العدد 621 صدر بتاريخ 22يوليو2019
يوما بعد يوم يغيب الموت عنا أحد مبدعي الثقافة الجماهيرية، رحل عنا مؤخرا المبدع والفنان الملحن أحمد خلف الذي كانت ألحانه تتميز بنغماتها الشرقية الأصيلة، وبقوة تعبيرها الدرامي الذي يتداخل مع نسيج العرض، وربما كان السبب في ذلك كما كان يقول إنه تلميذ نجيب في مدرسة سيد درويش، وكان يتخذ منه قدوة له في حبه وعشقه للمسرح.
قال الدكتور عمرو دوارة: إن الفنان الموسيقار والصديق الغالي أحمد خلف ملحن من العيار الثقيل وموسيقي ذو معدن نفيس، وهو ليس مجرد ملحن متميز فقط ولكنه أيضا موزع موسيقي متميز ومؤلف موسيقي بارع، ساهم بنغماته الأصيلة وألحانه المعبرة في إثراء حياتنا المسرحية بكثير من الأعمال الدرامية الرائعة.
مستكملا: بخلاف عشرات المسرحيات التي شارك في تلحين أغانيها ووضع الموسيقى التعبيرية لها شارك أيضا في عدد من المسرحيات المتميزة من إنتاج فرق مسارح الدولة المختلفة ومن بينها على سبيل المثال: مزرعة الأرانب لفرقة «تحت 18» «1994»، بانوراما فرعونية لفرقة «مسرح الغد» 1996، طعم الكلام لفرقة «مسرح الطليعة» 1997، وادي الحب، وعلشانك يا قمر لفرقة «البطريق» 1998، والله زمان يا فاطمة لفرقة «المسرح الحديث» 1998، عشا العميان لفرقة «المسرح الحديث» 1999، حرب الباسوس لفرقة «مسرح الطليعة» 2001، حلم يوسف، وحريم الملح والسكر لفرقة «مسرح الغد» 2001، العدو في غرف النوم لفرقة «مسرح الغد» 2002، بائعة الحواديت لفرقة «تحت 18» 2002، ميسدكول من هولاكو لفرقة «المسرح القومي» 2002، ثلاثة في واحد لفرقة «مسرح الطليعة» 2007، الفاضي يعمل قاضي لفرقة «مسرح الغد» 2008، مشهد من الشارع لفرقة «المتجول الجديد 2011، طقاطيق جحا لفرقة «المسرح الكوميدي» 2012.
وأضاف: والحقيقة، إن التعاون الفني بيننا قد تأخر كثيرا وذلك لسبب وحيد وهو أنني أنتمي إلى جيل مخرجي الثمانينات، وأن تجربتي المسرحية - بسبب العمر والإقامة بالقاهرة - كانت سابقة على تجربته التي بدأت بالقاهرة خلال تسعينات القرن العشرين، وبالتالي كان قد سبق لي التعاون مع نخبة من كبار الموسيقيين الذين أبدعوا في مجال الدراما المسرحية وفي مقدمتهم الأساتذة: إبراهيم رجب، علي سعد، عبد العظيم عويضة، حمدي رؤوف، ومن الأجيال التالية كل من المبدعين: فاروق وصلاح الشرنوبي، محمد باهر، أحمد رستم، محمد عزت، خالد جودة، خالد سلامة، حاتم عزت.
متابعا: أحمد الله أنه أتاح لي - رغم تأخر الفرصة كثيرا - شرف التعاون مع المبدع الموسيقي أحمد خلف في عملين من إخراجي، وأعد كل منهما ضمن قائمة أهم عروضي المسرحية. وللتوثيق فقد تأجلت فرصة التعاون بيننا أكثر من مرة، وذلك رغم الصداقة القوية بيننا وطلبه بكل تواضع التعاون معي كلما شاهد لي عرضا متميزا، ويحسب له في هذا الصدد أنه كان يبدأ حواره دائما بالثناء على الزميل الموسيقار الذي شاركني في العمل، وأتذكر أن آخر الفرص الضائعة التي لم تسنح الظروف بتحقيق التعاون كانت في عام 1998 عندما رشحته للتعاون معي في عرض «سليمان الحلبي» من إنتاج فرقة «الجيزة القومية» وأصر المسئولون بالإدارة العامة للمسرح على رفض ترشيحه وعدم الموافقة على إجراء أي استثناء وذلك نظرا لقيامه بالتعاقد الفعلي على العمل بعرضين خلال نفس الموسم!! ونظرا لإصراري على تقديم العرض في موعده بسبب الاحتفال بمرور مائة عام على الحملة الفرنسية على مصر!! التي انطلقت من مركز الهناجر، قبلت اعتذار الصديق أحمد خلف وتعاونت مع الملحن الكبير حمدي رؤوف الذي قبل مشكورا - رحمه الله - إنقاذ الموقف وأبدع في تقديم عدد كبير من الأغاني الوطنية.
