فى مقالتنا السابقة تحدثنا عن مسرحية «أزمة شرف» أو عن تعديلها تحت اسم «عندك حاجة تبلغ عنها» عام 1978، وعلمنا أن الرقباء الثلاثة رفضوا فى تقاريرهم بالإجماع التصريح بتمثيل نص المسرحية، فالرقيب فتحى رفض المسرحية لما فيها من نقد لاذع، وتهكم شديد، وتشهير بالعهد الحاضر لما وصلت فيه البلاد من فوضى!! والرقيبة «ثريا الجندي» رأت عدم صلاحية المسرحية للعرض فى الوقت الحاضر لأن فيها استغلال لمعاناة الجماهير!! والرقيبة «فادية محمود بغدادي» رأت عدم التصريح بتأدية هذه المسرحية فى هذه الظروف التى نحاول فيها كما قال رئيس الجمهورية «إن نصحح المسار وعدم استغلال معاناة الشعب لإثارته».فى نهاية التقرير الرقابى الثالث، وجدت تأشيرة من مدير الرقابة، قال فيها: «بعد الاطلاع على هذه المسرحية «أزمة شرف» والمعدلة باسم «عندك حاجة تبلغ عنها». وبالاطلاع على تقارير السادة الرقباء: السيد/ فتحى مصطفى يرى رفض هذه المسرحية لأنها تشهير بالعهد الحاضر. السيدة/ فادية بغدادى ترى الرفض لأن المسرحية تستغل معاناة الجماهير وانعدام الشرف عند الناس. السيدة/ ثريا الجندى ترى الرفض لأنها تندد بالشرف وتستغل معاناة الجماهير. وحيث إن الرقباء قد أجمعوا على عدم صلاحية هذه المسرحية للعرض العام خاصة بعد إجراء الاستفتاء الأخير من أجل حماية الجبهة الداخلية، وحيث إن هذه المسرحية تستعرض المشاكل الخاصة بالمواصلات والمرتبات والإسكان والروتين وغيره مستغلة معاناة الجماهير لهذه المشاكل بصورة تظهر فيها إهمال المسئولين عن حلها. لذا نرى عدم الترخيص بهذه المسرحية. هذا ولما كانت هذه المسرحية معدلة عن مسرحية «أزمة شرف» السابق الترخيص بها فى ظروف غير التى نعيشها الآن نرى سحب ترخيصها حيث إنه نصحح الآن مسارنا حماية للأمن العام والجبهة الداخلية».وفى 25/5/1978 أرسلت «اعتدال ممتاز» المدير العام للرقابة خطاباً رسمياً بخصوص عدم موافقة الإدارة على الترخيص بمسرحية «عندك حاجة تبلغ عنها – أزمة شرف»، قالت فيه: السيد الأستاذ مدير المسرح الكوميدى .. مسرح محمد فريد. تحية طيبة وبعد: بالإشارة إلى الطلب المقدم من سيادتكم بتاريخ 15/5/1978 للترخيص بمسرحية «عندك حاجة تبلغ عنها» اسم مؤقت المعدلة عن مسرحية «أزمة شرف»، نرجو الإحاطة أن الإدارة لا توافق على الترخيص بالمصنف المذكور للأسباب الآتية: عدم مراعاتها للصالح العام، ومخالفة القوانين الرقابية. رجاء التفضل بالعلم والإحاطة، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».الغريب أن هذا الخطاب تم إرساله مرة أخرى بعد يومين أى يوم 27/5/1978، مع ذكر تفاصيل أسباب المنع!! وكأن المسرح خطاب – أو اعترض على المنع العام المذكور فى الخطاب بأن المسرحية لم تلتزم بمراعاة الصالح العام وأنها مخالفة للقوانين الرقابية!! لذلك قالت «اعتدال ممتاز» فى خطابها الجديد: «نرجو الإحاطة أن الإدارة لا توافق على الترخيص بالمصنف المذكور للأسباب الآتية: قيامه على عرض السلبيات فى حياتنا عرضاً هداماً الأمر الذى لا يتفق وما تدعو إليه البلاد فى الآونة الحاضرة من ضرورة العمل على إقامة البناء الاجتماعى على أساس سليم بعيداً عن المهاجمة والتجريح فضلاً عن اختلاف هذه المسرحية فى مضمونها ووقائعها عن المسرحية السابق الترخيص بها وهى «أزمة شرف» التى أصبح ينطبق عليها ما ينطبق على المصنف الجديد من مسببات الرفض. رجاء التفضل بالعلم والإحاطة، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».