تدريبات تطبيقية على الكتابة في ورشة التأليف بمهرجان الإسكندرية

تدريبات تطبيقية على الكتابة  في ورشة التأليف بمهرجان الإسكندرية

العدد 644 صدر بتاريخ 30ديسمبر2019

 تشارك  الورش الفنية في مجالات  الفنون  المختلفة  بدورٍ كبيرٍ في  نقل الخبرات واكتساب المهارات، مما يعمل على خلق مناخ صحي يساعد على الإنتاج والإبداع الفني،  خاصة بمجال المسرح .. وضمن فعاليات الدورة الأولى من مهرجان الإسكندرية المسرحي العربي للمعاهد والجامعات المتخصصة « دورة الفنان  جلال الشرقاوي « نظمت إدارة المهرجان ثلاث ورش فنية من بينها ورشة التأليف المسرحي  التي قدمها رئيس المهرجان  د. علاء عبد العزيز،  مدرس الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، ورئيس تحرير سلسلة  نصوص ودراسات مسرحية  بالهيئة العامة لقصور الثقافة. أقيمت الورشة بمسرح بيرم التونسي.
نموذج تدريب للكتابة
قام د. علاء عبد العزيز في اليوم الأول بتقديم تدريب على الكتابة من خلال نموذج « الصورة والتخيل « حيث قدم صورة  بداخلها رسم لزوجين يتجاوران على سريرهما بغرفة نومهما، ويحمل كل منهما كتابًا، لا يظهر عنوانه، فلا يصل لمشاهد الصورة هوية  الكتابين..  وطلب د . عبد العزيز من  كل متدرب أن يتخيل ويقترح  عنوانا لكل كتاب، تبعًا لما يلحظه كل منهم  في الصورة، ثم يكتبون مقدمات لهذا العنوان  يحوي ملخصًا من المشاعر والأحاسيس التي يطرحها كل كتاب.
في  اليوم الثاني للورشة استكمل د. علاء  ما بدأه و تم عرض اقتراحات المتدربين ومناقشة بعضها.  
سمات  الشخصية الدرامية
أوضح  د. علاء معقبًا على ما تمت قراءته أنه يوجد ارتباط  شرطي بين ما نتخيله، وشخصيات مرت بحياتنا أو عاشت معنا، وأننا نعكس  ذلك على ما نقوم بكتابته في تجاربنا الأولى بالتأليف، وقد يتضمن الطرح الذي يقدمه الكاتب والمؤلف الدرامي عكس كل ما مر به أو ما أدركه في الواقع.. مشيرا إلى أن المهم أن تكون الشخصيات  ظاهرة من خلال  اللغة اللفظية أو الحركة والتواصل الجسدي أو في طريقة التشخيص، و ان هذا  ما يجب  أن تتسم به النصوص، وأوضح أن بعض المؤلفين في البدايات  لا يستطيعون تمييز سمات شخصياتهم عن طريق الصياغة، ومفرداتها اللغوية والجسدية، لذا  يجب أن نعي عند الكتابة الدرامية عامة   و المسرحية خاصة  ضرورة إيضاح هذا التمايز، وإبراز الاختلاف بين الشخصيات عند  تقديمها .. وأشار د. علاء  أنه خلال الورشة سيقوم المتدربون  بكتابة مشهد قصير يتضمن حوارا بين « الزوج والزوجة « في كل كتاب اقترحه كل منهم، ودعا إلى محاولة كل متدرب اكتشاف القدرات الخاصة به في هذا النموذج، الذي سيتم متابعة التدريب عليه لتنميتة وتطويره من خلال التدريبات لاكتساب الخبرات وتحقيق الإفادة للجميع، عن طريق  قراءة المتدربين كتابة بعضهم البعض  ومناقشة ما يُطرح بها من قضايا.
لسان الشخصية الدرامية
وأكد د. علاء  أن قدرة المؤلف الكبيرة على التخيل ووعيه الشديد بأنماط متنوعة للكتابة  يؤدي إلى النجاح في تقديم  تفاصيل كثيرة عن  الشخصيات، بعيدًا عن  تأثير ذاتية  المؤلف، لذا يجب أن نعي أن هناك شخصيات كثيرة جدًا تختلف  سماتها وسلوكياتها، وكثيرًا ما تتداخل هذه السلوكيات وتتعارض مع بعضها البعض كالشخصيات المادية الموجودة بالواقع المعيش، والتي تتسم بصفات  عديدة متناقضة، وبين د. علاء أنه يجب الانتباه عند بناء الشخصية الدرامية أن  هناك فارقًا كبيرًا بين  الحكى عنها بلغة إخبارية، وبين  الكتابة بلسان الشخصية، وهو ما يميز الكتابة للمسرح،  وما يجب على المؤلف المسرحي عمله.  
