«خطاب الأقلية في المسرح المصري».. رسالة محمد مسعد للماجستير

«خطاب الأقلية في المسرح المصري»..  رسالة محمد مسعد للماجستير

العدد 654 صدر بتاريخ 9مارس2020

د. حسن عطية: رسالة استكشافية لم يسبق طرحها وأتمنى متابعة ما بدأته في أبحاث أخرى

محمد مسعد : المتغيرات الاجتماعية الكبرى وجهتني لاختيار الموضوع وبحثه

« خطاب الأقلية في المسرح المصري» عنوان الرسالة التي حصل عنها الناقد المسرحي والباحث محمد مسعد يحيى على درجة الماجستير مؤخرا، من المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، قسم الدراما والنقد، وهي (دراسة تطبيقية تحليلية في نصوص الأقلية القبطية والنوبية في الفترة من 1990 إلى 2010 ) أشرف عليها الدكتور حسن عطية، وتشكلت لجنة المناقشة من الدكتور محمد شيحة مشرفًا ومناقشا و الدكتور عطارد شكري.
الباحث محمد مسعد قدم ملخصا للرسالة قال فيه: لقد كانت المتغيرات الكبرى التي حدثت داخل المجتمع المصري منذ بداية التسعينيات هي الدافع الأساسي والمحرك الأول لتقديم هذا المشروع البحثي ، حيث مثلت دراسة أصوات الأقلية والهامش لي أحد المداخل الأساسية في مجال دراسة الظاهرة المسرحية المصرية المعاصرة بشكل عام، خاصة و أن ذلك الهامش العريض أصبح يكتسب موقعا أكثر حيوية ومركزية في تخليق المشهد العام للمسرح المصري يوما بعد يوم، حيث لم تعد نصوص وعروض الهامش غارقة في ظلال الاستبعاد الجمالي والاجتماعي، إنما تم تضمينها بالمتن، وأوضح مسعد أن مشروعه البحثي انطلق من فرضية ترى أن حضورًا متزايداً لوعي الأقليات بوجودها وبالفروق التي تفصلها عن الأغلبية، بدأ يشكل ظاهرة، نتيجة للعديد من المتغيرات، وأن هذا الوعي بالذات قد وجد لنفسه مخرجا عبر الفن المسرحي الذي أنتج خلال السنوات محل الدراسة، وأن فرضيته المنهجية تقوم على أن تحليل الخطاب بواسطة الأدوات المنهجية التي وضعها المفكر الفرنسي ميشيل فوكو قادرة على المساهمة بشكل كبير في تحليل وتفسير وتصنيف ووصف الظاهرة هذه المسرحية محل الدراسة على مستوي النصوص، كما أشار الباحث إلى أن أهمية الدراسة تكمن في توجهها صوب ظاهرة بدت وكأنها تشكلت خلال التسعينيات، في عزلة نسبية عن الحركة المسرحية، نتيجة توجهاتها ونوعية متلقيها المستهدف، بينما هي على العكس من ظاهر عزلتها، تشكلت ونمت في إطار تحولات داخل المجتمع و حول الحركة المسرحية، ما يجعل منها ظاهرة تستحق الدراسة، حيث يدل حضورها المتنامي على وجود تحول في الخطاب أدى إلى شعور الأقلية بحاجتها لامتلاك وعيها الخاص ورؤيتها المتمايزة للعالم، دعم ذلك تراجع الخطابات القومية والوطنية الجامعة، و صعود خطاب ديني ووطني أكثر تشدداً ومحافظة. وعلى ذلك حدد الباحث موضوع دراسته الأساسي، وهو خطاب الأقلية خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، منطلقاً من سؤال أساسي وهو: ما هو الخطاب الذي تطرحه نصوص مسرح الأقليات في مصر خلال الفترة الممتدة من عام 1990 وحتى 2010؟ وبالتالي ما الكيفية التي استخدمتها تلك النصوص لطرح هذا الخطاب؟ أشار الباحث أيضا إلى أنه اعتمد على مجموعة من المرتكزات والمداخل الأساسية لاختبار فرضيته في مقدمتها مفهوم Power الذي طوره فوكو والذي ترجم إلى (سلطة) في العربية وإن كان يحتمل كذلك معاني (القوة- الطاقة- الصلاحية- النفوذ- المقدرة - التأثير) وهي مترادفات تشير إلى سلطة/ طاقة تمتلك طابع الحيوية والتدفق والنفوذ والسريان والتحرك والتمدد. لا تشير لكيان ثابت ومحدد بقدر ما تشير لقوة في حالة فعل وحركة. ذلك التحديد هو ما أتاح للباحث – حسب قوله- النظر إلى عمليات تشكل الأقلية داخل المجتمع وداخل مسرحها بوصفها جزءا من حالة عامة تهبها قيمتها وهويتها. «الخطاب» كان هو العنوان الثاني الذي انطلق منه الباحث لدراسة الظاهرة وقد أشار محمد مسعد إلى أن منهج (ميشيل فوكو) في تحليل الخطاب، كان هو أكثر الخيارات المطروحة قرباً من موضوع بحثه، بوصف الخطاب هو منتج للسلطة التي تقوم بضبط وتأطير ونفي وإعادة تشكيل كافة العناصر اللغوية، ضمن إطار محدد يجعلها منتجه. كذلك اعتمد الباحث في دراسة موضوعه بشكل مواز على التحديدات التي قام بها كل من دولوز وجوتاري لأدب ومسرح الأقلية (أو الأدب والمسرح الثانوي) و على مداخلات وإسهامات جرامشي ونظرية التابع وإسهامات المداخل ما بعد الكولونيالية ومفهوم باختين للكرنفالية بوصفها تفتيت للسلطة ومقاومة لأحادية الصوت لصالح التعددية الصوتية. أشار الباحث إلى أنه حاول عبر هذه المداخل البحث عن إجابات لسؤاله الأساسي، وذلك عبر تحليل وتفسير ومحاولة تقديم تصنيف أولي وصفي لظاهرة مسرح الأقلية - محل الدراسة- انطلاقا من النصوص ذاتها، تفادياً لمجموعة من المشاكل المنهجية التي يمكن أن يطرحها الاقتراب من العرض المسرحي الذي يحتاج في دراسته إلى دراسة عبر منهجية، تعتمد على مجموعة محددات بحثية أخرى تتصل بالعينة.
أوضح مسعد أنه اختار نصوص العينة على عدة أسس هي : توافقها مع تحديدات المجال الزماني والمكاني للدراسة ، و معطيات المجال البشري، فضلا عن توفر شرط انتماء المؤلف لجماعة الأقلية كشرط أساسي، وعلى تنوع المتلقي المستهدف بها، لذلك اختار نصوصا تستهدف المتلقي المنتمي للأقلية، وأخرى تستهدف المتلقي العام. كذلك راعى الاختيار عنصر الجودة الفنية بشكل أساسي، مع مراعاة تميزها داخل حدود مسارح الأقلية.
* الحدود والسلطات
قسم الباحث رسالته إلى مقدمة تناول فيها أهم المشكلات التي واجهته، و كذلك أهمية ومبررات البحث العلمية والشخصية، والفرضيات المنهجية الأساسية والتحديات والأسئلة الفرعية التي واجهت البحث، وأشار إلى محددات مجال عمل الدارسة. وهناك أيضا مدخل الدراسة الذي خصصه الباحث للتعريف بأهم المفاهيم والمصطلحات التي استند إليها وهي (الأقلية - الهوية – الخطاب) في إطار تناول فيه بشكل موسع موقع المسرح بوصفه أحد مواقع حضور السلطة، عبر دراسة عمليات استبعاد وتضمين الأقليات العرقية والدينية والجنسية في تاريخ المسرح العالمي، على مستوى آليات تشكيل الفضاء المسرحي بشكل عام و على مستوى عمليات تشكيل النص المسرحي بشكل أكثر تحديداً، كما تعرض الباحث أيضا لعمليات التضمين والاستبعاد للأقليات العرقية والدينية والكيفيات التي كان يتم بها تمثيلها عبر الظواهر والعروض الأدائية، قبل استقرار المسرح بصيغته الأوربية في مصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وتناول الفصل الأول من الرسالة نصوص مسرح الأقلية (الحدود والسلطات المشكلة ) بادئا بدراسة الشروط الأساسية التي تحدد تلك المجموعات من النصوص التي يمكن تصنيفها بوصفها نصوص مسرح الأقلية في مصر على وجه التحديد ، كما يتبين بالفصل السمات والكيفيات التي يتم عبرها فصل مسرح الأقلية عن التيار المسرحي