كما أشار دواره إلى أنه تعاون مع الفنان والملحن أحمد خلف لأول مرة في عام 2004 تطوعا مع جميع العاملين بعرض التأبين الخاص الذي قام بتنظيمه «مركز الهناجر للفنون» في ذكرى الأربعين لرحيل المخرج الراحل موسى النحراوي، وقام بتلحين عددا من الأغاني الحزينة التي أبدع في صياغتها الشاعر الكبير فؤاد حجاج، ثم شارك معي في العام التالي بعرض مهم لفرقة «الجيزة القومية» وهو عرض «النيل والفرات» من تأليف الشاعر أحمد الصعيدي، وتدور أحداثه بين مدينتي «القاهرة» و«بغداد» فأبدع أحمد - رحمه الله - في تقديم مجموعة من الأغاني المعبرة والمتنوعة التي تضافرت بدقة مع نسيج العمل، وقام بغنائها كل من الأصوات المصرية الأصيلة: عادل عثمان، هالة الصباغ، وائل سامي، حبيبة.
واختتم دواره قائلا: رحم الله صديقي المحب للحياة والفن والموسيقى وأسكنه جناته جزاء ما سعى مخلصا لإسعادنا بموهبته المؤكدة وإبداعه الحقيقي الذي انحاز فيه دائما لصوت الجموع، وحاول جاهدا توظيف تراثنا الشعبي الجميل للتعبير عن مختلف طبقات الشعب وخصوصا تلك الطبقات المناضلة المكافحة الكادحة التي كان يعتز دائما بانتمائه إليها.
فيما قال الفنان جلال العشري عن ذكرياته مع الملحن أحمد خلف: التقينا بمدرسة بورسعيد الثانوية العسكرية، بعد عودتنا من التهجير بعد انتهاء الحرب، وكان خلف - رحمه الله يلعب عود وغاوي تمثيل وتعارفنا على بعضنا البعض، حيث إنضم معنا إلى فريق الموسيقى بالمدرسة، وبعدها انضممنا إلى فرقة نادي المسرح.
وتابع العشري: في تلك الفترة كان سمير زاهر هو مخرج الفرقة، وقمنا بالتمثيل، وقام أحمد بعمل الألحان، ومن يومها ظل أحمد ملحنا لكل أعمال الفرقة، وبعدها انتقلنا إلى القاهرة لنلتحق بأكاديمية الفنون، والتحقت وقتها بمعهد الفنون المسرحية، وأحمد خلف وعمرو دياب ومحمد شرف التحقوا بمعهد الموسيقى العربية.
أشار إلى أن أحمد خلف لم يكمل دراسته بالمعهد، حيث انشغل بالعمل في تلحين مسرحيات للثقافة الجماهيرية، وظل يذهب إلى بحري وقبلي إلى أن استقر بالسامر، ليبدأ خلف مرحلة جديدة وقد حقق الكثير من الشهرة وقت ذاك بأعمال الثقافة الجماهيرية؛ وذاع صيته بعد ألحان مسرحية «قطة بسبع أرواح» مع رشدي إبراهيم، ولكن يظل حسن الوزير صاحب النصيب الأكبر من ألحان خلف.
أضاف: أحمد خلف عمل مع كثير من المخرجين مثل حسام صلاح الدين وحسن الوزير وسمير زاهر وأحمد طه ويس الضوي وكثيرون من مخرجي الثقافة الجماهيرية وفي التلفزيون شارك في برنامج الأطفال «عالم سمسم» كما قدم أعمال اخري للأطفال، وكانت آخر أعمال خلف هي مسرحية «الاشفور باشا» إخراج يس الضوي، و«مقامات مصرية» للمخرج حسن الوزير وهما من إنتاج مسرح السامر.
واختتم الفنان جلال العشري قائلا: رحم الله أحمد خلف؛ صاحب المواقف الكثيرة في رحلتنا على مدى 41 سنة.
فيما قال المخرج سمير زاهر إن الموسيقى الراحل أحمد خلف كان مثالا للفنان المجتهد الذي عمل على موهبته ونماها دون مساعدة من أحد، فكان فنانا كبيرا وموهوبا ومجتهدا ومغامرا، ولكنه لم يأخذ حقه أو المكانة التي كان يستحقها.
وتابع زاهر قائلا: لقد تعرفت بأحمد خلف من خلال الفرقة القومية ببورسعيد، وكنا وقتها نقوم بعمل عرض مسرحي للكاتب الكبير أبو العلا السلاموني، مسرحية اسمها النديم، ووقتها كانت المسرحية تتحدث عن «شهدي عطية» وهو ما جعل قوات الأمن تقبض على الفرقة، ومن يومها أصبح هناك تضييق أمني على قصر الثقافة وعلى الفرقة، وكان أحمد خلف من ضمن الفريق، وفكرنا بعدها في البحث عن مكان نمارس فيه العمل المسرحي، ووقتها عرض علينا أحد الأصدقاء استخدام القاعات الموجودة بالحزب، ولكننا رفضنا ملء استماراته، وبالفعل قمنا بعمل مسرحية المشخصاتية لعبد الله الطوخي، وكانت من أشعار زكي عمر ومن إخراجي، وكان بطل المسرحية مطرب وقام أحمد بدور البطولة في العرض فكان يغني ويلحن ويمثل في نفس الوقت، فخلف كان دائما ما يدخل غرفة الموسيقى ويقوم بالعزف على العود منفردا.