أفكار وأفعال  الشخصية الدرامية
 وجه د . علاء  المتدربين  إلى ضرورة الانتباه  عند الكتابة لتشكيل  كل تفاصيل الشخصية  الدرامية من خلال وصف الشخصية ذاتها ومواقفها من الأحداث التي تتشارك فيها وتحدثها هي أيضًا، وليس من خلال رؤية المؤلف لها، كما أوضح أن كل شخصية في الواقع وفي الكتابة بالدراما تحمل أفكارًا  تعتنقها وتؤمن بها وتحركها فتعكس هذه الأفكار أفعالًا هي ما نبتغي تقديمه بالتأليف للمسرح، ونضعها دومًا نصب أعيننا  للتعبير عنها ؛ وأضاف د. علاء: نحن  نتعرف على الشخصية الدرامية وسماتها مما تقوله، وما تقوله عنها الشخصيات الأخرى،وما تفعله الشخصية،ولذا يجب في النص المسرحي أن نقدم الصراع  واضحًا من خلال الحوار، ونبتعد عن  تقديم حوارًا جامدًا  تتصارع فيه الأفكار،  فيقدم فقط  صراعًا لهذه   الأفكار، التي قد تكون خاصة بفكر الكاتب الذاتي، بينما يجب أن تكون هي أفكار  الشخصيات المقدمة بالنص .
الفكرة الرئيسية  للنص
و تابع  د . علاء مناقشة   أحد النماذج المقدمة  من المتدربين  و أكد من خلالها على أهمية الوعي  بالأفكار الفرعية وتحديدها وكذلك  الوعي  بالفكرة  الرئيسية  أو الأزمة  الحقيقية بالنص. وتعليقا على نموذج  قدمته  متدربة حمل عنوان  الكتاب  الذي يقرأه الزوج  « امرأة واحدة لا تكفي « قال  د. علاء: إنه يقدم من خلال وجهة نظر الزوج،  وقد  تكون  هناك رؤية مناقضة لنفس الفكرة تقدمها الشخصية المقابلة وهي الزوجة، وقام د. علاء  بتحليل العديد من الأفكار التي تتابع مع الفكرة الرئيسية  بالنص الذي قدمته المتدربة، ففيما يخص دوافع وأسباب  تفاقم المشكلات الاجتماعية بين الأزواج، أشار إلى وجود صور ونماذج أخرى، موضحًا أن  يجب أن يُوضح الكاتب  سبب الخلاف الرئيس  بين الزوجين الذي قد يكون  بسبب نشأة وتربية الأبناء، أو تهاون الزوج في العديد من الأمور، أو تخاذله عن مشاركتها في المهام الزوجية المتعددة الخ
و أشار د . علاء إلى نموذج في التأليف المسرحي عن القضايا والمشكلات الاجتماعية قدمه الروائي والكاتب المسرحي  أوجست سترندبرج «  في  مسرحية « الأب « التي نشرت سنة 1887م، التي تتصدر مؤلفات سترندبرج  في الصراع بين الرجل والمرأة،  وفيها يعكس  المؤلف من خلال الابنة ومشكلة تخصها  مشكلات أعمق  بين الزوج والزوجة.  وقد بدأت الخصومة  بينهما بسبب خلافهما حول تعليم ابنتهما « بيرتا «، فالأب يرغب في إرسال ابنته لمدرسة داخلية ليبعدها عن الأثر السيئ  الذي يخلفه الجلوس مع النساء بالبيت، في حين تعارض أمها ذلك، ويوضح من خلال أحداث المسرحية أن الحياة حرب يقع فيها الفرد تحت رحمة ظروف بيئته القاسية التي تعصف به كثيرًا، وأن الحب في نظره هو معركة بين زوجين كتب عليهما أن يدمر كل منهما الآخر في محاولة التوحد مع مشكلته هو .
