اخر تحديث في 1/20/2021 9:51:00 PM
ربما الكثير منَا لا يعرف أن سيناء حديقة مزدهرة بالأعشاب الطبيعية, فهي ليست مجرد رمال جرداء, وليست فراغا أو عازلا كما يراد لها أن تكون, أو كما يتخيل الكثير من أبناء الوادي, نعم هى مدن وقرى وتجمعات قليلة ومتناثرة فى أنحاء فضائها الشاسع, لكنها جنة الأرض كما يشعر بها أهلها, وهذا المعنى في قلوبهم يعكس تقديسهم للمكان وما تجود به أرضها العامرة بالخيرات المتنوعة, فهي مجتمع متميز من حيث الصفات والمظاهر الطبيعية والثقافية، صحراوي يحمل سمات الريف، جاذب للبدو ومثير لخيال أهل الحضر, وكذلك هو مميز من حيث علاقة الإنسان بمفردات الطبيعية المحيطة به، وتوجيه جهده المتواصل للاستفادة منها، والحفاظ عليها في الوقت نفسه.
فالإنسان في سيناء يحترم عطاء الطبيعة ويتقى غدرها، ويقدر حدود المكان ويراقبه باستمرار، لذا كان التفاهم بين السيناوية وبيئتهم سمة مميزة لهذا المجتمع, فهم يجيدون التعامل مع الطبيعة القاسية ويروضونها من أجل خلق حالة من التعايش, ربما لا تكون هى الأمثل لكنها هى الحياة, فبدو شمال سيناء على سبيل المثال يتوزعون فى بقع خضراء من النخيل الغزير والزيتون النابض بالحياة، يعرفون قيمة أرضهم الغنية المباركة التي تعتبر إحدى المصادر المهمة التي تحتوي على المئات بل الآلاف من الأعشاب الطبيعية والنباتات الطبية التي تفيد الإنسان والحيوان، وهي تنمو في أنحائها المتفرقة, مثل الحنظل والميرامية والباصول والشيح والزعتر والمرمرية والمورينجا والمجنينة وغيرها من الأعشاب التي تظهر بشكل كبير بعد الأمطار الشديدة والسيول, خاصة في الوديان وقرى لحفن والقريعة وأولاد علي, ومجرى وادي العريش، وبعض أهالي تلك المناطق يعملون في جمع الأعشاب وتجفيفها وإعادة تغليفها وبيعها لمحلات العطارة وللتجار الذين يأتون إليهم من كل المحافظات, كما أن سوق الأعشاب في سيناء مصادره مختلفة، داخلية وخارجية، وتفضل الناس الأعشاب كون أسعارها رخيصة وعلاجها سريع وليس لها أضرار على الصحة العامة.
وبدو سيناء والوافدون إليها يستخدمون النباتات الطبية في الطب الشعبي للتداوي، وبخاصة نبات الصبار والتين الشوكي وشوك الجمل، والذي يُعتبر من الأشياء المهمة التي تساعد الكبد على التخلص من السموم، والمجنينة والجرجير الصحراوي وعشبة الهنيدة التي تساعد في القضاء على الحصوات والأملاح والنقرس, والجعدة التي تفيد في علاج المسالك, وعشبة الروزماري التي تستخدم لعلاج التهاب اللوز والزور وتهدأ الجسم, إضافة إلى أن التربة والمواد التي تضاف لها تحول المواد الموجودة في النبات وتقلل السكر الموجود في الفاكهة وتغير مذاقها. ومن الروايات الشائعة أن القبائل العربية عندما استقرت في سيناء كان معها الطب النبوي، كما أنهم تعرفوا على الأعشاب الكثيرة الموجودة في سيناء وطريقة العلاج بها.
وقد اختلط الطب النبوي والشعبي السيناوي مع بعضهما، وأصبح لدينا طب شعبي سيناوي يشخص ويعالج بالأعشاب والكي والجراحة وبعض الأطعمة الغذائية, وبدو سيناء يعتبرون الأعشاب هي مصدر العلاج لهم والغذاء لحيواناتهم, ومن هنا ربما أصبح العلاج الشعبي بالأعشاب في شمال سيناء جزءًا من المعتقدات الشعبية، وهو يتميز عن بقية المعتقدات بارتباطه بالصحة والمرض، ويتعامل به الكثيرون حتى الآن خاصة البدو لمواجهة مشكلاتهم الصحية، وذلك في ضوء الخبرات والتجارب الكثيرة المستمدة من البيئة، لذا تكثر محلات العطارة في العريش، وفي الأسواق المختلفة في شمال سيناء. التي تتنوع أنشطتها بين بيع الأعشاب وخلطات أدوية الطب الشعبي، فضلاً عن النباتات العطرية.
