في ثاني عروض (اضحك – فكر- اعرف) «المغفلة» يعيد إحياء المسرح الغنائي

في ثاني عروض (اضحك – فكر- اعرف) «المغفلة» يعيد إحياء المسرح الغنائي

العدد 669 صدر بتاريخ 22يونيو2020

نحو مسرح غنائي خالص، و في تجربة جديدة ونادرة قدم البيت الفني للمسرح من خلال فرقة مسرح المواجهة بالتعاون مع المسرح القومي مسرحية “المغفلة” عن قصة من أهم القصص القصيرة للكاتب العالمي أنطوان تشيكوف, ضمن مبادرة (اضحك – فكر – اعرف) التي تطرحها وزارة الثقافة على موقعها على شبكة الإنترنت من خلال قناتها باليوتيوب, مجابهة لجائحة كورونا.
المسرحية تدور في قالب غنائي كامل منذ بداية العرض وحتى نهايته من خلال خادمة, يدرك سيدها سذاجتها فيحاول أن يوقظها من غفلتها بأن يغالطها في حساب أجرها, لكنها بحكم شخصيتها الخانعة تستسلم لخدعته دون أي اعتراض, مهما يخصم من أجرها, حتى يوضح لها في النهاية أنه كان يمازحها من أجل أن تستفيق, وفي تلك القصة يعمل تشيكوف على عدة مستويات: التشريح الطبقي الذي يوضح فيه كيف أن الأثرياء يمكن أن يتلاعبوا بالبسطاء بحكم سلطة رأس المال, والمستوى الثاني يبين كيف يعطى السلبيون الفرصة للديكتاتور كي يمارس تسلطه, وثالثا ينبه البسطاء والمغفلين لخداع الناس لهم كي يمكنهم من العيش بحرية وكرامة في هذه الحياة.
قام بالتعليق الصوتي للعرض أون لاين على قناة وزارة الثقافة المخرج الكبير سمير العصفوري. وقام بتحليل العرض الناقد والكاتب د. علاء عبد العزيز. مسرحية “المغفلة” إعداد مسرحي سامح بسيوني وسامح عثمان. أشعار وألحان محمد مصطفى. وديكور وأزياء سماح نبيل. بطولة إيهاب فهمي, ونورهان أبو سريع, ومحمد دياب, وأشرف فؤاد, ومحمد إبراهيم. إخراج سامح بسيوني.
وفي لقاء مع مخرج العرض الفنان سامح بسيوني مدير فرقة مسرح المواجهة, وهو صاحب فكرة وتنفيذ المبادرة تحدث قائلا: نقدم عرض “المغفلة” ضمن مبادرة وزارة الثقافة المصرية (اضحك – اعرف – فكر) تحت إشراف د. إيناس عبد الدايم ،  على  قناة الوزارة على اليوتيوب لتجاوز أزمة الجائحة التي كانت مثيرة لخيالنا كفنانين. وقد فكرت كفنان مسرحي ومخرج وكمسئول عن فرقة المواجهة, ماذا يمكن أن نقدم من خلال الفرقة وهي فرقة مسئولة عن المواجهة ودورها هو التوعية, وعليها أن تتواجد وتدعم في الأزمات وتحث الناس  على تجاوزها. مبادرة (اضحك - فكر - اعرف) تحمس لها الصديق الفنان إيهاب فهمي مدير المسرح القومي للمشاركة بين مسرح المواجهة والمسرح القومي.
 وتابع قائلا: وما يقدم الآن هو مرحلة أولى من الفكرة, وهي مختارات من القصص القصيرة لتشيكوف, لأن تشيكوف يعتبر أكثر الكتاب تأثيرا في دراما القرن العشرين, وكان عنده ثراء عظيم في القصة القصيرة. وقد تم اختيار قصص تشيكوف  القصيرة لهذا المشروع وليست مسرحياته، فهي غنية بأفكار لها علاقة بالسلوك الإنساني وهذا ما أهدف إليه من خلال مسرح المواجهة وهو أن نغير من سلوكياتنا وهذا موجود في كل المسرحيات بهذا المشروع. بحيث أن كل مسرحية نشاهدها بالعامية المصرية, وبعد كل مسرحية نشاهد تحليلا للمسرحية على يد قامة من قامات الفن المسرحي رموز المسرح الأساتذة الكبار, وقد قام الفنان الكبير جلال الشرقاوي بتقديم المبادرة كاملة بعنوان “من هو أنطوان تشيكوف” وبعدها قدمنا أول مسرحية من إخراج هشام عطوة ثم كان التعليق للمخرج الكبير فهمي الخولي.
