«جينالوجيا المعنى في الخطاب الدرامي المعاصر» رسالة دكتوراة للباحثة سهى إياد العزاوي

«جينالوجيا المعنى في الخطاب الدرامي المعاصر»  رسالة دكتوراة للباحثة سهى إياد العزاوي

العدد 725 صدر بتاريخ 19يوليو2021

تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «جينالوجيا المعنى في الخطاب الدرامي المُعاصر» مقدمة من الباحثة سهى إياد إبراهيم العزاوي، وذلك بقسم الفنون التشكيلية كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، وتضم لجنة المناقشة الدكتور سعد عبد الكريم خيون، أستاذ مساعد إخراج بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (رئيسًا)، والدكتور جبار خماط حسن، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (عضوًا)، والدكتور محمد مهدي حسون، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (عضوًا)، والدكتورة إيفان علي هادي، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية التربية الأساسية جامعة الكوفة (عضوًا)، والدكتور عامر صباح نوري، أستاذ مساعد أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بابل (عضوًا)، والدكتور رياض موسى سكران، أستاذ أدب ونقد بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد (مشرفًا). والتي منحت الباحثة من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.
وجاءت رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحثة كالتالي:
تسعى هذه الدراسة لمعرفة مدى تأثر المعنى داخل الخطاب الدرامي المعاصر بالبعد الجينالوجي, فالجينالوجيا (Genealogie) كمصطلح معناها البحث عن الأصل في المفهوم، تعد الجينالوجيا في الكثير من المصادر وبأصل تكوينها جزءً من التاريخ عند المؤرخين عبر دراستها لسلسلة الأنساب والسلالات العرقية والإسلاف، ثم اتجهت نحو البحث الجيني وتطور نشوء الأنواع الحية من خلال دخولها على علم الوراثة، ومن ثم وعبر بحثها من أصل القيم الأخلاقية والمعارف أصبحت نوع من التفكير الفلسفي النقدي، فاضِحَة مصطلحاً يستخدم في النقد ودراسة النصوص وعلاقتها بالنصوص عبر دراسة الأثر الفكري الذي أحدثته.
ثم تغير هذا المصطلح مع إضافات الفيلسوف (نيتشة) لماهية ومعنى المصطلح, فأصبح يتجه إلى إرجاع المفاهيم إلى أصولها العميقة، أي إلى بدائيات الأشياء عبر سلخها من كل مفهوم.
فالجينالوجيا تعني تتبع حقيقة الشيء عبر البحث في الأسباب التي أدت لظهور معنى دون آخر عبر الكشف عن الكيفية التي تسلط بها الخطاب والعلاقة المضمرة لبث أفكار وتسيدها عبر إرادة القوى الفاعلة، إذ إن بعض المعاني تخضع لارتقاء العقل البشري ناتج عن استحداث وتمظهر مؤثرات تؤول لتفاضل وتجذر وتكوين معانٍ، فضلاً عن أن لغة الخطاب ما هي إلا وسيلة للتمويه وتزوير المعاني والمواراة عنها، فأشار (نيتشة) إلى أن من يوثر على تلك المؤثرات هي إرادة القوه, فسعى للبحث بأهم تلك القوى الفاعلة وخطابها الآيدلوجي عبر استناده على الأسطورة وبعدها.
ويسعى البحث الجينالوجي للكشف عن الأصل النفسي والفيزيولوجي لمفاهيم الثقافية والمعرفية, وهو أصل مخفي موارى لا يمكن الكشف عنه إلا بتحليل اللغة، إذ تطرح اللغة الأفكار والمفاهيم بأداتها الأكثر ثباتاً ألا وهي الألفاظ، فالألفاظ والعبارات من خلال ترابطها بعلاقات سياقية داخل الخطاب تأخذ أثواباً دلالية مختلفة نتيجة لطريقة النظم، كما أنَّ خرق قشرة اللغة والإتيان بمفردات ذات علاقات دخيلة عليها وخلق مساحات من الانزياح وصياغة الأشكال البلاغية والضروب الجمالية والطرق الأسلوبية جميعها تعمل على استثارة متلقي الخطاب، وبالتالي توليد أشكال دلالية متجددة منفتحة على مستويات جديدة من المعاني تحيل لتغاير بفهم الخطاب وبالتالي تنوع المعنى ناتج تلك الإشكالية.
