«المسرح التونسي.. مسارات حداثة» في الحلقة الثانية من «عين على المسرح»

«المسرح التونسي.. مسارات حداثة» في الحلقة الثانية من «عين على المسرح»

العدد 695 صدر بتاريخ 21ديسمبر2020

نظمت الهيئة العربية للمسرح الحلقة الإلكترونية الثانية من سلسلة «اقرأ كتب الهيئة» وذلك عبر برنامجها عين على المسرح، ودارت الحلقة حول كتاب «المسرح التونسي.. مسارات حداثة» تأليف د.عبد الحليم المسعودي، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح.
شارك في مناقشة الكتاب اللبناني د.هشام زين الدين، و الجزائري د. لاخضر منصوري، بحضور مؤلف الكتاب التونسي د.عبد الحليم المسعودي، وأدار اللقاء عبد الجبار خمران مسئول الإعلام في الهيئة العربية للمسرح.
أشار خمران في البداية إلى خطوط موجزة في الكتاب وعرف بمؤلفه، فيما عرض المؤلف المسعودي، لكتابه مشيرا إلى انه تتبع خلاله مسارات المسرح التونسي منذ تبلور خطاب الاحتجاج، الذي استبق «ثورة» مايو 1968-  فبدأ بخطاب الرئيس بورقيبة في 7 نوفمبر 1962، ثم أعطى نظرة شاملة عن الخلفية الثقافية والمسرحية والسياسية المولدة لخطاب الاحتجاج وحيثياته.. وكيف تشكلت المجموعات المسرحية الأولى في تونس أواسط الستينات..مع رصد لتجربة المسرح الجامعي الفاعلة والمؤسسة، والفرق المسرحية من خلال تجربة المنصف السويسي و فرقة مدينة الكاف وفرقة مدينة قفصة مع رجاء فرحات.
وربط «المسعودي» الإرهاصات الأولى للحركة المسرحية التونسية وما بعدها بسياقات مختلفة عبر تشخيص «ضمائر الاحتجاج» ومرجعيات الفاعلين المسرحيين وخلفيتهم الفكرية ومقاصدهم الجمالية، أفرادا وجماعات.
كما أشار « إلى أن كتابه عبارة عن ممرات ومراتب من الخيبات والإشراقات ومن النجاحات والإخفاقات، يسير في مسارات حداثة المسرح التونسي، مشيدا بالتجارب المساهمة في بلورة حداثة حقيقية باحثة عن الارتقاء بالمسرح عبر الحاجة الاجتماعية، ومشخصا بجرأة ما شاب المسرح التونسي من حداثة وهمية يقول عنها «حداثة مستعارة أنتجتها شروطها الخاصة، وهي بذلك متخيلة بالمعنى الاستهامي للكلمة، كما أنها في قطيعة حقيقية مع الواقع الاجتماعي وتناقضاته».
وتطرق المؤلف إلى مضامين العروض وتصورات الفرق والحمولات الفكرية والإيديولوجية للنصوص والرؤى الإخراجية وتأثر الفاعلين المسرحيين بمختلف المدارس والتوجهات الفكرية والجمالية العالمية وكذا بالمخيال الشعبي، كما  تطرق إلى الجمهور الحديث والجمهور التقليدي ورهانات الخطاب المسرحي في اختراق وعي هذا الجمهور وتحفيزه على التفكير والاستيقاظ.
فيما أشار د. هشام زين الدين، إلى أهمية ربط المؤلف صيرورة المسرح التونسي بالظروف السياسية والاجتماعية والتحولات التي شهدتها تونس دولة وشعباً، ووضع المسرح في موقعه الحقيقي حيث لا يوجد مسرح غير سياسي.
وأوضح أنه لم يكن على علم بأهمية بيان الإحدى عشر، ودوره في تغيير بوصلة تطور المسرح التونسي، وكان يميل الى تعظيم دور خطاب بورقيبة الاستثنائي لأهميته، على اعتبار أنه الأساس المتين الوحيد الذي انطلقت منه الحركة المسرحية التونسية في الستينيات.
ونوه المسرحي اللبناني بأن المسرح الجامعي هو الأساس الذي انطلق منه المسرح التونسي، كما تحدث عن ما ورد في الكتاب بخصوص اللامركزية التي اعتمدتها السلطة، والتي لم تكن بهدف نشر المعرفة والتجارب المسرحية بل كانت بهدف تخفيف الاحتقان المسرحي وتداعياته السياسية عن المركز في العاصمة، ومراقبة الحراك في الأطراف وتطويقه بالقوانين والإجراءات التي تمنع خروجه عن المسار السلطوي المرسوم. وأن هذه اللامركزية المسرحية التي اعتمدتها الدولة (السبعينيات والثمانينيات) لم تنجح بسبب عدم تأمين شروط نجاحها، كما أن الحاجة الإيديولوجية للدولة كانت تسبق الحاجة الجمالية للمسرح.