أما النص الثالث الذى أحتفظ به تحت رقم «524» فمكتوب على غلاف ملف الآتي: جامعة القاهرة، المعهد العالى للتمريض، مسرحية «أصوات بلا صدى» ثم بالقلم عبارة صغيرة «أزمة شرف» تكاد لا تُقرأ، تأليف «ليلى عبد الباسط»، إخراج «عادل زكي». وهذه البيانات مكتوبة أيضاً على الصفحة الأولى من النص بدون عبارة «أزمة شرف»، مع إضافة أن ألحان النص لسامى عباس، وأن النص تم تقديمه إلى الرقابة يوم 5/3/1986.أول وثيقة مرفقة كانت خطاب المعهد العالى للتمريض بجامعة القاهرة إلى الرقابة، وجاء فيه: السيدة الأستاذة/ مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد .. مرسل لسيادتكم عدد 3 نسخ من مسرحية «أصوات بلا صدى» تأليف ليلى عبد الباسط، إخراج عادل زكي، علماً بأن المسرحية قد سبق التصريح بها عدة مرات تحت اسم «أزمة شرف» برجاء الترخيص بالعرض ليوم واحد وذلك خلال الأسبوع الأول من شهر مارس 1986. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. [توقيعات] مشرفة النشاط «منى محسن»، مديرة إدارة الشباب «كوثر لاشين»، وكيلة الكلية لشئون الطالبات «د. شهرزاد غازي».كتبت الرقيبة «لواحظ عبد المقصود» تقريراً رقابياً عن المسرحية، قالت فيه: «تدور أحداث المسرحية حول شخصية أمينة وهى أرملة تعول ثلاثة أبناء، تحضرها شقيقتها إلى إحدى العيادات النفسية وتخبر الطبيبة بأنه ينتابها بعض الاضطرابات النفسية وخصوصاً أنها تعانى من أن الدخل أقل بكثير من الاحتياجات الضرورية ولكن الطبيبة تخبرها أن حالتها أحسن بكثير من بعض الحالات الأخرى وتعرض لها بعض مشاكل المجتمع من خلال بعض الحالات مثل مشكلة المواصلات وأزمة الإسكان مما يسبب عدم الاستقرار ومشكلة الروتين وتنتهى المسرحية بنداء توجهه أمينة بضرورة مقاومة الفساد. «الرأي»: تتعرض المسرحية إلى بعض المشاكل فى مجتمعنا وتوضح أن السبب فى هذه المشاكل قلة من الأفراد وتطالب المسرحية بضرورة التصدى لأمثال هؤلاء بالطرق الإيجابية والتخلى عن السلبية. والمسرحية تبث روح الأمل والتفاؤل فى الإصلاح بالحب واستيقاظ الضمير. وأرى لا مانع من العرض بعد حذف الملاحظات ص19.وقالت الرقيبة «عفاف على أحمد» فى تقريرها: عيادة أمراض نفسية تشرف عليها دكتورة تدعى ممارسة الطب النفسى والتنويم المغناطيسى ذهب إليها فتحى وزوجته صفية لتعالج أخت صفية أمينة شرف المدرسة الابتدائية المجتهدة فى عملها المطحونة بمطالب الحياة الكثيرة وهناك نرى نماذج من مشاكل المجتمع ممثلة فى بعض نزلاء العيادة النفسية مشكلة المواصلات وما تعانيه المرأة ومشكلة أزمة السكن وبعض حالات الطلاق بسببها والفلاح الذى ترك أرضه وبيته وذهب للخارج بحثاً وراء المال والفنان الذى يحكمه الضمير الفنى وليس المنتج أو الشباك والسيدة سنية ناظرة المدرسة التى قدمت طلب استبدال معاش لزواج ابنتها ولكن الروتين والبيروقراطية حطموها نفسياً والدكتور منسى الذى ذهب فى بعثة للحصول على الدكتوراه فى الذرة وعند عودته عين فى نفس مهنته السابقة وتجمعت معظم هذه المشاكل فى حالة أمينة شرف. وتحاول الدكتورة أن تغير من مظهر أمينة الخارجى وكذلك الداخلى ولكن أمينة تكتشف أن هذا ليس علاجا ولكنه موت كل القيم والمبادئ الإنسانية. «الرأي»: لا مانع من عرض الموضوع بعد إجراء بعض الحذوفات: (ص10) “من فضلك يا أستاذ .. تلاقيح جتت إيه دي”، (ص11) “بتحبل وتولد دي”، (ص17) “أنا مجنون يا بنت الرفضي”، “سافر عشانك يا فاجرة”، (ص19) “أم صرخة العذراء وهى تغتصب”، (ص30) “منك لله يا قاسم أمين”.