التناص في مسرح يسري الجندي.. في رسالة دكتوراه

التناص في مسرح يسري الجندي..  في رسالة دكتوراه

العدد 689 صدر بتاريخ 9نوفمبر2020

ناقشت الباحثه سماح سليم رسالتها للدكتوراه والمعنونه ب التناص في اعمال يسري الجندي المسرحية كليه الآداب جامعه الإسكندرية 
وتكونت لجنه المناقشة والحكم من أ. د أحمد صقر، أ. د سيد علي إسماعيل، أ. د سماح خميس أ. د ألفت شافع
وتحدثت المناقشة عن مصطلح التناص خاصة أنه برز مصطلح « التناص « أو «Intertextuality» على يد جوليا كرستيفا، غير أن الولادة الحقيقية له كانت على أيدي الشكلانيين الروس ـ وإن لم تكن ولادة خالصة ـ إذ «يرد في ملمح المفارقة بين النص المعارض والنص المعارَض، فليس النص المعارَض إعادة إبداع  أو كتابة على كتابة مماثلة، فلكل نص خصائصه القارّة فيه». وعلى هذا فالشكلانيون يؤمنون بالتناص من خلال تداخل النصوص وظهور أثر بعضها على بعض، رغم احتفاظ كل نص بخصوصيته. وإذا كان الشكلانيون قد تنبهوا إلى مفهوم هذا المصطلح بشكل مبسط، فإن كرستيفا استطاعت أن تستنبط هذا المصطلح «التناص» من خلال قراءتها لباختين في دراسته لأعمال دستوفيسكي الروائية حيث وضع مصطلحي تعددية الأصوات والحوارية دون أن يستخدم مصطلح التناص. وبذلك تكون الرواية أول الأجناس الأدبية معملاً إجرائيًا لهذا المصطلح دون تسمية، وتكون ـ أيضًا ـ جوليا كرستيفا عام 1966م أول من استخدم هذا المصطلح قاصدة به «أن كل نص هو عبارة عن فسيفساء من الاقتباسات، وكل نص هو تشرب وتحويل لنصوص أخرى». 
وقد تأسس هذا المصطلح على بيان وجه التناظر أو التشابه بين المنتج الإبداعي اللاحق قياسا على مقاربته بمنتج سابق قد يكون إبداعا مستلهما استلهاما تاريخيا أو فلسفيا أو دينياً أو يكون بمثابة محاكاة أدبية أو فنية لحادثة أو صورة اجتماعية معيشة . وتعيين نوع التناص بين العملين السابق واللاحق، هل هو تناص تآلف أم هو تناص تخالف فيما بين العناصر الفنية الأسلوبية أو المضمونية التأثير والتأثر، ومن ثم تقويم الإنتاج الإبداعي اللاحق على ضوء ذلك القياس التحليلي كشفاً عن مناط التفوق بينهما أو القياس التفكيكي كشفاً لأوجه التناقض مضموناً أو شكلاً وتقول الباحثه عن الأسباب التي دفعتها عن اختيار الموضوع هو رصد المصادر الإبداعية المتنوعة فى أعمال يسرى الجندى المسرحية من خلال تناص أعماله مع غيره من المؤلفين السابقين له واللاحقين عليه  على المستوى المحلى والعالمى وتعقب لمسار النصوص فيما بينهم ، بهدف الحكم على هذه العلاقات الناشئة بين النصوص ومعرفة إلى أى مدى يتفق أو يختلف  النص المسرحى مع الأصل، وأى من المؤلفين كان الأكثر إجادة وإبداعا عند تناوله لنفس الفكرة والتعرف على أشكال وأنواع الروابط التى تنشأ بين النص الأصلى والنص المستلهم، وبيان الدور الذى لعبه التناص فى تطوير النص المسرحى المصرى وفى تعميق مفهوم المثاقفة، وتفعيل دور النقد المقارن بين النصوص من خلال تتبع آثاره فى الأعمال المسرحية المختلفة للكاتب يسرى الجندى مع مراعاة سيرورة وصيرورة النص المسرحى فى كل حقبة تاريخية .