وتتغير المعاني على وفق تغير العوامل الاجتماعية والثقافية والدينية التي تؤول إلى تغير النزعة التيارية للمجتمع، وما الخطاب إلا مرآة لهذا التغير, فهو وقبل كل شيء خطاب محاكي فهو خطاب تزامني، وهو فن تراكمي لمجمل التجربة الإنسانية، وهو الحامل الأكثر صرامةً ووعياً لهذه التغيرات، فقد عبّر الخطاب منذ بداية نشوئه عن عمق التغير في الوعي الذاتي والجمعي، فمبدع الخطاب يستمد مادته الإبداعية من متغيرات التجربة الإنسانية، وهو صاحب النظرة الواعية والرؤية العميقة بمجمل تلكم التجربة ونتاجها المعرفي, فعمد إلى الممازجة ما بين ذاته الواعية ووجدانه ومتغيرات المرحلة وما تحمله من بعد آيدلوجي، فيكون خطابه عبارة عن أفق جديد لإبداع فكريًّ وجمالي ثقافيّ وتاريخيّ، فيعد بهذا الخطاب من أهم الطروحات التي يتم عبرها تمرير المعاني.
بيدو أن البحث الجينالوجي للمعنى لم يقتصر على طروحات نيتشة عبر العودة إلى بدائيات الأشياء أي الاستناد إلى الماضي والبعد الأسطوري، ولم يقف عند التجربة التي حولت الحدث الموارى إلى حقيقة وكما البحث الآركيولوجي، إنما سعى نحو دراسة الأثر الفكري والفلسفي للبعد الجينالوجي.
فسعت هذه الأطروحة وبمحاولة للتجذير لطابع الحقيقي للمعنى «جينالوجيا»، إذ يشار إلى الجينالوجيا بأنها العنصر التفاضلي الذي تنبع منه قيمتها، ويتم ذلك عبر الاستدلال الفكري للمعاني فتبحث بتغاير المدلول لمعنى يستند على حوار يتمحور عبر منحى جمالي وآخر تركيبي ومن ثم درامي، كما وتأثر البعد الجينالوجي بمد جذور الألفة عبر التكيف بتحويل الأشياء القبيحة والخيالية والجنونية وبتحول عقلائي عبر قراءة استشرافية تسعى نحو الانتقال من الفهم الميتافيزيقي والتوجه نحو الفهم العقلائي.
فاتساق الخطاب والتجذير الصحيح للمعاني داخله هو من يؤول إلى إعطائه رؤية جديدة يتم وفقها النظر إلى الحياة وبشكل متجدد ووفق منظور عقلائي، فهناك معنى وهو ظاهر اللفظ، وخلفه يوجد معنى المعنى، والذي يتم عادة الاستدلال عليه وفق البعد الميتافيزيقي للمعنى، أما المعنى المؤول أو المعنى المضاعف المسكوت عنه المضمر فيتم الاستدلال عليه عبر البحث الجينالوجي للمعنى وبشكل عقلائي.
