«التغريبة» في ندوة بالقومي للمسرح

«التغريبة» في ندوة بالقومي للمسرح

العدد 723 صدر بتاريخ 5يوليو2021

أقام المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ندوة لمناقشة عرض « التغريبة « تحدث فيها الفنان محيي إسماعيل ، ومن النقاد يسري حسان واحمد خميس وأدارها الكاتب عماد مطاوع الذي استهل الندوة بالقول   إن  إقامة الندوات «والحلقات النقاشية « جول العروض المسرحية يعد من أهم الأنشطة التي يقيمها المركز ، وأشاد مطاوع بعرض «التغربية» واصفا إياه بالعرض المميز، وأن كاتبه بكرى عبد الحميد صاحب تجربة خاصة وكذلك مخرجة العرض منار زين، مشيرا إلى أهمية العرض الذي عده  واحدا من العروض التى إستهلمت «السيرة الهلالية « . وأشار مطاوع إلى أن تراثنا العربي يزخر بسير كثيرة ومهمة على المستوى التاريخي والإجتماعى تفسر حياة الشعب العربي عبر مراحله المختلفة، ومنها «سيرة ذات الهمه « ، « حمزة البهلوان « ،»سيف ابن يزل « التى قدمها من خلال الإذاعة.  واعتبر السيرة الهلالية من أكثر السير التى استفزت الجوانب الابداعية عند الكثير  من الفنانين وتم معالجتها بأكثر من معالجة وتقديمها فى أكثر من وسيط مرئي ومسموع ومكتوب.  
الفنان القدير محي إسماعيل أشاد بالعرض ووصف المخرجة منار زين بأنها  مخرجة غير مسبوقة مطالبا وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم بالاهتمام بها مبررا ذلك بأنه  من النادر أن نجد في الحقل الفني إمراة جريئة وقوية وحاسمة وغير تقليدية تقود فريق مكون من خمسة وثلاثين ممثلا وممثلة بحنكه وقوة ، وتحدث الفنان محي إسماعيل عن رحلته في مسارح برودواى ومجموعة العروض التى شاهدها، مؤكدا  أن المخرجة قدمت تجربة لا تقل تميزا عما تقدمه مسارح برودواى خاصة و أن تجربتها تنتمى إلى ما يعرف ب»مسرح الهامش» الذي قاد العديد من المسارح. وأكد محيي إسماعيل أن  عرض « التغريبة « يعد متميزا فى جميع مفرداته ، الإدارة والبروفات واستثمار خشبة المسرح بأكثر من رؤية وألعاب المسرح كلها من المايم والتعبير الحركي وكل ما أوتي في علم التجريب .
وتابع :  رأيت نصا به تجريب، والتجريب كما نعلم هو الذي يقود المسارح فى الخارج ويطلق عليه «مسرح الهامش « وقد أصبحت هذه المسارح غير تقليدية، ودائما تبدأ من الجامعة وتقود أشياء كثيرة وتغير العديد من المفاهيم، وللأسف الشديد نحن لا نحتك بالغرب وليست هناك بعثات للخارج ولا يوجد مسرح إنما هناك استثناءات. أضاف:  أما مسرح «الريبورتوار « الذي قدمه المسرح القومي فهو موجود فى التلفزيون، مشيرا إلى أن  دور النقاد والمهتمين هو البحث في مكتبة التلفزيون واستخراج العروض المتميزة لتتعرف عليها الأجيال الجديدة، وحتى يعاد صياغة الإنسان والمجتمع المصري والاهتمام بالثقافة والتنوير. 
إسماعيل قال أيضا إن :» كل من شارك فى العرض كان محترفا رغم  أنهم هواة، حيث كان هناك تركيز دقيق فى جميع مفردات العرض، موضحا أن التجريب فى العرض اتجه إلى نوع من أنواع الكلاسيكية في الانضباط. لذلك كان  العرض أقرب إلى مسرحيات المسرح القومي. تابع :  أسست أول ورشة مسرحية في المسرح العربي وهي التى تعرف «بمسرح المئة كرسي « وكنت أول من قدم مونودراما بعنوان « بيانو للبيع « مدتها 45 دقيقة حضرها كوكبة كبيرة من المثقفين والكتاب منهم ثروت عكاشة ويوسف السباعي وغيرهم.  
واختتم محيي إسماعيل حديثه معلنا عن  صدور كتاب قريبا يوثق لتجربة مسرح « المئة كرسي « وأشار إلى تكريمه من جامعة «كونكورديا» بكندا بصفته أول ممثل فى العالم يقدم جميع العقد النفسية  في 15 فيلما، ما  عده البعض  إضافة جديد تخدم أساتذة علم النفس والسيكودراما. 