القضية  الإنسانية
وأوضح  د . علاء عبد العزيز عند الحديث حول خصوصية النص المسرحي وسماته، أنه يجب الارتكاز على سمات الشخصيات الدرامية ودوافعها للفعل في النص المسرحي،  مؤكدا أن علامة جودة  النص تكمن في تكرار تناوله، وإعادة تقديمه في كل الأزمنة والعصور و أن النصوص  التي تتسم بهذه السمة  هي التي  تعكس وبإيضاح كبير القضايا الإنسانية في أفكارها  الرئيسية، وأن النص المسرحي الذي نلبسه رداء العظمة بموضوعية وحياد هو ذاك  النص الذي يظل مواكبًا لكل التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مثال ذلك مؤلفات الكاتب المسرحي الأكثر شهرة وتقديمًا « ويليم شكسبير» الذي مازالت نصوصه تقدم، وأحيانًا بمعالجات مسرحية جديدة،، وكذلك مؤلفات إيريك إبسن، وسترندبرج، لأن أعمال هؤلاء  المؤلفين  تتسم بأنها تحوي الجوهر الإنساني، وما يخص الإنسان بصفة عامة ، و  تتناول القضايا الإنسانية، وذكر مثالًا بانتشار وقوة النص المسرحي « البوتقة ( ساحرات سالم )  1953 للمؤلف آرثر ميلر « مشيرا  إلى تكرار تقديمه في العديد من المواقع الثقافية من بينها الثقافة الجماهيرية بمختلف أقاليم مصر حيث  تطرح من خلاله قضايا عامة من خلال قضية خاصة، ومحلية. أضاف:  « ساحرات سالم «  تعكس في عالميتها وانتشارها  رؤية عامة وهي تكالب  القطيع على الآخر،  وهو ما قد يتماس مع العديد من المجتمعات في الآونة الأخيرة، ويعكس كثيرًا من  الأحداث  بالواقع الحالي  .
دوافع أفعال  الشخصية  الدرامية
وتعقيبا على اقتراح  متدربة أكد  عبد العزيز أن الشخصيات الدرامية يجب  أن تكون حية ذات صفات تتسق مع طبيعتها مع سلوكياتها، ويجب أن نوضح بالإشارات و الدلالات سمات هذه الشخصيات،  كما يجب أن ننتبه إلى دواخل هذه الشخصيات وأن يتضح  بالنص الفكرة الرئيسية وما يتفرع منها من  أفكارً كثيرة فرعية، فنرتكز على الفكرة الرئيسية في التناول ويقل الاهتمام بالتناول تدريجيًا للأفكار الفرعية تبعًا لأهميتها، كما يجب أن ننتبه في الكتابة إلى أن التعبير عن الشخصية و سماتها  قد يكون من خلال اللغة الكلامية في الحوار،أو اللغة الجسدية، وأن ننتبه أن تكون الشخصيات الدرامية غير مجردة، وأن يكون هناك مبررات لكل ما تقوم به  الشخصية من أفعال، وهذه الأفعال تنتج  عن الدافع الذي يجب أن يتضح  في كل الجوانب، بالتأليف والتمثيل والإخراج، و تكون أيضًا الأفعال اللاإرادية دوافع لكنها غير ظاهرة في البداية،  أو تتضح بتتابع الأحداث.. أضاف: وهناك  عروض مسرحية يظل الغموض مسيطرًا فيها حتى نهاية العرض لتدفع بالمشاهد إلى التفاعل والاستنباط،والاستكشاف، كما يوضح  الكاتب البريطاني هارولد بنتر إن كثيرًا  ما لا يتم الإجابة على العديد من الأسئلة عند كثير من المؤلفين.  « وأوضح د. علاء أن هذا يبدو جليًا عند الكتابة عن جرائم القتل والألغاز، وبنهاية النص أو العمل الفني يترك « المؤلف « كمرسل « للمتفرج  « كمتلقي «  العديد من التساؤلات ويضعه في عالم كبير من  التفكير .
التفاصيل  الموجزة للشخصيات
وأشار د. علاء  من خلال الحديث عن سمات الشخصية الدرامية  لبعض التفاصيل الموجزة، وغير الظاهرة  في  بعض النصوص المسرحية، كما  في نص مسرحية «روميو وجولييت « لوليم شكسبير وقال : نجد بالنص  والدة جولييت ترقص مع خطيب ابنتها في بداية المسرحية، وعندما  يقتل هذا الخطيب ومن ثم تموت ابنتها « جولييت « نقرأ بالنص أنها حزنت على الخطيب أكثر من حزنها على ابنتها، و إذا وقفنا  عند هذه التفصيلة  قد نجد دوافع  غير واضحة، تطرح في باطنها جدل وتساؤل كبير التفتٌّ  إليه  كثيرًا ووقفت عنده .