فجاءت الأطروحة وبفصلها الأوَّل بالإطار المنهجي الذي احتوى كلاً من مشكلة البحث, إذ تتجلى المشكلة في ربط الوشائج بين إشكالية فهم المعنى وبين البعد الجينالوجي له وكيفية المعالجة عبر تغاير الحقب، ومن ثم أهمية البحث والحاجة إليه, ومن ثم الأهداف التي يعمد الباحث الوصول إليها ومنها، إذ تتجلى أهمية البحث في تصدّيه لمسألة ثبات المعنى من عدمه داخل الخطاب والأسباب التي أدت إلى ذلك، فتكمن أهميته في محاولته للتجسير والاستبانة لاستيضاح المعنى داخل الخطاب الدرامي المكتوب كونه إشكالية، يسعى البحث للسيطرة عليها عبر الاشتغال على المعنى بأكثر من مساحة، وتخرج أهمية جينيالوجياً في الكشف عن تناقلات المعنى عبر الحقب، فما هو إلاّ محاولة لإسهام بتتبع تغير المعاني داخل الخطاب الدرامي المعاصر.
أما حدود البحث والتي تحددت بثلاثة مستويات وهي كالتالي:
الحد المكاني: يتحدد هذا الحد بالخطاب الدرامي المعاصر للمسرح العراقي, والحد الزماني, والذي تحدد بثلاثة عقود (30 سنة)، وهي الحقبة المحصورة ما بين (1980-2010)، وآخير الحد الموضوعي والذي تحدد بتتبع واستنطاق جينيالوجيا المعنى وتمظهراتها في داخل الخطاب الدرامي المعاصر لنصوص المسرح العراقي وفق نماذج منتخبة ضمن هذه الحقبة.
ومن ثم تحديداً لأهم المصطلحات الثلاثة وهي كلاً من: الجينالوجيا، المعنى، الخطاب، وتعريفها إجرائياً، فقد عرفت الباحثة كلا من الجينالوجيا على أنها علم يدرس العودة إلى أوليات (بدائيات) الحكاية والتفحص ودراسة تحول وصيرورة المعنى جينالوجيا من الواقع الميتافيزيقي إلى العقلائي، وهو علم بتطور مستمر وليس أصل وبداية، ومن ثم عرفت المعنى على أنه علم متغير بصيرورة دائمة لا يمكن الإمساك بحدود نهائية لآليات عمله فهو بتطور دائم وفق تطور الحاظن المعرفي والفكر الإنساني وهو محصلة تفاعل، إذ يبحث بدلالة الألفاظ وفحوى العبارة وإحالاتهما الناتجة عن تواجدهما بمساحة السياق العامة للخطاب ووفق المفهوم التداولي فيدرس المرجعية والتحول في ذات الوقت.
في حين يأتي الفصل الثّاني بالإطار النظري والدراسات السابقة، إذ احتوى الإطار النظري والذي كان مهتماً بدراسة جينالوجيا المعنى في الخطاب الدرامي المعاصر على ثلاثة مباحث، فجاء المبحث الأوَّل بعنوان الجينالوجيا المفهوم والمرجعيات, والذي تمظهر بثلاثة محاور وهي:
أوّلا: مفهوم الجينالوجيا، وثّانياً: الجينالوجيا حداثوياً، وثالثاً: الجينالوجيا وتحولات القراءة.
في حين جاء المبحث الثّاني بعنوان اللغة وتمظهراتها, والذي تكوّن من ثلاثة محاور، وهي كالتالي: أوّلا: اللغة والكلام والكتابة، وثانيا: اللفظ والمعنى وأسبقية العلاقة، وثالثاً: أنواع المعنى.
في حين جاء المبحث الثَّالث والأخير بعنوان: تشكيل المعنى جينالوجياً وأنواع الخطاب الدرامي، ومن ثم تطرقت الباحثة لدراستين سابقتين تتقارب وعنوان الأطروحة في مفهوم المعنى، ومن ثم الخروج بخلاصة لهذا الإطار تحت مسمى مؤشرات الإطار النظري.
إما الفصل الثَّالث, والذي جاء بعنوان إجراءات البحث وتحليل العينة, والذي شمل كلاً من: أولاً: إجراءات البحث والذي يتمحور حول مجتمع البحث وعينة البحث والطريقة التي تمَّ بها اختيار العينة ومنهج البحث وأدواته.