بينما قال الشاعر والناقد يسرى حسان: « أزعم أنى متابع لأغلب العروض المسرحية والحقيقة أن  لدينا مسرحا متميزا، ربما هناك بعض المشاكل ولكن من حيث العناصر سواء فى الإخراج أو الكتابة أو تصميم السينوغرافيا فلا توجد أزمة على الإطلاق،  وفى الست سنوات الماضية رأينا مجموعة كبيرة من العروض المهمة منها على سبيل المثال وليس الحصر عروض لمخرجين شباب مثل « أفراح القبة « ، « الأشباح « كما تزخر المحافظات ومنها الإسكندرية وطنطا والمنصورة وبورسعيد وغيرها بعدد كبير من المخرجين المبدعين الذين يقدمون عروضا جديدة تعبر عن موقف الشباب من العالم، وهو موقف يعد مناقضا لمواقف الأجيال السابقة مع كامل احترامي لهذه الأجيال، وقد تعلمنا منها الكثير. أضاف حسان :  إذا أردنا حل مشكلة المسرح وتطويره فعلينا أن نتكئ على التراث المسرحى،  وعرض «التغريبة « هو نص من أعظم النصوص الشفهية التي مرت علينا، وأزعم أنى على علاقة جيدة بالسيرة الهلالية وكنت أستمع إليها من العديد من الرواة في الوجه البحرى والقبلي وأبرزهم الشاعر فتحي سليمان. 
تابع :» ميزة النص انه يتفرع للعديد  من الأشياء، وإن كاتبه بكرى عبد الحميد رجل صعيدى تربى على تقديس السيرة الهلالية و مع ذلك يعد من أوائل الكتاب الذين تمردوا عليها، فلم يتعامل معها كما تعامل الكثيرين من عشاق السيرة ، على الرغم من إنها من أعظم النصوص الشفهية، وقد كانت ميزة  بكرى عبد الحميد هو أنه أعاد طرح الكثير من الأسئلة على هذا الجزء من السيرة ولم يتعامل معها بشكل تقليدي. حسان أشار إلى أنه كان يتساءل  كثيرا: لماذا يتم إعادة السيرة في الفترة الحالية ؟ هل لمجرد الإعادة؟ أم أن هناك أسئلة يود الكاتب طرحها؟ وقد وجدت أن الكاتب  تعامل النص من النقطة الأخيرة  وقدم  مساءلة للسيرة وتجرأ عليها، كما أعاد تقديم شخصية سعدى كرمز «للخيانة « حيث خانت أسرتها وأبيها وساعدت الهلالية على احتلال تونس، على الرغم من إن الجميع يتعامل مع شخصية سعدى كما لو كانت «أيقونه» وهذا يبرر بشكل كبير إعادة تقديم السيرة الهلالية. 
وقال حسان أيضا « هناك تميز في عناصر الإخراج والتمثيل والديكور، وأحيى مصمم الديكور عمرو الاشرف على فكرة «القرص الدوار» وإن كان لي تحفظا على تنفيذه، بالإضافة  إلى تحفظي على المستوى الواحد لجلوس المتفرجين.
فيما وصف الناقد احمد خميس الحكيم العرض بأنه من أهم العروض التي قدمت فى المسرح المصري مؤخرا ، ووجه أحمد خميس التحية للكاتب بكرى عبد الحميد لمعايشته للنصوص التي يكتبها،  مشيرا إلى أن الورشة التي أقامتها المخرجة منار زين مع المؤلف بكرى عبد الحميد  قبل العرض كان لها فائدة كبيرة في تقديم السيرة الهلالية الآن وهنا. 
أضاف: « من أهم الأفكار التي اتكأ عليها الكاتب تأكيد خيانه سعدى من خلال استدعاء أبطال السيرة الهلالية من موتهم مرة أخرى ومحاكمة دياب ابن غانم لرغبته فى اغتصاب سعدى،  وأشاد أحمد خميس بأفكار منار زين في إدماج الملتقى في العرض، منذ الافتتاحية ، حيث البدء من خارج المسرح مع المطربة هبه سليمان ومجموعة المغنيين والعازفين الشعبين الذين يستقبلون الجمهور .
تابع خميس: « دائما اشعر بالاطمئنان عندما أذهب لمشاهدة  عرض للمخرجة منار زين، أعرف أني  سأرى شىء جديد ومختلف، وأشار إلى أن المخرجة  راهنت على  تقديم العرض من منطق سينمائي وهو ما  سبق أن قدمته فى عرض «بلان سي « .. أشار أيضا إلى أن المخرجة راهنت على الورشة التي أقامتها مع مجموعة العمل ، وهو ما ظهر في عمل  مهندس الديكور وكيف أتاح  للمتلقي أن  يرى العرض من أكثر من زاوية، والانتقال فى الزمان والمكان . 
وتابع « اختارت المخرجة جزءا من السيرة الهلالية حتى تعيد صياغته من المنطق الذي يجعل المتلقي يفكر فى طبيعة العرض والأداء بأكثر من طريقة ، فلم تكتف باللحظة الراهنة ولكنها غاصت فى الماضي وعادت بشخصيات يحاكمون الحاضر بطريقة ومنطق قريب من وعى المتلقي وفهمه وخياله، وهو السهل المعقد، فإذا تم التركيز على مجموعة العناصر والتكوين الداخلي، فمن المنطق أن نشاهد الأموات يحاكمون الموقف وكأنهم فى مشهد تقليدي بينما هو مشهد غريب عن الواقع، ومن الممكن أن يكون هذا المشهد خارجا من رأس الشخصية الدرامية، وفى ظني أن حكاية العرض كأنها خارجة من رأس شخصيتين، إذن أنت كمتفرج تذهب مع ما يدور فى رأس الشخصية الدرامية.