العلاج بالأحجار الكريمة:
من طرق العلاج الشعبي التاريخية التي ترتبط بالمعتقد لدى أهالي سيناء والمجتمعات الصحراوية: الكي بالنار والحجامة والاستشفاء من خلال الرقية والخرز والأحجبة والأحجار الكريمة التي تعلق علي موضع الألم أو الرقبة. وأحيانا العلاج بالقرآن الكريم حيث يعتقدون أن رسول الله قد أوصى بذلك "كي من النار ونقطة من العسل وآية من القرآن" فيهم شفاء الإنسان.
ولا تخلو التجمعات البدوية في شمال سيناء من العلاج الشعبي, حيث وجود رجال متخصصون بطب الأعشاب وما شابه, وأيضا هناك سيدات تعملن في هذا المجال. وقد يتقاضى من يقوم بهذه العملية أجرا أو لا يتقاضى حسب الحالة والقدرة المالية للمريض, ويتمتع مجتمع شمال سيناء بشكل عام بخبرة كبيرة في مجال الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب, ويعتبر البدو أنفسهم خبراء في معرفة فوائده وطرق استخدامه.
خلطة الرشوش:
مكونات خلطة الرشوش ( الحنة- الشبة- البخور- عشبة رشوش من العطار).
طريقة تحضير خلطة أو زيت الرشوش واستخدامه:
تخلط المكونات كافة في بعضها البعض بالماء حتى تصبح سائلة, وهناك سيدة متخصصة في الرشوش ترافق المريض في الخلاء ترش خلفه خليط الماء أثناء سيره في ثلاثة أماكن مختلفة بحيث لا يلتفت لهذا الماء, وقبل عملية الرش يتم إشعال النار ويوضع فيها مسحوق بخور, ويتم وضع الشبة في إناء مفتوح "طاسة" تمرر من أعلى الرأس بشكل دائري وتوجد طريقة أخرى للرشوش بحيث يغتسل بها الشخص بنفسه في الصباح الباكر قبل الفطار, وعادة ما يستخدم الرشوش لعلاج الخضة "الخرعة", وقد حبا الله سيناء بطبيعة ومناخ خاص ساعدا في نمو أعشاب تستخدم في علاج الأمراض المزمنة التي لا يخلو منها أي بيت سيناوي.
العلاج بأعشاب المرمرية:
المرمرية تعالج القولون والتهابات الأطراف والمغص وتطهير المعدة, ويغليها البعض ويشربونها مرتين في اليوم قبل الإفطار والعشاء للتخسيس.
المورينجا عشبة الحياة:
تحتوي حبوب وورق المورينجا على مجموعة متكاملة من المعادن، ويعتبر غذاء متكاملا، وله فاعلية مضادة للأكسدة، ويصنف كمكمل غذائي, وتستخدم بعد غليها في علاج أمراض كثيرة منها السكر والضغط والقولون والتخسيس والتهاب الأعصاب والعظام.
الملح والردة وعلاج المفاصل والعظام:
يخلط الملح بالردة حتى يكون عجينا سائلا يدهن به المفاصل والعظام والظهر؛ حيث يقوم الشيخ بإشعال النار في الرمل لتسخينها, ويضع عليها النباتات الخضراء أو أطراف الأشجار الخضراء حتى لا تشتعل, ثم يوضع على تلك الأطراف الخضراء فرش لينام المريض على هذه النار حتى الصباح.
العلاج بزيت الزيتون:
يستخدم زيت الزيتون النقي المصفى في علاج الكثير من الأمراض, وهو الزيت الوحيد المعروف عنه قدرته في تفتيت حصوات الكلى والمرارة, ويتم استخدامه في علاج ذوبان الدهون الثلاثية وعلاج الكوليسترول, وهو مفيد في تنشيط الدورة الدموية, وعلاج المفاصل والعمود الفقري, ويعطي نشاطا وحيوية للإنسان, ويعتمد عليه أهالي سيناء في كل حياتهم.
وبشكل عام يعتمد الكثير من سكان البادية على العلاجات الشعبية, وهو اعتماد ليس دافعه الاعتقاد في فوائد وقدرات هذه الممارسات العلاجية الشعبية على الشفاء فقط، فالشفاء من عند الله كما يقولون عندما يصاب أحد بمرض، ولكن أيضا لعدم توفر الخدمة الصحية الحكومية في التجمعات البدوية البعيدة عن المدن والمراكز الحضرية, فنظرًا إلى حياة البداوة التي يعيشها البدوي في الصحراء الشاسعة في سيناء، ومع ضعف وجود الطب والأطباء قديمًا في العديد من المناطق الصحراوية، فقد بحث الإنسان البدوي عن أي شيء يخفف الآمه، فوجد في الأعشاب البرية وفي النباتات البسيطة في بيئته أمرًا قد يساعده في علاج بعض أمراضه، ويخفف عنه الآلام, إضافة إلى أنه وجد هناك نباتات ذات قيمة غذائية عالية, كالزعتر والمورينجا والكينوا وغيرها.