وعن العرض أضاف: أما عن فكرة مسرحية المغفلة” فهي فكرة بسيطة تطرح أنه عندما ينتصر الغني للفقير تصبح حياتنا أجمل. حيث أن الأسوياء عليهم دور كبير في العالم كله للوقوف بجانب الفقراء. وتدور الفكرة من خلال شخص ثري ولديه خادمة, وعندما يحاسبها ليدفع لها أجرها في البداية يحاول أن يخدعها ويقرر عليها خصومات غير مستحقة, وهي توافق على ذلك باستسلام, ولكنه في النهاية يقر لها بأنه كان يمزح معها ويقف بجانبها ويسدد لها ديونها , أي أنه يصبح إنسانا.
أما الفنان إيهاب فهمي بطل  العرض وهو أيضا مدير عام المسرح القومي الشريك الأساسي في المبادرة, فتحدث عن دوره قائلا: العرض موسيقي غنائي من الألف إلى الياء وهو تجربة جديدة في  قصص تشيكوف, ودوري هو صاحب عمل حر لديه خادمة ويخصم من راتبها باستمرار على سبيل المزاح وهي تنخدع. لكنه يكشف لها في النهاية أن  تلك كانت خدعة كي تتعلم أن  تكون منتبهة طوال الوقت في عملها. وتلك رسالة العرض و مفادها أن الجميع سواء ولا فرق بين الناس.
وأضاف: هذا الدور جديد بالنسبة لي كممثل وموسيقي، فهذه ثاني مرة أقوم بالغناء في عرض مسرحي, لكن هذه المرة الغناء ريستاتيف, أي أن الكلام الأدائي مغنى, وهو يحتاج إلى ضبط الكلام مع الصوت مع ليبسنج تسجيل الصوت مع الحركة في ظروف سريعة وهذا صعب جدا, لكنى أرى أن كلمة  تجربة تليق بها ,لأنها فعلا تجربة لشيء جديد وهو عودة للمسرح الغنائي حيث نستعيد شكل من الأشكال الجميلة للمسرح في ظل الظروف التي يعيشها الوطن.
وحيث أن الغناء كان ركنا أساسيا من أركان العرض ارتكزت عليه رؤية المخرج فكان لابد أن نلتقي مع الملحن محمد مصطفى وهو أيضا مؤلف أشعار العرض حيث يقول: أود أن أوضح أولا أن تشيكوف قد هجرناه كثيرا خاصة في مسرح الدولة. ثانيا أنه تم تحويل نقاط ضعف جائحة كورونا إلى نقاط قوة بإقامة عروض مسرحية حتى لو غاب عنها الجمهور. لكن هذا وضع مؤقت وبإذن الله سوف تنزاح الأزمة ونعود إلى المسرح الطبيعي مرة أخرى.