ثانياً: تحليل العينة، وقد اختارت الباحثة عَيّنة أطروحتها من الخطاب الدرامي المعاصر للمسرح العراقي وبشكل قصدي، أي: هو عبارة عن تحليل للخطاب وبشكل قصدي داخل الحقبة الزمنية المحصورة بين (1980-2010) أي: ثلاثة عقود عبر تتبع واستنطاق جينيالوجيا المعنى وتمظهراتها في داخل الخطاب الدرامي المعاصر للنماذج التالية:
-النموذج الأوّل (للعيِّنة)، مساء السلامة أيَّها الزنوج البيض, 1981, وهو خطاب للمؤلف محي الدين زنكنه, تولد كركوك 1940-2010.
- النموذج الثّاني (للعيِّنة)، العودة, 1986, وهو خطاب للمؤلف يوسف الصائغ, تولد الموصل 1933- 2006.
- النموذج الثَّالث (للعيِّنة)، جواد سليم يرتقي برج بابل, 1990, وهو خطاب للمؤلف عقيل مهدي يوسف, تولد الكوت 1951.
- النموذج الرّابع (للعيِّنة)، الجنة تفتح أبوابها متأخرة, 1998, وهو خطاب للمؤلف فلاح شاكر, تولد بغداد 1960.
-النموذج الخامس (للعيِّنة)، الفردوس (مذكرات رجل مهزوم يدعى انكيدو), 2001, وهو خطاب للمؤلف مثال غازي, تولد بغداد 1967.
ثم يأتي الفصل الرّابع والأخير والذي يحمل عنوان «النتائج والاستنتاجات» بأربعة عناوين رئيسية وهي تباعاً كل من النتائج ومناقشتها على وفق ما أفرزته نماذج العينة، ومن هذه النتائج التالي:
-سعى الخطاب نحو نمذجة القيم وإعادة تشكيل أولياتها, عبر سعي العلامة نحو الاستحداث وليس الاكتشاف، وذلك لكونها معانٍ مستنبطة من قراءة مرئية واللاشعور، فانطلق (سوران) بطروحاته الفلسفية نحو مديات أوسع، إذ جعل كيانه بتعارض مع ذاته إشارة إلى انفصاله عن الوجود، فيزيح أي اعتقاد بالهوية والثبات والرسوخ معلن مبدأ الاختلاف والتفاوت والتشتت، عامد لأحداث تناقلة ما بين الخطاب السائد والاتجاه نحو الخطاب الطليعي، فيكشف البحث الجينالوجي تلاعبات المعنى وتناقلاته، ويشير أن البقاء يكون لطاقة المنجز الخطابية وليس حقيقة مبدعه، وإن كل شيء يؤول إلى النسبية عبر طروحات خطاب دكتور عقيل بـ(جواد سليم يرتقي برج بابل) بأغنية سمراء.
- سعى الخطاب المثالي في (مذكرات رجل مهزوم يدعى أنكيدو) لتحليل الخطيئة الأولى وفق مفهوم جينالوجي، إنما هو سعي نحو طرح مفهوم تدريجي لانتقال البعد الجينالوجي للمعاني, من الفهم الميتافيزيقي نحو العقلائي.
-سعى الخطاب وعبر البحث الجينالوجي للمعنى لرمي الزمن في حاضن الفكر الجمعي من خلال طروحات (فلاح) بـ(الجنة تفتح أبوابها متأخرة) وعلى لسان (الأسير)، إذ يعري زمن الشخصية، ويحاول خلق تداخل لأزمان أخر وفق رؤية جديدة فتنطلق أنا (الأسير) نحو المجموعة لتعلن عن خطاب جمعي.
 ومن ثم يتم الانتقال إلي الاستنتاجات التي صاغت على وفقها الباحثة توصياتها, وأخيراً المقترحات والتوصيات والتي حاولت من خلالها الباحثة استكمال وإنهاء الأطروحة, ثم تأتي قائمة بالمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الباحثة بالتأسيس لإطارها النظري.
 


ياسمين عباس