فرقة الجيزة المسرحية.. تدعو للسلام وتدين إراقة الدماء بكل زمن في «أوبسيدو»

فرقة الجيزة المسرحية.. تدعو للسلام وتدين إراقة الدماء بكل زمن في «أوبسيدو»

العدد 721 صدر بتاريخ 21يونيو2021

قدمت فرقة قصر ثقافة الجيزة المسرحية العرض المسرحي «أوبسيدو» للمخرج السعيد منسي بمسرح مركز الجيزة الثقافي ضمن فعاليات الموسم المسرحي 2020ــ2021 للإدارة العامة للمسرح، وقد التقت مسرحنا بفريق العرض لتتعرف على ملامح وسمات تجربتهم الجديدة.

لماذا يقتل الإنسان؟
قال المخرج «السعيد منسي» دائمًا ما أبحث عن النص الذي يحمل الفكرة التي تجذبني، وأسعى لتقديمها وتجعلني أختار نصًا يحمل أفكارًا مغايرة مختلفة وهذه المرة الثالثة التي أقدم فيها عرضًا مسرحيًا عن إحدى الروايات من عالم الأدب الكبير، وأجد أن الكاتب والروائي «خوسيه ساراماغو» يتجه دومًا بمؤلفاته نحو محاكاة النفس البشرية ويهتم بكل ما تحمله في دواخلها، وكتابات «ساراماغو» مختلفة تمامًا عن غيره ممن يكتبون في هذا الصدد، وأوضح «منسي» أن العرض يهدُف إلى إدانة سلوك «القتل» والصور العديدة له على مر الأزمان وفي كل مكان بكوكب الأرض فجرائم القتل برحلة البشر تؤدي دائمًا إلى دمار الكون كله، كما يطرح العرض المسرحي «أوبسيدو» العديد من التساؤلات من بينها (ماذا قدم الإنسان منذ بداية الحياة بكوكب الأرض من محاولات للإعمار، ولماذا يسعى الإنسان لارتكاب جرائمه المتعددة التي تعمل على انتشار الفساد، وما الذي يجنيه من ذلك في المستقبل، ولماذا يحمل بداخله تهافتا كبيرًا لتحقيق أطماعه البشرية، وأكد «منسي» أن الرؤية الإخراجية تتمثل في توصيل رسالة العرض للجمهور وأن يُدرك المتلقي كل رسائل العرض الكامنة في الحوار ومختلف مفردات العرض، وما ترمز إليه ويهدف العرض أيضًا إلى إثارة التساؤلات بعقل المتلقي وتحقيق الدهشة له ومن ثم التساؤل والتأمل بالحياة من جديد وبكل خطوة يسلكها، وبهذا يقدم فن المسرح رسالته.
أثر الفراشة
وقال المؤلف «محمد هلال”: نقدم عرض ”أوبسيدو“ إعدادًا عن رواية ”حصار لشبونة” التي تقدم هذا الحدث التاريخي حيث حصار لشبونة الذي مثل جزءًا من معارك أزمة 1383-1385 وهي جزء من حروب مئة عام من ذاك الصراع الطويل بين فرنسا وإنجلترا ووفي الفترة الزمنية التي تخص ذاك الحدث، والعرض تجربة جديدة تُمثل محاولة لإعادة قراءة التاريخ لأحداث مهمة في حياة البشرية وخصوصًا العصر الحديث، والمسرحية في إطارها العام مستوحاة من”بطل رواية»حصار لشبونة»وهو المصحح اللغوي ومحاولته لتغيير ومنع أحداث وجرائم كبرى قام بها الإنسان أملًا من هذا المصحح اللغوي ألا تراق دماء الأبرياء وزهق أرواحهم في كل عصر قادم”، وأوضح «هلال»: كانت مرجعيتي وأنا أقوم بكتابة الإعداد للنص ”نظرية أثر الفراشة”، والتي تعني تتابع أحداث كبيرة وعظيمة بالعالم إثر حدث ما صغير فالنظرية قائمة على حركة جناح بسيط للفراشة ومن ثم تحدث أحداث كبيرة، وتناقش فكرة ما الذي أدي إلى القتل من بداية رحلة الإنسان على الأرض، وأضاف «هلال» أن «أوبسيدو» كلمة لاتينية تعني يقتل أو القتل، ورسالة العرض تتمثل في طرح التساؤلات العديدة وإعمال عقل المتلقي نحو سلوك القتل بكافة صوره وأشكاله على مر العصور. والأزمنة ومختلف بقاع كوكب الأرض ونقدم الأحداث والجرائم التاريخية في العرض بدراما غير مباشرة للملتقي.

