جاهين.. نظرة من البؤس والحقيقة..  و(عجبى)

جاهين.. نظرة من البؤس والحقيقة..  و(عجبى)

اخر تحديث في 2/3/2020 6:43:00 PM

 

 

عجبي عليك يازمن

يابو البدع.. يامبكى عيني دماً

إزاى أنا أختار لروحى طريق

وأنا إللى داخل فى الحياة مُرغماً

                        و(عجبى)

من خلا التعابير والإيحاءات الكامنة بها ملامح من الثقافة المصرية، يكشف لنا صلاح جاهين في الكثير من رُباعياته وقصائده وأعماله الدرامية والمسرحية عن الشخصية المصرية وعجبه منها أولًا، كما يعجب من الزمن، والحال والحالة، والعم والخالة والدقيق والنُخالة، والعالمة والدلالة، والدنيا والدين، ولون الشمس فى عز (القيالة).

ليس العجب من الإستنكار دائمًا ولكن؛ ليعبر عن الابداع الثقافى أو الابداع فى الطبيعة ومُجريات الأمور وما يأول لها من أحداث، جاهين إبن شبرا الشاب الخمسيني أبو بهاء وأمينة وسامية والذى حظي بزوجتين سوسن ومُنى، صاحب الليلة الكبيرة و زوزو وهو وهى.

 

مُرغم عليك ياصبح مغصوب ياليل

لا دلختها برجليا ولا كان لى ميل

شايلينى شيل.. دخلت أنا فى الحياة

وبكرة هأخرج منها.. شايلينى شيل

                        و(عجبى)

وما كان لى أن أقول سوى (شد حيلك.. حال الدنيا)، هذا ما يُشير له جاهين شكواه من أمرٍ طبيعي كُتب على بنو البشر وهو أن يمروا برحلة الحياة محمولين، مُستغرقين القليل ليُحملوا مرة أخرى إلى لحدهم، وبدأ بالزمن وهى البداية الحقيقية مُخاطبًا مُفرداته من نهارٍ وليل، مُستنكرًا حين قال (ولا كان لى ميل). ولكنه أغفل بتلك النظرة الواقعية البائسة دورة الحياة وما بها من مفردات آخرى تستحق التوقف فقد إختزل الأمر فى حامل ومحمول ونهار وليل.

 

أنا شاب لكن عُمرى ولا ألف عام

وحيد ولكن بين ضلوعى زحام

خايف

ولكن خوفى منى أنا

أخرس

ولكن قلبى مليان كلام

                        و(عجبى)

 

يصف المصير مُستخدمًا الزمن والذى قدره بألف عام، ووحدته وما يحويه فى صدره من زخم وشكوي وأهات، خائفًا من ذاته، غير قادر على الوصف والكلام ناعتًا نفسه بالأخرس الذى لا يملك المهارة أو الجرأة مُتقيدًا بأحبال الزمن، تُزاحم صدره الهموم والأهات فعمره ليس بالهين إنه ألف عام.

 

ياطير ياعالى فى السما طظ فيك!

ما تفتكرش ربنا مُصطفيك

برضك بتاكل دود وللطين تعود

تمُص فيه ياحلو ويمُص فيك..

                        و(عجبى)

حين تأتى هذه القصيدة على مسامع عاشق حجمته الفوارق الإجتماعية عن محبوبته، ليتوالد منه أحقاد كاذبة، ليعود إلى فكرة أنها محمولة إلى مصير اللحد مُضيفًا مُفردة جديدة وهى المَخلوق الذى يُساعد على العودة للأصل من الطين وإلى الطين (الدودو)، أما النظرة الغير مُطوعة لفكر العاشق، هى نظرة الإنسان للطير الحر فى السماء والأرض، ليحقد عليه الحقد الحقيقي فلا عشق ينتابه رُبما إعجاب بشكله وإستهانة بقدراته التى تتركز فى إنطلاقه فى السماء وحُريته فى أن يرسو فى أي محطة أو يُهاجر دون قيود، ويعود ليصفه بالغير مُصطفى وأنه أكل للدود الحقير، الذى كما يأكله سوف يقتات عليه فى مسواه الآخير حين يرقُد مُستسلمًا له.

 

لا تجبر الإنسان ولا تخيره

يكفيه ما فيه من عقل بيحيره

إللى النهارده يطلبه ويرضاه

هو اللى بكره يشتهي يغيره

                        و(عجبى)

إنطلقًا من القرآن الكريم الذى وصف الإنسان أنه ظلومًا جهولا، فحينما إختار الإنسان الأمانة دون أن يعرضها الله عليه بقوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}، ليعيد علينا جاهين بإختيارات الإنسان ومدي رغبته فى التبديل والتغيير والإنتقاد الذي يصل للذات، مُحكمًا شهوته  فى التغيير ربما إشتهى الدنيا وبدل رغبته فى أواخر أيامه، ربما إشتهى إمرأة وتزوجها وتبدلت عاطفته بالميل لآخرى، والأمثلة كثيرة فى ميول الإنسان وتقلبه حول إرضاء نفسه، هذا مُنطلق يبرز لنا مدي إيمان جاهين ومعرفته بالإنسان، حيث يطل علينا بإطلالات عديدة من خلال كلمات المُستلهمة من سياقات الطبيعة والتجارب الإنسانية والأديان.

 

ياعندليب ما تخافش من غنوتك

قول شكوتك وإحكي على بلوتك

الغنوة مش هتموتك إنما كتم الغني هو إللى هاموتك

                        و(عجبى)

فى عرض آخر من عروض جاهين ينصح الإنسان فى صورة الطير (العندليب) .. بوح وأحكي على مكنونك فى صورة أغنية كي تصل، فالغناء لن يميت صاحبه، فقط غرد والأدق (فضفض)، لأن كتمان ما فى الصدر يميت صاحب البلوى.

 

إنشد ياقلبى غنوتك للجمال

وأرقص فى صدري من اليمين للشمال

ما هوش بعيد تفضل لبكره سعيد

ده كل يوم فى ألف ألف إحتمال

                        و(عجبى)

وأخيرًا دعوة للأمل (الحذر) فقد أمر جاهين قلبه  أن يغنى مغردًا لكل جميل، وبفعل الشدو، يرقص، يهتز، يقفز من يمين قفصه لشماله، وهذا لإحتمالية أن يظل سعيد للغد وهذا أقصى آماله.. فقط للغد، لنعود إلى الزمن الذى يتقلب ويقلبنا فى جنابات إحتمالاته!

من فعاليات معرض الكتاب جاهين:

https://www.gocp.gov.eg/articles.aspx?ArticleID=77671


محمد ابراهيم

محمد ابراهيم

راسل المحرر @