أضاف: أحمد خلف كان يتخذ من موسيقى سيد درويش نبراسا له، كما قال. بدأت موهبة التلحين تتجلى عند خلف يوما بعد يوما وبدأ العمل على نفسه وتنميه مهاراته، وبعد ما تم منع العرض بداخل الحزب، قمنا بالبحث عن مكان آخر، فوصلنا إلى نادي المسرح في بورسعيد وهو مبني مكون من دورين على قناة السويس، وهو المكان الذي كان يجتمع فيه كبار الفنانين أمثال سمير العصفوري ومحمود ياسين.. إلخ، ووقتها تقابلنا مع رئيس النادي ورحب بالفكرة، وتم فتح النادي ووقتها قمنا بعمل 4 عروض مسرحية، ومنها نص حدث في 39، للسيد حافظ، وست الملك لسمير سرحان، والزوبعة لمحمود دياب، ويابهية وخبريني لنجيب سرور، ووقتها أصبح لنا صيت بعد أن ألقى الضوء علينا الدكتور حسن عطية في إحدى مقالاته، حيث استطعنا بعدها التواصل مع القاهرة، وبدأ النقاد يأتون لمشاهدة العروض التي نقدمها ومنهم الدكتورة نهاد صليحة، وشاكر عبد الحميد، واستمر الحال حتى تغيرت إدارة النادي وبدأت الإدارة الجديدة في تهميش دور المسرح، وبعدها طلبت إدارة المسرح ان نقوم بعمل في العريش، وبعد نجاح العرض طلب منا أن نقدم عملا آخر في جنوب سيناء، وإنشاء فرقة مسرحية ووقتها قدمنا مسرحية «عاشق الموال» لعبد الدايم الشاذلي، ثم عودة للعريش مرة أخرى وقدمنا العمل الثاني هناك، وقمنا بعمل مسرحية «نحن لا نشكر الظروف» لمجدي الجلاد، وفي تلك الفترة بدأ أحمد يزيع صوته كمؤلف موسيقى ومُلحن، وتعاقد مع البيت الفني مع حسام الدين صلاح، وقدم معه مسرحية «توهان» من تأليف صلاح متولي، وتوالت الأعمال بعدها، فكان خلف عاملا مشتركا بيني وبين المخرج حسن الوزير وقدم عروضا كثيرة معنا، وكان له دور كبير في فرقة الالات الشعبية، حيث ترك له عبد الرحمن الشافي مطلق الحرية في قيادة الفرقة، نظرا لأنه كان مهووسا بالتراث، ويقوم بتدريب الموسيقين، فكان فنانا عظيما رحمة الله عليه.
كما نعاه المخرج الكبير حسن الوزير حيث قال: مات «أحمد خلف» صديق العمر صاحب أول ألحان عروضي المسرحية، منذ بداية الثمانينات حتى آخر عروضي 2019.
وتابع الوزير: عرفته تلميذا في الصف الأول الثانوى بمدرسة بورسعيد الثانوية؛ قدته للمسرح عام 1975، بقصر الثقافة، وقأدنى للموسيقى ليسمعنى ألحان سيد درويش؛ بهرنى بتمكنه من العزف على العود، وهو لا يزال صغيرا؛ ليصبح ملحنا مهما، وقدم معي ومع غيري ألحانا مهمة.
واختتم الوزير قائلا: أعدك يا أحمد أن أسمعها للناس؛ مع السلامة يا حبيبي؛ قدمت الكثير، ولم يلتفت إليك أحد؛ أنتم السابقون ونحن اللاحقون؛ وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال الفنان ياسين الضوي: كنا نتحدث منذ أيام.. كان ساخطا على مرضه الذي يكبله.. على الدنيا والمتسلطين عليها.. على اختلاف الزمان والناس.. وداعا (أحمد خلف).
سأظل أذكرك إنسانا فنانا أهدرت سعيه الدنيا وسوادها.. سأظل أذكر ألحانك وموسيقاك التي كانت من أميز عناصر الكثير من عروضى المسرحية.. سأظل أذكرها لك حتى ألقاك.
كما نعاه عمر عثمان قائلا: وداعا للفنان والإنسان والأخ والزميل العزيز رفيق الدرب، ارتضى أن يظل الفن دربه وتحمل وأن يظل مسرح الدولة محرابه، عاش تجربته كاملة نموذجا لا ينسى، عرفته الخاصة أيضا، وأشادوا بموهبته.
مستكملا: لم ينل حظه من الشهرة لكنه باق كذكرى عطرة لمحبيه.. وداعا وسلاما لروحك الطاهرة.. خالص الدعاء بالرحمة والقبول.