كذلك التعرف على حجم الأعمال التى تحمل علاقة التناص فى أعمال يسرى الجندى على اعتباره من أهم كتاب المسرح المصرى المعاصر، وبيان علاقات التأثير والتأثر، حيث برز التناص جلياً فى أعمال كثير من المؤلفين المسرحيين فى المسرح المصرى والعربى والعالمى، وكان للتناص دور واضح فى تعميق أفكار أعمالهم المسرحية وفى إعادة استدعاء النصوص والتراث وتحميلها بمختلف الأيدولوجيات وقد سعى إلى تقديم منظور حداثى لموضوعات مسرحه سعى إلى نقلها عبر التراث كتأثره بكتاب» المستطرف من كل فن مستظرف» للأبشيهى، وكتاب «ألف ليلة وليلة».
وقد انفتحت نصوص المؤلف يسرى الجندى لتتناص داخلياً وخارجياً وتتفاعل مع غيرها من النصوص العالمية لتتأثر بشكل واضح بمسرحيات برتولد بريخت كما هو الحال فى مسرحيات «حكاية حجا والواد قلة «  و «بغل البلدية «.
وقد تنوعت أنماط مختلفة من التناص بشكل واضح فى أعمال المؤلف يسرى الجندى المسرحية كالتناص التراثى والفلسفى والسياسى والدينى والتاريخى والأدبى محاولاً من خلال هذه الآليات التقنية فى الكتابة أن يؤصل إلى شكل مسرحى عربى له رؤاه المعاصرة والحداثية .
كذلك يبرز التناص الداخلى أو الذاتى فى أعماله فنجد أن القضية الواضحة عند الجندى هى «البطل والجموع»،  وكيف يسقط البطل إذا تخلى عنه الجموع، ففى «عنترة» يناقش قضية الحرية وفى «الهلالية» يناقش الخلافات والصراعات على السلطة  والتى تناولها ( السلامونى ) مسرحية «(أبو زيد فى بلدنا) « 1969،  ويوظف فيها السلامونى شخصية ( أبو زيد) كأبرز شخصية فى الســـيرة الهلاليـــة عندما يحلم أهل القريـــة بعودتـــه لإنقــــاذهم من مشـــاكلهم، كذلك فى مسرحيـة «على الزيبق» التى يناقش من خلالها الظلم الواقع على الفقراء وبطش السلطة وتخاذل الشعب وخضوعه، فنجد المؤلف عند تعامله مع التراث قد تخطى كثيرًا من أحداث السير، وذلك من منطلق المراجعة الذى يعد من أهم خصائص المسرح الملحمى فى تعامله مع التراث فيبدأ مسرحيته بمشهد قتل حسن رأس الغول، على يد الكلبى، ليتناص مع فكرة الصراع بين الخير والشر الممتد من عصر قابيل وهابيل وصراع أوزوريس وست حتى الآن. 
ويجسد فى مسرحية بغل البلدية تخبط شخصية «الأباصيرى»,  فتارة يغيب عن الوعى,  فيصدر قرارات إيجابية, ثم عندما يستفيق يعدل عنها والأباصيرى شكل تناصا سياسيا مع فكرة  الاتحاد الاشتراكى الذى لم تتسق أفعاله مع أقواله, لأن قراراته تتسم بالديمقراطية, وأفعاله تردنا إلى ديكتاتورية الحزب الواحد.
أما فى نصه «عنترة» فقد عمق شخصيته الدرامية وصاغ منها بطلاً تراجيديًا معاصرًا حتى بعد موته بالمفهوم التراجيدى القديم بانسحاب الأقدار من ساحة الصراع مع البشر.
وكانت التسؤالات التى يطرحها البحث هى :كيف ظهر التناص فى أعمال يسرى الجندى المسرحية؟وإلى أى مدى اتفق المؤلف المسرحى أو اختلف مع المصدر فى المعالجات المسرحية المختلفة وماهى طبيعة التوظيف الدرامى للتناص فى أعماله ؟ 
وقسمت الباحثه فصول الدراسة كالتالي :  
الفصل الأول جاء بعنوان ماهية التناص وهو مقسم إلى قسمين : القسم الأول بعنوان مقدمة نظرية حول مفهوم التناص اما القسم الثانى:المقاربة بين التناص والحقول المعرفية الأخرى
والفصل الثانى :التناص الدينى والأسطورى فى مسرحيات يسرى الجندى
القسم الأول: التوظيف الأيدولوجى للتناص الدينى 
القسم الثانى :إشكاليات التناص الدينى الضمنى فى أعمال يسرى الجندى 
القسم الثالث :التناص الأسطورى
الفصل الثالث 
التناص الفلسفى والسياسى و التاريخى فى مسرحيات يسرى الجندى
الفصل الرابع 
التناص التراثى والأدبى فى مسرحيات يسرى الجندى 
نتائج البحث :-
-التناص هو العلاقة التى تسعى إلى الدلالة السميائية للنصوص ، وهو إعادة إنتاج للنصوص التى تشترك فى أصالة الفكر ومعاصرة الرؤية ،وهو كتابة منهجية بأنظمة مختلفة تجعل النص نسيج من تداخل نصوص عديدة على أن يتمكن المتلقى من فك شفراتها .