وكتبت الرقيبة «نجلاء الكاشف» فى تقريرها: «أمينة شرف مدرسة بمدرسة كوم الصفا الابتدائية، تعانى من ضآلة مرتبها الذى يغطى ديونها الشهرية بالكاد، ولا يتبقى معه قرش يكفيها وأولادها الثلاثة مما يضطرها إلى تخيل شرائها لأشياء تأكلها وتشبع وقد لاحظت شقيقتها صفية القاطنة معها بالمسكن ذلك فخشيت أن تتطور حالتها إلى الأسوأ وها هى وزوجها المدرس فتحى يأخذانها إلى العيادة النفسية التى تديرها إحدى السيدات غير المتخصصات بمهنة الطب على أنها مدرسة جيدة، وهناك تقابل أمينة نماذج من المرضى من اللاتى يعانين جزءاً من معاناتها، مثل تلك التى تعانى من زحام المواصلات والأخرى التى لا تجد شقة لتتزوج، والتى هربت زوجها للخارج من أجل تحسين وضعه المعيشى والاجتماعى فإذا به يتغيب تاركاً إياها وأولادها تحت براثن أشقائه الذين باعوا نصيبه فى الإرث، أيضاً هناك الممثلة التى فشلت فى حياتها العملية لرفضها الخضوع لذلك الفن المسف الذى لا يعتمد على الإثارة، والمخرجة الشابة التى فقدت صوابها من كثرة الضرائب التى فرضت عليها وهى التى كانت تراعى ضميرها الفنى بالنسبة للأعمال التى تقدمها. وكان بالطبع أن تولول أمينة على حالها، لكن الطبيعة تهدأ من روعها وتطلعها على حالتها التى وصفتها بالخطورة والتى تستدعى سرعة العلاج تجنباً للمضاعفات والذى يتلخص فى أن تطيع كل ما تؤمر به طاعة عمياء دون أى اعتراض لأنها كما تقول ستعالجها بغسيل مخ حتى تحقق معها خيالها وتحوله إلى واقع تحياه وتتمتع به. وبالفعل نراها تدفعها إلى تخيل أشياء مترفة لتحقق سعادتها بل وتشترى لها ملابس فاخرة وترتب لحفل ساهر تدعو إليه كبار رجال الأعمال تفاجئ فيه بفتحى زوج شقيق أمينة الذى عرفته على أنه من رجال الأعمال وناظر مدرستها الذى قدمته على أنه من كبار المقاولين. هذا وعندما تأتى أمنية الحفل بملابس تدل على الثراء إذا بها تفاجئ أن الحفل ليس إلا سهرة حمراء وتتنافى مع قيمها ومبادئها، فترفض ذلك وتثور واصفة ما يحدث بالهبوط والانحلال، بل وتهاجم الدكتورة بأنها دخيلة على المهنة لأنه من غير المعقول أن يأتى بمثل هذه الأفعال الشرفاء من هذه المهنة. وفى النهاية تخلع أمينة ملابسها الزائفة مخبرة الطبيبة المزيفة بأنها غير مستعدة لكسب العالم وخسارة نفسها، فهى أمينة شرف وستظل أمينة شرف، هذا وتبدأ فى خطاب كل من فى الحفل من مرضى وضيوف أن يعودوا لأصولهم وضمائرهم حتى لا يخطئوا فالحياة جميلة برغم كل متاعبها. «الرأي»: مسرحية اجتماعية تنتقد بعض السلبيات الموجودة بالمجتمع، تدعو إلى التحلى بالفضيلة وبعدم التخلى عن القيم والمبادئ. ولا مانع من الترخيص بأداء هذا النص المسرحى بعد تنفيذ الحذف المشار إليه صفحات: أولاً، (ص11) عبارة “الزمن الغلط ده” على لسان أمينة، لأنه يعد سباً فى الزمن مما لا يصح. (ص12) كلمة «السجن» على لسان الراكبة، وتقصد بذلك أن هناك طابوراً