د.عز الدين هلالي: بديات المسرح السوداني كانت ضعيفة وهشة في فترة الاستعمار

د.عز الدين هلالي: بديات المسرح السوداني كانت ضعيفة وهشة في فترة الاستعمار

العدد 571 صدر بتاريخ 6أغسطس2018

أقامت إدارة المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الحادية عشرة «دورة محمود دياب» برئاسة الدكتور حسن عطية مؤتمرا صحفيا على هامش المهرجان حول إشكاليات وتاريخ المسرح السوداني «ضيف شرف المهرجان» وذلك بحضور كل من الدكتور عز الدين هلالي أستاذ الموسيقى والدراما بجامعة الخرطوم والمخرج حاتم محمد علي مدير المسرح القومي السوداني، ونخبة كبيرة من النقاد والمسرحيين المصريين، ومنهم الناقد أحمد خميس والناقد خالد رسلان والفنان يوسف إسماعيل مدير المسرح القومي.
وأدار الندوة الدكتور محيي عبد الحي الباحث والمتخصص في المسرح السوداني، واستهل كلمته بالترحيب بالحضور مؤكدا على عمق العلاقات المصرية السودانية وانصهار الشعبين في كيان واحد، كما قدم نبذة مختصرة عن الضيفين وتاريخهما الفني والأكاديمي في المسرح السوداني معلنا أن الندوة تناقش عدة محاور مثل بدايات المسرح السوداني، وحركة النقد والتأليف في المسرح السوداني.
وبدأ الدكتور عز الدين هلالي كلمته قائلا: «فخور بوجودي في المسرح القومي الذي وقفت على خشبته ممثلا في السبعينات والثمانينات»، وتحدث الدكتور عز الدين عن الجذور التاريخية للمسرح في السودان منذ نشأته، وأنواعه الإنتاج المسرحي في السودان، حيث إن العلوم تتقدم والفنون تتطور، وتناول المسرح السوداني الذي ينقسم إلى فرق مسرح الدولة والفرق الخاصة، والفرق الزائرة التي تأتى من خارج السودان، وقال إن إلصاق المسرح السوداني بالمسرح العربي فقط هو ظلم بين، لأن المسرح السوداني منفتح على أفريقيا بنفس القدر.
وأضاف المسرح في السودان بدأ عام 1899 خلال فترة الاحتلال وكان مسرحا ضعيفا، وأول نشاط لمسرح الجاليات كان عام 1905، ثم بدأ المسرح الأكاديمي من خلال المدرسة التي أنشأها رفاعة الطهطاوى عام 1880 والتي أغلقها المهدى بعد ذلك.
وتابع أن الجالية المصرية قدمت من خلال ثلاثة عروض منها «التوبة الصادقة»، وقد بدأ الاحتلال في التفريق بين الجالية المصرية وبين الشعب السوداني، والفرقة الوحيدة التي جاءت واستمرت فرقة يوسف وهبى، ثم جاء الرائد علي عبد اللطيف الذي كان ضابطا بالجيش ويهوى المسرح وكان يأتى للمسرح متخفيا، هناك أيضا الجالية السورية والجالية الإنجليزية.
وأضاف أن المسرح السوداني بدأ بالاعتماد على القصص، وكانت البداية من خلال قصة قصيرة بعنوان «المأمور» لعرفات عبد الله، وجاء شاب سوداني هو «معاوية نور» إلى القاهرة ودرس النقد المسرحي ولديه الكثير من المؤلفات، وكان الكثيرون يعتقدون أنه مصريا، وكانت أول فرقة منظمة ولديها جدول لعروض ممتدة وذلك في عام 1920 والتي أجهضت وتم إيقافها عام 1924، بسبب الاحتلال.
وأضاف قائلا: المسرح في كلية «جوردون» بدأ على يد فنانين مصريين، نظرا لأن أية محاولات سودانية كان يتم إجهاضها، ثم ظهر المسرح في الأندية على مثل نادى الضباط، ونادى خريجى المدارس، ونادي المريخ وغيرها على يد توفيق وهبي، وفي عام 1946 بدأ أحمد الطيب في العمل بشكل علمي وأكاديمي لتطوير المسرح السوداني، وسافر في بعثة لدراسة المسرح بالخارج، وتم إنهاء بعثته بعد عامين دون إبداء أسباب.