وتابع قائلا: عندما حدثني المخرج سامح بسيوني عن المبادرة وعلى الأخص عن عرض “المغفلة” لأنه عرض له طبيعة خاصة, وجدت نفسي في حيرة. فالمسرح الغنائي له أشكال كثيرة جدا, لكن الشكل الذي نقدمه في عرض “المغفلة” لم يقدم منذ سنوات طويلة. فدائما نرى في العروض عدد  من الأغاني, أو أن يتم حذف بعض المشاهد وتحويلها إلى غناء, لكن في “المغفلة”  العرض كله غنائي, وهذا هو أول تحدي. التحدي الثاني أننا ليس لدينا في العرض أي مطرب, وهذا فرض علينا أن نوجد جملا لحنية سلسة وسهلة يؤديها الممثلون, و مشروطة بروح معينة يريدها المخرج و أن يترك براح للممثل لأن يستطيع التمثيل وأداء دوره كما يريد دون أن نقيده. هذه كانت الصعوبات التي واجهتنا, لكن بفضل الله و بالتعاون مع الأستاذ سامح كمخرج للعرض وكمدير للمبادرة , تجاوزنا كثيرا من تلك الصعوبات. إضافة إلى أنه لابد أن أذكر الأستاذ إيهاب فهمي الذي بذل مجهودا كبيرا في حل الصعوبات كمدير للمسرح القومي وكبطل للعرض, طبعا لا ننكر مجهود كل الزملاء في العرض لكن الفنانين سامح بسيوني وإيهاب فهمي قد قاما بحل لغز لم نستطع أن نحله في المسرح المصري منذ سنوات طويلة. فهذه التجربة الغنائية لنا جميعا الفخر بتقديمها لندرة العروض الغنائية الكاملة في المسرح المصري. و قد تجرأنا لخوض التجربة, ولم نخش شيئا, فالمخرجون غالبا يخشون خوض مثل هذه التجارب, ويخافون تجاوز الميزانيات المحددة من قبل مسرح الدولة, ونحن في “المغفلة” لدينا ميزانية بسيطة وهنا كان علينا أن نتغلب على عامل ضعف الميزانية.
وأضاف: لكي يتم صناعة عرض مغني بالكامل كان لابد من وجود آلية تعامل مختلفة ما بين تشيكوف والمخرج والملحن. أي أننا لسنا بصدد التعامل مع نص طبيعي, ولسنا بصدد العلاقة الطبيعية بين المخرج والملحن. فأدوارنا هنا مختلفة فنحن  نصنع عرضا معا, وهذا يحتاج لمخرج واعي جدا لا يتعجرف ويقبل الطرح والمناقشة ويوافق ويرفض. كما أنه لا يحتاج لموسيقي عادي, بل يجب أن تكون علاقته بالمسرح وطيدة وله علاقة بفن التمثيل والتعامل مع الممثل وكيفية التعامل مع إيقاع العرض المسرحي.
تابع : لدينا في العرض الشخصية الرئيسية صاحب المنزل, وا الخادمة, إضافة لأربع شخصيات فرعية, وهم المحاسب وثلاثة من الديانة ، أعتقد أنهم شخصيات مبتكرة من قبل المخرج سامح بسيوني لأنه هو صاحب فكرة التمصير بالتعاون مع الأستاذ سامح عثمان, وقد وضعا هذا الشكل والفكرة, والشخصيات المضافة هي الجزار والبقال والمدرس, كي يكون لدينا وسيلة من وسائل الضغط على الخادمة, فما قاله تشيكوف في كلمة أو سطر, نحن صنعناه بمساحة أكبر من خلال شخصيات من لحم ودم.
و أوضح: أنا لم أواجه أي صعوبات مع الممثلين في الأداء الغنائي. بل هم الذين كان لديهم توجسات في البداية, كما أني فوجئت بأن الفنان إيهاب فهمي يغني كأنه مطرب وعرفت أنه خريج كلية التربية الموسيقية إضافة للفنون المسرحية, وهذا الخوف يمكن أن يقابل أي شخص غير مدرب, لكنهم كلهم فنانين مروا بدراسة الموسيقى في المعاهد أو الكليات الفنية, وبشيء من التدريب تم التغلب على الخوف والصعوبات. وهذه التجربة مشجعة لي جدا لدرجة أنني يمكن أن أكرس حياتي الفنية كلها من أجل المسرح الغنائي.
ثم يوضح الفنان محمد دياب طبيعة دوره في العرض قائلا: أقوم بدور الجزار الذي تشتري منه المغفلة اللحوم بالدين حتي يتراكم عليها الدين ثم سرعان ما يطالبها بهذا الدين بشراسة لدرجة تجعلها تراه  في أحلامها علي هيئة كوابيس ويظل يطاردها مطالبا بالدين حتي يتدخل سيدها بدفع مبلغ الدين بعد ان يتأكد من إخلاصها في خدمته .