أيضاً فى السجن وهو إسقاط لا يصح عرضه. (ص17) عبارة «يا بنت الرقص» على لسان الفلاحة .. آداب عامة. (ص19) من أول عبارة سامية «أيهم أقرب إلى الله تعالى .. انفجار القنبلة وحتى دون الحيارى الأبرياء». (ص28) من أول عبارة أمينة «بعدين الواد عصام يعدى وتبقى مش ظريفة وحتى حتلقيه خدك فى حضنك وقال لك أحضنينى يا نادية» آداب عامة. ص(31) عبارة أمينة «هو إحنا عايشين غير على الخيال» على لسان أمينة. (ص33) عبارة الدكتورة «وخلى بالك من الدرج المفتوح لأنه هو صانع المعجزات والجنيه هو المحرك السحرى لأى شيء». ثانياً، تقديم الأغانى المشار إليها فى صفحات 18، 27، 29 والتى لن تُقدم وذلك لمراجعتها رقابياً».وفى نهاية هذا التقرير جاءت تأشيرة الرقيبة الأولى «شكرية السيد»، قالت فيها بتاريخ 17/3/1986: «مسرحية سبق الترخيص بعرضها مراراً، وهى تتصدى لبعض السلبيات فى مجتمعنا والتى يجب أن تحل بالحب والضمير اليقظ الواعى لكى نحافظ على مبادئنا وقيمنا، وقد أجازت النص بملاحظات السيدات لواحظ، عفاف، نجلاء، ولا مانع من الإجازة بالملاحظات وشكراً». وجاء فى نص التصريح، الآتي: «لا مانع من الترخيص بأداء نص مسرحية «أصوات بلا صدى» - أزمة شرف – للمعهد العالى للتمريض جامعة القاهرة: حذف الملاحظات المشار إليها فى الصفحات 7، 10، 11، 12، 17، 19، 28، 33. وحفظ الآداب العامة فى الأداء والحركات والملابس. وإخطار الرقابة بموعدى التجربة النهائية والعرض الأول لهذه المسرحية حتى يتسنى بعد مشاهدتها النظر فى الترخيص بصفة نهائية. [خاتم] ترخيص رقم «57» بتاريخ 17/3/1986.لفت نظرى أن المسرحية من إخراج الأستاذ «عادل زكي»، وهو أخرج مسرحيتين سابقتين تحدثت عنهما فى هذه السلسلة، وقد أدلى بشهادته فيهما، ونشرت ما ذكره ضمن المقالة، لذلك تواصلت معه بخصوص هذه المسرحية من خلال «الواتساب»، وأرسلت له صورة لغلاف مسرحية «أصوات بلا صدى»، وسألته عن المؤلفة (ليلى عبد الباسط) قائلاً: هل المؤلفة على قيد الحياة؟؟ وهل لديك رقمها؟؟ ولماذا وجدت النص فى بعض الملفات باسم (ليلى الطاهري) هل هو اسمها مع لقب عائلتها؟؟فأجاب قائلاً: المؤلفة ليلى عبد الباسط توفاها الله منذ سبع سنوات تقريباً بعد وفاة زوجها المخرج (عبد الغفار عودة) بسنوات، وهى أم ابنه د.جاسر وابنته د.هند .. وكانت معلمة تربوية بوزارة التربية والتعليم .. والطاهرى هو فعلاً لقب عائلتها.ثم سألته: هل لديك ذكريات معينة مع هذا العمل؟؟ لأن عندى ثلاث محاولات سابقة كانت الرقابة ترفضه ثم تعدله ثم توافق عليه، وهذا العمل له عنوانان آخران: (أزمة شرف) و(عندك حاجة تبلغ عنها)؟!فأجاب: نعم لدى ذكريات كثيرة حول هذا العمل الذى قدم بالجامعات والثقافة الجماهيرية عدة مرات .. وتوج بأن قدمته هيئة المسرح ببطولة النجم شكرى سرحان وإخراج القدير عبد الغفار عودة.. وقد استكتبت مؤلفته مشاهد جديدة عندما أخرجتُه ليتسق مع طالبات المعهد العالى للتمريض بجامعة القاهرة .. ولعلك تعلم بأن هذا العمل قد أجريت عليه بروفات بفرقة المسرح الكوميدى بنجمة كبيرة ولكنه لم يعرض وذلك قبل تقديمه بسنوات بالمسرح المتجول .. تلك سطور عاجلة أفصلها لاحقاً بعد غدٍ بإذن الله!!هذا كان بتاريخ 4/8/2025 وحتى الآن لم يأت هذا الغد .. وحاولت كثيراً استدعاءه دون جدوى!!