العزلة والاضطراب النفسي
فيما قال «محمد شحاته»: أقدم شخصية «ريموند» التي تعيش بالعرض في سنة 2003 بأمريكا وهو كاتب ومصحح لُغوي في دار نشر كبيرة مهمتها مراجعة الكتب التاريخية والأعمال الوثائقية قبل نشرها وتوزيعها للجمهور، وبأحداث العرض يعيش»ريموند» بحدث جلل صادم في حياته وهو وفاة شقيقته نتاج انفجار برجي التجارة العالمي في الولايات المتحدة بعام 2001 وهو الحدث المعروف بـ«11 سبتمبر» وقد كانت هذه الأخت تعمل بموقع الحادث، وكان «ريموند» من قبل يُعاني من أمراض نفسية لمعايشته للعديد من المشكلات الناتجة عن الاضطرابات المتعددة في العلاقات بأسرته في طفولته؛ ومن ثم استقل في صباه عن أهله وعاش بعد ذلك بمفرده منعزلًا عن أسرته وأدى ذلك لإصابته بعدم الاتزان مما دفعه يتردد دومًا على طبيب نفسي ليعالجه من الاكتئاب الشديد الذي أصابه ودفع به هذا إلى أن يستكمل العيش في عزلة ،وبعد حدث وفاة شقيقة»ريموند»يتفاقم مرضه، نتاج إهماله لنفسه وتراجعه عن تناول دوائه ويصاب بالهذيان والهلاوس السمعية والبصرية ولا يتقبل عقله حدث وفاة أخته ومن ثم بدأ يشكك دائمًا في غيابها ووجودها فيقع ريموند فى حصار السؤال الرئيس (ماذا لو لم يحدث هذا الحادث، ولم يمت أحد به ،ومن ثم لم يفقد أخته)وتحاصر»ريموند» الأسئلة،ولاهثًا يبحث عن كل سبب أدى لذلك الحادث فيستكمل «ريموند» حياته وهو يُفكر في اتجاه نظرية «أثر الفراشة»وأن كل حادثة في العالم كان سببها»شرارة صغيرة»بدايتها أشبه برفرفة جناحي الفراشة ومن ثم ينتج هذا الحدث الصغير أعاصير وأحداث كبيرة.

ريموند مصحح التاريخ
وأوضح»شحاتة أن»ريموند» كان يعمل مصححًا للغة في دار نشر للكتب التاريخية لكنه يدخل في دوامة فانتازية مع الفراشة التي كانت آخر هدية من قبل أخته له فيفكر في تصحيح الأحداث والجرائم التاريخية وتنميقها بالكتب أملا منه ألا تحدث الحادثة التي أودت بأخته فيأمل ألا تكتمل كل أحداث تؤدي بقتل أي إنسان مرورًا بالقضية الفلسطينية وجرائم الاحتلال الصهيوني ومن قبل ذلك تسليم غرناطة للأسبان وحادثة إبادة الهنود الحمر وتأسيس الأمريكيتين ،وانفجار قنابل هيروشيما ونجا زاكي وهجرة الشعب السوري من بلاده ،وفي ذلك يحاول»ريموند»الوقوف على كل البدايات ومن ثم التغيير في الأحداث ولكنه يفشل في ذلك فتشير عليه أخته أن التغيير يكون من البداية فيجد أن بداية معرفة الإنسان بالقتل هي الحادثة الأشهر والأولى في تاريخ البشرية حيث قتل قابيل لأخيه هابيل ونعود لنتساءل ماذا لو لم يقتل قابيل هابيل في بداية رحلة الإنسان على الأرض؟ هل كان قد عرف الإنسان القتل يومًا ما قبل ذلك؟ هل الإنسان هو أصل كل شر على الأرض؟ ويكتفي ريموند في عالمه بخلق دراما موازية ومغايرة في التفاصيل وأسماء المدن ويقدم الأحداث مغايرة بصورة غير مباشرة  غير أنه يرتكز على إدانة جميع جرائم القتل الكبيرة بمراحل التاريخ المختلفة.

المحتل المغتصب
وقال محمد السيلسلي : نقدم بالعرض المسرحي”أوبسيدو”أكثر من حكاية وفي كل الحكايات شرير واحد فقط وهو الرسول وعمله دائمًا يختص بالتفاوض وفي مفاوضاته هناك حل واحد يتمثل في الموافقة وتحرير العقد والامتثال لشروط العقد وغير ذلك فلا نجد حلًا غير الموت، واستكمل السيلسلي: تمثلت صعوبة الشخصية الدرامية”الرسول”بالعرض في القدرة على المعايشة لعصور مختلفة حيث التنقل بين الأزمنة فنجده محاصرًا لتيرونا، ومن ثم أجاسا ثم نجده يصل للهند، فهذه الشخصية تُمثل كل مغتصب للأرض على مر الأزمنة المختلفة والتاريخ وهكذا يسلك مسلك المحتل المغتصب ويسير في الحياة كأنه صاحب الأرض فشعاره (ارحل واترك أرضك أو ادفع الثمن وفي هذا الخيار الآخر يكون الثمن المدفوع لهذا المحتل غاليًا جدا ويتمثل دور ذاك المغتصب في إزهاق حياة كل من يرفض أن يُوقع على المعاهدة بالتعايش أو الاستسلام، وأوضح السيلسي أن تقديم هذه الشخصية كان أمرًا غير هينًا وصعبًا وكان عليه دراسة مختلف الحقب الزمنية التي يتنقل بينها وهو يقوم بتقديم شخصيته التي تقدمها الرواية، غير أنه كان سعيدًا بذاك البحث عن سمات وملامح الشخصية ومذاكرتها جيدًا وممتنًا بالمناقشات العديدة حول الشخصية مع مخرج العرض وكذلك لتوجيهاته ومن ثم تقديم الشخصية مناسبة لفلسفة العرض ورؤيته.