ولفت إلى أن المؤلف يذهب إلى أن تجربة المخرج التونسي المنصف السويسي الذي أرادها مغايرة لتجربة علي بن عياد في «مسرح الدولة» لم تكن إلا شكلية لأنها في النهاية عملت من داخل التركيبة السياسية للسلطة، كأنها عملية تواطؤ مقصود، شكلها تمرد وباطنها خضوع لسياسة السلطة، و أن المؤلف أدان تجربة المسرح التراثي ومبتكرها في تونس المسرحي عز الدين المدني، ولم يتهمه بمحاباة السلطة السياسية فحسب بل بالعمل معها ولصالحها، أي كأن الكاتب يقول بأن المدني كان «متواطئاً» في الخفاء مع النظام السياسي على حساب الطرح الحداثي المعلن في أدبياته ونصوصه.
وأردف: يتخذ المؤلف موقفاً واضحاً إلى جانب المسرح الشعبي أو ما أطلق عليه «المسرح الخام»، المتمثل في تجربة (فرقة المغرب العربي المسرحية) التونسية،وينحاز إليها على الرغم من عدم «احترافيتها» بالمفهوم الجمالي للمسرح، و يعتبرها فرقة هاوية لكنها ناجحة جماهيرياً في مواجهة خصمين اثنين في تركيبة المسرح التونسي، هما المسرح الرسمي التابع للسلطة، ومسرح التراث وعميده عز الدين المدني.
وقال زين الدين: أسعدني خطاب المؤلف في تحطيم صورة السلطة الراعية وتجريدها من مضامينها الثقافية والمعرفية، لكني لم أتمكن من الاقتناع بأن هذا النوع من المسرح (المسرح الخام)هو البديل كما يقترحه المؤلف نموذجا للمسرح التونسي، حتى لو كان قريباً من الناس العاديين، فلا يكفي أن نعتمد المضامين السياسية والاجتماعية لكي يصبح لدينا فن.
في نهاية مداخلته أشار المسرحي اللبناني، إلى أن كتاب «المسرح التونسي.. مسارات حداثة» لا يدعي التأريخ لكنه يؤرخ للمسرح التونسي في خلال ثلاثة عقود تقريباً، ويتبنى موقفاً منحازاً الى التجربة، ويرفض ويحاكم تجربة مسرح السلطة بشقيه المباشر(المسرح البلدي والمسرح في المناطق) من جهة و(المسرح الحر أو الخاص) من جهة أخرى وهو الذي يمثل وجهاً آخر أقل انكشافاً للسلطة. وختم بأنه ربما طغت الخلفية الفكرية والسياسية للمؤلف على استنتاجاته البحثية، فكانت النتيجة أن كل «التجارب الجادة» التي قام بها المسرحيون التونسيون كانت تصب في خدمة خطاب السلطة، فيما تمكنت من ذلك فرقة هاوية لم تحصل على اعتراف الدولة ولا النخبة الثقافية.
بينما قال د. لخضر منصوري، إن المسعودي اعتمد في كتابه «المسرح التونسي.. مسارات حداثة» على قراءة نقدية تاريخية للمسرح التونسي، بحيث لا يصير الباحث عبدا للتاريخ وإنما صانعا له. وذكر أن الكاتب أرخ إلى مؤلفه لنهضة المسرح التونسي انطلاقا من بيانات أربعة: «خطاب الرئيس بورقيبة» و»بيان الإحدى عشر» و»بيان فرقة المسرح الجديد» و»بيان عز الدين المدني».
وأشار إلى أن الكاتب يوضح التأسيس في المسرح التونسي والقطيعة مع الممارسة القديمة. وما يسميها بالمرجعية والمقاصد على المستوى الفكري والمفاهيم وكذا على المستوى النظري والعلمي.
وأوضح المسرحي الجزائري أن الكاتب تحدث عن أهمية المسرح الجامعي ودوره في تطوير الحركة المسرحية والطلابية وما عاشته من مضايقات.كما تطرق إلى الفُرق الحرة التي جربت في الكثير من المناهج والأساليب المسرحية على غرار فرقة الكاف بإدارة المنصف السويسي واعتمادها على اللون المحلي وفرقة الجنوب بقفصة في قراءة فيما يسميها المغامرة والحدود.
وقدم «منصوري»، وصفا نقديا لتجربة (فرقة مسرح المغرب العربي) على أنها «مسرح الخام « مقتبسا تعبير بيتر بروك.ورأى في تجربة هذه الفرقة أنها ممارسة قريبة من دائرة المسرح الشعبي في منطلقاتها الأولية حيث فتحت النهج واسعا لتجارب مسرحية أكثر حرفية.
وتابع: كشف «المسعودي» عن أهمية «مسرح الخام» في حديثه عن طبيعة التصور الرسمي (السلطة) وتجاوزه لمسألة الجهور المسرحي وإشارته إلى فشل وغياب مشروع المسرح الشعبي القائم على اعتباره خدمة عمومية ورأى في عروض الفرقة مزجا ما بين الشعبي والكوميدي، وأن هذا المسرح لا يتم إلا من خلال مشروع ثقافي يقوم على تلك الوظيفة الاجتماعية التي نادى بها «بيان الإحدى عشر» وتحدث الكاتب عن أهمية مسرح الهامش ضد ثقافة المركز في إشارة منه إلى محمود المسعدي، وأنتقد بشدة من وصفوا تجربة (فرقة مسرح المغرب العربي) على أنها بسيطة وسوقية و دافع عن الوظيفة الاجتماعية للمسرح على رأي برتولدبريشت.
 


ياسمين عباس