مسرح الطفل بين الواقع والمأمول المسرح هو الأداة الحقيقية التي يمكن أن نشكل بها كيانا ووجدانا

مسرح الطفل بين الواقع والمأمول المسرح هو الأداة الحقيقية التي يمكن أن نشكل بها كيانا ووجدانا

العدد 572 صدر بتاريخ 13أغسطس2018

الطفل الصغير هو رجل الغد الذي سوف يكون ساعد هذه الأمة وعنوان ثقافتها وتحضرها، لذلك اهتم مهرجان المسرح المصري بتقديم عروض مسرحية خاصة بالطفل، وسواء يقدمها الأطفال للأطفال أو يقدمها الكبار للأطفال، إنها في النهاية تستهدف الطفل بشكل مباشر وتهدف إلى تنمية الجانب الثقافي لديه. قدم مهرجان المسرح القومي في دورتة الحادية عشرة 7 عروض مسرحية للأطفال تم تقديمها على كل من مسرح متروبول والمسرح القومي على مدار أيام المهرجان، لاقت العروض إقبالا جماهيريا من الأطفال، وكذلك من الأسرة بشكل عام، ونظرا لاهتمام المهرجان بتنمية الثقافة المسرحية لدى الجمهور، وخصوصا الأطفال، كان «مسرح الطفل بين الواقع والمأمول» هو أحد محاور الملتقى الفكري الثقافي المقام على هامش المهرجان تحت رعاية الأستاذ الدكتور حسن عطية رئيس المهرجان وإشراف الأستاذ أحمد هاشم مدير الملتقى الفكري ورئيس لجنة الندوات.