و أرشد عبد العزيز المتدربين  إلى ضرورة  سعي  المؤلف بكل طاقاته  لإدراك  معنى  كل ما تقوله الشخصية وضرورة إدراك دوافع الشخصية الدرامية التي يبتغي تقديمها وتناولها في نصه، وأن يبيّن سمات الشخصية، ماتشعر وتحس به وتفكر فيه، ويدرك أنه لا توجد إجابات مطلقة أو قاطعة، وإذا ترك العنان لقلمه  فسيظل يكتب إلى ما لانهاية دون أن يحقق ما يلزمه النص،  بينما يجب أن يكتب ما يجب  أن تحققه أو تقوم به الشخصية مبتعدًا عن إيديولوجيته الخاصة به، لذلك يجب أن ينتبه المؤلف  عند  كتابة  الشخصيات الدرامية  أن يكون مدركًا لكل دوافعها لا لدافعه هو بكل ما يخط قلمه، وتابع د. علاء : إن من  أهم ما يجب أن نتعلمه  في التأليف وكذلك التمثيل والإخراج للمسرح أنه لا توجد إجابات نهائية وقاطعة  خاصة في تقديم الشخصيات، فالإنسان الذي يتسم بسلوك حسنٍ كسمة أساسية له لا يعني أنه  لا يسلك أي فعل غير خير والعكس أيضًا، ويجب على الفنان  في كل مجالات  الإنتاج للمسرح ممثلًا أو مخرجًا أو مؤلفًا أن يقدم الشخصيات بلسانها .. وفي هذا الجانب قدم د. علاء استشهادًا من قصة موسى « عليه السلام « مع الخضر .
معتبرا موسى   « عليه السلام  «، نموذج للشخصية الدرامية والفعل الدرامي
وأوضح  د . علاء  مراحل  أحداث القصة  وتتابع  وتصاعد الصراع بها، وقال : في نهاية الأحداث يتبين  لنا  ولموسى « عليه السلام « دوافع الفعل  و نعرف بعد ذلك  أنه من مغزى  القصة  ومن  بعض مقاصدها طلب العلم، ويجب أن نلحظ هنا  عدم الوعي من أحد شخصيات القصة  بما يحدث مع علم واطلاع  الشخصية الأخرى بالقصة منذ بداية الحدث وتتابعه ومنتهاه، وتابع: القصة تقول أيضًا أن العلم والمعرفة قد يملكهما أحدنا عن الآخر، و اتضح ذلك  جليًا من مسلك وفعل  « الخضر « حيث  قام  بأفعال غير منطقية، هي عند  موسى « عليه السلام « لا تتماس مع التفكير العقلاني، وتبدو في ظاهرها أفعالا شريرة . وتابع  د . عبد العزيز : هكذا تكون الشخصية الدرامية  كالشخصية العادية تقوم بسلوكيات  وأفعال إيجابية وغير إيجابية، لا هي تتسم  بالخير المطلق أو الشر المطلق، ففي قصة  « موسى « عليه السلام  قام  « الخضر» بفعل إيجابي واحد  غير مبرر أيضًا، حين أقام الجدار في بلد لم يلق  من أهله سوى التجاهل بينما فعل هو خيرًا، وفي المقابل  فعل سلوكًا سيئًا ( ظاهريا) أكثر من مرة مثل خرق السفينة، وقتل الغلام.
السلوك الإنساني بالشخصيات الدرامية  
دوافع البوح الثلاث
،واستكملت أيام  الورشة  بعرض  وقراءة ومناقشة نصوص المشاركين  من مقدمات الكتب  التي كانت  بمثابة  نماذج تطبيقية  في التأليف، وانتقلت الورشة إلى  مرحلة  متطورة  من الكتابة  حيث طلب د . علاء  من المتدربين كتابة  مونولوجات بين للزوجين وقام  المتدربين بقراءتها ومناقشتها مع بعضهم البعض، ثم تتابع التدريب  بقيام المشاركين بتمثيل هذه المونولوجات وأدائها مسرحيًا  بحالات شعورية عديدة، وأوضح د. علاء من خلال ذلك التدريب أن الدراما ترتبط باللحظات الكاشفة، ولا بد أن يكون هناك دوافع للحوار وقوله، وأن البوح للآخر بحديث ما  قد يكون لأحد الدوافع الثلاث : كنوع من الاستشارة، أو للمواجهة، أو التبرير.
ووضّح د . علاء أن ثمة فروق كبيرة وجلية بين العلم والفن، وأن الفن ليس   بعلم  فالعلم الطبيعي يتحقق فيه شرط الموضوعية  أي إمكانية الوصول إلى نفس النتائج  باتباع نفس الخطوات في أي  زمن وأي مكان عند إجراء تجربة،  بينما الفن  يخالف العلم  تمامًا  في هذا ويتناقض معه  في هذه السمة .
نصائح هامة للمؤلف
وفي النهاية  وجه  د . علاء عبد العزيز المشاركين نحو  ضرورة  تدوين المؤلف والفنان بصفة عامة كل ما يمر به، ويلحظه بالحياة، وأن يكون  معايشًا جيدًا لكل ما يدور حوله، و ما يحدث في محيط بيئته،  ويراقب الشخصيات، وسلوكياتها  بحاستي السمع والرؤية معًا، كلما خطا أو جلس أو سار وأينما كانت وجهته، حيث يساعده ذلك كمرجع في تجاربه  بالكتابة .
 

 


همت مصطفى