القلش الفرعوني.. هكذا ابتدع المصريون الكاريكاتير

القلش الفرعوني.. هكذا ابتدع المصريون الكاريكاتير

اخر تحديث في 10/24/2019 8:22:00 PM

محمد إمام صالح

الكاريكاتير فن ساخر من فنون الرسم يعتمد على المبالغة في رسم الأشخاص أو الطبيعة بهدف السخرية اللاذعة أو النقد لأوضاع مجتمعية مختلفة وقد عرفت أوروبا هذا اللون من الرسوم في القرن السادس عشر الميلادي، فيما عرفه المصريون في عصورهم القديمة حيث كان خيال الفنان المصري خصبا، واتسعت مخيلته وقدراته الفنية لتسجيل اللحظات المهمة في البعثات التي رافقها، أو في توثيق الأحداث اليومية في المجتمع المصري، فعلى سبيل المثال نجد في معبد حتشبسوت منظرا يمثل استقبال "بارهو" حاكم بلاد بونت للبعثة المصرية بقيادة "بانحسي"، ترافقه زوجته وقد صورها الفنان سيدة ضخمة ممتلئة الجسم، وبجوارها حمار صغير ظهرت على وجهه ملامح الشقاء، وبجوار الحمار جملة تقول "حمار زوجته" فقصد الفنان رسم ملامح الشقاء على وجه الحمار تعبيرا عن معاناته في حمل هذه السيدة الضخمة.

ولم تتوقف السخرية والنقد اللاذع عند المصريين، فإذا كان الحكيم "إيبور" قد انتقد الملك في تعاليمه في أعقاب الثورة الاجتماعية التي فتحت الباب لنقد الأمور الحياتية أو الاجتماعية بشكل كبير. فنجد الفنانين تسخر من الملوك أو الأوضاع الاجتماعية بصورة مضحكة، تكون في مجملها أقوى من ألف كلمة لوصف الأحوال؛ إذ نرى فأرًا حكيمًا يحاكم طفلاً مصريًّا عارٍ بينما يضربه قط على ظهره بعصى غليظة، ويقف الفأر في هيئة وقورة مرتديا نقبة وخلفه كرسي، بينما يركع الطفل طالبا الرحمة رافعًا كلتا يديه في استسلام، فيما ينهال القط متجهم الملامح ضربًا؛ وقد يعبر هذا الكاريكاتير عن تحكم الجبناء وغير الأكفاء لمناصب، فيما يستسلم أصحاب الأرض الذين يعاقبهم أسيادهم الذين قد يكونوا من بنى جلدتهم.

وفى منظر آخر يظهر أسد يلعب لعبة الداما - تشبه الشطرنج - مع غزال أو وعل، وتظهر ملامح السعادة على الأسد بينما يتجهم الغزال، وربما قصد الفنان انغماس الملك في اللهو كما أنه لابد أن ينتصر على الوعل كونه الأضعف، وكاريكاتير آخر تظهر فرقة موسيقية مكونة من أربعة أعضاء في حفل غنائى، تتكون الفرقة من حمار، أسد، تمساح، وفأر، يعزف الحمار على قيثارة والأسد يعزف على آلة أخرى وهما يغنيان، حيث تخرج ألسنتهم من أفواههم، أما التمساح فيعزف على آلة تشبه العود، والفأر يعزف على آلة تشبه الناى، وربما قصد الفنان التنافر في الأداء بين أصحاب المهنة الواحدة أو السلطة الواحدة، حيث الحمار والأسد اللذان من المفترض أن يكونا عدوين يغنيان معا، كما أن أصواتهم منكرة.

وفى مشهد أخر نرى قطًّا يخدم فأرًا كبير الحجم، يجلس القط على كرسى، مرتديا نقبة طويلة، ويمسك بيده زهرة يشمها، ويشير بيده اليسرى وفوقها علامة "نب" وتعنى السيد، أما القط فيخدم سيده الفأر ممسكا بمروحة أمام الفأر وأمامه كلمة "سنج" وتعنى الخوف، وربما قصد الفنان أن أصحاب القوى أصبحوا في موضع الضعف والخوف من الفأر الذى هو ضعيف وجبان بطبعه.

هذه نماذج لبعض مظاهر السخرية اللاذعة، ذات الطبيعة النقدية التي استخدمها الفنان للتعبير عن حياته اليومية في مصر القديمة، والتي تتشابه إلى حد كبير في التعبيرات الكاريكاتورية التي يستخدمها الرسامون والفنانون في وقتنا الراهن، فعمر الكاريكاتير في مصر يفوق الثلاثة آلاف عام.

_____

* عبد العزيز صالح، حس الفكاهة والكاريكاتير عند المصري القديم.

شاهد بالصور


محمد إمام

محمد إمام

راسل المحرر @