- ثمة فروق جوهرية بين الاقتباس والتناص ،فالاقتباس «يعتمد المنهج التاريخى التأثرى والسبق الزمنى، فاللاحق هو المقتبس ، والأصل الأول هو المبدع والنموذج الأجود وهو العنصر الأصيل « بينما يعتمد التناص على «المنهج الوظيفى ولا يهتم كثيرا بالنص الغائب»أو الأصل هو يعنى بتوظيف العنصر المشترك داخل بنية النص الجديد.
-يرتبط التناص الدينى بالبنيوية كما يرتبط بالتفكيك ، حيث يفسر علاقة النسق الأصغر بالأكبر داخل بنية النص الدينى ونوع وحجم هذه العلاقة سواء أكانت علاقة تقاطعية يلتقى فيها العملين فى نقطة واحدة أم علاقة جزئية يلتقى فيها النصين فى أكثر من موضع، أم علاقة امتصاص واجترار للنصوص تقترن بالتحليل الدقيق ،وهذا يلتقى مع ما أشارت إليه كريستيفا فى معرض تقسيمها للتناص بعلاقات النفى الكلى والمتوازى والجزئى للنص،ومهدت لأفكار رولان بارت عن النص وما بعد البنيوية حيث انفتاحية التأويل والدلالة عند التلقى على اعتبار أن التأويل لايضع معنى نهائى للنص.
-الحدث فى التناص يتميز بالأصالة لأنه يفسر أصل العالم والوجود الإنسانى وعلاقته بالمطلق، فالكتب المقدسة والتراثية والتاريخية هى نصوص أدبية رصينة تحمل تاريخ البشرية منذ بدء الخليقة ، ولها خصائصها الإبداعية المميزة، حيث يجمع التناص فيها بين عنصرى الأصالة والمعاصرة ،أى بين التصورات التى جاءت بها هذه النصوص والرؤية المعاصرة لها .
-اعتاد يسرى الجندى على تقسيم مسرحياته إلى أقسام أو دواوين لكل منهم سمة مميزة فمسرحية  الهلالية مقسمة إلى قسمين والقسم الأول أربعة دواوين والثانى ثلاثة وهذا تأثراً بالنهج البريختى فى الكتابة بتقسيم العمل إلى لوحات منفصلة. 
-نلاحظ مثول التناص فى جل أعمال يسرى الجندى على مختلف مستوياته وأنواعه ومزجه بين التناص الفلسفى والتراثى والدينى والسياسى والأسطورى داخل العمل الواحد ،فمسرحيات يسرى الجندى قوامها التناص وإلا صارت نصوص تسجيلية تفتقر إلى العمق الدرامى والتأثير العاطفى ،فالتناص عمل على تنظيم وقولبة أفكار المؤلف فى شكل درامى .
-نلاحظ تكرار أنماط تناصية لشخصيات تراثية وأسطورية بعينها فى أكثر من عمل وكأن المؤلف يتناص ذاتياً مع نفسه فى أفكاره ليؤكد على مقولاته وفلسفته الخاصة كقصة قابيل وهابيل وأبوزيد الهلالى المخلص وعلى الزيبق وأوديب وأوررست وهذا استطراد واجترار لأفكاره أثر على العنصر الدرامى بالسلب.
-فى مسرحية «الإسكافى ملكاً» سعى التناص التراثى إلى التأصيل للقهر الإنسانى والحاكم المستبد والمقارنات بين سلوك الحاكم المستبد فى كل زمان ومكان ليؤكد على ثبات المنهج والوسائل.
-تداخل التناص الأسطورى مع التراثى فى مسرحية « الإسكافى ملكاً « تداخلاً كبيراً بشكل جعل تصنيف التناص فيه أمراً عسيراً ،حيث اعتمد العمل على الفنتازيا لتغريب الحدث .
