العربية للمسرح تناقش «قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستو بوال في المسرح والعلاج» إليكترونيا

العربية للمسرح تناقش «قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستو بوال في المسرح والعلاج» إليكترونيا

العدد 701 صدر بتاريخ 1فبراير2021

برنامج «عين على المسرح» الذي تقدمه الهيئة العربية للمسرح، اليكترونيا ، ناقش في حلقته الثالثة ضمن فعالية «اقرأ كتب الهيئة» كتاب «قوس قزح الرغبة.. منهج أوجيستو بوال في المسرح والعلاج» تأليف اوجيستو بوال ، تقديم وترجمة الباحثة والمخرجة المصرية نورا أمين.
شارك في المناقشة الباحثة والمخرجة الفلسطينية إيمان عون، و مترجمة الكتاب نورا أمين، و أدار النقاش عبد الجبار خمران مسؤول الإعلام في الهيئة العربية للمسرح.
المصرية نورا أمين، قدمت الشكر للهيئة العربية للمسرح على نشر الكتاب
كما أشادت بمقدمة عبد الجبار خمران لكتاب، وقالت إنها رائعة جدا حيث أشارت إلى أفكار مهمة. وأوضحت أن كتاب أوجيستو بوال تم إصداره المرة الأولى في العام 1997م ويعد المرحلة النظرية من منهجه ، تعبيرا عن اهتمامه الممتد بالبعد النفسي في الممارسة المسرحية (أو التمثيلية) وبمناسبة مشاركته في المؤتمر الدولي السنوي لجمعية العلاج النفسي الجماعي سنة 1989م في هولندا احتفاء بمئوية «مورينو» رائد العلاج النفسي الجماعي، هذه النقطة المهمة جدا، نظرا لعلاقتها بولادة الفكرة الأساسية وتطويرها والتي تتقاطع مع نظريات الدراسات العلاجية ودراسات (المداواة النفسية)، والمسرح بشكل عام .
أضافت أمين: بعد عام 1989م طور أوجيستو بوال بحثه الذي قدمه في ذلك المؤتمر، وبدأ يأخذ أشكالا تطبيقية من خلال التدريبات والبحث عن طرق عملية في التعامل مع اطروحته النظرية. وهو يتحدث في كتابه عن الممارسة التمثيلية كفعل استعادي، وليس كتشخيص لأدوار متخيلة أو مكتوبة في نصوص مسرحية. قالت انه يتحدث عن الإنسان العادي سواء كان ممثلا او غير ممثل ، المهم انه يستعيد موقفا من حياته أو يستعيد بالأحرى حالة قهر (أو مشكلة ما تواجهه)، مؤكدا أن هذا الفعل الاستعادي (إعادة تمثيل موقف) يعد (مسرحية) من حيث هي ممارسة نفسية مهمة جدا، يمكن من خلالها تأمل الأحداث التي وقعت في الماضي أو في الحاضر، ثم تنتقل الاستعادة إلى مستوى تعبيري وهو عنصر أساسي يشتمل على عملية «المسرحانية»، بعدها يأتي عنصر التأمل أو التحليل والتعليق، وهنا نصل إلى مرحلة التغيير (تغيير الموقف) سواء من الشخص نفسه الذي يستعيد الحدث ويحاول أن ينظر إليه من وجهة أخرى مختلفة او من خلال المجموعة الموجودة من المشاركين أو «المتفرجين» الذين يحاولون تجسيد موقفه.. ومن هنا نصل إلى مستوى أعلى من انفتاح التجربة النفسية الداخلية. تابعت : وخلال التجسيد يمكن اقتراح سيناريوهات عديدة وطرق مختلفة للفهم. وهي تركيبة مسرحية وفي نفس الوقت تركيبة مرتبطة بالعلاج النفسي، ومن هنا نعود إلى جمعية العلاج النفسي (الجماعي) في مقابل العلاج النفسي الذي يحصل بين معالج نفسي (الفرد) ومريضه (المنفرد). بذلك تكون تجربة أوجيستو بوال نقلة في العلاج النفسي من خلال (ما هو جماعي).