وفي إطار ذلك عقدت ندوة هامة تحت عنوان «مسرح الطفل بين الواقع والمأمول» عرضت الندوة من خلال ضيوفها لواقع مسرح الطفل وما يحب أن يكون عليه، كما عرضت الندوة مشكلات مسرح الطفل القديمة والحديثة واهتم الجميع بمحاولة طرح أفكار وأساليب وطرق لحل المشكلات التي يعاني منها مسرح الطفل.
في الجزء الأول من الندوة قدم الأستاذ الدكتور محمد أبو الخير أستاذ المسرح بأكاديمية الفنون المسرحية ورقتة البحثية التي اهتمت بالإجابة على التساؤل الرئيسي للندوة، تلخصت الإجابة في أهمية أن تواكب العروض المسرحية التطور التكنولوجي مع ضرورة الاهتمام بعرض القضايا الفعلية التي يعانيها الطفل برؤية موضوعية تجعل الطفل قادرا على الرؤية الصحيحة، مما يجعل الطفل قادرا على الرؤية الصحيحة ويساعد على نمو النواحي الإدراكية في شخصيته وأيضا على تطور الجوانب الوجدانية، كما أشار إلى ضرورة أن تهتم العروض المسرحية بعرض الجانب القيمي والتربوي، مع الاهتمام بالتراث لأنه روح الأمة، كما يجب أن يهتم المسرح بتنمية مواهب الأطفال في كل الفنون بشكل عام، وذلك عن طريق مشاركة الأطفال في العرض المسرحي إما عن طريق المشاركة الفعلية على خشبة المسرح، أو من خلال مشاهدة ومتابعة العروض المسرحية. وهو بذلك يؤكد على المبدأ الذي دعا له المربي الأمريكي جون ديوي وهو (التعلم عن طريق العمل)، كما أشار إلى مبدأ التفاعلية، وهو هنا يشير إلى التفاعلية والمشاركة الحادثة بين أفراد الفريق المسرحي على خشبة المسرح والتفاعلية والمشاركة الحادثة بين الفريق المسرحي وجمهور العرض المسرحي. وذلك كي تتحقق عملية التعلم والتربية، وفي إطار ذلك قال إننا في حاجة إلى استخدام أسلوب تربوي جديد (مسرح المشاركة) بحيث يكون معادلا موضوعيا ومحققا روح المشاركة والتفاعلية. كما أشار إلى أهمية استخدام تجربة المسرح البسيط الذي يعتمد على فلسفة «المينمالية» وهو اتجاه في الفن يعتمد على مبدأ إنشاء العمل الفني بجوهر مضمونه وبأقل ما يمكن من إمكانيات، وذلك عن طريق استخدام الترميز والدلالات الشكلية، وهذا النوع من العروض يعتمد على فكرة أساسية هي أن جمهور الأطفال سوف يكمل الصورة الكلية بعقله وخياله كما عرض من خلال ورقته البحثية لأهمية أن يتصف الممثل الذي يقدم العروض المسرحية للأطفال لبعض الصفات الهامة وهي المرونة الجسدية واللياقة البدنية العالية وهو من يطلق عليه (الممثل الجوكر) القادر على أداء كل شيء.
أما الأستاذ يعقوب الشاروني رائد أدب الأطفال، فقد أشار إلى الكثير من الإشكاليات التي تعاني منها العروض المسرحية، ومنها عدم الاهتمام بالمشكلات والقضايا الحقيقية التي يعاني منها الأطفال، وعدم الاهتمام بتسجيل العروض المسرحية لتوثيقها للرجوع إليها والاستفادة منها، وعدم اهتمام المدارس بمسرحة المناهج رغم أهميتها في تبسيط المناهج الدراسية، كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي لأنه يمكن أن يكون بداية انطلاق حقيقي للممثل، وقدم مثالا على ذلك زكي طليمات الرائد المسرحي الذي كان أول رئيس للمسرح المدرسي ثم أصبح رئيس فرقة مسرحية كبيرة قدمت جيلا كبيرا من الرواد، كما طالب بأهمية أن يتم زيادة الميزانية المخصصة للطفل من خلال الثقافة الجماهيرية، وذلك حتى يتم إنتاج أعمال جيدة للأطفال. ثم عرض سيادته مجموعة من المشكلات والقضايا الخاصة بالطفل التي يجب أن يهتم بها كتاب المسرح، ومنها: مشكلة التسرب من التعليم، الفجوة بين الكبير والصغير، تدخل الكبار في مشكلات الصغار، تدخل الصغار في مشكلات الكبار، لحل المشكلات الأسرية. كما عرض الكثير من النماذج المسرحية العالمية وما تقدمه للطفل من قيم، وأشار إلى أهمية أن يتم تقديم هذه العروض بعد تمصيرها، وتقديمها في القالب القيمي والأخلاقي الذي يناسب المجتمع المصري.
أما الفنانة عزة لبيب رئيس ملتقى عروض الطفل ومدير مسرح متروبول سابقا، أشادت بدور مسرح الطفل وأشارت إلى وجود ورش تدريب مسرحي خاصة بالطفل تهتم بتنمية مواهب وقدرات الأطفال التمثيلية منذ عدة أعوام داخل المسرح القومي للطفل، كما أشارت إلى الكثير من العروض المسرحية الهامة التي قدمها المسرح القومي للأطفال، ومنها عروض مسرحة المناهج التي جابت معظم المحافظات المصرية، كما أشارت إلى اهتمام المسرح القومي للطفل بأهمية أن يقدم عروضه في كل المحافظات المصرية، وذلك حتى يتاح للأطفال في الأقاليم الاستفادة مما يقدمه مسرح الطفل القومي من خدمات، كما طالبت الكتاب بأهمية الاهتمام بعلاج الكثير من المشكلات النفسية التي يعانيها الطفل.
