثال فيلم “الرغبة” الذي كتب السيناريو الخاص به د. رفيق الصبان، هو النسخة المصرية من المسرحية الأمريكية اسمها «الرغبة» للكاتب تنيسي وليامز، ولكن عندما صاغ كتابتها الكاتب وضع في الاعتبار البيئة والظرف الاجتماعي للبيئة الموجه إليها الفيلم، فمثلا مسرحية “بستان الكرز”، لتشيكوف، عندما تم تناولها محليا قدمت بعنوان “عائلة الدوغري”، وتم تمصيرها بما تحمله أفكار تلك الفترة، وهو الصراع القائم حول أحد أفران الخبز، بينما النص الأصلي كان الصراع حول بستان للكرز، وهنا ندرك الفارق بين الثقافتين.
تابعت «سعد»: إن سرقة النصوص عمل غير أدبي، وغير أخلاقي لأن السرقة تختلف جذريا عن التأثير والتأثر أو الترجمة أو الاقتباس؛ أن أسرق عملا فهذا يدل على انعدام الرؤية وانعدام الأخلاق، وافتقار صاحبها إلى أي نوع من أنواع الثقافة وبالتالي، فهو عمل إجرامي، ولا بد من قوانين رادعة للحد من تلك الأفعال، مثلها في ذلك مثل السرقات التي يعاقب عليها القانون، ويتم تشريع قوانين خاصة تحرمها.
وأضافت «سعد»: أضف إلى ذلك فكرة الفرق المستقلة التي أصبحت تقدم فنا أسميته فن «التيك آواي»، هذا النوع يمثله فئة عريضة من شباب المستقلين للأسف، وبصفتهم مستقلين يفعلون ما يحلو لهم. ولا أعمم بالطبع، فهناك منهم الموهوبون الجادون المثقفون، لكن أيضا منهم من يستسهل الطريق وللأسف يجد مأوى له في مسرح صغير يقوم بتأجيره ليعرض عليه ما يشاء وبدون حساب، فالقائمون على تلك المسارح لا بد لهم من اتخاذ الإجراءات التي تضمن عدم السرقة.
واختتمت الناقدة الفنية منار سعد قولها: في النهاية لا بد من تحري الدقة والضمير من أصحاب هذه المؤسسات الخاصة، حفاظا على حقوق الكتاب ومؤلفي الأغاني والمسرحيات وغيرهم من أقطاب العملية الفنية الإبداعية.

المخرج كمال عطية: السرقات الأدبية ليست بالجديدة والمصنفات الفنية هي القناة الرسمية لحفظ حقوق الملكية
وكان للمخرج كمال عطية رأي عن أزمة السرقات، حيث قال: توجد العديد من السرقات، ويوجد الكثير من الطرق التي يمكن من خلالها اكتشاف مثل هذه السرقات، وأولها بالطبع الصدفة، أما الطريقة الثانية فهي غباء السارق حين يسرق من النصوص ما هو معروف بالفعل مثلا، أو يأخذ نصوصا مقروءة ومعروفة للجميع، ثم يأخذ العمل وينسبه لنفسه، ثم يتم اكتشافه، وهذه السرقات تحدث من خلال أخذ الفكرة الرئيسية للعمل، فمعظم الأفكار الدرامية متشابهة، وقد يكون هناك توارد للأفكار، ولكن من المستحيل أن يكون هذا التوارد بالنص، فهو احتمال ضعيف جدا، أما إذا كانت الحبكة المبني عليها النص والدراما منقولة كما هي فهي سرقة رسمية.
وأوضح «عطية»: السرقات الأدبية ليست بالجديدة فهي توجد منذ قديم الأزل، فهناك كتاب كبار متهمون بسرقة أعمال من كتاب آخرين كبار أيضا، وهذا ما يحدثنا عنه التاريخ، فمثلا يوجد تشابه كبير بين مسرحية يهودي مالطا، لكريستوفر مارلو، ومسرحية تاجر البندقية لشكسبير، فهل هذا يعد سرقة أم توارد أفكار؟ أما السرقات الآن فهي مباحة ومتاحة في كل الأوقات، وقد يرجع السبب في ذلك لوسائل التواصل المختلفة، التي أعطت الفرصة للانتشار السريع للسرقات، فقديما كانت السرقات أقل بسبب اعتمادها على الحصول على الكتاب أو النسخة، ولكن في الوقت ذاته أيضا؛ فإن وسائل التواصل لها دور كبير في الكشف عن العديد من السرقات بسرعة كبيرة.
وأشار «عطية» إلى أن القناه الرسمية والأساسية للتسجيل هي المصنفات الفنية، ففيها حفظ لحقوق الملكية والأفكار من خلال التسجيل، فمعظم السرقات تحدث بسبب الضعف أو العجز؛ فالسارق غير مبدع وفارغ، إذا كان يمتلك شيئا لسُرِق هو؛ فالسارق يتجه لسرقة ما لا يملكه، وهنا يجب أن توجد جهات لحماية المؤلفين وحماية نصوصهم.
وأوضح: إذا نظرنا إلى عمل المعد أو الدراماتورج؛ فهو لا يسقط المؤلف الأصلي، فمن المفترض أن أي عمل يتم إعداده يكتب عن كذا، ثم بعد ذلك يكتب الإعداد، والمخرج من حقه أن يشتغل على النصوص، ولكن إذا كان المؤلف على قيد الحياة وجب عليه إخبار واستئذان المؤلف، وإذا لم يوافق المؤلف فلا يحق له أي تعديل، وأرى الكاتب هنا في مثل تلك الحالات مظلوما، فهو لا يعلم بالسرقات، وأرى أيضا -إحقاقا للحق- أن الجهات الرقابية أيضا مظلومة، لأن المسئولية كبيرة عليها.
واختتم «عطية» حديثه: توجد القوانين التي تحكم مثل تلك السرقات وتحاسب عليها، وقد تصل إلى التعويضات، وقد تصل لأكبر من ذلك وهو السجن؛ فالسرقة تعد جريمة؛ وبموجب ذلك يحق للمؤلف أن يتقدم بمحاسبة من سطا على أعماله بموجب قانون الملكية الفكرية. ونصيحتي لكل صاحب نص «مؤلف» أن يسجل نصه ويوثقه، فإذا حدث وأخذها آخر، تثبت حينها ملكيته لها.

بعد استطلاع آراء المختصين حول موضوع السرقات الأدبية في مجال النص المسرحي، رأينا أن المسالة موجودة منذ القدم، وبأشكال مختلفة، وهي اغتيال لحق المبدع والمفكر، واغتصاب لثمرة مجهوده التي ظل عاكفا عليها، وأخذت منه الكثير من الجهد والتعب، وحماية حق المؤلف أمر جلل، ومنوط بالجهات المعنية التحرك أكثر لحماية تلك الحقوق، وأن يكون هناك إرشاد للكتاب حتى لا تضيع حقوقهم الأدبية والمادية بمبررات كثيرة، وعلى الجهات المنوطة بحفظ حقوق الملكية ألا تدع مجالا ولا ثغرة لهؤلاء السارقين، حتى لا يتمادون بأفعالهم، وحتى لا تضيع الحقوق وتشيع الفوضى؛ فالحق أحق أن يتبع.


سامية سيد