السائد الذي يشمل المسارح الجماهيرية التي تحظى بقدر من الرسوخ والقوة والاستقرار سواء عبر الاعتراف بها نقدياً أو عبر وجود قبول اجتماعي وثقافي لها، وذلك عبر دراسة مجموعة من المستويات المتعلقة بمفاهيم الهامشي والتيار السائد، اعتماداً على تحديدات باتريس بافيس والجهود البحثية التي أنتجها تيار دراسات التابع و جرامشي، بالإضافة إلى مفهوم الثانوي لدى كل من دولوز وجوتاري، انطلاقا من ذلك حاول الباحث دراسة مجموعة من النصوص المنتمية لمسرح الأقليات النوبية والقبطية ،كما قسم الباحث الفصل الأول إلى مجموعة من العناوين الفرعية الأساسية تمثلت في بناء الدولة والأقلية ، وإخفاء الأقلية الدينية والعرقية والأصوات الصاعدة في الدراما المصرية وعبر تلك المداخل حاول الباحث اكتشاف سلطات الخطابات السائدة - التي قامت بتأسيس عمليات الفصل والتحديد والتأطير لما يقع ضمن السائد والمعترف به في مقابل ما يتم قمعه وحجبه أو تحيده عبر نفيه إلى الهامش- وذلك من خلال دراسة النصوص واستخراج العناصر التشكيلية الأساسية (اقتصادية، اجتماعية، فنية...الخ) أما الفصل الثاني فحمل عنوان (تجليات الأقلية والأغلبية في نصوص الأقليات) وفيه حاول الباحث رصد حضور الأغلبية والأقلية في نصوص مسرح الأقليات وحدود ذلك الحضور وصيغته ومساحات الحضور وحدوده التي لا يمكن تجاوزها وكيفيات حضوره، وذلك عبر دراسة ثلاثة محاور هي آليات حضور وغياب الدولة في دراما الأقلية، وعلاقات الأقلية والأغلبية، والصورة الذاتية للأقلية. ،وفي الفصل الثالث (السمات التكنيكية لمسرح الأقليات) قدم محمد مسعد محاولة لدراسة الفضاء الثقافي/ الجمالي لمسرح الأقليات، وذلك عبر دراسة السمات التقنية والفنية التي تميز مسرح كل أقلية ، وفي إطار محاولة تحقيق ذلك انطلق من مجموعة من العناوين الفرعية تمثلت في البناء الدرامي لمسرح الأقلية، و بناء الفضاء الدرامي والمسرحي في مسرح الأقلية، والخيارات الفنية والخيارات الأيديولوجية.
نتائج الدراسة
وفي خاتمة الرسالة قدم الباحث مجموعة من النتائج التي توصل إليها، جاء النحو التالي، أولاُ: تمتلك كل أقلية مساحات من التضمين الاجتماعي توحدها بالأغلبية المهيمنة، كما تمتلك دوائرها التي تعاني فيها من الاستبعاد والشعور بالتمايز عن الأغلبية. ثانياً: كان حضور صوت الأقلية في الدراما المصرية الحديثة غير ممكن في لحظات زمنية سابقة بسبب سيادة التوجهات القومية الكبرى على المجتمع في مرحلة مقاومة الاستعمار والتحرر منه، وحتى في حال طرح خطاب الأقلية في جدالها مع خطاب الأغلبية فقد تم ذلك وفق أفق إصلاحي بالأساس يستهدف انتزاع الاختلاف والتأكيد على مواطن التشابه والتلاقي. ثالثاً: الدراما القبطية تبتعد عن الطريق الذي تسلكه الدراما النوبية. رابعاً: تتبني الأقلية القبطية مشروع الدولة بوصفها المركز الوحيد وتربطها بالعقيدة والعالم الروحاني، في المقابل فإن تجارب المسرح النوبي تستند للطبيعة بوصفها المرجعية النهائية والمكتملة التي تمتلك روحانيتها وتمثل الملاذ الأمن من ذوبان الأقلية في الثقافة المهيمنة ودولتها التي قامت ببناء السد وإغراق الوطن. خامساً: انطلاقا من إن طبيعة المتلقي المستهدف بالنسبة لكل نص هو العنصر الأساسي في تشكيله فقد وجد أن النص المسرحي القبطي (الكنسي) الموجه بشكل أساسي لأعضاء الجماعة القبطية، يتحرك بين التأكيد على