في ندوة «أبناء الحبلي» بأتيليه القاهرة «دراما الواقع وواقع الدراما» بين الحاضر والتاريخ

في ندوة «أبناء الحبلي» بأتيليه القاهرة «دراما الواقع وواقع الدراما» بين الحاضر والتاريخ

العدد 561 صدر بتاريخ 28مايو2018

تعد المسرحية الشعرية «أبناء الحُبلي» للشاعر والكاتب المسرحي محمد سيد عمار التي صدرت مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة نصوص مسرحية من المسرحيات الشعرية الدرامية جيدة الصنع، التي تسير على نهج مسرح صلاح عبد الصبور، هذا ما ألمح إليه نقاد الندوة التي أقيمت لمناقشة المسرحية الأسبوع الماضي، بأتيليه القاهرة الدكتور أسامة أبو طالب أستاذ النقد والدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية، والدكتور وائل علي السيد أستاذ مساعد بكلية التربية جامعة عين شمس. ويقول الناقد محمود كحيلة في مقدمته للمسرحية التي حملت عنوان «دراما الواقع وواقع الدراما» أن هناك خيطا رفيعا بين الدراما والواقع استطاع محمد سيد عمار رسمه بعناية، كما وصف لغة الكتاب بأنها لغة مسرحية شعرية فريدة من نوعها، حيث تتدفق الموضوعات المختارة من التراث المصري والعربي بحرفية لترصد الآني، وتعطي رسالة درامية للحاضر والمستقبل أيضا، مشيرا أيضا إلى أن محمد سيد عمار تحرك بكل حرية وبساطة بين الخاص والعام وبين الحاضر والتاريخ، ما أسهم بشكل كبير في عرض الأفكار بكل سلاسة وبساطة.
وفي الندوة التي أدارها د. عماد حسيب أستاذ ا?دب بكلية الآداب جامعة أسيوط، تحدث د. أسامة أبو طالب عن ثنائية الشعر والدراما في نص «ابن الحبلى» وكيف نجح المؤلف في تضفيرهما معا بحيث لا يطغى الشعر على القيم الدرامية. أضاف: أن محمد السيد عمار لم يثقل علينا بالخطب الوطنية، كما لم يحل بديلا عن شخصياته ويتحدث بالنيابة عنها، إنما استطاع أن يخلق شخصيات درامية تتحدث بلسانها رغم تعددها، مشيرا إلى أن المؤلف وفق بشكل جيد في التغلب دراميا على بعض المناطق بالمسرحية التي كان من الممكن أن تغلب فيها العاطفية الوطنية والحماس الغنائي.
تحدث أبو طالب عن خطورة الشخصيات النمطية وقدرتها على تهديد كتاب الدراما، والإيقاع بهم في فخ التنميط، مؤكدا أن مسرحية محمد سيد عمار تخلصت وبشكل كبير من الشخصيات النمطية، وقدمت اجتهادا ملحوظا في تجاوزها، حتى إنها نجحت في تقديم لغة خاصة لكل شخصية بدءا من شخصية البغي، مشيرا إلى أن تلك مسألة بالغة الصعوبة، وقد حققها المؤلف في الكثير من المشاهد، خاصة في مشهد الغوغاء حيث تختلط الأصوات.
تحدث أبو طالب أيضا عن أهمية معرفة ناقد المسرح الشعري بالشعر والدراما معا، مشيرا إلى أن الناقد إذا لم يكن يعرف الشعر ويعرف الدراما فستمر عليه الكثير من التفاصيل – مر الكرام – موضحا أن النص به بعض الفقرات والجمل النثرية في حد ذاتها، ولكن المؤلف أبدع في وضع بعض اللمسات اللغوية التي جعلت منها شعرا، وأن شعر محمد السيد عمار يمتاز بالبعد عن النبرة العالية الخطابية ما يعلي من قيمة الدراما في المسرحية، حيث لا تشير اللغة إلى نفسها على حساب المشاهد الدرامية، وهو ما وفق فيه بشكل كبير، مؤكدا أن لغة النص «مستوية» تدهشنا وتجذبنا.
وأشار د. أسامة أبو طالب إلى أن الكاتب يستطيع في المسرحية الشعرية أن يكتب قطعا منثورة أو أن يكتب بأوزان أقرب إلى النثر، مستفيدا من الموسيقى اللامقامية حيث يمكن كثر القوالب والخروج من مقام لمقام، وهذه مهارة ظهرت بشكل واضح في مسرحية «أبناء الحبلى».
كذلك تحدث أبو طالب عن تصميم المشهد الافتتاحي في المسرحية، مؤكدا أنه لا يقل أهمية عن تصميم المشهد الرئيسي - الماستر سين - وقد نجح المؤلف نجاحا حقيقيا في تصميمه دون ملل وبتشويق، كما أن المؤلف قد وفق بشكل كبير في عملية إحداث الصدمة وخلق التوقع المعاكس، ما يخلق حالة التوتر والتشويق لدى المتلقي، بالإضافة إلى إحداث حالة الدهشة، وهو شيء جيد وجميل تمت صياغته بالمستوى المطلوب وهو ما تجلى بشكل واضح في بعض مشاهد المسرحية ص 24 و25 وص43، مؤكدا أن المسرحية حققت حالة شديدة الخصوصية من التشويق، والإدهاش دائمة ومستمرة، مشيرا أيضا إلى أن المشهد الحواري الذي دار بين الناقد وعثمان كان مشهدا دراميا مهما ومنشطا للحدث ومتخلصا من أي ملل من الممكن أن تحدثه شخصية الناقد بداخل النص، وأن الكاتب برع بشكل كبير في كتابه الكثير من المشاهد، وأنه صاحب عقلية درامية كبيرة.