-عند اختيار الجندى لشخوصه التراثية فإنه يسعى إلى اختيار شخصيات محل جدل واسع تتضارب الآراء حول نواياها وأهدافها الشخصية والعامة ليوظفها فى سبيل الإسقاط السياسى المعاصر على ثورة يوليو وما أحدثته من تغييرات جذرية فى المجتمع المصرى سلباً أو إيجاباً.  
كما سعى من خلالها على التأكيد على مبدأ المقاومة الشعبية للمحتل بدلاً من الاعتماد على البطل المخلص .
-أكد يسرى الجندى فى بعض مسرحياته على اللعنة المتوارثة كما فى الهلالية ، عنترة ،الإسكافى ملكاً وحلول الوباء المرتبط بهذه اللعنة ليخلق شخصيات بطولية حداثية تتحرر من كل الثوابت القديمة التى تقيدها عن الفعل والتحرك مثل عنترة والأباصيرى ومعروف وسرحان ،ويؤكد على سماتها من رفض الماضوية والرغبة فى التغيير الجذرى للأنظمة .
-لجأ الجندى فى مسرحيات اغتصاب جليلة والساحرة وحكاوى زمان إلى التناص التاريخى والمقاربات بين العصور وتداخل الأزمنة للتأكيد على ثبات الأحوال وشيوع القهر والظلم ،فنتيجة الصراع بين ما قبل وما بعد التاريخ كالصراع بين المؤرخ التراثى والمعاصر الذى سعى من خلالهم على التأكيد على عروبة فلسطين ومخاطر مشروع الشرق الأوسط الكبير الساعى إلى تقسيم الوطن العربى .
-وظف يسرى الجندى من خلال التناص الفلسفى فى مسرحياته على فكرة الكل فى واحد والشخصية النرجسية التى لا ترى الأشياء إلا من منظورها الخاص ليشير إلى مواطن الخلل فى شخصية صانع القرار السياسى.
- سعى يسرى الجندى عبر التناص فى مسرحياته إلى البحث عن المتناقضات بين الفكر الخرافى والفكر العلمى للتعبير عن سخافات العالم،فقد اتسعت مصادره إلى الفلسفات الوجودية والأفكار الدينية وتحول التناص فى مسرحه إلى ساحة لمناقشة مختلف الأفكار السياسية والإجتماعية عبر العصور ،والتأمل فى قضايا الوجود ومصير الموجود وأزمة الإنسان المعاصر. 
- يمزج يسرى الجندى فى مسرحه بين أكثر من نوع من التناص ليبرز فكرته ،ويختار القطع النصية التى يقيم عليها نصه ،ويضيف إليها ويغيرها ويطورها ،لتكون غاية التناص فى مسرحه الإبداع والإتيان بالجديد هما معيار حكم القيمة على تجربة المؤلف المسرحية. 
-تتشعب مصادر المؤلف فى التناص وفقاً لثقافته الموسوعية ،فلا يعتمد المؤلف على التاريخ وحده أو كتب التراث أو بعض الأعمال الأدبية ،بل يتجاوز الأمر ذلك إلى المزج بين أكثر من مصدر داخل العمل الواحد  فبداخل مسرحيات يسرى الجندى تمتزج النصوص التراثية بالتاريخية بالدينية بالأفكار الفلسفية مما يمنح المبدع عنصرى المرونة والطلاقة للأفكار المتنوعة والمتقاطعة فى بعض أفكارها مما يسهم بشكل فعال فى الربط بين الأفكار المشتركة.
-تغلب الذهنية على التناص فى الحدث فى بعض مسرحيات يسرى الجندى كاليهودى التائه والساحرة واغتصاب جليلة، والحوار فى التناص زاخر بالمناقشات الفلسفية العميقة والإحالات المتتالية فى لغة الحوار إلى بعض القصص والشخصيات والأحداث المتداخلة  للتأكيد على المضمون الدرامى لهذه القصص وإحداث حالة من التزاوج والربط بينها وبين ما يريد أن ينقله المؤلف فى نصه الجديد، فالدلالات قد تكون متعددة إما مباشرة صريحة أو ضمنية بالغة التعقيد تصل فى بعض الأحيان إلى مرحلة التلاص مما يحفز عقل المتلقى ويدعوه إلى التأمل والربط بين الدلالات العديدة.
-جسد يسرى الجندى فى أعماله الشخصية المثالية ، والحداثية والوجودية والنرجسية والمؤلف أعاد تصورها ليعبر بها عن الخلل الفكرى التام وانقلاب الموازين الذى أصاب المجتمعات والأفراد وعصف بكل قيمه 


محمود سعيد