و  عن فكرة المبادرة قال: أما عن التجربة فأنا معها قلبا وقالبا حيث أنها مناسبة تماما لحالة التطور التي وصل لها عالم الإنترنت, فهذه التجربة تتيح للمشاهد التعرف علي أعمال مسرحية أكثر لأنه مهما كانت طاقة هيئة المسرح وقطاع الفنون الشعبية وكذلك مسرح الثقافة الجماهيرية وغيره فإن تلك الطاقة لن تستطيع استيعاب الكم الهائل من الأعمال المسرحية سواء من المسرح العالمي والمسرح العربي أو المسرح الإفريقي وغيره, بينما تجربة الأون لاين لديها تلك الطاقة في استيعاب تلك الأعمال.
وتقول الفنانة نورهان أبو سريع بطلة العرض عن طبيعة دورها: أقوم بدور الخادمة راضية,  وهي فتاة بسيطة جدا وساذجة جدا, وهي في حاجة للمال وقد تكاثرت عليها الديون. تعمل عند أحد الأثرياء, ويظل لمدة شهرين لا يعطيها أجرها. ثم يطالبها الدائنون بأموالهم, فيتطوع الثري برد ديونها بدلا منها, موضحا لها ضرورة التعلم من هذا الدرس. وهي مسرحية بسيطة مدتها ربع ساعة فقط.
 أضافت : وهذه المبادرة من وزارة الثقافة جيدة جدا خصوصا أنه تم اختيار أعمال تشيكوف كبداية لها. كما أن الجميع يجلسون بالمنزل بحكم الحظر الحالي سواء المشاهدين أو الفنانين, مما تسبب في توقف المسرح. وتلك فكرة جيدة لإمساك العصا من المنتصف لأنها تتيح الفرصة للممثلين والفنانين للعمل وفي نفس الوقت يستطيع المشاهد متابعتهم من المنزل دون الحاجة للخروج حفاظا على الوضع الأمن .
ثم التقينا بالفنان أشرف فؤاد متحدثا عن دوره في المسرحية فيقول: أقوم بدور حسيب المحاسب. وهو محاسب فاشل يستعين به الثري  ويطوعه حسبما يريد ويضعه واجهة لتنفيذ أغراضه. و هو دور كوميدي لايت. يذكرني بشخصية دسوقي أفندي فى مسرحية هو و هي للعملاق فؤاد المهندس. أما عن المبادرة ذاتها فأرى أنها خطوة صحيحة فى طريق استعادة الريادة الفنية المسرحية وكذلك تقديم مسرح عالمي. و من وجهة نظري مع  تطور الميديا والتكنولوجيا لابد أن يتطور المسرح. فالجمهور لم يعد كما كان فى الماضي ، ليس لديه الوقت و الجهد لأن يشاهد مسرحية مدتها ساعتان أو أكثر. هنا تكمن ضرورة التوجه إلى عالم المسرحيات القصيرة لاستقطاب شباب هذا العصر.
أما دور المدرسة فتقوم به  الفنانة نورهان حافظ وتتحدث عنه قائلة: أنا طالبة فى السنة الأخيرة بالمعهد العالي للفنون المسرحية. وقد أعجبت بالدور لأنه جديد ومختلف ومركب, أقوم بدور معلمة دروس خصوصية مستغلة بلا رحمة و لا إنسانية ، تتظاهر بالرقى و هي من داخلها تعشق المال و يتحكم في كل سلوكياتها. و هذا يتم فى إطار لايت كوميدي.
وأخيرا تحدث الفنان محمد إبراهيم قال : أقوم بأداء دور البقال, وهو دراميا يمثل نوعا من أنواع الضغط الذي  وضعه المؤلف على الخادمة. والدور ينقسم لقسمين, الأول في  الحلم الذي تحلمه الخادمة والجزء الثاني أثناء المصالحة بين صاحب المنزل والخادمة أو بين  الرأسمالية والطبقة  الكادحة. وهذا يبرز بشدة في المشهد الأخير. أضاف : العرض غنائي كاملا, وأنا لم أجد صعوبة في الغناء لأني أمتلك شيئا من الأداء الغنائي كأداة من أدواتي كممثل ولابد أن أقوم بتطويرها باستمرار, إضافة لمجهود وتوجيهات المايسترو محمد مصطفى الدائمة التي ساعدتني كثيرا في الأداء الغنائي بسهولة. وأنا سعيد بالمشاركة هذه التجربة تحت قيادة المخرج سامح بسيوني والفنان القدير إيهاب فهمي.
 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