فن التزاويق.. إبداعات المنمنمات تزين تراث الشرق  

فن التزاويق.. إبداعات المنمنمات تزين تراث الشرق  

اخر تحديث في 8/25/2020 5:57:00 PM

نورا حمدي
فن المنمنمات أحد أهم الفنون التراثية للمشرق الإسلامي، ورث أصوله عن حضارات ماقبل الإسلام مثل الحضارة الفارسية، ويعد لونا خاصا من فنون الرسم الذي يصور عادات بعض المجتمعات الشرقية والآسيوية وتقاليدها ومشاهد من حياة السلاطين وعامة الشعب، فهو جزء من النص الأدبي مثال القصص الخرافية المرسومة.
كان يسمى سابقا بفن التزاويق، حيث إن استخدامه الشائع قد تمثل في تزيين الكتب الأدبية والمخطوطات القديمة بالصور المعبرة ليس فقط عن موضوعات تلك الكتب، بل أيضا عن شتى ألوان الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب.
وبعد أن كانت المنمنمات تتعرض لحياة القصور ورجال البلاط وسير الملوك أخذت التيارات الديمقراطية تتطور وتنمو في ذلك الفن ليفسح المجال للرسامين أكثر فأكثر للملامح الواقعية، وقد زودت المنمنمات مخطوطات الشعر والتاريخ والعلوم المختلفة بالصور بغرض توضيح النصوص والتعليق عليها.
حين انطلق العرب في فتوحاتهم من الجزيرة العربية لبلاد فارس وأرض الرافدين ومن مصر الي شمال إفريقيا حتى إسبانيا، كانت امبراطورية ييزنطة وفارس وشملت الفتوحات بلاد ما بين النهرين العليا وتمكن المسلمون من دك حصن بابليون وأطلقوا عليه اسم الفسطاط، وقد تأثر العرب بالسكان الأصليين لتلك الربوع؛ حيث كانت التيارات الدينية والمدارس الفكرية والإبداعات الفنية، ومما لاشك فيه أن كثيرا من المنمنمات الإسلامية استلهمت أصولها الفنية من التصوير الوارد من تلك الحضارات العريقة فضلا عن استلهام التعبيرات الفنية الراقية للعرب.


بعض المدارس الفنية لتنفيذ المنمنمات:
-    المدرسة العباسية: ومن الكتب الأدبية التي تمثلها نذكر "مقامات الحريري".
-    مدرسة السلاجقة: التي تقع تحت تأثير الحضارة الفارسية ومن أهم تشكيلاتها المصورة أعمال جمال الأصفهاني.
-    مدرسة الموصل: التي تميل في تنفيذ مخطوطاتها إلي الطابع العلمي.
-    المدرسة السورية: ويرجح انتماء مخطوطة "كليلة ودمنة" لابن المقفع في القرن الثالث عشر إلي سوريا، إنما مصر هي دولة الاقتناء.
-    المدرسة المملوكية: أثر نظام الحكم المملوكي على الطابع الفني بشكل عام وعلى المنمنمات بشكل خاص، فقد أثرت حركة التصوير على المشاهد الداخلية الواقعة وبشكل دائم بين الأطر، فلم تهجر المدرسة المملوكية التقاليد السابقة لمدارس بلاد الرافدين وسوريا فقط، حيث عكس طراز القاهرة ودمشق نماذج العناصر الواردة من الموروث البيزنطي والإسلامي معا علاوة علي المؤثرات الفارسية.
   مدرسة شيراز وأصفهان: وتعود إليها نسخة من كتاب "كليلة ودمنة" لأبي المعالي نصر الله في القرن الثاني عشر مدونة بالفارسية وتتميز مخطوطات هذة المدرسة بورودها مصورة على هيئة أشرطة مستطيلة يغلب على سطحها اللون الأحمر.
-    المدرسة التيمورية: مقسمة إلى ثلاث مجموعات:
1. سلسلة رسوم متجانسة على الورق ويوجد بعض منها على الحرير مصورة على طبقات من الألوان يغلب عليها البني- الأزرق الداكن مع لمسات من الأحمر والذهبي،  وتغلب عليها موضوعات السائحين والدراويش والمجذوبين والمخلوقات العجيبة وهي منهكة الرقص والقرع بالطبول والآلات الوترية الموسيقية.
2. رسوم يطغى عليها الطابع الصيني تكون مرسومة على الحرير ذات ألوان زاهية.
3 . رسوم تجمع بين المجموعتين السابقتين.
-    المدرسة الشيبلنية: في بخاري وتتسم ببناء ورسم المحاور العمودية والأفقية مكونة أشكال مبسطة.
-    المدرسة العثمانية: تتميز مخطوطاتها المرسومة بصغر الحجم ويظهر على المنمنمات التأثير الأوروبي إذ يحاكي رساموها الواقع.


الأدوات المستخدمة لتزويق المخطوطات: 
قلم القصب أو نصاب ريش الإوز، حيث يستخدم في تنفيذ الرسمة بقياسات متدرجة الأحجام، والمرقاش المتكون من وبر الحيوان؛ فهي أداة التصوير الفعلية حيث تعتمد تقنية التصوير المتبعة علي الأصباغ "الأحمر-الأزرق- الذهبي" المنفذة علي الورق.
مثال1: نسخة حكايات "كليلة ودمنة" التي زودت بمخطوطات عن الحيوان للفيلسوف الهندي "بيديا" التي ترجمها ابن المقفع في المدرسة العباسية من اللغه الفارسية إلي اللغه العربية والمحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس، حيث ننظر إلى منمنمة "الغربان يحرقن أعداءهم" ونرى البوم وهم متجمعين في كهفهم الصخري ، أما منمنمة "دمنة والأسد" فهي محاولة لإكساب صورة الحيوان صفة القدرة على التكلم وهذه الصفة ممثلة كذلك في صورة ملك الغربان في مجلسة مستشاريه.
مثال2: منمنمات كتاب الحريري "المقامات" التي ترجع للعصر المملوكي، والتي تتميز بالإبداع اللغوي وهو يصور شخصية البطل الشعبي"أبو زيد" الواسع المعرفة "والمتشرد المحتال" وقد عاش بذكائه.
مثال3: مخطوطة "مقامات الحريري" التي رسمها يحيى الوسطي، فيها صور تشبه في أسلوبها الرسوم الجدارية وقد شملت مناظر الحياة بأسلوب واقعي نشهد وجوها عربية مليئة بالحيوية والتعبير وتجري الأحداث في المساجد أو الصحراء أو الحقول، وقد أكد الفنان على القيم الزمنية والطابع السردى مما ربط عالم الأدب بفن الرسم.


المصادر:
1.    كريم كريموف، فن المنمنمات الأذربيجانية ومدرسة تبريز في عصر النهضة، ترجمة عبد الرحمن الخميسي، المركز القومي للترجمة، 2015م.
2.    ماريا فيتوريا فونتانا، فن المنمنمات الإسلامية، ترجمة عز الدين عناية، دار التنوير للطباعة والنشر، 2015م. 
3.    د. محسن محمد عطية، التقاء الفنون، دار الكتب، 2005م.

شاهد بالصور


نورا حمدى

نورا حمدى

راسل المحرر @