وأضاف:» هناك مجموعة من الأفكار المتطورة ومنها فكرة غوص المخرجة منار زين في منطق التجريب واقتحامها للتقليدي فى حكايات قديمة يعاد تدويرها بأكثر من طريقة سواء بالغناء الشعبي أو بأشكال أخرى، وقد تميز التعبير الحركي الذي صممه مناضل عنتر ببراعه شديدة ،من حكاية بسيطة عن بنات وسيدات الهلاليل، وهم فى مرحلة المخاض. فقد شاهدنا مجموعة من الأفكار الراقصة تناسب طبيعة الموضوع المقدم. واختتم خميس حديثه موجها التحية لمجموعة العمل والموسيقار هاني عبد الناصر لما قدمه من موسيقى مميزة، وكذلك الفنانة فاطمة عادل لوعيها في الغناء للسيرة الهلالية وبشخصية «سعدى» بنت تونس التي تحاسب نفسها لأنها كانت السبب الرئيسي في انهيار موقف والدها وبلدها، كما حيّا مجموعة الممثلين .
فيما أعربت المخرجة منار زين عن سعادتها بالمداخلات النقدية وأشارت إلى أنها عندما تقدم أى عرض مسرحي يكون للجمهور دور أساسي ورئيسي فيه .
وأوضحت :» بدأت تجربة عرض «التغربية « عندما قابلت الدكتور أسامة زغلول مدير الفرقة القومية للموسيقى والآلات الشعبية وأعرب عن رغبته في تقديم تجربة من التراث، وظللت لمدة طويلة أقرأ واعمل على إيجاد مادة مناسبة ووجدت أن انسب مادة من الممكن أن أقدمها هى «السيرة الهلالية «ولكن عندما قرأت وجدت أن أغلب ما كتب من مسرحيات عن السيرة الهلالية تنقل المادة المكتوبة فى السيرة إلى نص درامي دون تقديم فكرة خارج الإطار، علاوة على تقديم الأغاني على لسان الشخصيات وهو ما أشعرني بالعجز وإنى كمخرجة لا أستطيع تقديم رؤية جديدة حتى قرأت نص الكاتب بكرى عبد الحميد «الهلالى « فتواصلت معه وسافرت للأقصر وعقدنا جلسات عمل، كانت رغبتي هى أن أقدم نصا يحمل بعدا ميتافيزيقيا مثل نص الهلالى ويحوى حكاية درامية بعيدة عن السيرة الهلالية ويخرج منها عدة تساؤلات تلعب على خيال المتلقي ، وكما سبق وأشرت دائما أشرك المتلقي فى العروض، و فى عرض التغربية ينتقل المتفرج من زمان إلى زمان آخر. 
وتابعت « كانت لدى رؤية مختلفة في تقديم ديكور العرض بحيث تعكس الانتقال من زمان إلى زمان عن طريق «القرص الدوار» وقد رفض العديد من مهندسي الديكور هذا التصور ، ظنا منهم أن أفكاري غير قابلة للتنفيذ واتهموني بالمراهقة الفنية، ولكن كان لدى إصرار على تقديم فكرتي وبالفعل عندما عرضتها على مهندس الديكور عمرو الاشرف الذي تعاون معي فى عرض «بلان سى « وأوضحت له رغبتي فى تقديم «قرص دوار» أشبه بالسينما وافق على الفور وقمت بعمل ورشة مع الفنان هاني عبد الناصر الذى قام بتصميم موسيقى العرض والحقيقة أن فريق العمل عمل  بإخلاص كبير، وقد ظل الممثلين يعملون بروفات لمدة تصل لعام ونصف، واختتمت حديثها بإهداء نجاح العرض لكل فريق العمل وللدكتور عادل عبده رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية ولكل من دعم تجربتها.
اختتمت الندوة بكلمة رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية الفنان ياسر صادق الذي وجه الشكر للفنان محي إسماعيل معربا عن رغبته في الحصول على بعض مقتنياته لعرضها ضمن المقتنيات الموجودة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ، كما وجه الشكر للشاعر والناقد يسرى حسان والناقد احمد خميس الحكيم على تحليلهم الوافي لعرض، وأشاد صادق بعرض «التغربية « ومخرجته  والممثلة والمطربة فاطمة عادل التي قال إنها من أبناء الفرقة الموسيقية بالمركز وختم حديثه متمنيا أن يقوم العرض بعمل جولات في الأقاليم، حتى يراه جمهور أكبر ويستمتع به.                                                                                                  
 


رنا رأفت