أما الجزء الثاني من الندوة، فلقد كان على منصة الحوار الأستاذة الدكتورة نبيلة حسن أستاذ المسرح بأكاديمية الفنون، والأستاذة عزة لبيب مدير مسرح متروبول سابقا ورئيس ملتقى عروض الطفل، والمخرج المسرحي باسم قناوي. وفي بداية الجزء الثاني من الندوة عرضت الأستاذة الدكتورة نبيلة حسن ورقتها البحثية التي تحدثت من خلالها عن المشكلات التي عانى منها مسرح الطفل على مدار الثلاثين عاما السابقة، وحددتها في النقاط التالية: فقر المسارح من حيث الأجهزة والمعدات، الميزانيات يتم توجيهها للأجور وليس للخامات والتصنيع، المباشرة في العرض المسرحي. ثم قدمت عرضا لبعض الحلول لمواجهة المشكلات التي تواجه مسرح الطفل، وذلك من خلال عرض تجربتين: التجربة الأولى وهي ما فعلته شركة ديزني وشركة سوني وهي الشركة المنتجة للفيلم، إلا أنها تطالب الشركة المنفذة للدوبلاج بتقديم جدول يحدد فيه القيم الإيجابية والقيم السلبية التي يحتوي عليها كل مشهد، وذلك حرصا على التأكد بأن الدوبلاج لم يسئ إلى محتوى الفيلم. التجربة الثانية هي تجربة الميكروتياترو، وهي تجربة تم تنفيذها في إسبانيا وهي تعتمد على تقديم مسرحيات قصيرة مدتها 15 دقيقة في قاعة مساحتها 15 مترا، حيث تقدم الحفلات لجميع المراحل العمرية حتى للرضع تخصص الفترة الصباحية من الساعة 11:30 وحتى الساعة 1:30 ظهرا للترحيب بالأطفال في أيام السبت والأحد من كل أسبوع يقدم خلالها 4 مسرحيات مصممة خصيصا للأطفال حيث يتم إدخالهم إلى عالم المسرح في شكل من أشكال التعبير الفني حيث يعيش الأطفال التجربة المسرحية عن قرب وفي بعض الأحيان يتم دعوتهم للمشاركة، أما بالنسبة للأطفال الرضع من سن 6 أشهر حتى ثلاث سنوات، فنجد أنهم يتلقون عروضا تعتمد على المنبهات الجسدية من خلال الألوان والأصوات والملمس، وذلك لتنمية إدراكهم المعرفي، ومع بداية كل شهر يتم افتتاح مسرحيات جديدة ومن المعتاد وجود مساحة عند مدخل المسرح مع طاولات مجهزة بلوحات وأوراق للرسم واللعب في الفترات المتاحة، تقدم العروض المسرحية بأسعار مخفضة، تجربة الميكروتياترو تتيح 9 عروض في وقت واحد وفي مكان واحد وبهذا يعيش الجمهور حالة من المهرجان المسرحي ويعيش أفراد الأسرة كلهم يوما ترفيهيا ثقافيا في مكان واحد، كما أشارت إلى ضرورة أن تقدم الموضوعات والقضايا المسرحية من خلال رؤية الطفل.
أما المخرج المسرحي الأستاذ باسم قناوي، فقد تحدث عن مسرح الطفل من المنظور الفني ومن المنظور التربوي، بالنسبة للمنظور الفني فلقد تحدث من خلاله عن المسرحيات المصرية القديمة والحديثة، أما بالنسبة للمنظور التربوي فقد أكد على ضرورة هامة جدا وهي أن يهتم مسرح الطفل في كل مكان بتقديم قيم تربوية وأخلاقية للأطفال، لذلك طالب أن يشارك المتخصصون في المجال النفسي والتربوي في متابعة العروض المسرحية من البداية وهي ما زالت فكرة حتى تتحول إلى نص ثم إلى عرض، كما أشار إلى ضرورة أن نراعي صفات ومتطلبات كل مرحلة عمرية.
أدارت الندوة الفنانة عزة لبيب وأشارت إلى ضرورة الاهتمام بتقديم الجديد دائما للطفل، وتحدثت عن تجربتها من خلال عملها في المسرح القومي للطفل.
خلصت الندوة إلى مجموعة مهمة من التوصيات منها:  
زيادة االتمويل، زيادة قاعات العرض المسرحي، استخدام الطرق الحديثة لحل مشكلات مسرح الطفل، الاستعانة بالمتخصصين في مجال علم النفس والتربية أثناء كتابة النص المسرحي للطفل.
وأخيرا، علينا أن نعترف أن مسرح الطفل يحتاج منا جميعا إلى أن نكون يدا واحدة، فلا بد أن يجتمع الأكاديميون من المسرحيين والتربويين وعلماء النفس، ومعهم المخرجون والممثلون والكتاب لكي يقدم للطفل وجبة ثقافية ومسرحية تساعد على تنمية جميع جوانب الشخصية لدى الطفل المصري ولا نستطيع أن نلوم إلا أنفسنا إن تركنا هذا المجال دون أن تتضافر كل قوانا لأن طفل اليوم هو رجل المستقبل وهو من سيقدم العلم والثقافة والمسرح للأجيال القادمة، وهو من سيكمل الرسالة التي بدأها آباء المسرح، ولأننا إذا نجحنا أيضا في تحقيق الهدف، وهو الاهتمام بمسرح الطفل، سوف يكون لدينا غدا مسرح جماهيري مصري قوي بعد أن يتحول هؤلاء الأطفال إلى ممثلين كبار.

 


روحية محمد عبدالباسط