التقويم المصرى.. هنا بدأ التأريخ

التقويم المصرى.. هنا بدأ التأريخ

اخر تحديث في 10/24/2019 8:23:00 PM

محمد إمام صالح

تؤكد الشواهد على أن المصريين القدماء قد توصلوا إلى حساب زمني لا يكاد يختلف عن حسابنا فى الوقت الراهن؛ ولما ارتبطت الدورة الزمنية فى مصر القديمة بالفيضان، الذى ارتبط بالتقويم الشمسى وليس القمرى، فقد لاحظ المصريون القدماء أن الفيضان يأتى فى توقيت ثابت كل عام، وهو يوم ظهور نجم الشعرى اليمانية، الذى أسماه المصريون "سوبدت" وأطلقوا عليه لقب "جالب الفيضان"، واعتبروا ظهوره فى الفجر المبكر الموافق تقريبا ليوم 19 يوليو فى التوقيت الحالى، هو أول يوم فى أول فصل فى السنة.

 وعلى هذا الأساس قسم المصريون السنة إلى ثلاثة فصول مرتبطة بالزراعة وهى:

-        فصل آخِت، وهو فصل الفيضان ويبدأ من منتصف يوليو وينتهى فى منتصف نوفمبر، وفيه تتهيأ الأرض للزراعة والبذور

-        فصل برت، ويبدأ من منتصف نوفمبر وينتهى فى منتصف مارس، وهو فصل الإنبات حيث تنبت الزروع فى الأرض

-        الفصل الثالث هو فصل شمو، ويمتد من منتصف مارس حتى منتصف يوليو، وهو موسم الحصاد

وقسم المصريون القدماء السنة إلى اثني عشر شهرا، أطلقوا عليها أسماء معبوداتهم، وكانوا يقيمون الاحتفالات فى كل شهر باسم المعبود الذى يسمى الشهر باسمه.

1.      توت: مشتق من كلمة "جحوتى"، معبود الحكمة والمعرفة، وكان الاحتفال به فى كل أنحاء البلاد لمدة أسبوع، وهو ما يسمى حاليا بعيد النيروز

2.      بابه: وهو مشتق من كلمة "آبى" أو "أوبت" وهو العيد الطيبى

3.      هاتور: مشتق من كلمة "حتحور" ربة الجمال، وربما لأن فى هذا التوقيت تكتسى الأرض بالزراعة

4.      كيهاك: وهو مشتق من كلمة تعنى اجتماع الأرواح

5.      طوبة: ربما يكون مشتق من الكلمة المصرية القديمة "شف بط"

6.      أمشير: مشتقة من كلمة "مسير" أو "مشير" وهو عفريت الزوابع

7.      برمهات: والذى ارتبط بالملك أمنحتب الأول الذى أُله بعد وفاته

8.      برموده: نسبة للمعبود رننوت ربة الحصاد

9.      بشنس: نسبة للمعبود خونسو رب القمر بطيبة

10.    بؤنة: قد يكون نسبة للوادى الحجرى بطيبة

11.    أبيب: نسبة إلى عيد أبيبى والذى يمثل انتصار الخير على الشر فى صراع "حورس" و"ست

12.    مسرى: مشتق من كلمة مس رع أى المولود لرع.

ولا يزال هذا التقويم مستخدما حتى يومنا هذا فى الزراعة ويعرف باسم السنة القبطية.

كما قسم المصريون القدماء اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، اثنتا عشرة ساعة للنهار ومثلهم لليل وكان هناك كهنة يسموا "الأونوت" لتحديد الساعات، وحيث استخدم المصريون التقويم الشمسى، فلم يلحظوا أن السنة تتكون من 365 يوما وربع يوم؛ وهذا يعنى أن السنة المدنية ذات الشهور تتأخر عن السنة الشمسية المستخدمة فى تحديد الأجرام يوما كاملا كل أربع سنوات، ولا يحدث التوافق بينهما إلا مرة كل 1460 سنة، وهو ما يعرف بدورة نجم الشعرى اليمانية، وبمرور الزمن، بدأ يحدث التغيير، فأصبحت فصول التقويم لا تتطابق مع الفصول الحقيقية، وفى الأسرة التاسعة عشر كُتبت بردية يشكو صاحبها من أن الشتاء جاء فى الصيف، واضطربت الساعات وانعكست الشهور.