تنتقل نورا أمين إلى محور آخر وهو علاقة الفرد وموقفه المشخص ومجموعة «المتفرجين» حيث أوضحت أن هذا الطرح طرحٌ فرجوي، وهو الأمر الذي يطرح على المسرحيين التفكير في الحاجز الموجود بين المتفرجين وخشبة المسرح أو المكان الذي يعرض عليه المشهد المسرحي، ذلك الفصل بين منصة لإنتاج المشهد او إنتاج المعرفة وإرسالها ومكان التلقي، و قد كسر هذا الحاجز نقطة جوهرية في تجربة بوال المسرحية لأن هذا الكسر هو الذي يخلق القدرة على المداواة، لأنه يطرح المشكلة ويمكن للآخرين من أن يجروا إسقاطا على الموقف الذي يشاهدونه ويتوحدوا معه ليصيروا هم أيضا مشاركين أو يمروا بحالة التطهر من خلال المشاركة حيث المشاهدة هنا فعل إيجابي.
وتطرقت الباحثة المصرية، للتطهر في مسرح المقهورين الذي يقسمه أوجيستو بوال إلى أربعة أقسام: التطهر الأرسطي والتطهر الفيزيقي البيولوجي والتطهر وفقا لمنظور مورينو، مشيرة إلى أن التطهر عند أوجيستو بوال» لا يعني أننا نصير متوافقين مع القيم الاجتماعية حتى يمكن دمجنا أو تدجيننا بل هو مرتبط بما يسميه بوال «التناضح» الذي يحصل أثناء محاولتنا النظر إلى القهر، وكيف نستطيع من خلال المشاركة التفاعلية «المتضاعفة» ان نفتح مجالا جديدا لإعادة تحليل أنفسنا.
وبخصوص «فن التمثيل» ذهبت نورا أمين إلى أنه بالرغم من الحديث عن مسرح بوال على أنه خارج المؤسسة المسرحية وجماليات عروض شكسبير والمسرح النخبوي والمسرح البورجوازي، إلا أننا مع بوال في منطقة تساعدنا على تطوير مناهج التمثيل وذلك بما يوفره التحليل النفسي وعلاقة الممثل بالشخصية التي يمثلها وعلاقة الممثل بشخصيته وبنفسيته. مؤكدة أن بوال يجعلنا مرة أخرى نسائل الحالة التمثيلية النمطية والتلفزيونية الراسخة في ثقافتنا ومراجعة طرق معينة في التمثيل الآلي، ويطرح سؤالا حول مفهوم الشخصية. باعتبار الشخصية غير موجودة إنما الموجود هو الممثل وكل ما ينتجه هذا الممثل مبني على مرجعياته النفسية والشخصية ، ومن هنا تكون فكرة التحليل والفصل بين الأمرين مهمة جدا.
وتشير نورا إلى أن «قوس قزح الرغبة» هو جزء من منظومة متكاملة من خمس تقنيات (مسرح الجريدة، المسرح الخفي، مسرح الصورة، مسرح المنتدى والمسرح التشريعي) وأن كل هذه التقنيات المسرحية مرتبطة ببعضها البعض وتبلورت خلال مراحل متعددة، وكل تقنية هي استيعاب وتطوير لسابقاتها، حيث المسرح التشريعي هو مسرح المنتدى مع خطوة زائدة ومسرح المنتدى يضم بشكل شامل مسرح الصورة مع إضافات أخرى لها علاقة مثلا بتدخلات الجمهور وتطويرها ومناقشتها.
المخرجة الفلسطينية إيمان عون، شكرت الهيئة العربية للمسرح على الدعوة و الثقة، كما شكرت الفنانة نورا أمين، على ترجمة الكتاب الذي اعتبرته إضافة نوعية للمسرح العالمي، ولمسرحنا العربي، بنسخته العربية. باعتبار أن المترجمة تعي المنهجية ومارستها تدرباً وتدريبا، وأنها استطاعت أن تنقل وبأمانة كبيرة روح الفكر والفلسفة التي ينتهجها بوال في كتابه.
أضافت : في كتاب «قوس قزح الرغبة»، يقودنا أوغستو بوال نحو فهم أعمق لطبيعتنا الإنسانية. يعري مخاوفنا واضطهادنا أمام أنفسنا أولا، ويحثنا على أن نتساءل ونفهم دوافعنا ورغباتنا، ونستنبط طرق انكشافها أمامنا ولمن حولنا، من خلال تجسيدها بالصورة والكلمة ، عندما تتحول الكلمة إلى كائن.
وأشارت إلى أن الكتاب مفعم بالتمارين الواضحة وأحيانا المبطنة - إلا لمن مارس هذه التقنية - للإمكانيات التي من شأنها أن تساعدنا على فهم ذواتنا، بطريقة أعمق من المألوف. أوضحت : ليس من الضروري أن نكون مرضى نفسيين حتى نستفيد من هذا الكتاب.. لكنا جميعنا «مرضى» مرضى بداء الاستهلاك – استهلاك الأفكار، والمعلومات، والمعتقدات، والموروثات الاجتماعي والتابوهات، التي ينتج عنها بالضرورة أزمات مبطنة، نحملها في أعماقنا، تخرج للعالم على شكل أفعال وممارسات متقطعة أو متوالية، ممنهجة أو لا إرادية.
وأردفت: لقد حاول بوال أن يرفع المرآة عاليا أمامنا في هذا الكتاب ويقول لنا، أن لا أحد سالما من ارتدادات المواقف التي يمر بها، والتي لا ترى مخرجا لها، فتختبئ في طيات الذهن والوجدان، وتظهر بالتسلل فيما بعد في أفعالنا ومواقفنا.
وتستشهد إيمان عون بمقولة بوال: «نحن الذين ننظر إلى كل شيء، ويبدو طبيعيا، لأننا اعتدنا أن ننظر دون أن نرى، اعتدنا على النظر الى جميع الأشياء دوما بالطريقة نفسها.» موضحة أنه من هنا وجب خلخلة النظام، وتغيير الطقس الذي تعودنا على ممارسته، ونزع الأقنعة حتى نرى ما وراءها. والهدف لدى بوال، ليس الفعل لغاية الفعل، وإنما الفعل بهدف التغيير، حتى نعبر إلى الضفة الأخرى بأمان.
وتشير عون إلى انه في منهجية مسرح المضطهدين/المقهورين، يحفر بوال بشكل أركيولوجي، في الطبيعة الإنسانية للفرد، والطبيعة التركيبية للمجتمع، ويضعهما في سجال ، مفعم بالذاتية، ومشبع بالمكاشفة. وهذا يحدث على لسان وبصوت المقهورين/المضطهدين، الذين لا تسمع أصواتهم بالعادة، فهم أبطال مسرحه، المطالبون بالوقوف على تفاصيل حياتهم، والنظر إليها كملحمة تحتاج الى التدخل والتعديل من أجل الوصول الى التفريغ/ الكثارسس وصولا إلى التغيير. لكنه يلغي الكلام في كثير من الأحيان لصالح الصور، في محاولة لاستنباط البلاغة في التعبير والكثافة في المعنى، حيث في كل صورة وكل حركة كتابة معمقة.
وتتساءل إيمان عون: ما حاجتنا لهذه التقنية، الآن وفي كل مكان؟ من منا لا يعيش القهر/الاضطهاد؟ صغر أم عظم؟ خارجيا أم داخليا، ممنهجاً أم مستترا؟ وتجيب: نحن جميعنا مدعوون لهذه الوليمة الفكرية الممارساتية، حتى نقف أمام صور قهرنا واضطهادنا في مرآة ذواتنا، ولكي نرفع المرآة التي نرى بها مجتمعنا بعيون متعددة، تهدف الى تفكيك وإعادة صياغة هذا القهر بأشكال مضخمة حينا، ومتمددة أخرى، لنصل الى تعريته ونزع الخوف المحيط بنا، حتى يصغر ويتلاشى، أو يتضخم وينفجر. نقوم بهذا كله بطريقة فنية جمالية، لأن مدخلنا عالم المسرح الذي نقله بوال من كونه عالم مترفع، الى كونه مسار حياتي مشترك لكل من يرغب بالتغيير.