سارة..حصار الحرب والهلع
فيما تقول ماريانا سامي : أقدم شخصية سارة غسان من مدينة تريونا بصقلية في إيطاليا بأحداث العرض وهي زوجة وأم تتسم بسمات الأم الحنون التي تخاف دومًا على ابنها وزوجها من أي سوء حيث يعيشون أثناء الحرب والحصار لبلادهم بأحداث عرض» أوبسيدو ولا تملك سارة غير ذاك الشعور المستمر بالخوف الذي يصل إلى الهلع على أسرتها ولكنها تتسم بالحكمة والقوة ،وليست تابعة لمن حولها ولها رأي فيما تعيشه غير أن الخوف الكبير يحاصرها، بينما لا تتمنى غير الأمان لأسرتها، وأضافت »ماريان» أن شخصيتها الدرامية سارة» في «أوبسيدو» مختلفة تمامًا عن كل الشخصيات التي قدمتها من قبل بالمسرح وهي بالواقع لم تتعرض لضغوط نفسية تتشابه مع ما تقدمه بالعرض حيث شعورها المستمر بالقلق و الخوف والحياة التي تحاصرها في دائرة كبيرة من الهلع والخطر ،و أن قصتها هي وأسرتها ضمن حكايات عديدة بالعرض المسرحي تستعرض مظاهر العنف وقصص الحروب التي تملأ الكون بالقسوة والعنف ولا تجني الشعوب من أية حرب إلا إراقة دماء الأبرياء وإزهاق أرواح الكثير، ويقدم العرض حكايات منفصلة مرتبطة ببعضها البعض تؤكد وحشية الحروب على الشعوب ويدين العرض كل حرب وسلوك القتل بكل زمن ومكان وذلك ما نتمنى جميعا بالعرض أن يصل للجمهور، وهو يقدم قصصًا من قلب التاريخ ويعيد قراءته على مدار العصور رافضًا كل الحروب وإيذاء النفس البشرية.

سارة ومرارة الفقد
وأوضحت “إيمان سمير”أنها تقدم بعرض “أوبسيدو “شخصية سارة اليابانية بائعة الأقمشة والملابس، التي تترك ابنتها “سيتشي” مع الجد ليرعاها،وتسافر بعيدًا عن بلادها أثناء الحرب لتحقق حلمها بالحصول على المزيد من المال حيث تتمنى شراء ماكينة خياطة حديثة لتعمل عليها في تفصيل الكثير من الأقمشة التي تبتاعها غير أنها تعود بالمال لليابان لتجد بيتها قد أصبح ركامًا وحطامًا وفقدت ابنتها ووالدها نتاج حادث القصف الذري الشهير على مدينتي «هيروشيما وناجازاكي» نتاج الهجوم نووي الذي شنته الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية  فتستكمل حياتها في ألم كبير وحصار مرارة الفقد .
العرض المسرحي ”أوبسيدو” من تمثيل محمد شحاتة، ماريان سامي محمد وائل، محمد السليسلي، باسم مجدي، مونيكا هاني، رنا فتحي، إيمان سمير، عبد الرحمن محمود، محمد وائل ، أسماء البلتاجي ،هند الفوي،نانسي عادل، هاني ماهر، ندى زكريا، عبد الفتاح محمد الدبركي، محمود الغندور، محمود الرفاعي ،هند الضوى، مرام رجب، حسين الأسواني، إسلام سعيد، مؤمن الشافعي ، مع مشاركة الطفل آدم حسن،والعرض من  تصميم جرافيك  ومؤثرات بصرية ودعايا محمد البدري، ماكياج زينة علي مصطفى أكسسوار ناريمان الملا، آية سامح، تصميم إضاءة عز حلمي، تنفيذ إضاءة عز الدين حافظ، تصميم ديكور وملابس أحمد جمال، تنفيذ ديكور المهندس بيتر فتحي، والمهندس مصطفى إبراهيم، شارك في التنفيذ نوران علوان ،ياسمين هاني، نورهان حسام ،ندى وائل، ناريمان محمد، آية سامح ،تنفيذ ملابس إيمان إسلام، وإدارة مسرحية  صافيناز محمد ،مدير خشبة المسرح مؤمن الشافعي، هيئة الإخراج محمود الرفاعي، كريم الريفي،كاميليو، مخرج منفذ فاطمة عصمت.
العرض المسرحي «أوبسيدو» عن رواية»قصة حصار لشبونة» لخوسيه سارماغو» تأليف محمد هلال، ومحمد السباعي، تأليف موسيقي دكتور/صادق ربيع ،والعرض للمخرج السعيد منسي.
“أوبسيدو“ قدمته فرقة قصر ثقافة الجيزة المسرحية بمسرح المركز الجيزة الثقافي بفرع ثقافة الجيزة بإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد من إنتاج الإدارة العامة للمسرح التابعة للإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
 


همت مصطفى