المرأة
وحول علاقة المرأة السودانية بالمسرح قال أنها بدأت عام 1933 من خلال فرقة المسرح والموسيقى وكانت من شروطها وجود فتاة في كل عرض مسرحي ومنذ ذلك التاريخ دخلت المرأة السودانية للمسرح.
وفي عام 1967 بدأ مسرح المحترفين وكانت عروض المسرح القومي تجوب جميع الولايات، وأحب أن أشير هنا إلى أن مصر هي الدولة الوحيدة التي حافظت على وجود مسرح منتظم على مدار العام، وفي نفس العام بدأت إرهاصات معهد الفنون المسرحية في السودان.
وفي عام 69 توقفت الفنون تماما بسبب انقلاب عسكري، ثم توقف المعهد وأعادوه بعد سنوات كثيرة بشرط تحويله إلى كلية وكانت هذه خدعة أدت إلى تحجيم دوره، وقد تم تدمير المسرح من خلال الاستيلاء على الميزانيات المخصصة للمسرح وتم الاكتفاء بمهرجان مسرحي واحد فقط ترعاه الدولة إلى جانب المهرجانات الخاصة والمستقلة.
وفي سياق متصل قال المخرج حاتم محمد علي الذي أن المحطات التي تحدد مسارات المسرح السوداني كثيرة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن المسرح في السودان كان مرتبطا بالحركة الحياتية بشكل مباشر، وكذلك ارتباط المسرح بنشاط الجاليات من خلال الأندية الاجتماعية.
وأضاف علي أن تلك القضايا ما زالت ملحة ومهمة، ومن خلال طبيعة العروض نكتشف أن المسرح كان على اتصال مباشر بالمجتمع السوداني، صحيح انه كان هناك حالات خمول وتراجع ترتبط بما يحدث على السطح من أحداث سياسية.
وأشار إلى أن ارتباط الموسم المسرحي بوزارة الثقافة ووزارة المالية أدى لازدهار المسرح ثم الفرق المستقلة أيضا والتي كانت تعمل بجوار النشاط الحكومى، وكان المسرح يعمل على مواجهة كل الظروف والضغوطات، ولكن ظلت القضايا الاجتماعية هي الشغل الشاغل للمسرح السوداني وتجلى ذلك في أعمال كثيرة.
وتابع علي أن أهم الإشكاليات التي تواجه المسرح السوداني هي الظروف الاقتصادية التي يعاني منها العالم الثالث ككل، والذي يرتبط ويتصل بالقضايا والأزمات الاقتصادية، فالمسرح ليس بعيدا عن هذه التحديات لأنه مرتبط ارتباط وثيق بجمهوره، وهي أحد المشكلات والتي تتمثل في الإعلان أو تعريف الناس بوجود عمل فني أو عرض مسرحي، فأصبح من المستحيلات أن يكون لديك إعلان في أكثر من وسيلة إعلانية لا سيما القنوات التلفزيونية أو الراديو والصحف الورقية وهي أحد المشكلات الرئيسية الخاصة بالإنتاج المسرحي.
وتابع: لأن المسرح هو من الفنون التي تحتاج إلى دعم وتمويل، لا سيما وأن أصبح صمود أي عرض مسرحي واستمراره في العرض فهو يحتاج إلى جهد كبير وإعلان مستمر، هذا بالإضافة إلى جوده ما يقدم على خشبة المسرح وأن يكون يحقق توقعات وطموحات الجمهور وكيفية المحافظة على استمرار توافد الجمهور، وهذا ما يحتاج إلى دعم إعلامي كبير.
وأكد علي أن الإنتاج المسرحي يعاني فقرا كبيرا من حيث تلبية رغبة وتطلعات الممثلين والفننين والقائمين على العملية الفنية ككل، حتى يخرج عرضا مسرحيا في صورة كبيرة، وهي أحد الصعاب الكبرى في السودان.
وأكد مدير المسرح القومي السوداني في تصريحات خاصة لـ«مسرحنا» أنه في الحقيقة هناك ندرة في دور العرض المسرحي في السودان لا سيما المسارح المجهزة تجهيزا جيدا يليق بتقديم عروض مسرحية ذات طابع متميز، فهناك 2 دور عرض منهم المسرح القومي السوداني بام درومان والذي ظل صامدا ضد الزمن، وهو المظلة التي يتنفس من خلالها كل المسرحيين والفنانين بالسودان، وهناك أيضا مسرح قاعة الصداقة، والذي تم تحديثه مؤخرا إلا أنه يتبع لإدارة مختلفة ويُعد مسرحا خاصا وتكاليف إيجاره باهظة جدا، ولا يستطيع لأي مسرحي أو مخرج حجزه.