وتشير الباحثة الفلسطينية، إلى أن لبوال في كتابه منهجية فنية، اجتماعية، ونفسية، يستخدم فيها جسد الشخوص والشخصيات، بصفتها مخزن المعلومات لكل ما مر ويمر عليها. كما يستخدم اللعب، بوصفه طاقة عليا لنشاط الذهن المرتبط بهذا الجسد، والمتفلت من القيود النمطية والسلطوية، حتى يساعدنا في كسر القوالب الزجاجية التي نحيط أنفسنا بها خوفا من انكسارنا. فلماذا اللعب؟ لأننا عندما نلعب نتعلم، نراقب، نتجرأ، نشارك، نستخلص العبر، فنفهم.
وأوضحت أن نورا أمين تشبّه بوال بالحاوي الذي يأخذ بيد جمهوره ليفكك السحر، حيث يدعونا للنظر لكل جزئية في حياتنا حتى نفهم التعويذة التي تسجننا في قوالبنا. ففي تقنية قوس قزح الرغبة – تقول إيمان عون – يحاول بوال أن يجعلنا متفرجين على ذواتنا ورغباتنا بقدر ما نحن منتجين لها. هذا التمرين على وجه الخصوص، والذي استقى الكتاب منه اسمه، يؤسس لفهم الذات والنقد الذاتي البناء. وصولا الى التفهم والتعاطف بين البطل والبطل النقيض وصولا الى الجمهور الشريك في تحليل وتصوير إرادات ورغبات البطل.
وترى إيمان عون أنه ما بين «الرغبة والإرادة» بحر عاصف، مدّ وجزر. وفي الكتاب يأخذنا بوال عبر قارب تلاطمه أمواج الرغبات مقابل تعدد إرادات الشخصية الواحدة في بحث ذاتي لكل بطل، يؤسس لنقله من حالة الممارسة ما قبل الإدراكية إلى حالة الإدراك الواعي والتحول البناء. مشيرة إلى أن منهجية مسرح المقهورين/المضطهدين تبحث في معنى الحوار. وتروي الباحثة قصة يرويها بوال عن صديق بريطاني كان «جوكر» يعطي محاضرة عن المسرح أمام بعض المرضى النفسيين. يشرح لهم ظهور البطل الواحد على يد تسبيس، وكيف اخترع المونولوج، ثم كيف اخترع اسخيلوس البطل الثاني، وسألهم: الممثل الأوحد كان يقول المونولوج، وعندما أصبح هناك ممثلان ظهر ال ؟؟؟ فلم يجبه أحد. فأعاد الكرة، وهذه المرة استخدم الإشارة، أصبح واحد للمثل الواحد ومقابله الممثل الآخر، فجاوبه أحد المرضى: «مونولوجين».
وذهبت إيمان عون إلى أن هذا ما دعا بوال إلى التفكير بتعمق حول ما إذا كان المريض بالفعل على حق، وأننا في الغالب لا نتحاور وإنما نتحدث بمونولوجات متوازية، هذا ما يحدث بالغالب في السياسة، والاقتصاد، والدين، الأمر الذي أوصله إلى خلاصة وهي أننا في كثير من ممارساتنا لا نستخدم الحوار الحقيقي.
وتساءلت الباحثة الفلسطينية بناء على تصور بوال: هل نتحاور من خلال مونولوجات مسبقة لدينا أم أننا نستمع ونصوغ مفاهيم جديدة كلما سمعنا فكرة جديدة؟». أجابت : اننا ننطلق عادة من أفكارنا ومعتقداتنا المسبقة ، دون معرفة أثر ما نقوله أو نفعله على الآخرين. وهو يقول في الكتاب: «نحن نعي رغباتنا، لكننا لا نعي كيفية استقبالها عند الآخرين. ونعرف إرادتنا، لكننا لا نعرف أثرها في المقابل»، وهنا نحن مدعوون وفق منهجية هذا الكتاب لأن نراقب أنفسنا، وأن نعي أفعالنا، وندرك وعي الآخرين بهذه الأفعال.


ياسمين عباس