ما زالت تبوح بأسرارها.. رؤية تشكيلية لرواية الأرض في رسالة دكتوراه

ما زالت تبوح بأسرارها.. رؤية تشكيلية لرواية الأرض في رسالة دكتوراه

اخر تحديث في 1/31/2021 8:09:00 PM

بدوي مبروك

رواية "الأرض" واحدة من أهم روايات الأدب المصري المعاصر والتي تحولت لفيلم يحمل الاسم نفسه وصنف ضمن أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، كانت محور رسالتي العلمية التي قدمتها برؤية تشكيلية حصلت بها على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان.

الأرض.. هي الأهل والعائلة والسند والعزوة، هي الأب والأم والابن، هي الروح والدم، هي السيرة والذكرى، هى الماضي والحاضر والمستقبل، هي التي تناديك عندما تبتعد أو تغيب عنها، هي التي تحن إليها عندما يذكر اسمها في حديث أو ذكريات، هي التي تغار عليها عندما يذكرها أحد بسوء، هى التي تسقط رأسك عليها وفيها، وتنشأ وترعى في خيرها، هي التي تكبر وتتعلم وتدرس في كنفها، هي التي تعيش وتربي أولادك على حبها والوفاء لها، هي التي تعطي بسخاء، ومن الواجب علينا نحوها أن نبذل كل ما هو غال للتضحية من أجلها وعلو شأنها، فهي التي نحبها لذاتها، ولا يتأثر حبنا وتضحيتنا لها بأناسها سواء كانوا من ذوات المصالح أو من عاشقيها وهمهم رفعتها، وإن وجدت الثانية فإن حبنا لها بزيادة وحنين واشتياق وعطاء وتضحية أكثر وأكثر، فعندها يكون قد اجتمع أطراف الحب والانتماء والحنين معا، الأرض ومن يعيش عليها.

والأرض في البحث هي الوطن، هي القرية والمدينة، هى مصر، وإذا تعمقنا في التاريخ نجد أن مصر وأرضها على مر العصور تعد مركزا حتميا من مراكز القوى الطبيعية في العالم القديم، ولها دور سياسي كبير يقدره كل من يحيط بها، فقد كانت دائمًا مركز دائرة استراتيجية، لها فلك ومحيط وظل وشبه ظل ومجال مغناطيسي، ولكن هذا الدور كان دفاعيًّا في الدرجة الأولى، فكانت الامبراطورية المصرية القديمة الامبراطورية الأولى في التاريخ، وفي العصور الإسلامية أصبحت مصر تلقائيًّا قلعة الدفاع عن المنطقة وعن العروبة والإسلام، والحقيقة أنه لا وسط في تاريخ مصر: فهى إما قوة عظيمة سائدة رادعة، وإما تابعة خاضعة عاجزة، وهي بجسمها النهري قوة بر، ولكنها بسواحلها قوة بحر، وتضع بذلك قدمًا في الأرض وقدمًا في الماء، وهي بجسمها النحيل تبدو مخلوقًا أقل من قوى، ولكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأسًا أكثر من ضخم، وهي أصغر من أن تفرض نفسها على العالم كقوة كبيرة، ولكنها أيضا أكبر من أن تخضع لضغوط العالم لتنكمش على نفسها كقوة صغيرة.  

يبدأ البحث بالحالة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الموجودة فيها البلاد أثناء كتابة رواية "الأرض" ونشرها عام 1954م، وكذلك العادات والتقاليد الموجودة داخل البيئة الريفية المصرية، وإبراز دورها في تكوين الشخصية المصرية الأصيلة، ونتطرق إلى قراءات ملخصة لطبيعة رواية "الأرض" والهدف من اختيارها، ثم يعرج إلى بعض الفنانين التشكيليين المصريين، ممن لهم علاقة من بعيد أو قريب للمعاني والأهداف التي كتبت من أجلها رواية "الأرض" وكيفية تأثرهم في أعمالهم الفنية بمضمون نص الرواية.

وانحصرت مشكلة البحث في الإجابة على التساؤلات الآتية: مامدى قوة علاقة الأجيال وخاصة الفنانين بوطنهم والمتمثل في الأرض؟ هل تعد الرواية من خلال نصها الأدبي وبيئتها الريفية المصرية هي النموذج الأسمى لابتكار معالجات جرافيكية تشكيلية معبرة عن الواقع؟ وكان من أهداف البحث تعزيز روح الوطنية والانتماء لدى الأجيال من خلال الحفاظ على الأرض، وقدم الباحث رؤيته التشكيلية في عدد من اللوحات المعبرة عن مضمون نص الرواية.

ومن الجدير بالذكر أن رواية "الأرض" هي للشاعر والأديب والصحفي والمؤلف المسرحي والمفكر الإسلامي المصري "عبدالرحمن الشرقاوى" (1920م- 1987م)، الذى ولد بقرية الدلاتون - المنوفية، وتأثر بالحياة الريفية، وكانت القرية المصرية هي مصدر إلهامه، وانعكس ذلك على روايته "الأرض"، وله أعمال مسرحية، وله العديد من الكتابات في مجال التراجم الإسلامية، وقد حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1974م، كما منح معها وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولي، ونجد أن الرواية مثال لصلابة وقوة وعظمة مصر، سواء في سحر الطبيعة في الريف المصري، وعطاء الأرض لأهلها من خير ورزق وهبة من الخالق، ومن ناحية أخرى في الشخصية المصرية وعاداتها وتقاليدها، وكيفية التضحية التى تمتلكها لأرضها، وكأنها قطعة من جسدها، فمن يمسها بسوء فقد تأكله أو تلتهمه للحفاظ على ما تملكه، وهذه هي الشخصية المصرية التى ارتبطت في قيمها الأخلاقية بنهر النيل والمياه وتقسيم الموارد بالعدالة الواجبة، ورسخت فيها قيمة الصبر إذا ما تأخرت المياه أو نضج المحاصيل، وقوة التحمل عند العمل الشاق وتقبل تقلبات الفيضان والمحصول والتكيف مع التقدم فى العمر والتماس العذر وتعويض الخسائر بالعمل والجلد، وأدى استقرارها إلى رسوخ الأسرة وتكريس حياة رب الأسرة لزوجته وأبنائه، ومعها تعمقت فضائل الأسرة، كما تمثلت في التسامح والفكاهة والتمسك بالأخلاق ورعاية التراث الخاص والاحتفالات المتصلة بالأعياد، وفي نفس الوقت استقرت في سلوكياتها روح الرضا والتوكل وضعف تقبل الجديد وتمجيد القديم والاستمرارية وكراهة التطورات المفاجئة والتقشف والصبر على المكاره خشية تقلب الأيام والتحوط للزمن الغادر إلى تثبيت قيم التعاون وكراهية المنافسة وتقبل الأفراد لبعضهم البعض.

________

* بدوي مبروك: أخصائي فنون تشكيلية بالهيئة العامة لقصور الثقافة.

المراجع:

  • بحث دكتوراه للباحث/ بدوي مبروك بمكتبة كلية الفنون الجميلة – جامعة حلوان.
  • موسوعة شخصية مصر للكاتب/ جمال حمدان. 

 

شاهد بالصور


بدوى مبروك

بدوى مبروك

راسل المحرر @