وتابع ليكون المسرح القومي بام درمان هو المظلة والنافذة والحاضن لكل المسرحيين، حيث يضم الفرقة القومية والتي تضم مجموعة كبيرة من المسرحيين السودانيين من مختلف الأجيال، كما أن لديها لائحة مرنة تتيح لكل مخرج حرية الاستعانة بالفنانين التي يحتاجها العمل المسرحي.
وأن العروض والتجارب المسرحية في السودان ظلت تقدم باستمرار وتتحايل على الظروف الاقتصادية والمشكلات الإنتاجية.
وفي النهاية أحب أن أقول إن أحد مكاسب عرض «كتمت» هو عرضه على خشبة المسرح القومي المصري بتاريخه الطويل والممتد لفترات طويلة ومكسب للمسرحيين القوميين المصري والسوداني وهذه التوأمة تؤكد على قوة العلاقات بين البلدين ونحن نعمل جاهدين على رفد الحياة المسرحية السودانية بالأعمال المصرية فبيننا تاريخ طويل وجميل وإعادة الروح للعلاقات الفنية المسرحية بين البلدين.
فالمسرح القومي المصري له حالة وواقع خاص وصدى آخر بداخل نفوسنا، والمشاركة كضيف شرف هي رسالة أخرى تقدم للعالم العربي وللسودان على عمق العلاقات المصرية السودانية، ونتقدم بالشكر لكل العاملين بالمهرجان القومي للمسرح وعلى رأسهم الدكتور حسن عطية رئيس المهرجان لهذه الاستضافة الكبيرة.
كما شهدت الندوة مداخلات وشهادات هامة من الحضور ومنهم الدكتور حسن عطية والفنان يوسف إسماعيل، والنقاد المسرحيون د. عايدة علام، وأحمد خميس، ود. محمد بغدادي ود. لمياء أنور.
وطالب الفنان يوسف إسماعيل مدير المسرح القومي بالعتبة خلال كلمته بالندوة والتي بدأها بالترحيب بالوفد السوداني كما وجه الشكر للدكتور حسن عطية على هذا اللقاء مؤكدا على عمق العلاقات المصرية السودانية، من حيث العادات والتقاليد المشتركة، مؤكدا على ضرورة التعاون المتبادل والمشترك بين المسرحين في الفترة القادمة وذلك من خلال استضافة العروض المصرية والسودانية على مدار العام والا يقتصر الأمر على المهرجانات والمناسبات.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور حسن عطية رئيس المهرجان القومي للمسرح في خلال كلمته في ختام المؤتمر بان هناك بالفعل برتوكول تعاون بين هيئة المسرح والهيئة العمة للكتاب والتي تتضمن ضرورة إرسال عروض مسرحية في السودان ضمن المشاركة المصرية بمعرض السودان للكتاب وسيتم ذلك خلال الدورة المقبلة.
كما أشار عطية إلى أن المهرجان مجرد وسيط لبداية التعاون وان إدارة المهرجان من الممكن أن تتغير من وقت لخر وانه لا بد أن يبدأ كل من المسرحين القومي المصري والسوداني في التواصل مع بعضهما البعض، تحت مظلة وزارة الثقافة المصرية.
ويضم الوفد السوداني كل من الناقد الدكتور عز الدين هلالي أستاذ الموسيقى والدراما، والدكتور حاتم محمد أستاذ الموسيقى ومدير فرقة المسرح القومي بالسودان، والمؤلف نصر الدين عبد الله خميس، سينوغرافيا مبارك محمد عمر، إبراهيم الطيب، عادل قطر، محمد حسن صالحين، أمنية فتحي محمد، أمل محجوب داود.
يذكر أن المهرجان القومي للمسرح المصري تقيمه وزارة الثقافة في الفترة من 19 يوليو الحالي وحتى 2 أغسطس المقبل.
 

 


سمية أحمد