كما أشار أبو طالب لبعض السلبيات التي رآها في النص كتناول الكاتب لشخصية السلطان، ببعد طوباوي واحد، كما رأى أنه كان من الممكن الاستغناء عن شخصية العز بن عبد السلام، التي لم تكن مؤثرة بشكل جيد داخل الأحداث – حسب قوله على عكس الشخصية الحقيقة للعز بن عبد السلام وتأثيره الكبير في الوجدان الشعبي المصري.
وتطرق الدكتور أسامة أبو طالب لدور الناقد الحقيقي، مشيرا إلى أنه ليس له أن يضيف للعمل ولا أن يعدل داخل النص ويجب أن يرى العمل الفني كما هو بذاته وبذاته.
وختم أبو طالب مداخلته بتقديم الشكر للكاتب محمد سيد عمار على هذا النص الشعري الثري، مؤكدا على عقليته الدرامية وقدرته على النسج الدرامي الشعري، وتخليق العلاقات بين الشخصيات، بما أثرى النص.
فيما قال الدكتور وائل علي السيد الأستاذ المساعد بكلية التربية جامعة عين شمس أن مسرحية محمد السيد عمار تنتهي بالخير مهزوما، وأن فيها الكثير من مسرحية «مسافر ليل» للكاتب الكبير صلاح عبد الصبور، وأنها حملت أيضا شعورا بالانهزامية ولكن مع وجود أمل، كما عالجت عملية القضاء على الثورة بالثورة المضادة، وعلى الرغم من ذلك ظل الأمل موجودا.
وتابع علي السيد: «عثمان بن الحبلي» اسم تراثي مستوحى من سيرة الظاهر بيبرس، وهو شخصية شعبية استطاع محمد السيد عمار أن يوظفها في هذا العمل الدرامي المسرحي، وأن يستخدمها استخداما رائعا راقيا، كما استطاع أن يسقط بنصه إسقاطات معاصرة لم تخطر على البال، مذكرا بأن الشخصية التراثية عثمان بن الحبلى هو الذراع اليمني للظاهر بيبرس، وأنه كان يصنف كشخص مروع للأمن وكان قاطعا للطريق ولصا، وأن هذه اللصوصية كانت ظاهرة من الظواهر التي انتشرت في العصر المملوكي فيما سمي بالشطار والعيارين، وتحدث عنهم الدكتور رجب النجار في كتابه الشهير الذي صدر عن عالم المعرفة.
وتساءل: عنوان المسرحية «أبناء الحبلى» في حين أن الشخصية الرئيسية هي عثمان بن الحبلى فمن أين جاء الجمع؟ أجاب أن الشعب الذي يبشر بخروجه الكاتب في نهاية المسرحية، هو ما يشير إليه العنوان، حيث يخرج المنهزمون ويثورون على الظلم والقهر. مضيفا: أشار علي السيد أيضا إلى أن الكاتب لم يكتفِ بالاستلهام من التراث الشعبي فقط وإنما استلهم التاريخ أيضا، وخصوصا من هذه المرحلة التي تحدث فيها عن مرحلة نهاية العصر العباسي والأيوبي وبداية عصر المماليك، والتي تجلت في استدعاء شخصية الإمام العز بن عبد السلام، وهي مرحلة مهمة جدا في التاريخ والأكثر حرجا في تاريخ العرب والمسلمين والتاريخ المصري على وجه التحديد، مؤكدا أن الكاتب وفق بشكل كبير في التوظيف التراثي والتاريخي.
أما عن أشكال الصراع الدرامي بداخل العمل المسرحي فقال إن هناك صراعا ذا أبعاد متعددة، اجتماعي، وسياسي وعاطفي، يتمثل الصراع الاجتماعي في شخصية عثمان وكيف أنه شخص فقير جاء من قلب الصعيد ومن المناطق المهمشة المتدنية في الوضع الاجتماعي، وأن الكاتب معني بشكل كبير بهموم تلك المناطق، وقد فوجئ عثمان بعد قدومه إلى القاهرة بمطاردة الشرطة له واتهامه بالسرقة، ما يضطره إلى الاحتيال والتخفي في زي امراة، لينمو الصراع الذي وفق محمد السيد عمار في صياغة، كما وفق بشكل كبير في اختيار أسماء الشخصيات لتكون معبرة بشكل كبير عن شخصياتهم الدرامية كشخصية “على المائل” وهو شيخ الصوفيين والرجل الفاسد في الوقت ذاته.
تناول الدكتور علي السيد شخصيات المسرحية بالتحليل مؤكدا جدارتها الدرامية، ونجاح الكاتب في أن يصنع لها تاريخا ولغة.
محمد سيد عمار شاعر وكاتب مسرحي، صدر له الكثير من النصوص المسرحية، هي: قبل أن يموت الملك، ثنائية الحلم والسقوط، وملك العرب، موال العشق والغربة، والشقة، كدب × كدب، الكباش، حصل على الكثير من الجوائز المسرحية مثل جائزة الشارقة للإبداع العربي، وأفضل مسرحية من المجلس الأعلى للثقافة، وجائزة أفضل مسرحية في مسابقة محمد تيمور من الهيئة العامة للكتاب.
 

 


سمية أحمد