بني سويف حريق لم ينطفئ

بني سويف حريق لم ينطفئ

العدد 523 صدر بتاريخ 4سبتمبر2017

تخيل يا دانييل أنهم يمكن أن يموتوا وهم يشاهدون عرضا مسرحيا
ما زالت ثواني الحريق وما تبعها من شهور في غرف العمليات وحمامات البيتادين  والمطهرات الحارقة شاخصاً أمامي... لكأن الفاجعة قد وقعت بالأمس... لا أستطع أن أغالب دموعي التي سالت محتضنة رفاقًا رحلوا... أين هم الآن؟
علهم في مكان أفضل... علهم يلحظون أن حقوقهم المهدورة قد نسيتها الأيام، ونسيها علية القوم في خضم صراعاتهم على كراسي زائلة... أين هم من نادوا بحقوق من ذهبوا؟
 اليوم.. وبعد هذه السنوات... لن يضبط أي مسؤول متلبساً بفعل جاد تجاه هؤلاء المسافرين بعيداً.. ألا لعنة الله على كراسيكم الزائلة.. فأنتم جميعا باولوس.. الذي يرجع موت الجميع للقدر.. عندما يقول :
«هو قدر محتوم أن يموتوا في تلك اللحظة بالذات.. أما كيف يموتون.. فهذا من شأن الله وحده.. لأنهم قد يموتون بأسلحتنا أو يموتون بشكل طبيعي.. فهناك من يموتون بالأمراض المستعصية.. بالكبد الوبائي مثلاً.. أو الفشل الكلوي.. وعلى الجانب الآخر هناك أشقياء تطحنهم صخرة عملاقة.. وآخرون يموتون غرقاً في البحر.. أو يحترق بهم قطار... تخيل يا دانييل أنهم يمكن أن يموتوا وهم يشاهدون عرضاً مسرحيا.. لن تستطيع أن تقضي على الألم من هذا العالم.. إنه قدرنا.. وقدرهم.. يمكنك أن تضع التعذيب كواحد من آلاف الأسباب القدرية التي ينجم عنها الموت «
هل يفكر «باولوس» مصر اليوم بنفيس الطريقة؟ من الذي صنع هذه الأقدار؟ هل هو الله؟ أم نحن الذين قتلناهم مرة بإهمالنا، ومرات بتجاهلنا قصتهم؟
ألا لعنة الله عليكم بما اقترفت أياديكم من آثام في حق من ماتوا ظلماً في بني سويف والعبارة والدويقة وقطار الصعيد وأتوبيس الأطفال وأسواق مطروح وغيرهم وغيرهم.. وأهديكم أيها الفجرة.. مقولة الدكتور بالمي لدانييل في عرض «القصة المزدوجة».. التي كتبتها وأنا أؤمن أنها ستصبح حقيقة مها طالت السنين..
إذا كنت تريد أن تعرف الحقيقة فسأقولها لك: أنا لا أقبل هذه الأعمال تحت ظل أي نظام حاكم.. فمن حق الناس أن يثوروا ما دام قد فاض بهم الكيل من جراء الفساد الذي استشرى في بلد نهبت كل خيراته وتكومت في أيدي قلة محتكرة لا تفكر إلا في تضخيم ثرواتها على حساب أناس لا يجدون رغيفاً يسد رمقهم.. ويموت أولادهم جوعاً.. ليس هذا فحسب.. بل إن من يجرؤ على توجيه اللوم.. يقع فريسة تحت أياديكم الملوثة بدماء الشرفاء من شباب هذا الوطن.. الذي يعيش نصفه تحت خط الفقر.. هذا الشعب لن يصمت.. لأن التراكم الكمي.. لابد أن يفضي إلى التغير الكيفي من فضلكم.. طالعوا معي ما كتبته.. حتى لا ينسى من عاصروا الحادث.. وحتى يعرف الشباب ما الذي جرى في بني سويف ابراهيم الفرن، محمود مختار، محمود سيد خليل، شريف مصطفى إدريس

 


جمال ياقوت