الهوية الدينية المميزة والحفاظ عليها من التبدد في المجتمع ثم الدفاع عن الدولة الحديثة بوصفها الإطار الذي تستطيع فيه الكنيسة التحرك بشكل أكثر حرية، في الوقت ذاته. ومن النتائج التي توصل إليها الباحث أيضا أن المتلقين لتجارب المسرح النوبي أكثر تنوعاً، وغير مرتبطين بالأقلية النوبية بشكل حتمي، حيث أن الأقلية النوبية لا تشعر بأزمة انفصال عقائدي عن الأغلبية التي تتشارك معها معتقداتها الدينية، كما لا تمتلك تكوينات مؤسسية تمثل الأقلية داخل الدولة التي انتزعت قراهم، وبالتالي كانت النصوص النوبية أكثر تأكيداُ على مشاعر الغبن والحصار تجاه الدولة المصرية الحديثة. أما سادس النتائج فهو أن الدراما النوبية جاءت أكثر تحرراً من تلك العلاقات المعقدة والمركبة التي تشكل الدراما القبطية الكنسية. وعلى على مستوى اللغة (سابعا) فإن المسرح القبطي يميل إلى استخدام اللهجة العامية المعيارية الخاصة بالطبقة الوسطي لسكان المدن بينما يميل المسرح النوبي إلى خلط العديد من اللهجات واللغات في بعض الأحيان . ثامناً: المسرح القبطي يميل بشكل واضح نحو تبني أساليب وتقنيات الدراما الواقعية مع لمسات من الفانتازيا في حين يميل المسرح النوبي إلى استخدام تقاليد أكثر حداثة وتعقيداً وفنية.
* مجال شائك
في مناقشته للرسالة قال د. عطارد شكري إننا بصدد قضية تقع في مجال شائك وهي « دراسة الأقلية « وأضاف أنه كان يأمل أن تكون الدراسة العلمية أكثر اقترابًا واتصالً بالمجال المسرحي؛ لأن ذلك أفضل لتخصص الباحث، مشيرا إلى أن التحليل مال كثيرا إلى المنظور السياسي، وهو ما اتضح أيضا في الموضوعات وعينات البحث التي تناولها الباحث، كما أشار إلى أن توجه الباحث نحو الجانب الأنثربولوجي لم يأت متسقا مع طرحه، وأشار شكري إلى أن أحد نصوص الدراسة جاء من خارج الإطار الزمني الذي حدده البحث، وفي ختام مناقشته أشاد بحسن اختيار الباحث لموضوعه ، وجديته في بحثه العلمي.
أما د . محمد شيحة فقد أشار إلى أن موضوع البحث كان شيقا، وشائكا، وشاقا، مؤكدا أن هذا الاتجاه في البحث العلمي يصنف في مناهج البحث بوصفه « دراسة استطلاعية استكشافية « كما أشار إلى أنه من القضايا المثيرة للجدل التي طرحها الباحث ذكره لعدة تصنيفات للمسرح، كمسرح الأقلية، ومسرح المهمشين، المسرح المؤسسي، المسرح الشعبي، معلقا بأن ذلك من الممكن أن يقود إلى تقديم تعريفات غير علمية، و أشار شيحة أيضا إلى أن بعض نصوص العينة المختارة جاءت غير ممثلة للشريحة التي تعبر عنها، كبعض المسرحيات النوبية، التي جاءت معدة عنهم، وليست منهم. وأشار إلى أن بعض المصطلحات المستخدمة جاءت غير محددة، مؤكدا على ضرورة تقديم المفاهيم بشكل واضح.
 في نهاية جلسة المناقشة أشاد د . حسن عطية بالجهد الكبير الذي قدمه محمد مسعد ، وأشار إلى أن البحث العلمي يبدأ من مشكلة تتحول لإشكالية تبحث عن إجابات لدى الباحث، تتمثل في سؤال أو فرضية، وأن الباحث محمد مسعد بدأ بفرضية وهي « الأقلية « وأمثلتها بمصر، مؤكدا أن وجود الأقليات لا ينفي التنوع الثقافي، واتفق د. حسن عطية حول كون الرسالة المقدمة تعد دراسة استكشافية، لم يسبق لأحد من الباحثين طرحها، وتمنى أن يتحول الجهد الذي بذله الباحث في رسالته والنتائج التي توصل إليها إلى فروض وأسئلة أخرى لدى باحثين آخرين ، نظرا لثراء الموضوع واتساعه وأهميته .


همت مصطفى