وفى الثالث من مارس عام 237 ق.م أطلق بطلميوس الثالث "مرسوم كانوب"، معلنا فيه إدخال يوم سادس إلى أيام النسئ الخمسة مرة كل أربع سنوات، حتى يمنع ذلك الاضطراب، وتأتى الأعياد فى مواعيدها؛ ولكن سرعان ما أهملت تلك المحاولة، وظل الوضع كما كان قائما، حتى جاء يوليوس قيصر وطبق هذا الإصلاح فى روما، وفى عام 30 ق.م فرض الإمبراطور أغسطس التقويم اليونانى المكون من 365 يوما وربع يوم؛ ولكن المؤرخ ديودور الصقلى نسب هذا التعديل للمصريين أنفسهم.

وفى القرن الرابع عشر الميلادى أدخل البابا جريجورى الثالث عشر إصلاحا جديدا وهو ما يعرف حاليا بالسنة الميلادية، ويؤكد لود فيك بورخاردت أن المؤرخ اليونانى سانسيرون قد سجل ظاهرة اجتماع نجم الشعرى اليمانية وشروق الشمس فى عام 137م، مما يعد نقطة ارتكاز قوية تقوم على قرائن علمية فلكية ثابتة، لتحديد متى بدأت فترة الشعرى اليمانية، وما علينا سوى أن نعود زمنيا فترة 1460 عام، وبعملية حسابية بسيطة نستطيع أن نحدد أعوام 1317، 2772، و4225 ق.م هى أعوام دورة نجم الشعرى اليمانية، لذا يفترض بعض الباحثين إلى أن يوم 19 يوليو من عام 4241 ق.م هو أقدم تاريخ لمعرفة المصريين للتقويم.

هذا وقد أشارت الوثائق المصرية إلى أن دورة الشعري اليمانية ثلاث مرات على أقل تقدير فى فترات متباعدة أولها فى وثائق العام السابع من حكم الملك سنوسرت الثالث حوالى عام 1872 ق.م، والمرة الثانية فى عام 1536 ق.م فى عهد الملك أمنحتب الأول، والمرة الثالثة خلال عهد الملك تحتمس الثالث فى عام 1469 ق.م، أما عن كيفية قياس الوقت فقد ذكر أحد كبار الموظفين فى عهد الملك بيبى الأول، أنه كان يعد كل ساعات العمل التى تفرضها القوانين.

 ويحدد كهنة الأونوت -والتى تعنى الساعة-، الساعات لإقامة المراسيم الدينية، وكانت هناك الساعات الرملية أو المائية لتحديد الساعات خلال النهار والليل. وتكون الساعة على شكل إناء قمعى طوله ذراع تقريبا، وكانت سعة الإناء وقطر الثقب مُعد لتسفط منه قطرات الماء أو الرمل فى مدة 12 ساعة.

وغالبا ما كانت تُزين الواجهة الخارجية للإناء بأشكال فلكية، وفى الداخل كان هناك اثنا عشر شريطا رأسيا يفصل بينهما أفاريز ذات عدد متساو: وقد استخدمت المزاول فى استخدام الوقت، ومنها نوعان: الأول يقاس به طول الظل، والنوع الثانى يعين به زاوية اتجاه الظل، وكان من يقوم بتحديد الوقت يعتمد على مدى ارتفاع الشمس لتقدير الوقت أثناء النهار، أما فى الليل فكانت تُعين الساعة بملاحظة النجوم، أو باستخدام مسطرة مشقوقة وزاويتين بهما خيط ينتهى بثقل من الرصاص، تُسمى "مِرْخِت"، وينبغى أن يقوم بالقياس بهذه الطريقة اثنان، أحدهما راصد والآخر شاهد، ويقفا أمام النجم القطبى الشمالى، ويستعين الراصد بلوحة معدة لهذا الغرض وتستخدم لمدة 15 يوما، وبواسطتها يمكن تحديد موقع نجم معين فى الساعة الأولى أعلى الشاهد، وفى ساعة أخرى تكون فى موضع آخر.


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @