الطب الشعبى.. تأصيل تراثى وبديل اقتصادي

الطب الشعبى.. تأصيل تراثى وبديل اقتصادي

اخر تحديث في 4/23/2019 2:27:00 PM

 د. سامح شوقي

الطب التقليدى (الشعبى) عُرف لدى البشرية منذ آلاف السنين، فمنذ فجر التاريخ والإنسان يحارب الأمراض باستخدام الوصفات الطبية الشعبية، واكتشف العديد من النباتات التى استخلص منها عناصر علاجية لعلاج أمراضه، وقد توارثت الأجيال تلك الوصفات الطبية الشعبية وأساليب العلاج بحثا عن الشفاء، ولبعض هذه الأساليب العلاجية جذور قديمة ترجع لحضارة المجتمع ذاته، أو لحضارات أخرى انتقلت إليه عبر الترحال والتبادل التجارى، فالطب الشعبى عامة وثيق الصلة بحضارة المجتمعات فهو تراث شعبى جمعى ينتقل عبر الأجيال وخاصة إذا كانت الوصفات العلاجية مجربة وذات نتائج إيجابية؛ فقد يتمسك بها المجتمع ويتوارثها من جيل إلى جيل، فالأجيال الحديثة لا تعرف جذور تلك العلاجات كل ما يعرفونه أنه علاج فعال متوارث من الأجداد انتقل إليهم بالشفاهة عن طريق الآباء، فالطب الشعبى ينم فى حد ذاته عن المعارف والمهارات والممارسات العلاجية المبنية على المعارف والخبرات الشعبية لدى أى مجتمع والتى يستخدمها لعلاج الأمراض الجسدية، ويشمل الطب الشعبى مجالات واسعة فى طرق العلاج والتى تختلف باختلاف الأقطار حتى أن هذه الممارسات العلاجية تختلف بين بلدان القطر الواحد وتختلف أيضا بين مجتمعات البلد الواحد، وقد يتجه أفراد المجتمع لتلك العلاجات الشعبية "انطلاقا من كونها تؤدى وظيفة، وتشبع حاجات ملحة من خلال ظروف هذا المجتمع وواقعه" (1).

وتتجه فئة كبيرة من أفراد المجتمع المصرى لتلك العلاجات بدافع اعتقادى لما لها من جذور فى الطب النبوى الشريف، وينسبون اتجاههم لهذا النوع من العلاج تيمنا بسنة النبى صلى الله عليه وسلم، ومالبث أن حدثت الثورة العلمية والتقدم العلمى فى شتى المجالات وكان من ضمن هذه المجالات الصحة والعلاج فأهمل العالم العلاجات الشعبية واتجهوا للعلاجات الحديثة المخلقة كيمائيا ذات التأثير العلاجى السريع والفعال، ولكن مع مرور الوقت بدأت فى الظهور سلبيات تلك العلاجات الحديثة مما جعل العالم الغربى يفيق على ما أحدثته تلك العلاجات الحديثة ويعاود البحث عن العلاجات الشعبية القديمة وخاصة العلاجات النباتية لما اكتشف مما تحمله من فوائد طبية دون آثار جانبية على المريض، وبدأ العلماء فى استخلاص المواد الكميائية الفعالة من النباتات وأطلق عليها أسم النباتات أو الأعشاب الطبية، واستخدم العلم فى طرق تجفيفها وتحضيرها وتغليفها بدلاً من الطرق الشعبية التى كانت متبعة وذلك تفاديا لبعض الأخطاء التى كانت تفقد النباتات جزءًا كبيرًا من قيمتها العلاجية، ومن هنا ظهرت الثورة العلاجية الحديثة وهى الاتجاه للطرق العلاجية الشعبية المتوارثة وانتقلت هذه الثورة من العالم الغربى إلى العالم العربى، وقد ازداد العالم العربى اهتماما بهذا الطب البديل كونه يعظم بعض الأساليب التراثية والشعبية كنوع من إثبات الذات والوجود بين العالم المتحضر، فالطب البديل هو علاج أو ممارسات طبية ولكنها تقع خارج نطاق النظام الطبى السائد فى المجتمع ومع إجراء الأبحاث العلمية عليها وإثبات صحتها وفاعليتها طبيا قد تصبح ضمن الممارسات الطبية المعتادة، ومن هنا تكمن أهمية دراسة العلاجات الشعبية وخاصة فى المجتمع المصرى الذى يتعرض لتغيرات بنائية كثيرة، وفى فترات متباينة ويرجع ذلك لزيادة عدد السكان، والذى أدى بدوره إلى زيادة الهجرات وخاصة من الريف إلى المدينة، ومن مدينة إلى أخرى سعياً وراء الرزق حيث ينتقل الفرد بعاداته وتقاليده وثقافته والتى يمكن أن تتغير تبعا للحياة الجديدة كما يحتفظ البعض بثقافاتهم وهم من يطلق عليهم "المحافظون"، وخاصة أهل الريف فليس من السهل عليهم التخلى عن عاداتهم، وإذا كانت مقتضيات الظروف الاقتصادية تتطلب إيجاد مصادر جديدة للثروة كأن تعمل مثلاً على تهجير أهل الريف من مكان إلى آخر فليس معناه أن يتخلى الريف عن كل ما يعتز به من تراث (2).

بعض المفاهيم العلاجية التى يدور حولها الطب الشعبى مثل الممارسات العلاجية الشعبية، الطب الشعبى، الطب العربى، الطب النبوى والطب البديل، وقد تم الاستعانة ببعض الدراسات الخاصة بهذه المجالات لمعرفة هذه المفاهيم، وقد أوجزناها فى عدة نقاط وهى :

1- الممارسات العلاجية الشعبية:-  هى ممارسات يقوم بها أفراد المجتمع بغرض العلاج، وتعرفها سعاد عثمان فى دراستها الطب الشعبى بأنها ممارسات تتضمن أفعالا أو سلوكا فعليا واضحا بعضه منزلى يتم داخل نطاق الأسرة، والآخر غير منزلى يشمل ممارسات احترافية جراحية كالحمصة، والخزام وغيرها، وممارسات اعتقادية كزيارة الأولياء للعلاج، أو إقامة الزار، ثم ممارسات مستحدثة تستند غالبا إلى معلومات علمية بعضها مستعار من ثقافات أخرى كالإبر الصينية، أو تمت استعارته من جذور تاريخية قديمة، كالعلاج بالموجة الذاتية (3) .

أما عن اندثار أو استمرار ممارسات الطب الشعبى فيذكر لنا محمد أحمد غنيم أن ممارسات الطب الشعبى لن تختفى بل على العكس قد نجدها قد ازدهرت نتيجة للتعقيدات والتكلفة الباهظة للطب الحديث وارتفاع أسعار الأدوية وعدم الاطمئنان للنتيجة المرجوة قد خلق عوامل محفزة لإحياء الممارسات الطبية الشعبية القديمة (4).

2- الأعشاب والنباتات الطبية :- لا يمكن فصل مصطلح أعشاب عن مصطلح أعشاب ونباتات طبية، ويعرف أحمد أنور عيسى النباتات الطبية أو الأعشاب الطبية أو التداوى بالأعشاب أو الطب الشعبى، كل هذه مرادفات لمعنى واحد هو استخدام الأعشاب الطبية فى علاج بعض الآلام والأمراض التى يعانى منها بنو البشر (5).

يعتبر العشابون كل نبات يتضمن أجزاء مفيدة من النواحى الوقائية أو العلاجية عشبا (6) يعرفها محمد الجوهرى بأنها فى المصطلح العلمى أى نبات حولى، أو ثنائى الحول، أو معمر، لا تكون بسوقه أنسجة خشبية كافية يموت فى نهاية موسم نموه، وتفترق الأعشاب من الشجيرات والأشجار والمتسلقات، وبها جميعا أنسجة خشبية (7).

3- الطب العربى: يقصد به العلاجات التى كانت سائدة فى العالم العربى قديما والتى برعوا فيها وسجلت بأسمائهم ويعرفه نبيل صبحى حنا يقصد بالطب العربى فنون الطب التى كانت سائدة لدى العرب منذ فجر تاريخهم، وخاصة تلك الأساليب الطبية التى برعوا فيها أو كان لهم فيها فضل الريادة على العالم، كما يقصد به طرق العلاج العربى التى مازالت سائدة حتى الآن (8).

 4- الطب النبوى: الطب النبوى يقصد به ما تطبب به النبى (ص) من وسائل العلاج التى كانت سائدة فى الجزيرة العربية والتى أوصى باستخدامها فى علاج الأمراض ويعرفه محمد صديق بأنه الطب الذى تطبب به النبى صلى الله عليه وسلم ووصفه لغيره، وهذه الوصفات العلاجية على نحو ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم فى كتب السنة النبوية قد يكون علاجا بالأدوية والأغذية مما كان ذائعا بين أهل القرى والبوادى فى عصره، وقد يكون علاجا بالقرآن والأدعية والأذكار، والرقى (9).

5- الطب البديل: وتعرفه موسوعة علم الإنسان بأنه استخدم هذا المفهوم عادةً للإشارة إلى طائفة واسعة من الممارسات العلاجية أو الدوائية التى لا تنتمى إلى تراث الممارسة الرسمية المتخصصة للطب الغربى التقليدى، وترجع أصول هذه الممارسات والوصفات العلاجية إلى تراث الطب الشعبى أو التقليدى، سواء كان محليا أم مستوردا، والذى تتخذ ممارسته قدرا من الرسمية تبعا لتاهيل وكفاءة ممارسيه (10).

المراجع:

  1. محمد الجوهرى، علم الفولكلور، دراسة فى الأنثربولوجيا الثقافية، الجزء الأول الطبعة الثالثة، دار المعارف، سنة 1978م، ص66، 67.
  2. حكمت أبوزيد، التكيف الاجتماعى فى الريف المصرى، الشركة الدولية للطباعة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى، سنة 2006م، ص 27.
  3. سعاد عثمان، الطب الشعبى دراسة فى اتجاهات التغير الإجتماعى فى المجتمع المصرى، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية كلية الآداب جامعة القاهرة، الطبعة الأولى، سنة 2002م، ص 81.
  4. محمد أحمد غنيم، الطب الشعبى الممارسات الشعبية فى دلتا مصر دراسة أنثروبولوجية فى قرى محافظة الدقهلية، الطبعة الأولى، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والإجتماعية، سنة 2007، ص 26.
  5. أحمد أنور عيسى، التداوى بالأعشاب بين الحقيقة والسراب، كتاب الجمهورية، دار الجمهورية للصحافة، القاهرة، سبتمبر 2012، ص 5.
  6. المرجع السابق، ص61.
  7. محمد الجوهرى، موسوعة التراث الشعبى العربى، المعتقدات والمعارف الشعبية، المجلد الخامس، الطبعة الثانية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سنة 2011، الأعشاب، ص 95 ،96.
  8. المرجع السابق، طب عربى، ص 354.
  9. محمد رجب النجار، الطب النبوى بين الطب العلمى والطب الشعبى، مج الفنون الشعبية، ع46 يناير- مارس سنة1995، ص 30.
  10. محمد الجوهرى، مرجع سابق، موسوعة علم الإنسان، ص 343 .

 


محرر عام

محرر عام

راسل المحرر @