صدر له حديثا مسرحية (ماري) الشاعر والكاتب منصور حسين: أمل جديد لإحياء المسرح الشعري

صدر له حديثا مسرحية (ماري) الشاعر والكاتب منصور حسين: أمل جديد لإحياء المسرح الشعري

العدد 626 صدر بتاريخ 26أغسطس2019

في زمن ندر فيه الاهتمام بالمسرح الشعري، واختفى كتابه، وهجره المخرجون، ينبت في أقصى الجنوب نبتة طيبة تعيد بارقة الأمل لإحياء هذا الفن الجميل المهجور الذي يمثل أرضا خصبة في تأصيل المسرح الجاد والحقيقي ويعود بنا إلى بدايات المسرح الإغريقي، ويحيي محاولات شوقي وأباظة والشرقاوي وعبد الصبور وجويدة. الشاعر منصور حسين من صعيد مصر بمحافظة المنيا جمع بين موهبة الشعر والدراما فسخر قلمه لكتابة المسرح الشعري. صدر له عدة مسرحيات وهي (ماري)، (السمراء والجنوبي)، (عزة والمجنون)، (البرنس)، وما زال له تحت الطبع مسرحيات (معبد الحب)، (غدا يعيش الحب)، بالإضافة لعدة دواوين شعرية. اسمه بالكامل منصور محمد حسين، معلم لغة عربية، من مواليد 16 - 9 - 1984 بقرية أبو عموري، مركز نجع حمادي بمحافظة قنا. حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية 2005 ودبلوم في التربية. اقتحمنا عالمه الدرامي والشعري كي نتعرف على بصيص ضوء وأمل جديد في التأليف المسرحي الشعري. واحتفاء بصدور مسرحيته (ماري).
*كيف أثرت نشأتك على حبك للشعر والمسرح؟
 - توفي أبي بعد مولدي بثلاث سنوات وقام على تربيتي أخي عبد اللاه، ثم تركنا بيت والدي إلى بيت جدتي رحمها الله وقامت على تربيتي والدتي، أذكر من طفولتي البسيطة أبي وهو يقف بعصاه فكان يعمل مزارعا في قطعة أرض نمتلكها، أتحدث كثيرا مع شيوخ قريتنا عن فترة شباب أبي وعرفت أنه كان يعمل في فترة شبابه «خوجة» في أرض الخواجة نادر عام 1930، ساعدتني كذلك خالتي رحمها الله التي تسكن القاهرة في أن أتلقى تعليمي في فترة الثانوية العامة ثم الجامعة حيث درست اللغة العربية في جامعة المنيا.. كانت خالتي رحمها الله أرى فيها المدينة بكل ما تحمله من ثقافة مختلفة عن ثقافة القرية، وكان لخالتي مكتبة كبيرة فقرأت فيها شكسبير بمسرحياته المختلفة وعشت حالة فريدة مع شكسبير عشت داخل مسرحياته فتارة كنت عطيل وتارة أخرى روميو.

*منذ متى وأنت تكتب المسرحيات الشعرية؟
بدأت كتابة المسرحية الشعرية عام 2014 وعرضت نتاجي عام 2018 على الدكتور حسن مغازي فكتب لي المقدمة النقدية لمسرحية «السمراء والجنوبي».

*لماذا اخترت الكتابة في هذا اللون رغم ندرة المتلقين له؟
عندما قرأت الشاعر أحمد شوقي والشاعر عزيز أباظة ومحمود غنيم وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي وفاروق جويدة، تأكدت أنهم شعراء لهم مساحة كبيرة في التعبير عن عوالمهم الخاصة خارج حدود القصيدة ويعيشون جميع حالات الشخصية، ثم بعد ذلك عرفت أن الشاعر أمل دنقل كتب مسرحيته الشعرية بعنوان الخطأ فحاولت أن أبدأ من حيث انتهى الشاعر الجنوبي.

*حدثنا عن إصدارك الأخير من المسرح الشعري.
طبعت لي مسرحية (ماري) عن دار يسطرون للطبع والنشر وهي مسرحية شعرية تتحدث عن خلاف حول قطعة أرض بين أخوين تنتهي بفض النزاع بينهما وأن علاقة الدم وهذا الرباط المقدس الذي يجمعهما أقوى بكثير من الصراع على المال أو السلطة، حاولت جاهدا أن أصنع إسقاطا على علاقة المسلمين بالأقباط، يجمعنا حب هذا الوطن نختلف ولكن نحب هذه الأرض التي أعطت لنا الحب والأمان والسلام.

*وهل تدور أعمالك السابقة حول نفس الأفكار؟
أحاول أن أقدم المختلف دائما وأبحث عن الجديد فقدمت في (السمراء والجنوبي) مشكلة نعيشها وهي الفتى الفقير المقبل على الزواج من بنت أحد الأغنياء الذي يرغب أن يزوجها بشيخ كبير ليضمن لها العيش، وكيف ينتصر الحب في النهاية، وقدمت في (عزة والمجنون) قصة الشاعر الأثير (كُثير عزة) بعدما قرأت ديوانه الشعري وعرفت أن قصته تدور حول أن الحب الأول ليس هو الحب الأخير وإنما القلب دائما في حالة تجدد مستمر، وقد رزقنا الله بنعمة النسيان، وكتبت مسرحية (البرنس) عن الحياة التي عاشها الشعب المصري أيام الملك فاروق، وكتبت (معبد الحب) عن صراع الثقافات وكيف تلتقي القرية بأوروبا، وكتبت (غدا يعيش الحب) عن المشكلات الزوجية وغيرها من المسرحيات القصيرة.
* هل توجد طبيعة مختلفة للمسرحيات الشعرية عن المسرحيات غير الشعرية؟
 - أفكاري الدرامية أحاول بقدر الإمكان أن تكون واقعية أكثر منها خيالية أو رمزية، فأنا أعيش في القرية البسيطة، أعرف تقاليدها جيدا كما أعرف شيوخها ورهبانها فصديقي محمد وصديقي ميخائيل، لذا كان علي أن أصنع مسرحا يترجم تلك البيئة التي نعيش فيها ويتحدث بلسانها ويعيش مشكلاتها، في مسرحيتي «المهرجون» التي لم تطبع بعد حاولت أن أناقش قضية الحب وكيف يراه أهل المدينة وقدمت أنموذجين لشخصيتين مختلفتين، فهنا عاشق محب وهنا عاشق متمرد وهنا امرأة تحلم ببت الزوجية وهنا امرأة تعبث ببيت الزوجية.
أما عن المسرحيات الشعرية والمسرحيات الدرامية النثرية فلا فرق بينهما إلا في الوزن والقافية فالمسرحية الشعرية تتطلب من الكاتب أن يحافظ على البحر الشعري ويمكنه الانتقال من بحر إلى آخر للتعبير عن حبه أو غضبه إلى غير ذلك..

*كيف تنتظر لأحوال المسرح الشعري الآن في مصر؟ ولماذا لا يقبل على ممارسته الكتاب والمخرجون؟
يعاني المسرح الشعري في مصر من مادية أصحاب المسارح الخاصة، فإذا وجد المخرج والممثل المسرحي والعمل الشعري والناقد، فأنت بالفعل أمام متلقٍ وجمهور، فالجمهور يرى ويشاهد ويقيم العمل، المشكلة الكبرى في هؤلاء وليس في الجمهور وعندما اتحد المخرج والنص والممثل والناقد رأينا عملا جميلا كـ»الوزير العاشق» كما رأينا أخيرا «مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور التي قام بها شباب المسرح.
أما عن عدم إقبال الكتاب عن المسرح الشعري فلأنه يتطلب من الكاتب معرفة بالدراما من ناحية ومعرفة بالشعر من ناحية أخرى، وصعب توفرهما في كاتب لذلك يهرب الشاعر إلى القصيدة ويهرب الكاتب إلى النثر.

*أي كتابات المسرح الشعري تجذب اهتمامك؟ وماذا يجذبك فيه؟
تجذبني دائما كتابات أحمد شوقي وعزيز أباظة ومحمود غنيم لأنهم كتبوا لنا الدراما بالشعر العمودي، تحدث شوقي وعزيز وغنيم عن الحب وعن التاريخ، ودائما تجد قصة الحب هي المسيطرة على العمل الدرامي.

*لماذا علينا الاهتمام بالمسرح الشعري ومحاولة إحيائه؟
يجب أن نهتم بالمسرح الشعري لنحافظ على اللغة العربية الفصحى وعن الشعر من جهة أخرى حيث تشعر بالموسيقى عندما تتحدث الشخصية لتعبر عن آمالها وأحلامها وتعيش بالفعل كل حالاتها، وهو ما لا تشعر به في الدراما المكتوبة بلغة النثر بالصورة ذاتها، يضيف هذا الشعور الموسيقي معنى للكلمة، كذلك تعبر الصورة الشعرية أكثر مما يعبر النثر لأن البيت من الشعر يختصر لنا حديثا نثريا، فترى فصاحة الشخصية في التعبير عن مشاعرها.

*هل لتراجع اللغة العربية في حياتنا دور في اندثار الاهتمام بالمسرح الشعري؟
لا أستطيع أن أقول لك إن اللغة العربية في حالة تراجع اليوم أمام العامية، فهناك ملايين من كتاب الفصحى وإن كانت النسبة قليلة لكن هي موجودة بالفعل، ويجب على وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة أن تهتم بلغة القران الكريم وتعمل على ضخها لمواجهة هذا الكم الهائل من العبث الذي لا جدوى له.

*هل لدينا فعلا أزمة في التأليف المسرحي أم أنها أزمة مفتعلة؟
لو تحدثنا عن التأليف المسرحي فهناك الكثير والكثير من النصوص، وإن تحدثنا عن التأليف المسرحي الشعري فهناك بالفعل نصوص قليلة جدا لا تتعدى واحدا في المائة من النصوص النثرية وعلى مؤسسات الدولة أن تفهم ذلك جيدا وتهتم بالمسرح الشعري.

*كيف ترى تسطيح الأفكار في المسرح في السنوات الأخيرة؟ هل هي طبيعة مرحلة وعلينا مسايرة المتلقي أم أن علينا أن نواجه ونسير عكس التيار؟
 - بالتأكيد علينا أن نواجه وندافع عن لغتنا الفصيحة وأفكارنا، فعندما كتب فاروق جويدة «الوزير العاشق» وظهرت على المسرح جاء جمهور الشعر ووقف بجانب المسرح رغم انتشار المسرحيات النثرية وسطحية الأفكار، فعلينا أن ندافع من أجل البقاء ومن أجل هذا الوطن الحبيب.
أما عن المتلقي فهو في حالة انتظار مستمرة ينتظر كراجون في مسرحية «في انتظار جودو» لصموئيل بكيت، ينتظر من يأتي له من خلف هذه الجبال.

*هل ترى في الفن والشعر رفاهية للمتلقي أم ضرورة للمجتمع؟
 - الفن ضرورة جدلية مع المجتمع وخصوصا عندما يجتمع المسرح مع الشعر فترى سقراط يحاور ويجادل مجتمعه عن طريق الدعوى أو القضية، ثم النظر إلى النقيض ثم إلى التركيب وهذا ما نريده من المسرح الشعري أن يقدم لنا قضيته ويظهر لنا نقيضها فيُركب المتلقي بين الدعوى والنقيض أو أن يحل لنا الكاتب المسرحي عقدته موضوع النص.

*هل يمكن للمسرح والشعر أن يساهما في حل مشكلات البيئة المحلية؟
 - المسرح كما قال أرسطو هو الحياة، يعرض المشكلات الحياتية للمتلقي وفي بعض الأحيان يختار طرقا لعلاجها فترى في مسرحية «أزهار الخريف» للشاعر عزيز أباظة مثلا تنتصر عاطفة الأمومة عن عاطفة الحب، نحتاج من المسرح الشعري أن يعبر عنا وعن واقعنا الذي نعيشه.

*كيف تنظر إلى القيم المجتمعية هل تحد من حرية المبدع؟
 - الإبداع لا حدود له، وكما يقول أرسطو المبدع الحقيقي هو الذي يحلم بإكمال الطبيعة، فالطبيعة في نظري تكتمل بالحرية في حدود المتعارف عليه، فعلى المبدع الحقيقي أن يقدم شخصيته وفكرته في حدود وضوابط، فيمكن أن نقدم الشخصية المحورية مثلا بأنه بطل شرير ونتحدث عن شروره بصورة إيحائية بسرد ما فعله على لسان بعض الشخصيات، كما نستطيع أن نقدم بعض الأفعال مع أقرانه تدل على ذلك، ويجب علينا أن نحترم المتلقي وثقافته، أقف دائما بجانب المسرح النظيف الذي يحترم المتلقي.. أما عن حالة الصراع التي تحدث للشخصية المسرحية فتارة تكون نتيجة تدخل خارجي وتارة تكون بسبب تدخل داخلي كالعوامل المؤثرة في الشخصية من حيث بعدها النفسي، فالتدخل الخارجي لا نستطيع أن نوقفه أو أن نمنعه لكن نستطيع أن نقدم بصورة إيحائية ما نريد قوله، والشعر هو أكثر الفنون التي تستطيع أن تعبر عن ذلك.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